تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

يرافق إقرار الموازنة العامة الإسرائيلية في كل عام صراع على ميزانية الأمن، لكن عشية إقرار الموازنة هذا العام، وهي للعامين الحالي والمقبل، بدأت تدور رحى حرب طاحنة حول ميزانية الأمن، وذلك في أعقاب تقرير "لجنة لوكير" حول هذه الميزانية، والتي أوصت بإدخال إصلاحات على إدارة ميزانية الجيش، رغم أنها أوصت برفع حجم هذه الميزانية.

وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قرر تشكيل هذه اللجنة في منتصف العام 2013، وتأخر بدء عملها إلى أيار من العام الماضي. وعيّن نتنياهو سكرتيره العسكري السابق، اللواء يوحنان لوكير، أحد كبار ضباط سلاح الجو، رئيساً لهذه اللجنة.

وتتشكل عضوية اللجنة، بموجب قرار نتنياهو ووزيري الدفاع والمالية في الحكومة السابقة، موشيه يعلون ويائير لبيد، من أستاذ الاقتصاد البروفسور تسيون زيلبرفرب، الذي تولى في الماضي منصب مدير عام وزارة المالية؛ رئيسة جامعة بن غوريون في بئر السبع البروفسور ريفكا كرمي؛ القائد السابق لشعبة التصنت اللواء عامي شيفرون؛ المديرة العامة السابقة لشركة التأمين "ميغدال" عنات ليفين؛ الرئيس السابق لدائرة الميزانيات في وزارة المالية دافيد باروخ؛ الرئيس والمدير العام السابق لشركة "إلبيت" للصناعات الإلكترونية العسكرية يوسي أكرمان؛ والرئيسة السابقة لشعبة القوى البشرية في الشرطة النقيب إستير دومنسيني، وتولت في السابق منصب المديرة العامة لمؤسسة التأمين الوطني.

وبمجرد أن قدمت "لجنة لوكير" تقريرها، في بداية الأسبوع الماضي، أعلن وزير الدفاع يعلون ورئيس هيئة أركان الجيش، اللواء غادي آيزنكوت، وجميع المسؤولين في وزارة الدفاع وكبار الضباط في الجيش رفضهم للتقرير والتوصيات التي تضمنها، ووصفه يعلون بأنه تقرير "معزول عن الواقع".

وتقرير "لجنة لوكير" ليس الأول من نوعه حول ميزانية الأمن، التي تتضخم باستمرار وعلى حساب ميزانيات اجتماعية، مثل التعليم والصحة والرفاه، التي يتم تقليصها في غالب الأحيان. وسبق هذا التقرير في السنوات الأخيرة عدة تقارير أبرزها تقرير وضعته "لجنة بروديت".

أهم توصيات "لجنة لوكير"

أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن تقرير "لجنة لوكير" هو الأعمق والأكثر جرأة فيما يتعلق بميزانية الأمن.

وقد ركز هذا التقرير على انعدام الشفافية في إدارة الجيش لميزانيته، وحتى أن اللجنة أكدت فشل الجيش في هذه الناحية.

ومن بين المواضيع التي أثارت "غضب وإحباط" اللجنة، أنه في الوقت الذي أوصت فيه "لجنة بروديت" بأن يتم تقليص حجم القوى البشرية في الجيش بنسبة 12%، وجدت "لجنة لوكير" أن الجيش زاد حجم القوى البشرية بنسبة 14% بين الأعوام 2006 – 2014، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع كبير في الإنفاق على رواتب الضباط في الخدمة الدائمة.

ورأى معظم المحللين الاقتصاديين والعسكريين أن تقرير "لجنة لوكير" جاء مفاجئا من حيث عمقه، ومن حيث جرأته خصوصا.

وكتب المحلل في صحيفة "ذي ماركر"، سامي بيرتس، أن "التقرير شجاع لأنه يقول لقادة الجيش بصورة صريحة إنه ليس لديهم أدنى فكرة حول حجم القوى البشرية التي يحتاجون إليها، وأنهم يضخمون القوى البشرية من دون سبب".

