تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

تعالت في إسرائيل منذ العام 1967، أصوات تدعو إلى الانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي احتلت في ذلك العام، لكن هذه الأصوات كانت قليلة جدا

دائما، كما أن الآلة الإعلامية الإسرائيلية سعت في معظم الفترات إلى فرض التعتيم عليها.

هذه الأصوات لم تصمت أبدا برغم قلتها، وهي تصدر عن عدد قليل جدا من السياسيين الإسرائيليين، الذين يدعون إلى اتفاق مع الفلسطينيين على شكل حل الدولتين.

لكن الأصوات الإسرائيلية "الأكثر خطورة" بالنسبة للمؤسسة السياسية، التي تشمل الحكومة والأحزاب، هي تلك الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، التي تتعرض في السنوات الأخيرة، وخاصة منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم في بداية العام 2009، إلى ملاحقة تتسم بنزعات معادية للديمقراطية، ووصفها خبراء في الأكاديميا الإسرائيلية بأنها نزعات فاشية.

وفي الوقت الذي انزاح فيه المجتمع الإسرائيلي بمعظمه باتجاه اليمين، وجدت سياسة ملاحقة هذه المنظمات الحقوقية، التي تسمى في إسرائيل "المنظمات اليسارية" وكأن كلمة "يسار" أصبحت شتيمة، تربة خصبة لدى الجمهور للتحريض ضد هذه المنظمات.

في هذا السياق تأتي مشاريع القوانين، التي يطرحها بالأساس وزراء ونواب من الائتلاف الحكومي ومن حزب "يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا)" الذي أصبح في المعارضة الآن، وبينها مشروع قانون يهدف إلى تقليص تمويل المنظمات الحقوقية من أجل تقليص نشاطها، الذي يتركز على كشف ممارسات إسرائيل وجيشها وجهاز احتلالها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وخاصة أثناء الحروب على غزة.

إلى جانب طرح مشاريع القوانين، تشارك منظمات يمينية في الحملة ضد المنظمات الحقوقية، وتتلقى هذه المنظمات اليمينية، مثل "إم ترتسو" ("إذا أردتم") و"عاد كان" (أي "حتى هنا")، تعاونا من جانب وسائل الإعلام الإسرائيلية المركزية.

وأثمر هذا التعاون بين المنظمات اليمينية ووسائل الإعلام، وبشكل خاص القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، التي تحظى بأعلى نسبة مشاهدة في إسرائيل وتعبر عن "الإجماع الإسرائيلي"، عن حملة "المدسوسين"، التي بموجبها تدسّ منظمات اليمين نشطاء فيها داخل المنظمات الحقوقية بهدف تصويرها بأنها تعمل ضد مصالح إسرائيل وتصوير نشطائها بأنهم "خائنون".

وبعد النشر في القناة الثانية، ينبري السياسيون الإسرائيليون، بدءا من نتنياهو، لمهاجمة المنظمات الحقوقية ومحاولة نزع شرعيتها.

حملة اليمين ضد منظمة "لنكسر الصمت"

بعد أن قامت منظمات اليمين المذكورة بحملة "المدسوسين" ضد منظمة "بتسيلم" الحقوقية وحركة "تعايش" المناهضة للاحتلال، واتهم خلالها الناشط عِزرا ناوي بتبليغ جهات في السلطة الفلسطينية بأن أحد الفلسطينيين يحاول بيع عقار فلسطيني للمستوطنين، خرجت منظمة "عاد كان" بحملة مشابهة ضد منظمة "لنكسر الصمت"، من خلال تقرير نشرته القناة الثانية يوم الخميس الماضي.

وحركة "لنكسر الصمت" أسسها جنود إسرائيليون مسرحون بهدف جمع إفادات جنود حول ممارسات الجيش الإسرائيلي وجنوده ضد الفلسطينيين، ويتحدث الجنود في قسم من الإفادات عن ممارساتهم هم شخصيا أثناء تأديتهم الخدمة العسكرية في الضفة وغزة.

