تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

تلقت الحاخامية الرئيسية الإسرائيلية ضربة، هذا الأسبوع، جاءت على شكل "تمرد" حاخامين كبار أعلنوا يوم الاثنين الفائت عن تشكيل محكمة دينية يهودية مستقلة بهدف تنفيذ إجراءات تهوّد، على خلفية مشاكل يواجهها الذين هاجروا إلى إسرائيل بموجب "قانون العودة" المخصص لليهود، لكن السلطات الإسرائيلية تعرفهم على أنهم "يفتقرون إلى دين".

وجاء الإعلان عن تشكيل هذه المحكمة الدينية المستقلة بعد شهر تقريبا من قرار الحكومة الإسرائيلية إلغاء إصلاحات تتعلق بإجراءات التهود، في أعقاب ضغوط مارستها الكتلتان الحريديتان، شاس و"يهدوت هتوراة"، الشريكتان في ائتلاف حكومة بنيامين نتنياهو الحالية.

وبادر إلى هذا "التمرد" وتشكيل المحكمة الدينية الخاصة حاخامون كبار من التيار الصهيوني – الديني، ومقراتهم في المستوطنات، علما أنه ليس جميع حاخامي هذا التيار يؤيدون هذه الخطوة. فقد أعلن "شيخ" حاخامي الصهيونية – الدينية، حاييم دروكمان، معارضته لهذه الخطوة، كما أن التيار الحريدي هاجمها بشدة.

تجدر الإشارة بداية إلى أن هذا الصراع يأتي في أعقاب انتخاب الحاخامين الأكبرين الإسرائيليين، دافيد لاو ويتسحاق يوسف، اللذين يمثلان الحاخامية الرئيسية، وينتميان للتيار الحريدي، وخسارة التيار الصهيوني – الديني في هذه الانتخابات.

ومن بين المبادرين إلى تشكيل المحكمة الدينية المستقلة الحاخام ناحوم رابينوفيتش، وهو أحد أبرز حاخامي الصهيونية – الدينية ويترأس المحكمة المستقلة، والحاخام رام هكوهين رئيس المعهد الديني (ييشيفاة) في مستوطنة "عتنيئيل"، والحاخام أريئيل هولاند من مستوطنة "تقواع"، والحاخام يعقوب ميدان رئيس ييشيفاة "هار عتصيون"، وحاخام مستوطنة "إفرات" شلومو ريسكين.

وترتبط مجموعة الحاخامين هذه بمبادرة أخرى، تم الكشف عنها مؤخرا، ومرتبطة بالوكالة اليهودية، وتتعلق بتشكيل محكمة حاخامية متنقلة، تساعد في تهود جاليات خارج إسرائيل. والوكالة اليهودية تدعم تشكيل المحكمة الدينية المستقلة الجديدة، إلى جانب جمعيات مختلفة.

وذكرت صحيفة "هآرتس" أن الحاخامين رابينوفيتش وهكوهين وهولاند نفذوا إجراءات تهود ستة قاصرين، بموافقة ذويهم، في مراسم خاصة أجريت في مستوطنة "ألون"، يوم الاثنين الماضي.

وتأتي هذه التطورات في أعقاب مظاهر تمرد مختلفة حدثت في السنوات الأخيرة ضد الحاخامية الرئيسية الإسرائيلية، في مجالات الزواج والطعام الحلال، بادر إليها يهود متدينون يسعون إلى إقامة الفرائض الدينية من دون تدخل المؤسسة الرسمية، رغم أن هذا الأمر مخالف للقانون الإسرائيلي، كما أفادت "هآرتس".

وبتشكيل المحكمة الدينية المستقلة، تكون هذه المرة الأولى التي يتجرأ فيها حاخامون من التيار اليهودي المركزي في إسرائيل، ويعتبرون من ذوي المفاهيم الرسمية في هذا السياق، على العمل بصورة علنية ضد الحاخامية الرئيسية الإسرائيلية والمحاكم الرسمية التي تقوم بإجراءات التهود.

الهدف هو تهوّد آلاف القاصرين

تشير المعطيات الرسمية إلى أنه يوجد في إسرائيل حوالي 350 ألف مواطن يعرفون بأنهم "يفتقرون إلى دين". والغالبية الساحقة منهم هم رجال ونساء وأولادهم من المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، الذين لم يولدوا لأم يهودية أو أنهم مسيحيون أو مسلمون متزوجون من يهود.

