لا يفوّت اليمين الإسرائيلي أية فرصة ولا يترك أي منبر في الحرب الضروس التي يشنها منذ عقود، باستمرار ودون توقف، ضد جهاز القضاء الإسرائيلي بوجه عام، وعلى رأسه المحكمة العليا الإسرائيلية بوجه خاص؛ وهي حرب إيديولوجية ـ سياسية متعددة الجبهات والأدوات لا تقتصر على المحاولات التشريعية الرامية إلى تحجيم دور هذه المحكمة وتقليص صلاحياتها، تقليص إمكانيات اللجوء إليها وتغيير تركيبتها الشخصية من خلال وضعها كل الوقت تحت وابل متواصل من الهجوم والتهديد الذي لا يطال الأداء القضائي ومخرجاته من قرارات وأحكام قضائية فقط، بل يتعداها ليطال قضاة المحكمة شخصيا.
هذه الحرب تشهد جولات متزامنة ومتعاقبة لا تتوقف ولا تنتهي، كان من أبرزها تلك التي انتهت مؤخرا بـ"تسوية" توصلت إليها "لجنة تعيين القضاة" في ختام أشهر من المداولات والصراعات "تكللت" بتوافق على تعيين أربعة قضاة جدد لكرسي القضاء في المحكمة العليا سيحتلون مواقعهم خلال العام الجاري، 2017، خلفا لأربعة من القضاة سيخلون مواقعهم (ثلاثة لبلوغهم سن التقاعد ورابع لأسباب شخصية). غير أن ما أعلنه قاض آخر، خامس (هو القاضي يورام دانتسيغر)، عن قراره الاستقالة ومغادرة موقعه القضائي في شهر شباط 2018، قبل بلوغه سن التقاعد الرسمي و"لأسباب شخصية"، من شأنه أن يعيد إشعال الصراع على جبهة التعيينات مجددا ودفعه إلى الواجهة، بكل حدته وأبعاده، في الفترة القريبة المقبلة.
تنبغي الإشارة هنا إلى أن النتائج التي توصلت إليها "لجنة تعيين القضاة"، وإنْ كان عرابوها السياسيون قد اعتبروها "إنجازا كبيرا"، بل "انتصارا هاما"، تجسد في تعيين ثلاثة قضاة "محافظين"، اثنان من بينهم متدينان (قاض وقاضية)، إلا أنها قوبلت بين أوساط واسعة في اليمين الإسرائيلي بعدم رضى وبخيبة أمل عميقة لأنها لم تحمل، في نظرهم، أية بشرى بـ "ثورة إيديولوجية" محتملة في المحكمة العليا وأدائها القضائي تعيد العجلة إلى ما قبل عهد "الثورة الدستورية".
وشدد كثيرون من بين هؤلاء على حقيقة اضطرار وزيرة العدل ورئيسة "لجنة تعيين القضاة"، أييلت شاكيد ("البيت اليهودي")، في إطار "التسوية" المشار إليها، إلى التنازل عن أحد المرشحين المركزيين، بل ربما الأكثر مركزية على الإطلاق، ممن كانت شاكيد، وأوساط اليمين الإيديولوجي عموما، قد طرحت أسماءهم لإشغال كرسي القضاء في المحكمة العليا. والمقصود هنا هو البروفسور غدعون سبير (المستوطن من "غوش عتصيون" وأحد أبرز وجوه الحقوقيين في أوساط اليمين المتدين، أو ما يسمى "تيار الصهيونية الدينية")، أستاذ القانون الدستوري في جامعة "بار إيلان" والعضو المؤسس في "منتدى كوهيليت" الذي يسعى إلى "تكريس المكانة الدائمة والثابتة لدولة إسرائيل كدولة للشعب اليهودي، تعزيز الديمقراطية الإسرائيلية، تعزيز حرية الفرد وتشجيع تطبيق مبادئ السوق الحرة في إسرائيل".
