تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 2238

كشفت الشرطة الإسرائيلية، في نهاية شهر كانون الأول الفائت (2014)، النقاب عن أنها تجري تحقيقا، منذ بداية العام الماضي، في شبهات تتعلق بواحدة من أكبر جرائم الفساد في تاريخ إسرائيل. وجاء هذا الكشف في أعقاب توقيف نائبة وزير الداخلية وعضو الكنيست، فاينا كيرشنباوم، من حزب "يسرائيل بيتينو" ("إسرائيل بيتنا") الذي يتزعمه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان.

 

في أعقاب إزالة حظر النشر عن توقيف كيرشنباوم، بدأ يتكشف تدريجياً حجم هذه القضية، وتبين أن الوحدة القطرية لمكافحة الفساد والجريمة المنظمة ("لاهف 433") أوقفت قرابة 30 مشتبها بهم بالضلوع في هذه القضية، من أجل التحقيق معهم، وبينهم مديرون عامون لوزارات ورؤساء مجالس إقليمية.

ووفقا للشبهات، سعى المشتبه بهم إلى تحويل أموال من خزينة الدولة، من ميزانيات وزارات، إلى جهات وهيئات من خلال تعيين أشخاص في مناصب رفيعة وهامة ودفع وتلقي رشاوى. وبين هذه الهيئات دائرة الاستيطان، التي تحصل على ميزانيات بمئات ملايين الشواكل من دون رقابة. وأحد أبرز المشتبه بهم في هذه القضية هو غرشون مسيكا، وهو رئيس مجلس إقليمي لعدد من المستوطنات وأحد قادة المستوطنين المتطرفين في المناطق المحتلة.

وبدا أن لهذه القضية تأثيرات سياسية على حزب "يسرائيل بيتينو" وشعبية رئيسه ليبرمان. فقد جاء الكشف عن القضية في فترة تتجه فيها إسرائيل نحو انتخابات عامة، ستجري في 17 آذار المقبل. وأظهرت استطلاعات الرأي العام التي نشرت في الأسابيع الأخيرة تراجع شعبية هذا الحزب. وفيما كانت الاستطلاعات، في بداية المعركة الانتخابية، تتنبأ بحصوله على 12 مقعدا في الكنيست، انخفض هذا العدد في الاستطلاعات الأخيرة إلى 8 مقاعد، وحتى إلى 6 مقاعد في بعض الاستطلاعات.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن ليبرمان هو مؤسس حزب "يسرائيل بيتينو" ويتصرف به كما لو أنه مزرعة خاصة. وهو يتحكم بحياة الحزب بشكل مطلق، ويقرر قائمة مرشحيه للكنيست. وفي هذا السياق، سعى ليبرمان إلى الدفاع عن المشتبه بهم، وجميعهم مقربون منه. وكيرشنباوم، رئيسة كتلة الحزب في الكنيست، أعلنت عن اعتزالها الحياة السياسية في أعقاب كشف الشبهات ضدها، لكنها عادت وتراجعت عن إعلانها هذا في أعقاب اجتماعها مع ليبرمان.

ويذكر أن ليبرمان نفسه كان متهما بجرائم فساد واحتيال والحصول على ملايين الدولارات فيها. وجرت تحقيقات ضده طوال العقد الماضي، وجرت محاكمته خلال العام 2012. وامتنع رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، بعد تشكيل حكومته الحالية في أعقاب انتخابات كانون الثاني من العام 2013، عن تعيين وزير خارجية إلا بعد صدور الحكم على ليبرمان الذي تأخر إلى ما بعد انطلاق ولاية نتنياهو. وفي نهاية المطاف، دانت المحكمة ليبرمان بتهمة هامشية وسط ذهول أوساط قانونية واسعة، لكن قرار المحكمة مهد الطريق أمام تعيينه وزيرا للخارجية.

