تقدير موقف

تقرأ وتحلل قضايا مستجدة وتستشرف آثارها وتداعياتها سواء على المشهد الإسرائيلي او على القضية الفلسطينية.
لاجئو غزة: من لجوء إلى لجوء. (أ.ف.ب)
  • تقدير موقف
  • 1968
  • المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار

في بداية العام 2024، أعلن يسرائيل كاتس، وزير الخارجية الإسرائيلي، أن الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) لن تكون جزءاً من المشهد الفلسطيني في قطاع غزة في اليوم التالي للحرب. وقد صرحت نوغا أربيل، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الإسرائيلية بأنه "لن يكون من الممكن كسب الحرب الحالية بدون أن ندمر الأونروا. ويجب أن يبدأ هذا التدمير على الفور". وقد تقدمت إسرائيل بوثيقة استخباراتية تزعم أن 12 من موظفي الأونروا في غزة كانوا قد شاركوا في هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وقالت الوثيقة إن نحو 10% من موظفي الأونروا في غزة هم أعضاء في حماس والجهاد الإسلامي، بينما أن 50% من موظفي الأونروا هم أقارب من الدرجة الأولى لأعضاء من حماس أو الجهاد الإسلامي. وتقول الأمم المتحدة إنه لا ينبغي معاقبة الوكالة بأكملها على الأفعال المزعومة لعشرات الموظفين الذين تقول إنهم سيخضعون للمساءلة. ومع ذلك، أمر مفوض الوكالة، فيليب لازاريني، بإجراء مراجعة لعمليات الوكالة في ما يخص هذه الادعاءات، لكنه صرح بأنه "إذا تم إلغاء وكالة الغوث، فإن الأمر يعني حلاً لوضع اللاجئين الفلسطينيين مرة واحدة وإلى الأبد – وبالتالي إنهاء حق العودة".

تبحث ورقة تقدير الموقف هذه في علاقة إسرائيل والأونروا على ضوء هذه المستجدات التي تنذر بتقييد أعمال الأونروا في أحسن الحالات، وإنهائها في أسوأ السيناريوهات، ويأتي على خلفية إعلان الولايات المتحدة إضافة إلى دول أوروبية أخرى الإيقاف الفوري للتمويل الذي يقدمونه للأونروا (وهي دول كانت مسؤولة عن نحو 60% من تمويل الأونروا في السنوات السابقة).

تنقسم الورقة إلى ثلاثة أقسام. يستعرض القسم الأول تاريخا مختصرا للأونروا بالتركيز على قطاع غزة. القسم الثاني، يعرج على العلاقة المتوترة بين إسرائيل ووكالة الأونروا، بالتركيز على قطاع غزة تحت حكم حركة حماس بعد 2006، وصولا إلى ادعاءات إسرائيل بمشاركة موظفي الأونروا في هجمات 7 أكتوبر. القسم الثالث والأخير، ينظر في تداعيات سيناريو إغلاق مكاتب الأونروا في قطاع غزة في اليوم التالي للحرب.

 

أولاً: الأونروا في السياق الإسرائيلي- الفلسطيني 

1.1 ما هي الأونروا: الأصول والانتداب والانتشار

تأسست وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، أو الأونروا (UNRWA)، في العام 1949 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقديم المساعدة المؤقتة للاجئين الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم خلال النكبة عام 1948. ومنذ ذلك التاريخ لازمت الأونروا المشهد الفلسطيني وتعد واحدة من أكبر المؤسسات العاملة بين الفلسطينيين من حيث عدد الموظفين والانتشار الجغرافي والخدمات المقدمة. ووفق تعريف الأونروا، فإن لاجئي فلسطين هم "أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين حزيران 1946 وأيار 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة حرب عام 1948".

ولا بد من التوضيح على الفور بأنه لا يوجد دور سياسي لمؤسسة الأونروا، وليس من صلاحياتها أو مهماتها البحث عن حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين. في المقابل، تحدد دور الوكالة فقط في الجانب الإغاثي والخدماتي. ومع ذلك، فإن حضورها على مدار 76 عاما في المشهد الفلسطيني كان عبارة عن إعادة تأكيد وتوثيق للنكبة وأسهم في الحفاظ على قضية اللاجئين من الاندثار. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي ملفات الأونروا على الآلاف من بطاقات الهوية ووثائق الممتلكات والأفلام والصور الفوتوغرافية والإحصاءات والتقارير وما إلى ذلك، والتي تفسر عملية تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم وتعكس مطالباتهم بالعودة واستعادة الممتلكات المفقودة.

