تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

أثار تعامل السلطات الإسرائيلية مع قضية مواطنيْن تدعي أنهما محتجزان في قطاع غزة انتقادات لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ولمبعوثه الخاص لشؤون الأسرى والمفقودين، ليئور لوطين.

فقد وُصف تعامل هذا الأخير خلال لقائه، يوم الخميس الماضي، مع عائلة أحد المحتجزيْن، وهو أفرا (أفراهام) منغيستو، من أصول أثيوبية، بأنه تعامل استعلائي تجاه العائلة، وأعاد إلى الأذهان التعامل العنصري للدولة مع مواطنيها الأثيوبيين. فخلال الشهور الفائتة نظم شبان هذه الطائفة مظاهرات صاخبة في القدس وتل أبيب، احتجاجا على ما وصفوه بـ"التعامل العنصري" تجاههم من جانب الشرطة.

المحتجز الثاني هو مواطن من عرب النقب، تمنع الرقابة الإسرائيلية نشر أية تفاصيل عنه، لكن عائلته لم تتلق أي اتصال من السلطات، قبل اعتراف إسرائيل، صباح يوم الخميس الماضي، بأن هذا المواطن ومنغيستو محتجزان في القطاع. وحتى أن وسائل إعلام عربية محلية نقلت عن والده قوله إنه لم يكن يعلم أن ابنه موجود في غزة أصلاً.

والاثنان، المواطن العربي ومنغيستو، دخلا إلى قطاع غزة طواعية بعد العدوان على غزة في صيف العام الماضي. منغيستو دخل إلى القطاع في أيلول الماضي، والمواطن العربي دخل قبل شهور قليلة.

إسرائيل تفصل بين الجندييْن القتيلين والمواطنين

في هذه الأثناء، تحاول إسرائيل خفض الثمن مقابل استعادة مواطنيْها.

وفي هذا السياق قال نتنياهو، لدى افتتاح اجتماع حكومته الأسبوعي، أمس الأحد، إن "حماس تتحمل المسؤولية عن حالة هذين المواطنين الإسرائيليين. ونتوقع من المجتمع الدولي، الذي يدعو باستمرار إلى تقديم المعونات الإنسانية إلى سكان غزة، أن يتدخل في هذا الملف ويطالب حماس بتقديم أبسط المعونة الإنسانية وهي عبارة عن إعادة هذين المواطنين الإسرائيليين إلى بلدهما".

ونقلت وسائل إعلام عبرية عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين قولهم إن إسرائيل لن تحرر أسرى فلسطينيين مقابل منغيستو والمواطن العربي، وأنها ترى في الحالتين أنهما "حدثان إنسانيان" لا ينبغي أن تكونا جزءا من صفقة تبادل أسرى. وأضافوا أنه لهذا السبب، تفصل إسرائيل بين شكل استعادة المواطنيْن وبين المفاوضات حول جثتي الجنديين اللذين قتلا أثناء العدوان على غزة، في الصيف الماضي، أورن شاؤول وهدار غولدين.

وذكرت صحيفة "هآرتس"، أمس، أن إسرائيل بانتظار رد من حماس، إما علني أو بقنوات غير رسمية، بشأن المواطنيْن، وأن حماس لم تتطرق إلى موضوعهما بصورة رسمية بعد.
ووفقا للتقارير الصحافية، فإنه يسود تخوف في إسرائيل حيال مصير منغيستو بادعاء أن حماس أعلنت، في أيلول الماضي، أنه عبر الحدود إلى قطاع غزة، وأن أجهزتها الأمنية أخلت سبيله، وأنه عبر الحدود باتجاه مصر، عن طريق معبر رفح.

ولا يصدق المسؤولون في إسرائيل هذه الرواية، ويعتبرون أنها تخفي احتمال أن يكون منغيستو قد تعرض للأذى خلال احتجازه بأيدي حماس، خاصة وأنه منذئذ لم تصدر أية معلومات حول وضعه، بحسب المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين.

في موازاة ذلك، فإن التقديرات في إسرائيل بشأن المواطن العربي هي أنه محتجز لدى حماس على قيد الحياة، وذلك رغم امتناع حماس عن توفير معلومات بشأنه.

انتقادات لنتنياهو ومبعوثه

وزار نتنياهو عائلة منغيستو يوم الجمعة الماضي، بعد مرور عشرة أشهر على عبور ابنها إلى غزة. وأثار هذا الأمر، إضافة إلى التعتيم الشديد على حقيقة وجود مواطنين إسرائيليين ربما أحياء في قطاع غزة، انتقادات تجاه نتنياهو.