وتطرق ليبرمان مرارا، في الأسابيع القليلة الماضية، إلى قضية الفساد الجديدة، التي ارتبط اسمها بحزبه "يسرائيل بيتينو" ودافع عن المشتبه بهم بالتورط فيها. واتهم الشرطة وقيادتها بأنها تلاحق الحزب بالإعلان عن تحقيقات جنائية ضد قيادته بالتزامن مع معارك انتخابية. وقد رفض المفتش العام للشرطة، يوحنان دانينو، في مقابلة أجرتها معه إذاعة الجيش الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، كافة اتهامات ليبرمان، مشددا على أن التحقيق جار منذ عام وقبل الإعلان في إسرائيل عن تقديم الانتخابات.

وفي هذا الإطار، أبلغ ليبرمان، يوم الخميس الماضي، وزير الأمن الإسرائيلي الداخلي، إسحاق أهرونوفيتش، الذي يخضع جهاز الشرطة لوزارته، بأنه لن يتم ترشيحه ضمن قائمة مرشحي "يسرائيل بيتينو" للانتخابات المقبلة.

وأجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن قرار ليبرمان هو عمليا "إطاحة" بأهرونوفيتش، لأنه دأب على امتداح أداء الشرطة وقادتها في التحقيق في قضية الفساد المرتبطة بالحزب. وأعلن أهرونوفيتش، يوم الجمعة الماضي عن اعتزاله الحياة السياسية.

 

الشبهات

 

أعلنت الشرطة الإسرائيلية، في كانون الأول الماضي، عن شبهات بالفساد في حزب "يسرائيل بيتينو"، التي يشتبه في إطارها بأن أعضاء كنيست من الحزب وشخصيات عامة ووسطاء يمارسون ضغوطا من أجل تحقيق غايات معينة، ارتكبوا مخالفات تتعلق بإعطاء وتلقي رشاوى، التوسط برشاوى، التدخل بمناقصات، الحصول على الشيء بالاحتيال، سرقة بأيدي موظف عام، تزوير، تسجيل كاذب في سجلات جمعيات وشبهات أخرى.

وأفادت الشرطة بأن أسلوب العمل الأساس للمتورطين في القضية جرى من خلال استغلال تحويل أموال دعم حكومي بصورة غير قانونية إلى هيئات مختلفة، مقابل تحويل جزء من هذه الميزانيات إلى أعضاء كنيست ومقربين منهم، أو تعيين مقربين في وظائف عامة. وتتعامل الشبهات بمخالفات فساد مع 15 قضية فرعية وبالاستيلاء على عشرات ملايين الشواكل.

وأجرت وحدة "لاهف 433" التحقيق في القضية بصورة سرية خلال العامين الماضيين، وأطلقت على ملف التحقيق تسمية "الملف 242". وبدأ التحقيق في أعقاب شكوى قدمتها هيئة عامة حول مطالبتها بدفع عمولة مقابل حصولها على دعم حكومي، وبعد ذلك جرى التحقيق في مخالفات إدارية في "الشركة الاقتصادية من أجل تطوير السامرة"، وهي هيئة استيطانية. وتم النشر عن ذلك في نهاية العام الماضي فقط.  

وقالت الشرطة إنه في إطار التحقيق في القضية تم التوقيع على اتفاقية "شاهد ملك" مع أحد المتورطين في القضية، الذي جمع أدلة ضد المشتبه بهم الآخرين منذ فترة طويلة، وبعد ذلك وقعت الشرطة على اتفاقيات "شاهد ملك" مع عدد من المعتقلين في إطار القضية. وخلال ذلك تم مؤخرا تمديد اعتقال عدد من المعتقلين. ويشار إلى أن الشرطة حققت مع كيرشنباوم مرة واحدة وأخلي سبيلها، رغم أنها المشتبه بها الرئيسة في القضية كلها.

وشملت التحقيقات حوالي 30 شخصا، بينهم وزير السياحة السابق، ستاس مسيجنيكوف، ومدير عام وزارة الزراعة، رامي كوهين، ورئيس مجلس إقليمي "تمار" الواقع غربي وجنوبي البحر الميت، ورئيس مجلس إقليمي "ميغيلوت" ويضم مستوطنات تقع شمالي البحر الميت، ورئيس مجلس إقليمي السامرة، غرشون مسيكا، ورئيس الشركة من أجل تطوير السامرة، حاييم بن شوشان، والمدير العام السابق لديوان رئيس الحكومة، موشيه ليئون، الذي تم تحويله إلى الاعتقال المنزلي بعد التحقيق معه.