لكن ترشيح سبير لمنصب قاض في المحكمة العليا اصطدم بمعارضة شديدة وحازمة من جانب قضاة المحكمة العليا الثلاثة الأعضاء في "لجنة تعيين القضاة"، وخاصة حيال كونه أحد أشد المعارضين في الأكاديميا الإسرائيلية لما يُعرف باسم "الفاعلية القضائية" في أداء المحكمة العليا ـ أي قدرتها على ممارسة الرقابة القضائية على تشريعات الكنيست، ثم قدرتها وصلاحيتها على إلغاء قوانين يسنها الكنيست، أو بنود منها، بدعوى "عدم دستوريتها" المتأتي من تعارضها مع نصوص قانوني الأساس الخاصين بحقوق الإنسان واللذين سنّهما الكنيست في العام 1992 واعتبرا بمثابة "الثورة الدستورية" في إسرائيل: "قانون أساس: حرية العمل" و"قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته".
وكان غدعون سبير قد عرض آراءه ومواقفه في هذا الصدد بصورة تفصيلية طيّ الكتاب الخاص الذي أصدره في العام 2010 تحت عنوان "الثورة الدستورية ـ ماض، حاضر ومستقبل". ويبدو أنه ليس من قبيل الصدفة، إطلاقا، نشرُ موقع "ميداه" اليميني قبل بضعة أيام، في 16 آذار الجاري، مقالة لغدعون سبير حول هذا الموضوع نفسه، استنادا إلى الفصل الثاني من الكتاب المذكور، تحت عنوان: "25 عاما على الثورة الدستورية ـ طريقة شبه سرّيّة لتسريب دستور لدولة إسرائيل" ويخصصه، بشكل أساس، لشرح وترويج فكرته المركزية بشأن انبثاق ما يسمى بـ"الثورة الدستورية" في إسرائيل "من خطأ وتضليل"!
الكبح الذاتي والإجابات الأربع
يستعرض سبير، بداية، تاريخ وسيرورة "الثورة الدستورية" التي انطلقت شرارتها الأولى بسنّ الكنيست الإسرائيلي قانونيّ الأساس المركزيين المذكورين، مذكّراً بأنه منذ قيام دولة إسرائيل وحتى ذلك الوقت لم يكن فيها ولديها أي "ميثاق لحقوق الإنسان"، على الرغم من تعهد "وثيقة الاستقلال"، في العام 1947، بوضع وإقرار دستور للبلاد، لكن عوائق عديدة ومختلفة حالت دون تحقيق هذا التعهد وتنفيذه.
ثم يسجل سبير هنا ما يشكل الادعاء المركزي الذي يشيد عليه معارضته لأداء المحكمة العليا خلال العقود الأخيرة، إذ يكتب: "في غياب ميثاق دستوري لحقوق الإنسان، أوجدت المحكمة (العليا) آليات بديلة لحماية حقوق الإنسان، وهو ما دفع مثقفين إسرائيليين إلى المفاخرة بالظاهرة الإسرائيلية المتمثلة في توفير حماية فعالة للحقوق، حتى في ظل غياب الدستور. وعلى الرغم من توجهاتها المتسمة بالفاعلية، حيال غياب الدستور، نجحت المحكمة في كبح ذاتها ورفضت إلغاء تشريعات رئيسية (أي قوانين سنّها الكنيست) تمسّ، صراحة، بحقوق الإنسان". هذه هي الحال التي استمرت حتى العام 1992، مع سنّ قانونيّ الأساس المذكورين.
الفارق الجوهري بين هذين القانونين يكمن في حقيقة أن الأول ("قانون أساس: حرية العمل") يحمي وينظم حقاً واحدا محددا فقط، هو الحق في حرية العمل؛ بينما يحمي الثاني ("قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته") وينظم جملة من الحقوق تشمل: الحق في الحياة، سلامة الجسم، الممتلكات، الحركة (من البلاد وإليها)، الحرية، الكرامة والخصوصية. وقد غابت عن هذين القانونين، كليهما، مجموعة أخرى من الحقوق الأساسية الهامة، مثل: الحق في المساواة، حرية التعبير وحرية الدين. ويرى سبير أن "إسقاط (تغييب) هذه الحقوق لم يكن سهواً، بل كان فعلاً مقصوداً"، ثم ينوّه بحقيقة اشتمال كل من القانونين على "فقرة تقييد" تحدد أربعة شروط تراكمية/ مجتمعة يجعل تحققها المسَّ بأي من هذه الحقوق المذكورة مُجازاً وقانونياً لا يمكن نقضه أو إلغاؤه.
