تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

بعد مرور خمسة أشهر ونصف الشهر على اندلاع الهبة الشعبية الفلسطينية، تبدو الحكومة والمؤسسة الأمنية في إسرائيل في حالة ارتباك حيالها، ولا تعرف كيف تواجهها.

ويدور الحديث في إسرائيل عن أن نهاية هذه الهبة لا تظهر في الأفق، ويصر البعض على وصفها بالانتفاضة، بدلا من "موجة إرهابية".

ويرى محللون إسرائيليون أنه ليس بالإمكان وضع هذه الهبة في قوالب، ويسود إدراك أن هذه الهبة لا تحركها أية جهة فلسطينية. وباءت بالفشل محاولات رسم ملامح الفلسطينيين الفاعلين في الهبة، أي منفذي العمليات. فمرة يعتبر الإسرائيليون أنهم شبان لا تتجاوز أعمارهم 20 عاما، ومرة أخرى ينفذ العمليات، وخصوصا الطعن، فتية صغار أو شباب تجاوزوا سن الثلاثين عاما.

وبينما يسود الاعتقاد أن هذه هبة عمليات طعن بالأساس، إلى جانب عدد قليل من عمليات الدهس، يزداد في الآونة الأخيرة عدد عمليات إطلاق النار. وكان الاعتقاد السائد أن هذه العمليات منحصرة في القدس والضفة الغربية، لكنها امتدت مؤخرا إلى داخل الخط الأخضر.

ومما لا شك فيه أن المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل تدركان الصعوبات والعقبات في التغلب على هذه الهبة الشعبية، لكن المؤسسة السياسية، لاعتبارات خاصة بها، مثل كسب تأييد شعبي ورفض الحلول السياسية كمبدأ، ترفض تقديم تنازلات وتسهيلات للفلسطينيين، وإنما تشدد مواقفها وتهدد بتصعيد أكبر.

في المقابل، فإن المؤسسة الأمنية، المتحررة من ضغوط كهذه، تطرح تسهيلات تجاه الفلسطينيين وتعبر عن معارضتها لقرارات سياسيين. ومن هذه التسهيلات تحرير جثامين شهداء القدس، وعدم فرض إغلاق على بلدة في الضفة الغربية أو ضاحية في القدس الشرقية، أو إعدام منفذ عملية بعد إصابته وشل حركته.

إجراءات لردع الفلسطينيين

يشار بداية إلى أن إسرائيل تمارس إجراءات متشددة وقمعية ضد الفلسطينيين قبل اندلاع الهبة الحالية، بل إن هذه الممارسات هي أحد أسباب الهبة. ودعوات السياسيين إلى تشديد الممارسات القمعية تأتي بهدف كسب تأييد شخصي، مثل مطالبة وزير المواصلات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بطرد عائلات الشهداء إلى غزة أو إلى سورية.

وهناك جانب آخر لمثل هذه الدعوات، هو رسوخ الاعتقاد لدى الإسرائيليين بأن أي تمرد من جانب الفلسطينيين يجب أن يقابل بقوة مفرطة وبإجراءات تحد من الحرية الشخصية، وإن كانت على شكل عقوبات جماعية، بادعاء أن من شأن ذلك أن يردع الفلسطينيين.

لكن الانتقادات الموجهة ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من داخل إسرائيل بسبب عدم تمكنه من وقف الهبة، واستهزاء صحافيين كبار به من خلال وصفه بـ"السيد أمن"، تدفع نتنياهو إلى التلويح بتشديد الإجراءات ضد الفلسطينيين.

وقال نتنياهو لدى افتتاح اجتماع حكومته الأسبوعي، أول من أمس الأحد، إنه "ينتظر رد المستشار القانوني للحكومة (أفيحاي مندلبليت) على توجهه بخصوص طرد عائلات المخربين إلى غزة. وفي موازاة ذلك، نبحث في نقل سكن عائلات مخربين إلى يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية)".

وأضاف نتنياهو "نعمل ضد القنوات الإعلامية التي تشجع على قتل الإسرائيليين واليهود. وتحدثت مع الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في نهاية الأسبوع الماضي. وقبل ذلك طلبت منه العمل على إزالة البث الفرنسي لقناة الأقصى وفعلا تم إزالة هذه القناة من هذه الأقمار الاصطناعية، لكنها عادت إلى البث بواسطة قمر اصطناعي آخر. ونحن نعمل في أماكن وقنوات أخرى من أجل وقف هذا البث".