وكانت حركة "أوميتس - مواطنون من أجل الإدارة السليمة والعدالة الاجتماعية والقضائية" قد توجهت، في شهر شباط الماضي، إلى وزير الزراعة، يائير شمير، وهو من حزب "يسرائيل بيتينو"، مطالبة بالتحقيق في تعيين ميطال، ابنة كيرشنباوم، مسؤولة في اتحاد مربي الأبقار من دون مناقصة، علما أن هذا المنصب لم يكون موجودا في السابق. كذلك اعتقلت الشرطة ابنة أخرى لكيرشنباوم، اسمها رانيت، بشبهة تلقي رشوة.

وفي غضون ذلك، وجدت الشرطة مبلغ مليوني شيكل في حساب بنكي باسم كيرشنباوم، ويشتبه بأن قسما من هذا المبلغ حصلت عليه عضو الكنيست بصورة غير قانونية. كما أعلنت الشرطة، في نهاية الأسبوع الماضي، أنها وجدت مبلغ مليوني شيكل آخر في حساب بنكي آخر مرتبط باسم كيرشنباوم.

كذلك ضبطت الشرطة مبلغ 16 مليون شيكل في حساب بنكي باسم أحد المشتبه بهم، وهو يسرائيل يهوشواع، الذي يعتبر أحد المقربين من ليبرمان، ويشتبه بأن هذا المبلغ كان مُعدّا لدفع وتلقي رشاوى. وصادرت الشرطة مبالغ بقيمة تتراوح ما بين 25 - 30 مليون شيكل من مشتبه بهم في القضية.

وتحقق الشرطة في هذه الأثناء في اختفاء ميخائيل بالكوف، المطلوب للتحقيق، والذي عمل مستشارا إعلاميا لليبرمان. واختفى بالكوف عن الأنظار بعد أن سافر لأوكرانيا قبل ستة شهور، وقالت وكالة أنباء روسية في شهر آب الماضي إن الشرطة الأوكرانية عثرت على جثته محروقة بالقرب من مدينة فربومياسك. وقالت الشرطة الأوكرانية إن الشخص الذي عثر على جثته يحمل جواز سفر باسم بالكوف غير أن أرقامه تختلف عن الجواز الذي دخل به إلى أوكرانيا. ونفى شقيق بالكوف نبأ وفاته وأكد أنه ما زال حيا ويقيم في مكان ما في أوكرانيا.

 

ثقب في ميزانية الدولة

 

رأت المحللة في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، ميراف أرلوزوروف، أنه كلما تشعب التحقيق في قضية "يسرائيل بيتينو" كلما تكشف حجم الاختراق لميزانية الدولة، وخاصة في البنود المالية المتعلقة بدعم هيئات ومؤسسات وجمعيات تنفذ أعمالا باسم الدولة.

وكتبت المحللة أنه "لم يكن بمقدور كيرشنباوم وأفراد عائلتها تلقي رشاوى، بحسب الشبهات، من أجل حرف معونات من ميزانية الدولة عن غاياتها لولا أن الميزانية العامة لم تكن مخترقة. وربما تكون كيرشنباوم السارقة، بموجب الشبهات، وأنها استغلت الثقب في الميزانية، لكن وجود هذا الثقب هو المشكلة الأساس".

وأشارت أرلوزوروف إلى أن "هذه هي المرة الثانية، خلال العشرين عاما الأخيرة، التي يتضح فيها أن ميزانية الدولة مخترقة، بحسب الشبهات، من أجل تلقي مسؤولين كبار رشاوى. وفي المرة السابقة، كانت قضية (وزير الداخلية ورئيس حزب شاس) أرييه درعي" الذي أدين بتلقي رشوة وسجن لأكثر من عامين.