وقال نتنياهو في ختام اللقاء مع عائلة منغيستو إنه "تحدثنا عن أفرا. ونحن نبذل كل ما بوسعنا من أجل إعادته إلى البلاد، كما أننا على اتصال مع عائلة إسرائيلي آخر (المواطن العربي) بهدف إعادته. إننا نواجه عدوا يتصرف بسخرية وبوحشية كبيرة، ينكر الواجب الإنساني الأساس الذي يقتضي إعادة المواطنين الأبرياء إلى بلادهم. لن نرخي قبضتنا في هذه القضية وسنفعل كل شيء يلزم من أجل إعادة هذين المواطنين إلى بلادهما".
وكان نتنياهو قد أصدر صباح الجمعة بيانا تنصل فيه من أقوال لوطين خلال لقائه مع عائلة منغيستو، مساء اليوم السابق، وحذرهم من انتقاد نتنياهو، في أعقاب محادثة هاتفية بادر لوطين لإجرائها بين والد منغيستو ونتنياهو.

وسجّل أبناء عائلة منغيستو أقوال لوطين "الفظة" معهم، وتهديدهم بأن توجيه الانتقادات لنتنياهو والقول إن التعامل مع قضية ابنهم نابع من سياسة عنصرية تجاه الإسرائيليين من أصول أثيوبية، سيؤدي إلى "بقاء أفرا سنة أخرى في غزة". وبثت القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، في نشرتها الإخبارية مساء الخميس الماضي، هذا التسجيل الصوتي.

وأثار ذلك ردود فعل وانتقادات ضد لوطين بالأساس، وضد نتنياهو أيضا. ورافق لوطين نتنياهو خلال زيارته إلى عائلة منغيستو وقدم اعتذارا للعائلة. وتجدر الإشارة إلى أن لوطين على اتصال مع العائلة منذ اختفاء ابنها في القطاع.

وطالب أعضاء كنيست من المعارضة، بينهم زهافا غالئون وإيلان غيلئون من حزب ميرتس، وشيلي يحيموفيتش من "المعسكر الصهيوني"، رئيس الحكومة بإقالة لوطين من منصبه. ودعا رئيس الشاباك الأسبق، عضو الكنيست عن حزب "ييش عتيد" يعقوب بيري، بعقد اجتماع طارئ للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست.

وكتب رئيس "المعسكر الصهيوني"، إسحاق هرتسوغ، في صفحته على موقع "فيسبوك" أن "على رئيس الحكومة تحمل مسؤولية شخصية. فمن لم يُعطِ تقارير ولم يتشاور ولم يُجب على رسائل (والد منغيستو)، ليس جديرا بأن يكون رئيس حكومة".

وكان رئيس حزب "يسرائيل بيتينو"، أفيغدور ليبرمان، الذي كان يتولى منصب وزير الخارجية وعضوية الحكومة المصغرة للشؤون السياسية والأمنية عندما عبر منغيستو الحدود إلى غزة، أعلن أنه فوجئ من اعتراف الدولة، يوم الخميس الماضي، بوجود مواطنيْن في القطاع.

لوطين "المحارب الشجاع"!

في مقابل الانتقادات والمطالبة بإقلة لوطين، انبرى سياسيون وصحافيون يدافعون عنه، رغم اعترافهم بأنهم أخطأ في أقواله لعائلة منغيستو.

ودعا رئيس حزب "البيت اليهودي" ووزير التربية والتعليم الإسرائيلي، نفتالي بينيت، إلى "وقف الحملة ضد ليئور لوطين"، وأنه "حتى لو أخطأ، فإن هذا يمكن أن يحدث لكل واحد منا. نواياه طيبة، وهي تقليص الكشف الإعلامي، الذي يرفع سعر مطالب حماس مباشرة".

واعتبر عضو الكنيست عوفر شيلح، من حزب "ييش عتيد"، أنه "عندما تحدث إلى عائلة منغيستو، أراد لوطين أن يوضح لهم عالمه المتعلقين هم أيضا به. وهو تحدث معهم تماما مثلما كان سيتحدث مع عائلتي (غلعاد) شاليت وغولدن".

كذلك دافع عن لوطين المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هارئيل، وتامي أراد، زوجة الطيار الإسرائيلي المفقود، رون أراد، الذي أسقطت طائرته في لبنان في العام 1986.

وشدد هارئيل وأراد على ثقتهما الكبيرة بلوطين وتجربته في مجال الأسرى والمفقودين. وأشارا إلى أنه كان يخدم في وحدة كوماندوز النخبة "سرية هيئة الأركان العامة"، وشارك في محاولة تحرير الجندي الإسرائيلي الأسير نحشون فاكسمان، الذي احتجزه نشطاء فلسطينيون في بيت في قرية فلسطينية قرب القدس قبل عشرين عاما، وأصيب في هذه العملية.