0

وتخدم الأونروا 58 مخيماً فلسطينياً، وتنتشر في خمس مناطق هي الضفة الغربية والقدس (19 مخيماً) وقطاع غزة (8 مخيمات)، والأردن (10 مخيمات)، ولبنان (12 مخيما) وسورية (9 مخيمات). عند تأسيسها قدمت الأونروا خدمات لنحو 750 ألف لاجئ، أما اليوم فتغطي خدماتها 5.9 مليون لاجئ فلسطيني الأمر الذي يعني أن وكالة الأونروا تكبر، وبالتالي تتوسع خدماتها، وتتطلب ميزانيات أعلى مع مرور السنوات. والبيانات أدناه تعكس أهمية الأونروا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية لقطاع غزة:

00

 

1.2 ميزانية الأونروا السنوية (بالتركيز على قطاع غزة)

الميزانية التي وضعتها الأونروا للعام 2023 كانت 1.63 مليار دولار تشمل نشاطاتها في الضفة الغربية، وقطاع غزة، والأردن، ولبنان، وسورية. وتنقسم ميزانية الأونروا إلى شقين: الشق الأول، هو ميزانية الأنشطة الجارية والمنتظمة للوكالة وتشمل المدارس، والتعليم، والرعاية الصحية، والإغاثة، والخدمات الاجتماعية، والبنية التحتية، وتحسين المخيمات. في العام 2023، تطلبت هذه النشاطات نحو 52% من مجمل الميزانية، بواقع 848 مليون دولار. وعادة ما يتم تخطيط ميزانية هذه الأنشطة على أساس متعدد السنوات، مما يعكس الطابع الدائم لالتزام الوكالة بولايتها المتعلقة باللاجئين. آخر خطة وضعتها الوكالة كانت تخص الفترة 2023-2028. الشق الثاني، هو ميزانية تتعلق بحالات الطوارئ بما في ذلك الحروب أو الكوارث الطبيعية. في العام 2023، شكل هذا الشق ما مقداره 48% من الميزانية الكلية بواقع 791 مليون دولار. وتعتبر هذه ميزانية متقلبة وتتعلق بشكل مباشر بحالات الحروب التي تؤثر على اللاجئين، مثلا:

  1. في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة العام 2014، كتبت الأونروا في تقريرها بأن الهجوم الإسرائيلي خلف 1400 ضحية مدنية، ودمر 7380 وحدة سكنية دمارا كلياً، ونحو 5268 وحدة سكنية أخرى دمارا كبيراً، بالإضافة إلى 73 ألف وحدة سكنية أخرى تضررت بشكل بسيط. وتقول الأونروا بأنها قامت بتوزيع الأرز والطحين على نحو 730 ألف فلسطيني في القطاع في أعقاب هذه الحرب.
  2. بعد ثلاثة أيام من بدء الحرب الإسرائيلية في 7 أكتوبر، نشرت الأونروا "نداء" لمجتمع الممولين والمتبرعين للحصول وبشكل عاجل على 104 ملايين دولار لصرفها على حاجات إنسانية خلال الـ 90 يوما التي تلت بداية الحرب. في حينها، لم يكن هذه النداء يأخذ بعين الاعتبار حجم الدمار الهائل الذي لحق بكل قطاع غزة، لكنه يشير إلى الدور المركزي الذي تلعبه الأونروا في إغاثة اللاجئين ماديا في أوقات الحروب. ولا بد من الإشارة إلى أنه حسب خطة العام 2023 (التي لم تكن تتوقع اندلاع الحرب)، خصصت الأونروا لقطاع غزة نحو 90% من ميزانية حالات الطوارئ المخصصة للأرض المحتلة بواقع 311 مليون دولار.

 

1.3 من يمول الأونروا؟

تتلقى الأونروا تبرعات من العديد من دول العالم، الأمر الذي يحول قضية إغاثة اللاجئين إلى قضية دولية. مثلا، بالنظر إلى ميزانية العام 2022 والتي وصلت إلى نحو 1.17 مليار دولار، فإن التبرعات الأبرز جاءت من: الولايات المتحدة الأميركية (29% من التمويل)، ثم ألمانيا (17%)، ثم الإتحاد الأوروبي (10%)، ثم السويد (5%)، وتليهم العديد من الدول والتي تتبرع بنحو 1% إلى 2% فقط وتضم النرويج واليابان وفرنسا والسعودية وسويسرا وتركيا وكندا وهولندا وبريطانيا، والدنمارك، وأستراليا، وغيرهم. ولأن مساهمات الدول العربية أو الإسلامية تعتبر ضئيلة جدا، فإن الممول الأكبر للأونروا يبقى الدول الغربية (الولايات المتحدة وأوروبا).