وتابع نتنياهو أنه "في نهاية الأسبوع الماضي أغلق الجيش الإسرائيلي محطة بث تابعة للجهاد الإسلامي في رام الله، كانت تحرض ضد إسرائيل. لا توجد هنا مسألة حرية صحافة، وإنما وقف التحريض على القتل. وفي موازاة ذلك، ندفع هذا الأسبوع إجراءات سريعة لسن قانون يعاقب أولئك الذين يشغلون متواجدين (فلسطينيين) غير قانونيين في إسرائيل وينقلونهم أو يوفرون أماكن مبيت لهم. ويجب أن نفهم أن قسما كبيرا من منفذي العمليات هم متواجدون غير قانونيين وتسللوا إلى إسرائيل بطريقة غير قانونية".

وكان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية عقد اجتماعا يوم الخميس الماضي، خصص للتداول في الهبة الشعبية، في أعقاب العمليات التي نُفذت في القدس ويافا وبيتاح تكفا، يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي.

وتقرر خلال هذا الاجتماع البدء بأقرب وقت في أعمال لسد ثغرات في الجدار الفاصل في منطقة القدس وإقامة جدار في منطقة ترقوميا. كذلك تقرر سحب تصاريح عمل وتجارة من أقارب منفذي عمليات فلسطينيين وتقصير مدة المصادقة على هدم بيوت عائلات منفذي عمليات.

"سياسة رخيصة وغبية"

بدأت الحكومة الإسرائيلية، يوم الخميس الماضي، بتنفيذ سياسة إبعاد عائلات شهداء بادعاء أن أبناءها نفذوا عمليات ضد إسرائيليين. وأبعدت سلطات الاحتلال عائلة الشهيد فاروق أبو رجب التميمي، الذي نفذ عملية إطلاق نار في شارع صلاح الدين في القدس، يوم الثلاثاء الماضي. وأبعدت العائلة من القدس الشرقية، حيث تسكن في بلدة العيسوية، إلى الضفة الغربية.

وقررت إسرائيل إبعاد عائلة أبو رجب التميمي بعد أن عثرت على ثغرة في سجل العائلة، وهو أن أحد الوالدين ليس من القدس، وأن العائلة تقدمت بطلب لم شمل. ويبدو أن إسرائيل ستطبق سياسة الإبعاد هذه في حال وجدت ثغرات كهذه تسمح بتنفيذ هذه السياسة.

وقال بيان صادر عن الشرطة الإسرائيلية إن وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، طلب من الشرطة بأن تباشر على الفور فحص مكانة عائلة أبو رجب التميمي. وكانت عملية إطلاق النار التي نفذها أبو رجب التميمي أسفرت عن إصابة عنصري أمن إسرائيليين بجراح حرجة وخطيرة.

وقال بيان الشرطة إن التحريات والمراجعات أظهرت أن والدي أبو رجب قدما في السابق طلب لم شمل ولم تصادق عليه سلطات الاحتلال. وتعتبر الشرطة أن والد أبو رجب وشقيقاته "لا يحوزون على مكانة إقامة (في القدس الشرقية)، وبالتالي فإن تواجدهم في إسرائيل وسكنهم في العيسوية غير قانونيين، وفي ضوء ذلك تم طردهم لاحقا إلى مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية".

وأعلن رئيس حزب "ييش عتيد"، يائير لبيد، عن تأييده لمشروع القانون الذي يطرحه وزير المواصلات، ويهدف إلى إبعاد عائلات الشهداء إلى قطاع غزة أو سورية.

لكن المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أفاد يوم الجمعة الماضي، بأن القيادة الأمنية الإسرائيلية ترى بمشروع القانون الذي يطرحه كاتس، أنه تعبير عن "سياسة رخيصة وغبية'.

وأضافت القيادة الأمنية أن مشروع قانون كهذا لن يوافق المستشار القانوني للحكومة على سنه، ما يعني أنه لن يتمكن من الدفاع عنه أمام المحكمة العليا. "ففي الغالبية الساحقة من الحالات الأهل لا يعرفون شيئا عن نية ابنهم بتنفيذ عملية. كما أن الإبعاد إلى سورية، حيث تدور حرب ضروس وتعتبر منطقة بالغة الخطورة، سيعتبر عملا همجيا وقاسيا للغاية".