ووفقا للتقرير الأخير الذي نشرته القناة الثانية، فإن نشطاء في منظمة "عاد كان" وثّقوا في شهر تموز الماضي إدلاءهم بـ"معلومات سرية" لمنظمة "لنكسر الصمت". لكن التوثيق المصور يبدو كأنه محادثة عادية بين جنود في قوات الاحتياط ولا يبدو أنه يشمل "معلومات سرية"، بل إن هذه المعلومات متوفرة في الانترنت.

وادعى التقرير التلفزيوني، على لسان نشطاء "عاد كان"، أن منظمة "لنكسر الصمت" ترسل نشطاءها إلى وحدات سرية في الجيش الإسرائيلي من أجل جمع معلومات تستخدمها في نشاطها ضد الاحتلال، وأنها أجرت مقابلات مع جنود مسرحين حول مواضيع ليست متعلقة بحقوق الإنسان وإنما بأسرار عسكرية.

والأسئلة التي جرى طرحها بحسب التقرير التلفزيوني، الذي صوره نشطاء "عاد كان"، كانت: "السرية المتواجدة هناك تبدو كأنها لا تقوم بمهمات متعلقة بالجدار. ماذا كانت طبيعة المهمات هناك؟"، أو "ماذا يعني أعمال تتعلق بالأنفاق؟" و"هل هذه مهمات عسكرية أم أنها نوع من التجارب؟".

وتساءل محللون حول كيف نشرت القناة الثانية التقرير المصور، وادعت أنه يحتوي على "معلومات سرية"، فلو كان هذا الادعاء صحيحا لما تم نشر التقرير لأن الرقابة العسكرية كانت ستمنع نشره.

لكن التقرير الذي نشرته القناة الثانية تضمن تعقيبا من رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي العام (الشاباك) السابق، آفي ديختر،، الذي قال إن "هذا يبدو مثل تحقيق من أجل جمع معلومات من مشغلي عملاء". ويقول محامي "عاد كان"، عوديد سفوراي، في التقرير نفسه إنه "على ما يبدو أن نشطاء ’لنكسر الصمت’ سيضطرون الآن إلى كسر الصمت وأن يشرحوا كيف تحولت منظمة تهتم بأخلاقيات الجيش الإسرائيلي إلى هيئة توجد بحوزتها معلومات أمنية سرية؟".

وعقبت المديرة العامة لمنظمة "لنكسر الصمت"، يولي نوفيك، على التقرير التلفزيوني مؤكدة على "أننا لا نجمع معلومات سرية ولا نراقب الوحدات العسكرية. والحديث يدور هنا عن عدة منظمات تعمل بالتعاون مع نواب كنيست من حزبي الليكود والبيت اليهودي من أجل إسكات من ينتقد الحكومة والاحتلال. وهم ينشطون بأساليب غير لائقة مثل التعقب والكاميرات الخفية".

وأوضحت نوفيك أن "هدفنا هو جمع معلومات من جنود خدموا في المناطق (المحتلة) ونشرها. ونحن نعمل بشكل قريب من الرقابة العسكرية، وهي الهيئة الوحيدة المخولة بأن تقرر ما هو مسموح نشره أو لا".

وأضافت نوفيك، التي كانت تتحدث إلى القناة الثانية، أن "ما سمعناه هنا في الشريط المصور خطير، غير لائق وغير نزيه. لقد وافقتم على تحليل ’عاد كان’، الذين لديهم مصالح واضحة. وهناك هيئات مخولة في الدولة تصادق على نشر المعلومات. ودورنا هو جمع ونشر هذه المعلومات بموجب تعليمات الرقابة العسكرية".


انفلات يميني

يستغل نتنياهو دائما أية معلومة مسيئة للمنظمات الحقوقية يتم نشرها، ويطلق في أعقابها تصريحات ضد هذه المنظمات ويتجاهل الحقائق بشكل كامل.