 

ثانيًا: علاقة إسرائيل بالأونروا 1950-2024

2.1 بعد قيام دولة إسرائيل (1949-1966)

قامت الأمم المتحدة بإنشاء الأونروا عام 1949، لكن الوكالة بدأت عملها في أيار 1950. بالإضافة إلى المناطق الخمس التي تستهدفها الأونروا، فقد عملت أيضا مدة عامين (1950-1952) داخل إسرائيل مستهدفة نحو 17 ألف لاجئ فلسطيني هُجروا من ديارهم لكنهم ظلوا في دولة إسرائيل حديثة الولادة. كانت أول علاقة بين إسرائيل والأونروا عندما قررت إسرائيل في العام 1952 فرض سلطتها الإدارية على هؤلاء اللاجئين الذين ظلوا داخلها ونقل المسؤولية عنهم من الأونروا إلى مؤسسات دولة إسرائيل. هذا كان يعني رفضاً إسرائيلياً قاطعاً لتدخل أي هيئة أممية في "الشؤون الداخلية لإسرائيل"، معتبرة أن هؤلاء اللاجئين أصبحوا مواطنين إسرائيليين بعد فرض الجنسية الإسرائيلية عليهم.

2.2 بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة (1967-1987)

اللقاء الثاني بين إسرائيل والأونروا كان بعد احتلال العام 1967، عندما التقى الحكم العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة مع مؤسسات الأونروا العاملة في الأرض المحتلة. بعد الاحتلال لم تتول إسرائيل مسؤولية "رعاية" اللاجئين الفلسطينيين في الأرض المحتلة كما فعلت مع 17 ألف لاجئ داخل أراضيها العام 1952. بل إنها فضلت إبقاء الأونروا باعتبارها مؤسسة كبرى قادرة على أخذ دور في إدارة شؤون قسم كبير من سكان الأرض المحتلة، طالما لا يوجد أي طابع سياسي لوجود الأونروا. وعليه، قررت إسرائيل إضفاء طابع رسمي على العلاقة بين الاحتلال العسكري والأونروا. وفي 14 حزيران 1967، وقع سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، مايكل كوماي، والمفوض العام للأونروا، لورانس ميشيلمور، اتفاقا رسميا يؤسس اعتراف دولة إسرائيل بنشاط الأونروا في الضفة الغربية وغزة. التزمت الحكومة الإسرائيلية بعدم التدخل في شؤون وكالة الأمم المتحدة في المجال الإنساني لكنها احتفظت بالحق في التدخل فقط في حالات "الأمن القومي". ووافقت الحكومة الإسرائيلية على ضمان حماية وأمن موظفي الأونروا ومنشآتها وممتلكاتها؛ والسماح بحرية حركة مركبات الأونروا إلى داخل إسرائيل والمناطق المحتلة؛ والإبقاء على الترتيبات المالية القائمة سابقا مع السلطات الحكومية التي كانت عاملة في الأرض المحتلة قبل الاحتلال.

2.3 الانتفاضتان الفلسطينيتان (الأولى 1987-1993 والثانية 2000-2004)

تدهورت العلاقات بين إسرائيل والأونروا في أثناء الانتفاضتين الأولى والثانية خصوصا وأن مخيمات اللاجئين كانت على الدوام بؤراً نشطة في مقاومة إسرائيل بالإضافة إلى أن إسرائيل عملت على تدمير المخيمات وتنفيذ اعتقالات واسعة بين صفوف اللاجئين خلال سنوات الانتفاضتين. مثلا، خلال الانتفاضة الأولى قامت إسرائيل باتهام موظفي الأونروا بدعم "الإرهاب" والسماح باستخدام مرافقهم لمثل هذه الأنشطة. وفي كلا الانتفاضتين، اعترضت الأونروا على تصرفات إسرائيل وتوترت العلاقة بين الطرفين.

2.4 علاقة الأونروا مع إسرائيل في ظل حكم حركة حماس في القطاع (2007- 2023)

حتى العام 1978، كان مقر وكالة الأونروا في بيروت، لكن بسبب الحرب الأهلية اللبنانية تم نقل المقر إلى فيينا. وكانت هناك حاجة إلى إعادة نقل المقر العام للوكالة إلى منطقة ما في الشرق الأوسط، فتم اختيار قطاع غزة كونه يضم نحو ربع اللاجئين الذين ترعاهم الوكالة. أيدت الولايات المتحدة هذا القرار، وفي 1996، تم نقل المقر العام للوكالة إلى قطاع غزة. بيد أن الإشكالية التي ظهرت أمام إسرائيل بدأت مع تعاظم نفوذ حركة حماس في نهاية التسعينيات، خصوصا داخل قطاع غزة.

