صدر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" حديثاً العدد 90 من فصلية "قضايا إسرائيلية"، ويضم محوراً تحت عنوان "إسرائيل وصناعة السينما: الآخر، التمثلات، والرواية الاستعمارية"، يضم مراجعات تكشف الطرق المعقدة التي عملت بها الأفلام كأدوات لتعزيز روايات المستوطنين الصهاينة، وإدامة الأيديولوجيات المعادية لأصحاب فلسطيني الأصليين، مع الانتباه لتجرؤ البعض على تقديم وجهات نظر نقدية، بما يشمل أعمالا ذات نبرة اعتذارية ومضمونًا يعترف، بالظلم الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني.
تتعمق الدراسات في الدور متعدد الأوجه للسينما الإسرائيلية في تشكيل الروايات المراوغة، وبناء تمثيلات ملفقة، وإدامة بعض الحقائق من خلال فن سرد القصص. وتستكشف الطرق التي تواجه بها السينما الإسرائيلية بشكل غير مباشر القضايا السياسية والتاريخية والاجتماعية، التي غالبًا ما تكون مقنعة في إطار الحياة اليومية، وكثيرًا ما تؤطر القضية الفلسطينية بما يتماشى مع الرواية الإسرائيلية السائدة.
في إطار محور العدد، تقدم سماح بصول قراءة في مجموعة من الأفلام الوثائقيّة الإسرائيليّة المندرجة في تعريفها تحت ثيمة الجيّش، وتسعى إلى التعرّف على التحولات في المضامين والرسائل، الأبعاد الشخصيّة وإسقاطات إتاحة الأرشيف العسكريّ على محتوى الأفلام وشرعنة الخطاب النقديّ للمؤسّسة. ولأن صانعي الأفلام الإسرائيليين قادرون على الوصول إلى الأراشيف بحرية أكبر، فإن إعادة فتح الذاكرة، وتمثيل/تشويه الحقائق تظل حكرًا على الإسرائيليين الذي يتفردون في رواية تاريخ الحروب العسكرية وفي الوقت نفسه يظهرون كنقاد، بدرجات مختلفة، للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
أما عنار بيرمنغر، وهو ناشط سينمائي إسرائيلي وأستاذ في الجامعة العبرية، فيحاجج بأن "السينما القوميّة" تكشف عن التيارات الجوفيّة الكامنة في روح المؤسسة الصهيونية. وعليه، يقوم في مساهمته بفحص مدى تشكيل تمثُّلات شخصيّة العربيّ في السينما الإسرائيليّة انعكاسًا لإدراك شخصيّة العربيّ في الخطاب الثقافيّ والسياسيّ داخل إسرائيل، وإلى أيّ مدى يقوم بتغذية هذا الخطاب بشكل فعّال.
أما مقالة وليد حباس، فتركز أكثر على مفهوم "التمثل" في السينما الإسرائيلية، من خلال اقتراح خمسة أطر نظرية تشرح مفهوم "التمثل" بطرق مختلفة، لكنها قد تكون أساسية لقراءة الإنتاج السينمائي والأدبي الإسرائيلي بعيون نقدية، وهي: نظريات ما بعد الاستعمار، ودراسات الاستعمار الاستيطاني، ودراسات الذاكرة، ومفهوم "الهجانة"، ودراسات التابع. ثم تعرج الورقة على أهم المؤسسات الرسمية في إسرائيل التي تساهم، بشكل غير مباشر، في تشكيل الإنتاج السينمائي في إسرائيل، سواء من خلال تمويله، أو الترويج له، أو تسويقه عالميًا.
ويكتب سليم البيك المقال الأخير تحت محور العدد، بعنوان ""أن أمشي على جرحي... وأُقاوم- الحكم العسكري في السينما الفلسطينية"، وفيه يستعرض ثلاثة أفلام فلسطينية تركز على فترة الحكم العسكري الإسرائيلي.
ويضم العدد الحالي من "قضايا إسرائيلية" مقالة تقدم لأميرة عمارة ترصد نزعات "التشكنز" (تقليد الهوية الأشكنازية) في الإنتاج الأدبي الإسرائيلي الشرقي وتخلص إلى أن عملية التشكنز هي عملية بائسة، فهي لا تعبر عن النجاح في التحول، لكنها عملية تنطوي على خطر الانكشاف، والفشل في هذه العملية مرتبط بشعور الخزي ارتباطًا وثيقًا، فالشرقي المتشكنز مثل الأسود الذي يتحول إلى أبيض، يتعرض لمشاكل الخزي والذنب أيضًا والحكم الأخلاقي من البيئة المحيطة بسبب سلوك الكذب والتخفي.
وفي سياق آخر، يستخدم الباحث مهاب عادل مفهوم البلقنة الإلكترونية (Cyberbalkanization) للغوص في المشروع الإسرائيلي للهيمنة على الفضاء الإلكتروني. ويدعي أن إسرائيل تسعى إلى تعزيز حضورها في محيطها الإقليمي والدولي عبر بوابة "التفوق النوعي" في المجال التكنولوجي والسيبراني، بهدف تجاوز تراكمات الماضي المرتبطة بحالة العزلة المفروضة عليها، عبر الترويج لقدراتها وإتاحة نقلها لشركائها الجدد مقابل تطبيع العلاقات.
وفي العدد ورقة لناهد حبيب الله تركز على الرواية الإسرائيلية-التوراتية لمدينة القدس التي تعود إلى أكثر من 4000 عام، لتدرس التداعيات التي تفرزها هذه الرواية القاصرة والطرق التي تقوض فيها الادعاء الذي يطرح الفلسطينيون فيه أحقيتهم بالمدينة. كما تنظر الورقة في الطريقة التي يمكن فيها لرواية منقوصة تتناول القدس الفلسطينية أن تؤثر تأثيرًا سلبيًا في الادعاء الذي يقيمه الفلسطينيون بحقهم في مدينتهم.
وأخيرًا، تطرح مساهمة ساهر الغزاوي سياسة الإعدام الميداني التي، وفقًا للقانون الدولي تسمى "القتل خارج إطار القانون"، بحق المواطنين الفلسطينيين في الداخل على يد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في الفترة الواقعة من العام 2000 إلى العام 2022. إضافة إلى هذه المقالات، يضم العدد قراءة في كتاب "أعداء، قصة حب" لهيلل كوهين، وقراءة في الأرشيف الإسرائيلي وزاوية المكتبة والأدب.