غير أن هذا التطور، الثوريّ، يثير لدى سبير "سؤالاً محيّراً: بعد 44 عاماً من الإخفاقات والإحجام عن أية خطوة عملية، كيف استفاق الكنيست، فجأة وذات يوم صافٍ، ليصوغ ويثبّت ميثاق حقوق للإنسان في قانون أساس كهذا؟ ما الذي هيّأ الأرضية لما اعتبره كثيرون خارج حدود الممكن؟". ويشير سبير إلى أنه كان قد اقترح "أربع إجابات / فرضيّات محتملة على هذا السؤال" وأن هذه الإجابات "ليست متعارضة تماما، بل من الممكن أن تكون كلها، أو بعضها على الأقل، قد شكلت قوة دفع هائلة" حرّكت عجلات ما يطلقون عليه اليوم اسم "الثورة الدستورية".
"الإجابات / الفرضيات الأربع" التي يقترحها سبير هي: 1. نجاح "الثورة الدستورية" (أي، سن قانونيّ الأساس المذكورين) تحقق بفضل استغلال "لحظة دستورية" قوامها أزمة الثقة الحادة التي نشأت بين الأذرع السياسية المختلفة، من جهة، وبين الجمهور الواسع، من جهة أخرى. فعند تلك "اللحظة الدستورية"، أدرك جميع المعنيين بالأمر ضرورة تغيير موازين القوى باتجاه تعزيز صلاحيات المحكمة في مجال الرقابة والضبط؛ 2. نجاح "الثورة الدستورية" تحقق بفضل التكتيك الذي اعتمده المبادرون إلى القانون. فبدلاً من الإصرار على إعداد وإقرار "ميثاق حقوق إنسان" كامل متكامل مرة واحدة، عمدوا إلى فصل الميثاق وتقسيمه إلى "وحدات ثانوية"، ثم عرضوا على الكنيست ما كان يحظى منها باتفاق ودعم واسعين فقط، إلى جانب اعتمادهم توجها مساوِماً "استطاع التجسير على فوارق التوجهات والرؤى"؛ 3. أتيح تشريع قانونيّ الأساس بفضل التكتيك الذي تبناه المبادرون إليهما "بعدم الكشف عن الدلالات الحقيقية الكاملة لهذا الإجراء وانعكاساته، ما مكّنهم من تنويم المعارضين التقليديين له" ("المعارضون التقليديون" الذين يقصدهم سبير هم: ممثلو الأحزاب الدينية في الكنيست، من المتدينين الصهيونيين/ الوطنيين والحريديم) وهو ما كرّس "جهلاً شاملاً بشأن آثار تشريع قانوني الأساس وتداعياته"؛ 4. تحقق نجاح هذا الإجراء "بفضل تغييرين جوهريين في الواقع السياسي ـ الحزبي الإسرائيلي": الأول، انتهاء هيمنة حزب "العمل" والغموض الذي اكتنف هوية الائتلاف الحكومي المستقبلي. والثاني، تعاظم قوة أوساط وعناصر هامشية مثلت تهديداً على استمرار الهيمنة العلمانية ـ الوسطية ـ القديمة. فقد أضعف التغيير الأول رغبة وعزم الأحزاب الائتلافية على معارضة ومقاومة عملية "دسترة" المنظومة السياسية ـ الحزبية، بينما حيّد التغيير الثاني رغبة أعضاء الكنيست الممثلين للنخب القديمة في معارضة الإجراء الدستوري ومقاومته.