ورغم أن المبادرين إلى تشكيل المحكمة الجديدة المستقلة سيمارسون إجراءات تهود للبالغين، فإن الغاية الرئيسة من تشكيل شبكة المحاكم المستقلة هو تنفيذ إجراءات تهود قاصرين حتى سن 13 عاما، وخصوصا أولئك الذين يدرسون في جهاز التعليم الديني، ويقدّر عددهم بالآلاف.

وتوفر هذه الخطوة- تشكيل شبكة محاكم مستقلة لغرض التهود- حلا جزئيا بالنسبة للذين "يفتقرون إلى دين"، كونها لا تمنح تسهيلات خاصة في إجراءات التهود. ويبدو أن غايتها الأساسية تتمثل بوضع حاخامين بارزين تحديات أمام المؤسسة الحكومية الرسمية.

وقال المبادرون إلى شبكة المحاكم المستقلة إن "المحاكم الجديدة ستحرص على تطبيق مطالب الشريعة اليهودية للتهود بصورة كاملة إلى جانب مرافقة المتهودين بعد تهودهم. وغاية هذه الخطوة إعطاء رد لآلاف الأشخاص الذين لا تسمح بأن تكون مكانتهم الشخصية منظمة في ظل الوضع القائم".

يشار إلى أن هذه المبادرة لتشكيل شبكة المحاكم الدينية المستقلة، جاءت في أعقاب قرار الحكومة الإسرائيلية، في بداية شهر تموز الماضي، إلغاء إصلاحات التهود، التي كانت حكومة نتنياهو السابقة صادقت عليها قبل ذلك بثمانية شهور.

وكان الهدف الأساس من إصلاحات التهود، تمكين حاخامي المدن من تنفيذ إجراءات تهود بصورة واسعة للإسرائيليين الذين لا يعتبرون يهودا بموجب الشريعة اليهودية، وخاصة القاصرين، وبموافقة ذويهم.

وفي أعقاب إلغاء الحكومة الإسرائيلية إصلاحات التهود، بدأ حاخامون في الصهيونية – الدينية بالعمل بصورة مستقلة وبمعزل عن الحاخامية الرئيسية والمحاكم الخاصة بتنفيذ إجراءات التهود.

وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن إجراءات تهود قاصر، بموجب الشريعة اليهودية، ينبغي أن تكون إجراءات سهلة، وليست مشروطة بـ"تطبيق الفرائض" كما هو الوضع في حالة تهود شخص بالغ.

رغم ذلك، هناك خلاف حول ما إذا ينبغي تنفيذ إجراءات تهود طفل أو يافع فيما من الجائز أنه لن يحافظ على تطبيق الفرائض الدينية عندما يصبح بالغا. فقد أفتى الحاخام موشيه فاينشطاين، وهو أحد أهم المفتين اليهود في القرن العشرين، ويعيش في الولايات المتحدة، بأنه بالإمكان الاكتفاء بأن يتلقى الفتى المتهود تعليما يهوديا.

وفي المقابل، قررت الحاخامية الرئيسية الإسرائيلية، وفي أعقابها المحاكم الحكومية للتهود، قبل عدة سنوات، أنه يجب إلزام الأهل بغرس تربية وتعليم ديني في الفتى المتهود.

وكان أحد أهداف إصلاحات التهود، بموجب قانون التهود الذي بادر إلى تقديمه حزب "يش عتيد" (يوجد مستقبل) العلماني، تسهيل تهود القاصرين. وحتى أن وزير التربية والتعليم الإسرائيلي السابق، شاي بيرون، خطط إلى دمج إجراءات التهود في إطار مخيمات أبناء الشبيبة خلال العطلة الصيفية.

الجدير بالذكر، أنه على ضوء معارضة الحاخامية الرئيسية الشديدة للمحكمة الدينية الجديدة، وعلى الأرجح أنها لن تعترف بإجراءات التهود التي تنفذها هذه المحكمة، فإن ثمة شكاً في أن هؤلاء المتهودين بواسطة المحاكم الجديدة سيتمكنون من الزواج في المستقبل من خلال الحاخامية الرئيسية، وذلك لأن الحاخامية تحتكر عقد القران بين اليهود في إسرائيل.