وبعد نشر تقرير القناة الثانية، تفرغ نتنياهو من كافة مهامه لكي يعلن أن "منظمة ’لنكسر الصمت’ تجاوزت خطا أحمر".

ولدى افتتاحه اجتماع حكومته الأسبوعي، الأحد، وبعد التعقيب على الاعتداء الإرهابي الأخير في اسطنبول، اعتبر نتنياهو أن "الطرف الذي يقود الكفاح العسكري ضد الإرهاب هو الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية. ومحاولة تشويه سمعة جنود الجيش الإسرائيلي مرفوضة بحد ذاتها، ولكن محاولة جمع معلومات استخباراتية عنهم هو أمر لا يحتمل والجهات المسؤولة تتعامل مع ذلك" في إشارة واضحة إلى المزاعم ضد منظمة "لنكسر الصمت".

بدوره أوعز وزير الدفاع، موشيه يعلون، للجيش الإسرائيلي بإجراء تحقيق حول "إدلاء جنود مسرحين بمعلومات سرية حول فترة خدمتهم في الجيش الإسرائيلي".

واعتبرت وزير العدل، أييليت شاكيد، من حزب "البيت اليهودي"، والتي تدفع من أجل تقييد نشاط المنظمات الحقوقية، أن "الأمر الأخطر هو أن تخول منظمة نفسها بجمع معلومات استخباراتية حول عمليات عسكرية تنفذها وحدات الجيش الإسرائيلي، من خلال استغلال الجنود بواسطة أسئلة تُعرض وكأنها ساذجة. وواضح أن من يجمع معلومات من هذا النوع ويدعي أنه يفعل ذلك من أجل حقوق الإنسان، يكذب. من يجمع معلومات من هذا النوع يحاول المساس بدولته بوسائل غير مسموح بها، وحتى بشكل يمكن أن يذكّر بعمليات تجسس".

ولم يقتصر الهجوم ضد "لنكسر الصمت" على قادة اليمين، فقد صرح عضو الكنيست عن حزب العمل، إيتان كابل، بأن "نشاط لنكسر الصمت، كما تم الكشف عنه الآن، يشكل تجاوزا لخط أحمر يحظر تجاوزه. وهذه قرائن خطيرة جدا وتدل على تجميع منهجي لإفادات ضد الجيش الإسرائيلي، ضد الدولة، ضدنا. ولا مفر من تحقيق الشرطة".

واعتبر رئيس حزب "يش عتيد (يوجد مستقبل)"، يائير لبيد، الذي ترتفع شعبيته في استطلاعات الرأي الأخيرة، أن "منظمة ’لنكسر الصمت’ تتآمر على دولة إسرائيل وتلحق ضررا شديدا من الداخل والخارج. وفي الوقت الذي تحارب فيه دولة إسرائيل الإرهاب، تأخذ منظمة معلومات وتستخدمها ضد الدولة. وعلى دولة إسرائيل أن تفعل كل شيء من أجل حماية جنودها، وهذه منظمة لا توجد لها أي حق بالوجود في دولة تحارب يوميا من أجل أمن مواطنيها".


"فرية دموية"

رغم هجوم السياسيين الشديد على منظمة "لنكسر الصمت"، إلا أن هناك من وقف ضد هذا الهجوم، وبرز بينهم اللواء في الاحتياط عميرام ليفين، القائد الأسبق للجبهة الشمالية ولوحدة كوماندوز النخبة "سرية هيئة الأركان العامة".

وقال ليفين لإذاعة الجيش الإسرائيلي، الأحد، إنه تقصى الحقائق حول تقرير القناة الثانية، ووصفه بأنه "فرية دموية. لا توجد كلمة صادقة واحدة. وهذا ليس تحقيقا صحافيا".

