في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" أفردنا حيّزاً كبيراً لموضوع التعامل الذي يحظى به المواطنون العرب الفلسطينيون في الداخل من طرف الدولة والأكثرية اليهودية فيها ولا سيما في كل ما يتعلق بما يُسمى "محور المساواة والشراكة المدنية".
وفي هذا الشأن من المفيد مطالعة أبرز النتائج التي خلص إليها تقرير جديد صادر عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" (القدس) حول "دمج السكان العرب وتمثيلهم في مراكز اتخاذ القرارات المختصة بالقطاع العام في إسرائيل" الذي يؤكد أنه ما يزال هناك "سقف زجاجي" لا يُتاح لهؤلاء المواطنين تجاوزه بأي حال من الأحوال.
مهما تكن هذه النتائج، ينبغي التوقف عند اثنتين منها تبدوان الأكثر لفتاً للنظر:
الأولى، النتيجة التي وردت في التلخيص الأخير وجاء فيها ما يلي "إن الطريق إلى المساواة والشراكة المدنية بين المواطنين اليهود والعرب في إسرائيل لا تمر فقط عبر تخصيص الموارد، وإنما أيضاً عبر دمج السكان العرب في مراكز اتخاذ القرارات. وتبيّن صورة الوضع (القائم) أن الطريق لتحقيق هذا الهدف ما زالت طويلة".
والنتيجة الثانية تكمن في إشارة التقرير الخجولة إلى أن تطبيق القرارات الحكومية المتعددة الخاصة بمسألة التمثيل الملائم للعرب في القطاع العام وهيئاته من الجانب الكميّ، لم يسفر حتى الآن عن تحقيق جانب جوهريّ يتمثل بإنجاز غاية المشاركة في اتخاذ قرارات حاسمة، والتي يتعيّن أن تكون مُعوّلة على هكذا تمثيل.
ويمكن لقارئ التقرير أن يستشف، من دون أدنى عناء، أن كبح هذا الجانب الجوهريّ يتم من خلال إجراءات ممنهجة تعتبر العرب بمثابة "خطر" داهم على دولة تُعرِّفُ نفسها بناء على قومية الأكثرية. بل إن التقرير يشير من دون مواربة إلى أنه من ناحية عملية فإن واجب التمثيل الملائم للسكان العرب غير مُطبّق حالياً في الكثير من الهيئات العامة والحكومية الإسرائيلية. وفي جزء منها، مثل مجلس الرقابة على أفلام السينما والهيئة العامة لسلطة الكهرباء، لا يوجد نهائياً تمثيل للسكان العرب، فيما يوجد في هيئات أُخرى عضو عربي واحد، كما هي الحال مثلاً في مجلس البث بالكوابل والأقمار الصناعية (عضو عربي واحد من بين عشرة أعضاء) والذي من ضمن مهماته تقديم المشورة للوزير المعني ووضع السياسة في موضوعات مثل نوعية البث والبرامج ومضمونها، وفي مجلس المتاحف (عضو عربي واحد من بين عشرين عضواً)، وفي المجلس الوطني للرياضة، الذي يحدد معايير دعم الرياضة ويقدم المشورة للوزير فيما يتعلق بسياسة الوزارة ومن ضمن ذلك موضوع مكافحة العنصرية. أمّا في المجلس القطري للتخطيط والبناء - وهو هيئة تؤدي دوراً مهماً في وضع وإقرار سياسة التخطيط القطرية لدولة إسرائيل - فيوجد عضوان عربيان فقط من أصل 36 عضواً، وكلاهما ممثلان لسلطات محلية. وفي مجلس دائرة أراضي إسرائيل، الذي يعتبر هيئة ذات أهمية قصوى، ويتولى إدارة سياسة الأراضي وتوزيعها، أدى استمرار إقصاء العرب والنساء وحرمانهم من أي تمثيل في المجلس، إلى تقديم طلب التماس آخر إلى المحكمة الإسرائيلية العليا في العام 2010، ما مهّد الطريق لضم عدد من النساء، غير أن تمثيل العرب ظل مُغيباً عن أي وظائف رفيعة في هذا المجلس، على الرغم من إجراء تعديل للقانون يلزم بتعيين ممثل عربي (واحد فقط) من طرف وزارة المساواة الاجتماعية.
علينا أن نشير إلى أن التقرير يتضمن عدة توصيات آثرنا عدم نشرها، لأنه من المتوقع عدم الأخذ بها، ولا سيما التوصية الداعية إلى إلغاء الآلية التي تتيح إشغال وظائف في جهاز الدولة من طريق الانتقال من الجيش الإسرائيلي، وتتسبّب باحتلال عُشر الوظائف الرفيعة في هذا الجهاز. ونقول من غير المتوقع الأخذ بها على خلفية مُضي الدولة أكثر فأكثر نحو تكريس طابعها اليهودي، كما يشفّ عن ذلك الهجوم الأخير الذي يشنه اليمين الإسرائيلي على حقوق الإنسان الفرد من خلال تصعيد الحملة ضد المحكمة العليا بزعم أنها تتجاوز صلاحياتها بشكل مكرور ما يستلزم تشريع قانونيّ أساس جديدين: "قانون القومية" (قانون أساس: إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي)، الذي يجري تداوله والنظر فيه في أروقة الكنيست هذه الأيام، و"قانون أساس: التشريع" الذي "سينظم العلاقات ما بين السلطتين التشريعية والقضائية، من خلال تحديد الشروط التي تتيح للمحكمة العليا إلغاء قوانين سنّها الكنيست"، على أن يتم ذلك من خلال إدخال "فقرة التجاوز" التي تمكّن الكنيست من العودة وسن قوانين ألغتها المحكمة العليا ـ كاملة أو ألغت بنوداً محدّدة منها ـ بدعوى "عدم دستوريتها".
وفي هذا الصدد لا يمكن سوى أن نتفق مع ما جزم به البروفسور عمانوئيل غروس، أستاذ القانون في جامعة حيفا وكلية نتانيا، بأن محاولات اليمين الإسرائيلي المتواترة سحب البساط من تحت أقدام المحكمة العليا تشكل خطرا جسيماً على الديمقراطية في إسرائيل، مشيراً في الوقت عينه إلى أن "أي نظام ديمقراطي مُتنوّر يمنح محكمته العليا صلاحية فحص قوانينه والنظر في دستوريتها، أما نحن فنستأنف على مجرد حاجتنا إلى المحكمة العليا أو إلى هيئة قضائية عليا تحمي حقوق الإنسان الفرد وتصونها. وهكذا لن نجد أي طرف أو أي عنوان يكون قادراً على حماية هذه الحقوق عندما تعمد السلطة الحاكمة إلى المساس بها وسلبها، مما يضع تلك الحقوق تحت وطأة خطر دائم"، مثلما يحدث أخيراً ومن المتوقع أن يتفاقم في المستقبل.