المحكمة خوّلت نفسها صلاحية الرقابة
من بين الإجابات/ الفرضيات الأربع التي يسوقها جواباً على "سؤاله المحيّر" (كيف ولماذا استفاق الكنيست، فجأة وبعد 44 عاما من الفشل وتجنب اتخاذ أية خطوة فعلية، ليضع ميثاقاً لحقوق الإنسان بصيغة قانوني الأساس اللذين سنّهما في العام 1992 ليشكّلا "ثورة دستورية" في إسرائيل)، يختار سبير، المرشح لإشغال كرسي القضاء في المحكمة العليا الإسرائيلية، تركيز نقاشه ومحورة بحثه في الإجابة / الفرضية الثالثة التي تعزو نجاح هذه "الثورة" إلى ما يصفه بأنه "خطأ وفعل تضليلي" تمثل في عدم كشف المبادرين إلى قانوني الأساس عن دلالاتهما وانعكاساتهما الحقيقية الكاملة وتداعيات تشريعهما المستقبلية.
يدعي سبير بأن "ثمة شواهد كثيرة تثبت هذه الفرضية"، في مقدمها أن قانونيّ الأساس ("قانون أساس: حرية العمل" و"قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته") لم يلقيا أية معارضة جدية ووازنة، لأن "المعارضين التقليديين كانوا يعتقدون ـ خطأ، نتج عن تضليل من جانب المبادرين لسن القانونين ـ بأن قانوني الأساس الجديدين لن يتمتعا بأية أفضلية أو أسبقية (قانونية)، ولذلك فلن يكون فيهما ما يتيح للمحكمة ممارسة الرقابة على تشريعات الكنيست"! أما "الدليل الأقوى" على ادعاء التضليل، فهو ما يجده سبير في تصريح رئيس لجنة الدستور، القانون والقضاء البرلمانية آنذاك، عضو الكنيست أوريئيل لين، لدى عرضه مشروع "قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته" على الكنيست للتصويت عليه بالقراءة الثانية: "القوة (الصلاحية) لا تنتقل الآن إلى المحكمة. القوة (الصلاحية) تبقى في هذا البيت (الكنيست). وإذا ما بيّنت التجربة مع هذا القانون، حاشا وكلا، أننا قد أخطأنا وأن التفسير المقدم لهذا القانون لا ينسجم مع المقصد الحقيقي للمشرّع، فسيكون بإمكان الكنيست تعديل القانون".
ويعتقد سبير بأن "فرضية التضليل، بقدر ما هي صحيحة ودقيقة، تشكل استئنافا على مجرد نفاذ قانوني الأساس المذكورين وسريانهما". وهو استئناف لا يقوم على ما في التضليل من إشكالية أخلاقية كامنة، وإنما على النتيجة المترتبة على هذا التضليل: أي نفاذ وأي مفعول يمكن أن يكون لوثيقة تسمى "دستوراً" إذا تم إقرارها بينما لم يكن كثيرون من المؤيدين لها مدركين، بالمرة، أنهم يصوتون على دستور؟ ويضيف "على حد علمي، ليس ثمة نموذج واحد في أية دولة ديمقراطية في العالم لمثل هذا الإجراء الذي تقرر فيه المحكمة، لاحقاً، إقرار دستور للبلاد بينما لم يكن كثيرون ممن شاركوا وصوتوا يقصدون اعتماد دستور أصلاً"!
على أنّ سبير "يقرّ" بأن "فرضية التضليل تعاني، أيضا، من نقطة ضعف معينة"، تتمثل في عجز "المعارضين التقليديين" عن رؤية وفهم الدلالات والاسقاطات بعيدة الأثر التي تختفي خلف الستار الدخاني الذي أقامه المبادرون للقانونين من خلال فعلهم التضليلي، وهو ما يضع هؤلاء المعارضين في العام 1992 ـ في عرف سبير ـ في درجة أدنى بكثير من سابقيهم الذين كانوا متيقظين لمحاولات مماثلة سابقة وأفلحوا في لجمها وإسقاطها.