وأضاف ليفين أن "هذا ليس تحقيقا صحافيا. لقد أخذوا ثلاثة مدسوسين من منظمة اليمين ’عاد كان’ حاولوا دس أنفسهم في ’لنكسر الصمت’". وتابع أنه وصلت إليه عشرات التوجهات تسأله عن رد فعله، بعد أن صرح في الماضي عن تأييد للمنظمة وقال "أنا أكسر الصمت أيضا".

وقال قائد الجبهة الوسطى السابق، اللواء في الاحتياط أفي مزراحي، "إنني أعتمد على عميرام ليفين بأنه إذا دقق في شيء ما فإنه يفعل ذلك بعمق"، لكنه ندد بالمنظمة الحقوقية.

من جانبها، قالت عضو الكنيست عن "المعسكر الصهيوني" تسيبي ليفني، إن "أفكاري مختلفة عن أفكارهم (في "لنكسر الصمت")، لكني لن أنضم إلى موقدة قبيلة السياسيين الذين يشوونهم على النار من أجل كسب ربح سياسي. وهذه الملاحقة غايتها صرف أنظار الرأي العام عن الوضع الحالي، الذي شهدنا فيه أكثر من 200 عملية ولا يوجد لدى الحكومة أي حل في الأفق".

وأضافت أن الجيش الإسرائيلي هو "الأكثر أخلاقية في العالم... وإذا خالفت ’لنكسر الصمت’ القانون فليحققوا ضدها".

وقالت رئيسة حزب ميرتس، عضو الكنيست زهافا غالئون، إن نتنياهو سرب أسرارا عسكرية وإنه آخر من يحق له التحدث ضد "لنكسر الصمت"، وإن "نتنياهو يعمل مثل بوتين وأردوغان ويستخدم الجهات الأمنية من أجل ملاحقة سياسية ضد نشطاء ’لنكسر الصمت’ ومن خلال استغلال سيء لصلاحياته، من أجل كم أفواه من ينتقد سياسة الاحتلال".

وقالت صحيفة "هآرتس" في افتتاحية عددها الصادر يوم الأحد متهكمة "يبدو أنه لم يتبق سوى مطالبة الحكومة بالإعلان عن ’لنكسر الصمت’ كتنظيم إرهابي، واعتقال أعضائه، ومحاكمة الجنود الخونة الذين أدلوا بمعلومات حول مظالم الجيش الإسرائيلي في المناطق، وتوجيه التحية إلى القناة الثانية على إنجازها الصحافي، الذي أنقذ دولة إسرائيل من هادميها، مثلما فعلت القناة في الماضي تجاه ’عدو الأمة"، عِزرا ناوي".

وتابعت الصحيفة أنه "بهذه الطريقة ستحل على ما يبدو كافة المشاكل الأمنية التي يعاني منها مواطنو إسرائيل، والحكومة لم تجد حلا لها حتى الآن" في إشارة إلى عمليات الطعن التي ينفذها الفلسطينيون، والتي وصفتها الصحيفة بأنها نتيجة لاستمرار الاحتلال.

واتهمت الصحيفة الحكومة الإسرائيلية بأنها تمارس "إستراتيجية سيئة بالتحريض الأرعن ضد منظمة حقوق إنسان، وذلك في دولة تتفاخر بديمقراطيتها المزدهرة بين شعوب المنطقة".

وشددت الصحيفة على أن "’لنكسر الصمت’ هي منظمة هامة، ووضعت هدفا أمامها يتمثل بتطهير الجيش الإسرائيلي من عمليات غير قانونية ينفذها جنود، ومن التنكيل بالفلسطينيين والتفسير العنيف للأوامر العسكرية. وهدفها ونشاطها الدؤوب ضد الاحتلال ليس خيانة".

وخلصت الصحيفة إلى أن "دولة ديمقراطية ينبغي أن تعتز بمنظمة كهذه، وأن تمنحها دعما كاملا، وأن توقف صيد الساحرات الشعبوي الجاري ضدها. والمحاولات العنيفة لإسكات ’لنكسر الصمت’، واستخدام المنظمة المتكرر ككبش فداء سياسي يجب أن تتوقف".