كذلك شدّد التقرير على أنه لو نفذ الجيش توصيات "لجنة بروديت" لكان قلّص حجم الإنفاق بمبالغ كبيرة، وفي هذا السياق ما كان سيعلن الجيش عن وقف التدريبات العسكرية، العام الماضي، بادعاء أن ليس لديه المال الكافي لذلك. ووصفت "لجنة لوكير" وقف التدريبات بأنه "فشل منهجي" من جانب الجيش.

وتنص إحدى توصيات اللجنة في هذا السياق على وضع ميزانية خاصة للتدريبات العسكرية، وعدم تحويلها للإنفاق على أي بند آخر. وتشكل هذه التوصية صفعة على وجوه قادة الجيش، إذ اعتبرت اللجنة أن تحويل ميزانية بنود إلى بنود أخرى في ميزانية الأمن هو عمل تضليلي.
ورأت اللجنة أنه يوجد في الجيش عدد كبير، وأكثر مما ينبغي، من القادة العسكريين، وفي المقابل هناك عدد أقل مما ينبغي من المدراء. وأشارت إلى زيادة عدد الضباط برتبة مقدم بنسبة 8% وإلى زيادة نسبة الضباط برتبة عقيد. وفي موازاة ذلك، اكتشفت اللجنة، فيما يتعلق بالسيطرة على ميزانية الأمن، أن وزارة الدفاع ترى أن مهمتها تنحصر في الدفاع عن مطالب الجيش، وليس الإشراف على الميزانية. ولذلك أوصت اللجنة بأن يتحمل المستشار المالي لرئيس هيئة أركان الجيش مسؤولية أكبر في إدارة ميزانية الجيش.

وأكدت اللجنة أيضاً أن قادة الجيش لم يعرفوا كيف يفسرون تضخم القوى البشرية في السنوات الأخيرة، وما هو الهدف من هذا التضخم.

وفي سياق التوصية بتبني نهج إداري اقتصادي، أوصت اللجنة بأن يتبع الجيش صرف رواتب بدرجات مختلفة، مثل دفع رواتب مرتفعة أكثر من تلك المتبعة لعسكريين تأهلوا لمهن رواتبها مرتفعة في القطاع الخاص، مثل مهن الالكترونيات في وحدات "السايبر"، أي القتال في الفضاء الالكتروني في الانترنت وحماية الأجهزة المعلوماتية الالكترونية.

كذلك فيما يتعلق بتقاعد الضباط، اقترحت اللجنة التفريق بين الضباط الذين يخدمون في وحدات قتالية وأولئك الذين يخدمون في وحدات غير قتالية، وأن يقرر الجيش ما هي الوحدات القتالية. وفي هذا السياق أوصت اللجنة بتسديد مكافأة للضباط في الوحدات غير القتالية لدى تسرحهم، بمبلغ يصل إلى 800 ألف شيكل، بينما يستمر الضباط في الوحدات القتالية لدى تسريحهم، في الحصول على جزء من راتب التقاعد حتى سن 67 عاما، وبعدها يحصلون على راتب تقاعد كامل.

وأوصت اللجنة بتقصير مدة الخدمة الإلزامية إلى سنتين فقط، وأن يجري تسريح الضباط في الوحدات القتالية من الخدمة الدائمة في سن 42 عاما، ومن الوحدات غير القتالية في سن 36 عاما.

وفيما يتعلق بميزانية الأمن نفسها، أوصت اللجنة بأن يكون حجمها السنوي ثابتاً وهو مبلغ 59 مليار شيكل للسنوات الخمس المقبلة، إضافة إلى تفعيل بند "الإنفاق المشروط بالدخل"، ويعني حصول الجيش على مبالغ إضافية من صفقات أسلحة وبيع عقارات كان يستخدمها كمقرات له، ويبلغ حجم هذا البند 7.8 مليار شيكل، وإضافات أخرى ليصبح مبلغ ميزانية الأمن السنوية 68.8 مليار شيكل. وهذا المبلغ أكبر من أي ميزانية أمن سابقة باستثناء ميزانية العام الماضي، من جراء حصول الجيش على مبالغ إضافية في أعقاب الحرب العدوانية على غزة.