في 2004، قال بيتر هانسن (Peter Hansen)، المفوض العام السابق للأونروا (1996-2005): "أنا متأكد من أن هناك أعضاء من حماس على جدول رواتب الأونروا ولا أرى ذلك جريمة. حماس كمنظمة سياسية لا تعني أن كل عضو هو مقاتل ونحن لا نقوم بالتدقيق السياسي. إننا نطالب موظفينا، مهما كانت قناعاتهم السياسية، بأن يتصرفوا وفقا لمعايير الأمم المتحدة وقواعدها من أجل الحياد". وفي 2009، انتقد ليندسي (James G. Lindsay)، المستشار العام السابق للأونروا، ممارسات الأونروا وقال إن الأونروا لا تعمل شيئاً لطرد "الإرهابيين" من صفوفها في إشارة إلى أعضاء حماس.

في العام 2013، أكد المقدم الإسرائيلي (المتقاعد) جونثان هاليفي، أن "نقابة عمال الأونروا تخضع لسيطرة حماس عمليا سنوات عديدة". والمقدم هاليفي هو باحث في مركز القدس للشؤون العامة، وهو مركز أبحاث يميني محافظ في إسرائيل، وعمل سابقا في قسم الأبحاث المتعلق بالشؤون الفلسطينية داخل الجيش الإسرائيلي، ويعتبر من المستشارين الإسرائيليين المركزيين الذين "يُملون" على وول ستريت جورنال (Wall Street Journal) وجهات نظر إسرائيلية متعلقة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. في العام 2009، ادعت صحيفة الجيروزاليم بوست الإسرائيلية بأن حماس قد فازت في انتخابات نقابة المعلمين لمدارس الأمم المتحدة في غزة، وهو ما نفته الأونروا وقالت إن "انتخابات الموظفين تجرى على أساس فردي وليس قائمة حزبية".

لكن كان واضحاً أن جهات إسرائيلية عديدة كانت قد بدأت تستغل حقيقة أن الأونروا تعمل في حيز يقع تحت سيطرة "جهات معادية لها" (أي حماس)، لبث التضليل الذي من شأنه أن يعطي انطباعاً بأن الأونروا تعمل لصالح حركة حماس. مثلا:

  1. في العام 2013، بثت وسائل الإعلام الإسرائيلية شريط فيديو يوثق المخيمات الصيفية التي تمولها الأونروا وتظهر في الفيديو مكبرات صوت تقول للأطفال: "بعون الله سنشن الحرب... ومع التعليم والجهاد سنعود إلى منازلنا". كما تظهر الكاميرا طالبة تصف أن "المخيم الصيفي يعلمنا أن علينا تحرير فلسطين". نفت الأونروا هذا الفيديو واعتبرته "مضللا بشكل صارخ" وأن مخيماتها الصيفية في غزة لا تعلم "أي فعل معاد للسامية أو تحريضي".
  2. ولعل القضية الأهم التي تثيرها إسرائيل باستمرار تتعلق بالسلطة الحاكمة في القطاع والتي تكون لها قدرة على الهيمنة والتحكم بتوزيع المساعدات، والأموال التي تصل إلى القطاع من خلال مؤسسات الأونروا. في 4 شباط 2009، مثلا، أوقفت الأونروا شحنات المساعدات إلى قطاع غزة بعد أن اتهمت حماس باقتحام مستودع للأمم المتحدة وسرقة أطنان من البطانيات والمواد الغذائية. بعد بضعة أيام، استأنفت الأمم المتحدة المساعدات بعد أن أعادت حماس الإمدادات المفقودة.
  3. في حرب 2008-2009، نشرت القناة 12 الإسرائيلية تقارير تفيد بأن مسلحين تابعين لحماس يستخدمون منشآت الوكالة وهو ما نفته الأونروا. في العام 2012 اعتذرت القناة الإسرائيلية عن "هذه التقارير غير الصحيحة"، وتراجعت عن ادعائها، لكن خلال الثلاث سنوات (2009-2012) كان لهذه التقارير غير الصحيحة أثر في النقاش العالمي حول الأونروا.
  4. في 9 أيلول 2014، وخلال جلسة استماع رسمية للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي قال جونثان شانزر (Jonathan Schanzer) من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إن الأونروا "تسمح ببناء أنفاق كوماندوز تحت منشآتها".