وفي هذه القضية عينيا، قال الخبير القانوني، البروفسور أفيعاد هكوهين، إن "القانون الإسرائيلي لم ينظم أبدا موضوع التهود، وبالتأكيد لم يخول الحاخامية الرئيسية أو المحاكم الدينية بالعمل في مجال التهود. وقضية ’المحاكم الخاصة’ موضوعة حاليا أمام المحكمة العليا، التي ستنظر فيها بهيئة موسعة مؤلفة من تسعة قضاة، وستقول الأيام ما إذا كان سيتم منح شرعية متأخرة لعمل الحكومة في مجال التهود".

"فصل الدين عن الدولة"

ورغم أن الحاخامين الإسرائيليين الأكبرين لم يعقبا على إعلان تشكيل المحاكم الدينية اليهودية المستقلة، إلا أن السجال محتدم في أوساط الصهيونية – الدينية.

وعمم حاخامون من الجناح المحافظ في الصهيونية – الدينية، وفي مقدمتهم الحاخامان تسفي طاو ودوف ليئور، المعروفان بتطرفهما السياسي أيضا، رسالة قالوا فيها إن "إجراءات التهود الخاصة تشكل مساساً خطيراً بالحاخامية الرسمية، وتقوض أسس دولتنا كدولة يهودية. وهذه الأفعال تشكل فصل الدين عن الدولة بشكل فعلي وتتناقض مع توراتنا المقدسة، التي هي المعبر الوحيد عن عقيدتنا الصهيونية الدينية".

من جانبه، امتنع رئيس حزب الصهيونية الدينية "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت (وزير التربية والتعليم)، عن الوقوف إلى جانب المبادرة الجديدة، لكنه عبر عن دعمه لنواياها.

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن بينيت قوله إنه "في وضع صحي، يجب أن توفر كافة الخدمات الدينية في دولة إسرائيل، ومن ضمنها إجراءات التهود، هيئة رسمية من قبل الدول، وهي الحاخامية الرئيسية لإسرائيل".
وأردف بينيت أنه "لأسفي، فإن الحاخامية لا تمارس مهمتها بالشكل المناسب، ولذلك نشأت هيئات أخرى للتهود. وهذه فرصة أمام الحاخامية، وربما أخيرة، وعليها أن تتدارك أمرها وتصحيح الخلل بصورة حازمة".

بدوره، اعتبر حزب "يش عتيد" في بيان، أن "تشكيل المحكمة الجديدة للتهود سيسمح لإسرائيليين كثيرين، وهم مواطنون بكل معنى الكلمة ويخدمون في الجيش ويسددون الضرائب، أن يأتوا إلى أبواب التهود بغية الانتماء إلى الشعب اليهودي".

التمرد على الحاخامية الرئيسية حقيقة قائمة

هاجم عضو الكنيست السابق إليعازر شطيرن، الذي بادر إلى قانون التهود خلال دورة الكنيست السابقة، الوضع القائم في إسرائيل في هذا السياق، ورأى أن "الحاخامية الرئيسية، أو الأصح القول الأوصياء السياسيين عليها، استخدموا اليهودية من أجل دفع أهداف قطاعات ضيقة وحولوها من يهودية مُقَربة (أي جاذبة) إلى يهودية مُبْعِدة (أي منفرة)".

ولفت شطيرن، في مقال نشرته "يديعوت أحرونوت" ، الثلاثاء الفائت، إلى أنه لا توجد حاخامية رئيسية في الشريعة اليهودية، وأن "هذه مؤسسة سياسية غايتها منح دولة إسرائيل دلالة بأنها ’بداية نشوء خلاصنا’، لكن من الناحية الفعلية تسببت بأن مفاتيح الدخول إلى الشعب اليهودي أودعت بأيدي أولئك الذي يعارض بعضهم مجرد وجودها" أي وجود إسرائيل.

وذكر شطيرن بعض المعطيات التي دفعته إلى طرح قانون التهود، وبينها أنه يعيش في إسرائيل اليوم حوالي 130 ألف فتى وفتاة وشاب وشابة يُعرفون بأنهم "يفتقرون إلى دين"، وأنه يولد 14 طفلا كهؤلاء يوميا.