وقاد لوطين عمليات عسكرية سرية في دول عربية، وبينها عملية اختطاف مصطفى الديراني من لبنان، في العام 1994، بادعاء أنه كانت لديه معلومات حول مصير رون أراد.

وتولى لوطين في الماضي منصب رئيس طاقم المفاوضات من قبل هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي ورئيس دائرة الأسرى والمفقودين في شعبة الاستخبارات العسكرية.

مميزات صفقات تبادل الأسرى

بعد أن اعترفت إسرائيل بوجود اثنين من مواطنيها محتجزين في قطاع غزة، إلى جانب جثتي جنديين، ورغم حديث المسؤولين الأمنيين عن الفصل بين المواطنين وجثتي الجنديين، فإن السؤال المطروح حاليا يدور حول ما إذا كانت تلوح صفقة تبادل أسرى في الأفق.

ورغم أن الجانبين، إسرائيل وحماس، لا يتحدثان بشكل صريح حول مفاوضات تبادل أسرى، إلا أنه على ما يبدو هناك مفاوضات غير مباشرة جارية بهذا الصدد، وهي مفاوضات بالغة السرية، على الأقل من حيث اطلاع الهيئات الإسرائيلية ذات العلاقة عليها.

وكتب المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أمس، أن "لوطين يركز العناية بالمفاوضات وكذلك (الاتصالات) مع العائلتين من قبل رئيس الحكومة".

ولفت فيشمان إلى أن لجنة شكلتها حكومة نتنياهو، في العام 2012، برئاسة رئيس المحكمة العليا الأسبق القاضي مئير شمغار، وضعت أربع درجات للتعامل مع عملية أسر إسرائيليين:

الدرجة الأولى، والأعلى، تتعلق بأسر جندي إسرائيلي خلال عملية عسكرية، حيث أن التزام الدولة بتحريره مطلق، حتى ولو "بثمن" مرتفع، لأن الدولة هي التي أرسلته إلى القتال وقررت المخاطرة بحياته.

الدرجة الثانية، تتعلق بوقوع إسرائيلي في الأسر خلال هجوم "إرهابي"، وفي هذه الحالة يوجد للدولة التزام بتحريره.

الدرجة الثالثة، تتحدث عن عبور مواطن إسرائيلي الحدود عن طريق الخطأ ووقوعه في الأسر. في هذه الحالة لا تتنصل الدولة من مسؤوليتها وتسعى لتحريره، لكن ليس بنفس الثمن الذي يمكن أن تدفعه في الدرجتين السابقتين.

الدرجة الرابعة، تتحدث عن حالة مشابهة لحالة منغيستو والمواطن العربي، أي عبور الحدود طواعية والوقوع في الأسر. هنا تتحول معالجة الحكومة إلى معالجة "إنسانية".

وشددت "لجنة شمغار" على وجوب توخي السرية في جميع الدرجات الأربع.

لكن فيشمان اعتبر أنه "منذ الكشف عن قصة منغيستو، تحولت القضية من حدث إنساني إلى حدث إستراتيجي، مشحون بمشاعر ظلم طائفي يبدو مبررا".

بدوره، اعتبر المحلل السياسي في "يديعوت أحرونوت"، شمعون شيفر، أن بالإمكان الإشارة إلى عدة مميزات تتكرر في صفقات تبادل الأسرى وهي:

- الجانب الإسرائيلي وافق "بل واستسلم" دائما لمطالب الخاطفين.

- حكومات إسرائيل استخدمت كافة الوسائل ورصدت مبالغ طائلة وخاطرت بحياة وكلاء مخابرات في إطار المجهود من أجل حل قضية الأسرى الإسرائيليين.
- المستوى السياسي – الأمني يعرف دائما ما إذا كان الأسرى قتلى أم لا ورغم ذلك فإنه يجري مفاوضات وكأنهم أحياء.

- الكنيست سن قانونا يفترض أن يقيد ترجيح الرأي لقادة الدولة بشأن "الثمن" الذي سيُدفع في الصفقة، "لكن لا أهمية ولن تكون أهمية لهذا القانون. رؤساء حكومة لن يتنازلوا عن ترجيح رأيهم عندما يطالبون باتخاذ قرار".
- حملة علاقات عامة ترافق العائلات من أجل ممارسة الضغط على الحكومة.

وخلص شيفر إلى أنه "ينبغي أن نأمل أن حملة العلاقات العامة التي سترافق الآن جهود الحكومة من أجل تحرير الاثنين لا تنتهي باستسلام للمطالب الوقحة من جانب حماس. وللأسف الشديد، فإن تجربة الماضي تشير إلى وضع مختلف".