الجيش يهاجم اللجنة ويطرح خطة بديلة

كما ذكرنا آنفاً، هاجم يعلون تقرير "لجنة لوكير" ووصفه بأنه "سطحي، غير متوازن بشكل متطرف ومعزول بالكامل عن الواقع حول دولة إسرائيل وداخلها"، وأكد أنه إذا جرى تطبيق التقرير فإنه سيشكل مقامرة على أمن مواطني إسرائيل.

وأضاف يعلون أن توصية اللجنة بتقصير مدة الخدمة الإلزامية إلى سنتين جاءت نتيجة "عدم فهم مطلق للمؤسسة العسكرية"، ودعا إلى تطبيق "خطة غدعون" التي وضعها الجيش.

وبرز خلاف بين يعلون ونتنياهو حول التقرير.
ونقلت وسائل إعلام عن نتنياهو قوله للوكير "لقد وضعت هذا التقرير من أجل أمن إسرائيل. وأنا أعرف أن هذا ليس أمرا عاديا بل نتيجة صراع وجهد متواصل".

لكن أقوال نتنياهو لم تردع ضباط الجيش والمسؤولين في وزارة الدفاع. وقال أحدهم لصحيفة "هآرتس"، إن وزارة المالية "اختطفت هذه اللجنة وسيطرت على توصياتها. وتركيبة اللجنة لم تكن متوازنة. وكانت في داخلها أفضلية واضحة ولم يكن في عضويتها أي شخص لديه خبرة مدير عام وزارة الدفاع أو أي أحد عمل في مجال سياسة القوى البشرية والتخطيط في الجيش الإسرائيلي. كما أن عضوي اللجنة اللوائين لوكير وشيفرون يفتقران للخبرة في هذه المجالات".

واعتبر المسؤول نفسه أن "اللجنة ووزارة المالية لا تريدان شفافية في ميزانية الأمن، وإنما سيطرة كاملة عليها. وهذا سيشل عمل وزارة الدفاع". وتابع أن اللجنة لم تجر حوارا مع قيادة الجيش ووزارة الدفاع وأن اللجنة تبنت كافة مواقف وزارة المالية.

من جانبه، قال آيزنكوت إنه "ينبغي الحفاظ على كرامة الضباط في الخدمة الدائمة. ومحاولة نزع الشرعية عنهم تشكل تهديدا جوهريا للقدرة على إبقاء ضباط مهنيين في الجيش. وأنا أعي الرغبة في الحصول على أمن بمال أقل، لكن لا ينبغي المس بمن ربطوا حياتهم بأمن الدولة".

واستبق آيزنكوت نشر تقرير "لجنة لوكير"، بالإعلان عن "خطة غدعون" التي أعدها الجيش وهدفها منع إجراء إصلاحات كالتي تنص عليه توصيات "لجنة لوكير". ورغم أن "خطة غدعون" تتحدث عن تقليصات في الضباط والقوات والوحدات، إلا أنها تبقي الميزانية بحجمها وحتى أنها تطالب بزيادتها.

ويقول الجيش الإسرائيلي إن غاية "خطة غدعون" هي إعداد الجيش لمواجهة كافة السيناريوهات التي تمثل تهديدا على إسرائيل والدفاع عن حدودها، فيما يواصل الجيش الإسرائيلي النظر إلى إيران على أنها التهديد الأكبر على إسرائيل اليوم، والأخذ بالحسبان احتمال نشوب حرب رغم عدم وجود مؤشرات على ذلك حاليا.

