مصطلح متعارف عليه في أوروبا. وهو كراهية اليهود وملاحقتهم على يد حكومات أو فئات من شعوب أوروبية وذلك بسبب انتماء اليهود للشعب السامي المختلف عن الشعوب الاوروبية.
ولقد عُرِفت ظاهرة اللاسامية في العصور القديمة واللاحقة أيضاً. ولكن مصطلح اللاسامية ذاته ظهر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر من خلال كتاب نشره فيلهلم مار بالالمانية العام 1879 تحت عنوان (انتصار اليهودية على المسيحية).
وهدف اللاسامية هو إظهار اليهود كعنصر منفرد وغريب وله مميزات خاصة به دون سواه من الشعوب الأخرى في العالم. وتم توظيف اللاسامية كمفهوم لأهداف سياسية من قبل الصهيونية، وتم توظيفه من أجل إسكات أي صوت انتقادي للصهيونية وممارساتها بحق الشعب الفلسطيني، عبر تعميمه حيناً وتحريفه أحياناً أخرى. وتم استخدام المفهوم للابتزاز في السياقات السياسية والأكاديمية ما أخرج المفهوم عن سياقه وجعله اشكالياً ومثيراً للجدل.
ويمكن ارجاع ظهور اللاسامية للعوامل التالية:
أ-) العامل الديني: وهو عبارة عن نظرة مسيحيين اوروبيين إلى اليهود على أساس أنهم سببوا موت السيد المسيح، فعقاباً على
فعلتهم هذه يجب أن يبقوا في أسفل الدرجات الاجتماعية والسياسية وغيرها. ويعزى لرجال الكنيسة الكاثوليكية لعب دور بارز في اذكاء نار هذا العامل ونشره في الاوساط المسيحية.
ب-) العامل الاقتصادي: دخل اليهود إثر إتّباع سياسة التحرر والمساواة عالم التجارة والاقتصاد والثقافة والمهن الحرة، فتحسنت أحوالهم الاقتصادية والمعيشية والمهنية، ما أدى لتبوء عدد من اليهود بعض المهام المركزية في الحياة السياسية والاقتصادية في بعض الدول الاوروبية. ولهذا وجهت التهم الى اليهود بانهم (مصاصو دماء) يقومون باستغلال المجتمعات المسيحية التي يقيمون فيها. وبهذه الطريقة تحول نجاح اليهود في المجال الاقتصادي إلى عامل كراهية فعّال داخل الدول الاوروبية.
ت-) العامل القومي: ظهور الحركات القومية في مختلف انحاء القارة الاوروبية في أواخر القرن التاسع عشر، وظهور أحزاب وحركات سياسية اهتمت بالعنصر والقومية، واتهمت اليهود بأنهم ليسوا أمناء للبلاد التي يقيمون فيها، ويرفضون دائماً الاختلاط بالمجتمعات، وانهم - أي اليهود- عملوا دائماً على قلب انظمة الحكم والسيطرة على العالم.
ث) العامل الاجتماعي: إن مظهر اليهودي ودينه وعاداته وتقاليده هي عبارة عن امور غريبة عن المحيط الذي يعيش فيه. فاليهودي يرفض الاندماج مع المجتمع المسيحي، وهكذا فإنه يُشكّل عائقاً أمام التقدم الاجتماعي في المجتمعات الاوروبية التي تواكب التقدم والتطور بكل اشكاله.
ج) العامل العنصري: كراهية الاوروبي لليهودي بسبب عنصره السامي (الساقط من بين بقية العناصر) وذلك في ميزاته الجسدية والاخلاقية والروحية الغريبة والبعيدة عما هو الحال السائد في أوروبا.
ح) العامل السياسي: قامت بعض الأحزاب والحركات السياسية في أوروبا في القرن التاسع عشر بجذب الناخبين إلى تأييدها بواسطة استغلال اثارة كراهية اليهود لكونهم - أي اليهود - أصحاب رأس مال قوي.
والواقع أن اللاسامية اتخذت شكلاً شبه رسمي في اضطرابات عامي 1881 و 1882 في روسيا القيصرية، وازدادت حدّتها في مطلع القرن العشرين من خلال عدة قضايا أُثيرت حينها ضد اليهود. وكذلك الأمر بالنسبة للملاحقات والمحاكمات التي جرت بتأثير هذه الظاهرة مثل محاكمة الضابط الفرنسي الفريد درايفوس وهو من أصل يهودي أمام المحكمة العسكرية الفرنسية وتجريده من رتبه. وأثارت هذه المحاكمة ردود فعل صاخبة للغاية في فرنسا وخارجها، وهي - أي المحاكمة - كانت (وفق الرواية الصهيونية) من دواعي قيام هرتسل بالتفكير في كيفية ايجاد إطار لتخليص اليهود من اللاسامية.
أمّا اللاسامية التي تعرف بالثانية فظهرت بقوة أكبر مع صعود هتلر سدة الحكم في المانيا العام 1933، حيث طور النازيون النظرية العنصرية العرقية وقاموا بتطبيقها رسمياً عن طريق إصدار قوانين نيرنبرغ والقيام بطرد اليهود (إلى جانب عرقيات أخرى) من وظائفهم وملاحقتهم وتدمير مصالحهم الاقتصادية المختلفة وتجميعهم في معسكرات سكانية عرفت باسم (غيتو)، ثم في معسكرات إبادة لتصفيتهم جسدياً.
وبالرغم من القضاء على النازية في نهاية الحرب العالمية الثانية إلاّ أن مظاهر لاسامية تطفو بين الحين والآخر في الصحف الاوروبية أو معارض الصور أو من خلال وسائل الاعلام المختلفة.
وتقوم الصهيونية العالمية واسرائيل بالاستفادة من هذه المظاهر ـ أي مظاهر اللاسامية ـ بواسطة استثمارها على الدوام لخلق انطباع أن اليهود هم دوماً الملاحقون. وترفض اسرائيل أن يُستخدم مصطلح اللاسامية لغير اليهود ليبقى حكراً لها للاستفادة منه قدر المستطاع.