من جانبه، أشار محلل الشؤون اليهودية في "هآرتس"، يائير إتينغر، أمس الأربعاء، إلى أن "تمرد التهود لا يُعدّ ثورة التهود"، لأن الحاخامين الذي شكلوا المحاكم المستقلة الجديدة أرادوا تنفيذ إجراءات تهود لفتية لم يبلغوا سن 13 عاما بعد، ويتعلمون في جهاز التعليم الديني.

وأوضح إتينغر أن هذه المبادرة "ليست ثورة اجتماعية" وأن هذه المحاكم "ليست ذات علاقة بمعظم الصاعدين (المهاجرين) البالغين غير المعترف بهم كيهود، الذين يزيد عددهم عن 350 ألف إسرائيلي. وثمة شك في ما إذا كان جمهور الصاعدين الكبير، أولادهم وأحفادهم، ينتظرون (الحل من) حاخامي الصهيونية الدينية".

واعتبر إتينغر أن "الأهمية الدراماتيكية لهذه المحكمة هي سياسية في هذه الأثناء. وهي متعلقة بالمكانة المتقوضة للحاخامية الرئيسية وتضع إشارات على المعسكرات الناشئة لدى الجمهور الأرثوذكسي في إسرائيل، وفي خارجها أيضا. فالهيئة التي انفصل عنها عدد كبير جدا من اليهود ويشعرون بغربة تجاهها (أي الحاخامية الرئيسية)، تهاجمها الآن النواة التي من المفترض أن تحافظ عليها بحرص شديد، وهذه النواة هي حاخامو الصهيونية الدينية التي ترعرعت على قدسية الحاخامية".
وأضاف إتينغر أنه "يجدر الانتباه إلى انقلاب الأدوار المثير بين الحريديم والمتدينين القوميين (الصهيونيين المتدينين) فيما يتعلق بالصفة الرسمية ومؤسسة الحاخامية الرئيسية. لكن ينبغي الآن ذِكر الفاصل الآخذ بالتشكل لدى الجمهور الديني القومي والأرثوذكسي المعاصر، بين من يريد أن يرى بالتهود ’سورا’ وبين من يسعى بطريق الشريعة إلى فتح باب التهود".

وتابع إتينغر أن "لتشكيل المحكمة انعكاسات فعلية وقانونية وبالأساس سياسية"، مشيرا إلى صعوبة الزواج بواسطة الحاخامية الرئيسية لمن تهود في المحاكم المستقلة. ونقل عن أحد الحاخامين المؤيدين للمحاكم الجديدة قوله إنه بالإمكان تشكيل محاكم مستقلة لغرض الزواج أيضا في المستقبل.

وفيما يتعلق بالناحية السياسية لتشكيل شبكة محاكم التهود الجديدة، رأى إتينغر أن الخلاف الحاصل بين الحريديم والصهيونيين – الدينيين، يؤدي إلى "تعاظم الشرخ في اليهودية الأرثوذكسية".

وأوضح أنه "عندما ينضم حاخامون كبار ومركزيون، من مدارس دينية متعددة والقسم الأكبر منهم لم يشتبه أبدا بأنه ليبرالي، إلى تحالف هدفه الالتفاف على مؤسسة الحاخامين وإنشاء محاكم تهود خاصة، فإن هذه ضربة شديدة لصلاحيات الحاخامية الرئيسية ومصداقيتها، وهي خصوصا مساس بالقدسية التي أولتها الصهيونية – الدينية للمؤسسة الحاخامية".

ووفقا لإتينغر، فإن "الإجماع حول الحاخامية مات، وهذا يحدث في ملعبها البيتي. وهؤلاء الحاخامون (الذين شكلوا المحاكم الجديدة) لم يبادروا لفكرة التمرد، وإنما انضموا إلى التمرد الذي بدأ في الشارع الإسرائيلي، سواء من جانب أولئك الذين لا يتزوجون في الحاخامية الرئيسية، أو من طرف أولئك المتدينين المتعصبين الذين يريدون الحفاظ على ممارسة الفرائض من دونها. وحتى لو توصل الحاخامون إلى تفاهمات مع الحاخامية الرئيسية فمن الواضح أن سفينة التمرد على الحاخامية الرئيسية بدأت بالإبحار".