وقال ضابط إسرائيلي كبير لصحافيين إن "خطة غدعون" تشمل تسريح قرابة 100 ألف جندي من قوات الاحتياط، خلال السنوات المقبلة، فيما أولئك الذين سيبقون في الخدمة الاحتياطية سيتلقون تدريبات أكثر وسيخدمون لفترة أطول.
لكن ما يخفيه الجيش في هذا السياق هو أن نسبة الجنود الذين يمتثلون لخدمة الاحتياط ويشاركون في التدريبات العسكرية ليست مرتفعة ولا تتجاوز الـ50%.

وتقضي "خطة غدعون" بإغلاق ألوية مدرعات وكتائب مدفعية، في مقابل استمرار الاتجاه نحو تعزيز قوة الاستخبارات وحرب السايبر وسلاح الجو، من خلال إضافة طائرات من دون طيار.

وسيجري الجيش بموجب هذه الخطة تغييرات في نوع الأسلحة والقذائف، بحيث سيتم استبدال القذائف القديمة بصواريخ ذكية. كذلك سيتم تقليص عدد القوى البشرية في سلاح التربية والتعليم.

وإلى جانب تسريح 2500 ضابط في الخدمة الدائمة، تتجه النية بحسب الخطة إلى تسريح عدد مماثل في السنوات المقبلة، في موازاة بدء عملية جعل الجيش شابا أكثر، بمعنى خفض سن الضباط الذي يقودون كتائب وألوية.

وقال الضابط الكبير إن "هذه الخطة ستقصّر بشكل ملموس مدة الاستعداد للحرب. وإذا كنا حتى اليوم نحتاج لفترة استعداد ما بين ساعات حتى أيام، فإننا سنقلص هذه الفترة إلى ساعات معدودة وحتى إلى يوم واحد".

كحلون وبينيت يؤيدان "تقرير لوكير"

عبر وزير المالية الإسرائيلي ورئيس حزب "كولانو"، موشيه كحلون، وكذلك وزير التربية والتعليم ورئيس حزب "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، عن تأييدهما لتقرير "لجنة لوكير".

وقال كحلون، خلال مداولات في وزارته حول التقرير، إن "هذا تقرير ممتاز وسيعود بالفائدة على الجيش، ويتعين على وزارة المالية أن تقدم المساعدة في دفع التقرير إلى الأمام".

رغم ذلك، عبر مسؤولون في الوزارة عن تحفظهم من أجزاء في التقرير وفي مقدمتها تحديد ميزانية الأمن الدائمة بمبلغ 59 مليار شيكل، وهو مبلغ أعلى بخمسة مليارات من اقتراح وزارة المالية.

من جانبه، يسعى بينيت إلى دفع تقرير "لجنة لوكير" قدما، خلافا لموقف يعلون وقادة الجيش. وذكرت تقارير إعلامية أن بينيت تحدث مع عدد من الوزراء الأعضاء في المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت)، من أجل بلورة مجموعة من الوزراء يكون بإمكانها أن تمارس ضغوطا على نتنياهو ويعلون لإجراء بحث عميق في التقرير.

ومرر بينيت رسالة إلى مكتب رئيس الحكومة، يوم الخميس الماضي، قال فيها إن الوزيرين من "البيت اليهودي" في الكابينيت، هو ووزيرة العدل أييليت شاكيد، سيعارضان المصادقة على ميزانية الأمن في حال عدم إجراء بحث حول تقرير "لجنة لوكير" قبل ذلك.

وامتدح بينيت التقرير ووصفه بأنه "تقرير شجاع لجيش شجاع"، ودعا إلى تبني معظم بنوده بما في ذلك فرض الشفافية على الجيش أمام مجلس الأمن القومي، وتنجيع طريقة التقاعد، وتحصين ميزانية التدريبات العسكرية.
لكن في هذه الأثناء، أخذت تتبلور في مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجات لنساء ضباط في الخدمة الدائمة ضد شروط عمل أزواجهن في الجيش وضد توصيات "لجنة لوكير" وقد اعتبرن أنها مسيئة لشروط عمل أزواجهن.