ومن بين "عناصر التضليل" التي يلفت إليها سبير، أنه طبقاً للنظرية التي سادت لدى تشريع قانوني الأساس الجديدين، كان "قانون أساس: حرية العمل"، الذي يكرس ويحمي حقا واحدا محددا فقط (هو حق الحرية في العمل)، الوحيد من بين القانونين الذي حمل طابعا دستوريا، بينما إسباغ الدستورية على "قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته" لم يحصل في الكنيست ولا من طرفه، وإنما حصل في وقت لاحق (بقرار الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا في "قضية بنك همزراحي"، في أيلول 1995. وهو قرار الحكم الأول الذي قامت المحكمة العليا من خلاله بإلغاء نص قانوني، نظراً لـ "عدم دستوريته" الناجم عن تعارضه مع نصوص "قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته" و"قانون أساس: حرية العمل"). وبناء على ذلك، يضيف سبير: "إذا كانت الثورة الدستورية لم تحصل لدى تشريع قانوني الأساس وإنما في وقت لاحق، وإذا كانت لم تنشأ في الكنيست وإنما في المحكمة العليا، فليست ثمة حاجة إذن إلى تفسير كيفية تغلب المبادرين إليها على المعارضة التقليدية في الكنيست... فالمشرّع لم يعارض الدستور، لأن الدستور لم يكن مطروحا للبحث أصلاً، وفق فهمه"!
هنا يورد سبير موقف الوزير وعضو الكنيست السابق البروفسور أمنون روبنشطاين، أستاذ القانون الدستوري وأحد المبادرين المركزيين لقانوني الأساس المذكورين، والذي يرفض الادعاء بشأن "التضليل"، بل وبشأن "الخطأ" أيضا، ويدحضهما تماما. فروبنشطاين يؤكد أن أعضاء الكنيست كانوا واعين تماما لدى تصويتهم على "قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته" وكانوا يدركون حقيقة أنه يتمتع بمكانة دستورية، وعليه فإن نجاح الإجراء "لم ينتج عن خطأ أو تضليل، وإنما عن التسوية التي تم التوصل إليها".
يرى سبير أن الوعي العام القائم في إسرائيل اليوم بشأن "إمكانية الرقابة القضائية" (من المحكمة العليا على الكنيست تحديداً) ينبع من "استخدام المحكمة صلاحية خوّلتها هي لنفسها" ومن "رد الفعل الشعبي الحاد على ممارسات المحكمة وخطواتها". ولذلك، فهو يعتقد بأنه "لو توفرت لأعضاء الكنيست المعارضين في العام 1992 المعرفة المتوفرة للناس اليوم، لكان من المرجح الافتراض بأنهم كانوا سيعارضون سن قانوني الأساس، معارضة حازمة وشديدة". ومن هنا، اعتبار تصويتهم دعماً لقانوني الأساس بأنه "خطأ نجم عن تضليل"!
ولتأكيد ما ذهب إليه بشأن "منح المحكمة العليا نفسها صلاحية ممارسة الرقابة القضائية"، يورد سبير مقتبساً من أقوال كان قد أدلى بها رئيس المحكمة العليا السابق، القاضي أهارون براك، عن إنه "حتى قرار الحكم في قضية بنك همزراحي، كان يمكن الادعاء بأن قانوني الأساس الخاصين بحقوق الإنسان لم يُحدثا أية ثورة دستورية، لا في نطاق القضاء الموجود ولا في نطاق القضاء المرغوب". ثم يضيف سبير إلى هذا آراء عدد من الحقوقيين البارزين، من بينهم رئيس المحكمة العليا الأسبق القاضي موشي لاندوي، نائبا رئيس المحكمة العليا سابقاً، القاضي مناحيم ألون والقاضي ميشائيل حيشين، والبروفسور روت غابيزون، والذين يتفق جميعهم على أن تشريع قانوني الأساس المذكورين لم يُحدث أية ثورة دستورية، وهو ما يعتبره سبير تأكيداً على أن هذين القانونين "لا يتمتعان بأية أسبقية دستورية على غيرهما من القوانين، وبالتالي فهما لا يخوّلان المحكمة العليا صلاحية إلغاء تشريعات سنّها الكنيست".
وضمن محاولاته ترسيخ الادعاء بشأن "التضليل" الذي مارسه المبادرون على "المعارضين التقليديين"، يورد سبير ما قاله رئيس الكنيست السابق، شيفح فايس، في وصف عملية التصويت على قانونيّ الأساس المذكورين: "طريقة شبه سرّيّة، شبه شرعية، لتسريب دستور ووضعه على جدول أعمال دولة إسرائيل"!