وفي سياق تشديد العقوبات على العمال الفلسطينيين الذين يتواجدون في إسرائيل من دون تصاريح عمل، وسد الثغرات في جدار الفصل العنصري، أشار هرئيل إلى أن معالجة السلطات الإسرائيلية لظاهرة العمال بدون تصريح تتأخر لسببين:

الأول، أن تطبيق القانون يحتاج إلى جهد كبير وتعاون بين عدة جهات إسرائيلية، بينها الجيش والنيابة والشرطة، إلى جانب أن هؤلاء العمال يتكبدون المصاعب والمشقات من أجل كسب رزقهم.

والسبب الثاني، وفقا لهرئيل، أن الجيش الإسرائيلي، ومن دون التصريح بذلك علنا، آمن طوال السنوات الماضية بأن عمل العمال الذين لا يحملون تصاريح يدعم الاقتصاد في الضفة الغربية ويهدئ الوضع الأمني. كما أن الغالبية الساحقة من هؤلاء العمال غير ضالعة في عمليات أمنية.

ويتحسب الجيش الإسرائيلي من أن منع هؤلاء العمال من العمل وجلوسهم عاطلين عن العمل سيشكلان محفزا لهم على الانضمام إلى النضال ضد إسرائيل، ولذلك "كان مريحا غض النظر عن هذه الظاهرة".

وفيما يتعلق بالقرار حول سد الثغرات في جدار الفصل العنصري، كتب هرئيل أن إسرائيل لا تنفذ قرارات قديمة في هذا الموضوع بسبب تحفظ مجالس إقليمية للمستوطنات، التي لا تريد أن تبقى خلف الجدار، خاصة وأن تقارير حقوقية إسرائيلية أشارت مؤخرا إلى أن معظم أعمال البناء الاستيطاني في السنوات الأخيرة تجري في مستوطنات تقع شرقي الجدار.

إضافة إلى ذلك فإن إسرائيل حولت ميزانيات مخصصة لسد هذه الثغرات إلى أعمال بناء جدران عند الحدود مع مصر وقطاع غزة وفي هضبة الجولان المحتلة.

نصف اليهود يؤيدون طرد العرب

عبر نصف اليهود في إسرائيل عن أفكار بالغة العنصرية بتأييدهم لطرد العرب من البلاد.

وأظهر هذا استطلاع كبير شمل 5601 مواطن في إسرائيل بينهم مواطنون عرب، من خلال مقابلات مباشرة أجراه معهد استطلاعات الرأي الأميركي "بيو" في الفترة الواقعة بين تشرين الأول 2014 وأيار 2015، أي قبل اندلاع الهبة الفلسطينية الحالية.

وتبين من الاستطلاع، الذي نُشر الأسبوع الماضي، أن 48% من مجمل اليهود و71% من اليهود المتدينين يؤيدون طرد العرب من البلاد. وفيما يتعلق باليهود العلمانيين، فإن 58% عارضوا فكرة طرد العرب، بينما أيدها ثلثهم.

وأظهر الاستطلاع أنه أيد طرد العرب من البلاد 72% من المصوتين لأحزاب اليمين، و37% من المصوتين لأحزاب الوسط، و10% من المصوتين لأحزاب اليسار الصهيوني.

وأكد 79% من العرب أنه يوجد تمييز كبير ضدهم في المجتمع الإسرائيلي، بينما اعتبر 74% من اليهود أنهم لا يرون وجودا لتمييز ضد العرب.

وأيدت الغالبية العظمى من اليهود وصف إسرائيل كدولة "يهودية وديمقراطية"، لكن 89% من العلمانيين قالوا إنه يجب تفضيل مبادئ الديمقراطية على القوانين الدينية، بينما قال 89% من الحريديم إنه يجب تفضيل القوانين الدينية.
وقالت أغلبية بين اليهود العلمانيين إنهم يعرّفون أنفسهم كإسرائيليين بالدرجة الأولى وبعد ذلك كيهود، بينما يعرف الحريديم والمتدينون أنفسهم بشكل معاكس.

ووفقا للاستطلاع فإنه توجد في إسرائيل أغلبية يهودية من الحريديم والمتدينين وتشكل نسبة 41% من السكان بينما نسبة اليهود العلمانيين 40%، فيما نسبة العرب والمهاجرين غير اليهود هي 19% وتشمل هذه المعطيات سكان القدس الشرقية وهضبة الجولان المحتلتين.

واعتبر 76% من اليهود أن ظاهرة العداء للسامية منتشرة وتتصاعد في العالم، وقال 91% إن "دولة يهودية ضرورية لبقاء الشعب اليهودي في الأمد البعيد".