وأضافت أنه رغم محاولات وزارة المالية سد الثغرات في الميزانية، منذ قضية درعي، "إلا أن الحقيقة أنه حتى بعد مرور عشرين عاما من تشديد الأنظمة، ما تزال الميزانية مخترقة، الأمر الذي ينبغي أن يزعزع أركان وزارتي المالية والعدل".   

وتابعت أن الاعتقاد الذي كان سائدا حتى الآن هو أن الثغرة التي استخدمها قادة "يسرائيل بيتينو" تتعلق بالبنود الموجودة في هامش ميزانية الدولة، مثل دعم جمعيات وصفقات سياسية في الكنيست وأموال الائتلاف. لكن، وكلما اتسعت التحقيقات، يتزايد التخوف من أن عمليات تحويل أموال مركزية من ميزانية الدولة، مثل تعاقدات الدولة مع هيئات خارجية تنفذ باسمها أعمالا مختلفة، قد تتضح أنها مخترقة أيضا وبضمنها الميزانيات التي تحول إلى هيئات استيطانية. 

وأشارت المحللة إلى أن الحكومة الإسرائيلية تتعاقد مع هيئات خارجية بمليارات الشواكل ووفقا لأنظمة معفية من نشر مناقصات. "وهذا يعني أن الدولة تحول ميزانية إلى هيئة خاصة واحدة. والعلاقة المباشرة بين ميزانية الدولة وهذه الهيئة الوحيدة، التي تضمن مسبقا حصولها على ميزانية، هي الثغرة التي قد تشجع محاولات دفع رشاوى إلى موظف حكومي ومنتخبي جمهور. ولهذا السبب، فإنه يفترض إدارة الإعفاء من المناقصة بحرص زائد".

 

صمت السياسيين

 

استهجنت تقارير صحافية تناولت قضية الفساد هذه حقيقة أن لا أحد من السياسيين الإسرائيليين تطرق إليها، لا رؤساء أحزاب ولا وزراء، ولا حتى نتنياهو "الذي يتحدث فقط عن إيران، القدس، أبو مازن، الفلسطينيين، ورصد مليارات كثيرة للأمن". ولم تصدر أية كلمة حول القضية من جانب قادة المعارضة، مثل رئيس حزب العمل إسحاق هرتسوغ، وحليفته تسيبي ليفني رئيسة حزب "الحركة".

ورأى بعض المحللين أن صمت السياسيين حيال قضية الفساد الكبرى هذه نابع من الخوف من انتقام ليبرمان منهم بعد الانتخابات ولدى تشكيل الحكومة المقبلة. واعتبر آخرون أنه ربما يكون مستشارو قادة الأحزاب نصحوهم بالتزام الصمت وكسب قسم من أصوات ناخبي "يسرائيل بيتينو"، الذين قد يشعرون بإهانة في حال توجيه الانتقادات إلى ليبرمان.

والمثير في الأمر أن وزير الداخلية المستقيل، غدعون ساعر، الذي كانت نائبته كيرشنباوم هي المشتبه بها الرئيسة في القضية، لم ينبس ببنت شفة. وكذلك يفعل وزير الزراعة، يائير شمير، الذي لا يزال مدير عام وزارته معتقلا في إطار هذه القضية.

والسياسي الوحيد الذي تطرق إلى قضية الفساد هذه، لكن بالتلميح فقط، هو رئيس حزب "يش عتيد" (يوجد مستقبل)، يائير لبيد، الذي قال في اجتماع انتخابي، الأسبوع الماضي، إنه "سئمنا من الفاسدين وسئمنا من أنهم يسرقون لنا الدولة". لكن أقوال لبيد اعتبرت أنها تغطية على تعاونه، عندما أشغل منصب وزير المالية، مع رئيس لجنة المالية في الكنيست، نيسان سلوميانسكي، من أجل إقرار وتحويل مبالغ هائلة إلى المستوطنات بإجراءات سريعة. كما أن لبيد لم يهاجم ليبرمان، وإنما هاجم نتنياهو على خلفية تقارير حول إنفاق زائد لا يتجاوز بضعة آلاف من الشواكل.