2.5 ادعاءات إسرائيل المتعلقة بدور موظفي الأونروا في هجمات 7 أكتوبر؟

استندت إسرائيل في هذا الهجوم على وكالة الأونروا إلى تقارير استخباراتية جمعتها إسرائيل نفسها تدعي أن اثني عشر موظفا كانوا متورطين في هجمات 7 أكتوبر. من ضمنهم، سبعة كانوا معلمين في مدارس الأونروا، بالإضافة إلى كاتب، وأخصائي اجتماعي، ومدير مخزن.  ادعت إسرائيل ان بعض هؤلاء شاركوا بشكل مباشر في الهجمات، بينما سهلها آخرون من خلال لعب دور في عمليات الاختطاف أو توفير الذخائر والدعم اللوجستي. ويدعي التقرير، الذي استند أيضا إلى تحقيق غير قانوني يشمل التعذيب، بأن مدرس لغة عربية تابعاً للأونروا قد شارك في الهجوم على مستوطنة بئيري التي خلفت 97 قتيلا بالإضافة إلى اختطاف نحو 26 شخصا إلى غزة. وفي تحقيق أجرته وكالة سكاي نيوز البريطانية ونشرته في 30 كانون الثاني 2024، لا يوجد دليل مقنع في التقرير الاستخباراتي الإسرائيلي على تورط موظفي الأونروا، وقالت سكاي نيوز بأنه "حتى لو كانت الادعاءات صحيحة، فإن الأمر لا يجب أن يعني بأن الأونروا متورطة بشكل مباشر". وفقاً لإسرائيل، هناك علاقة هيكلية بين الأونروا وحماس بحيث أن مرافق الأونروا ومركباتها استخدمت في هجمات 7 أكتوبر.

2.6 كيف ترى إسرائيل دور الأونروا في اليوم التالي للحرب؟

ثمة تاريخ طويل من خلاله كانت إسرائيل تنتقد الأونروا، والانتقاد كان يتعلق إما بعمل ونشاطات الأونروا (المناهج التعليمية، آليات صرف المساعدات... إلخ)، أو بوجود الأونروا من أصله (هل فعلا إسرائيل تريد الأونروا أم لا). ويمكن تلخيص العلاقة بين إسرائيل والأونروا من خلال الإشارة إلى مركبين متناقضين:

من جهة، إسرائيل استفادت وظيفيا من عمل الأونروا، بحيث أنها سيطرت على الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد العام 1967 دون الحاجة إلى توفير كامل الخدمات الصحية أو التعليمية لمئات الآلاف من اللاجئين الذين تخدمهم الوكالة. من جهة ثانية، تنظر إسرائيل إلى الأونروا باعتبارها عقبة إدارية وعقبة سياسية. من الناحية الإدارية، فإن الأونروا تدخل أموالاً إلى مخيمات اللاجئين، وتقوم بإدارة جزء كبير من المدارس والمراكز الصحية والنقابات. في حال كانت مخيمات اللاجئين تقع داخل الأرض المحتلة لكنها خارج نطاق النفوذ المباشر للإدارة المدنية الإسرائيلية (مثل قطاع غزة بعد الانقسام السياسي الفلسطيني)، فإن الأمر يعتبر إشكالياً بالنسبة لإسرائيل التي يقوم احتلالها على إدارة شؤون السكان الفلسطينيين. مثلا، لا تستطيع إسرائيل أن تسيطر بشكل مطلق على توزيع المساعدات المالية، أو إدخال مواد البناء وتوزيعها (خصوصا الإسمنت). من الناحية السياسية، فإن استمرار عمل الأونروا يعني إعادة إنتاج لقضية اللاجئين، وإعادة بناء وإعمار للمخيمات وبالتالي المساهمة في إدامة لقضايا اللجوء والنزوح وحق العودة.

والحرب الحالية على قطاع غزة قد تشكل مفترق طرق بحيث أن إسرائيل تنتقل من مرحلة الانتقاد العلني دون قطع الصلة مع وكالة الأونروا إلى مرحلة جديدة كليا تسعى من خلالها إسرائيل إلى:

  1. حظر عمل الأونروا تدريجيا في المناطق المحتلة، خصوصا في قطاع غزة. وقد صرح وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأن "الأونروا لن تكون جزءا من اليوم التالي". ويسعى أعضاء كنيست إلى وقف التمويل العالمي للأونروا وإنهاء عملها. على رأس هذه المجموعة من أعضاء الكنيست تقف شارون هاسكل، عضو الليكود وواحدة من أكثر أعضاء الكنيست نشاطا في تقديم تشريعات متطرفة معادية للفلسطينيين خلال العامين السابقين. وتقول هاسكل: علينا أن نوقف "الأموال التي يتم تحويلها من مختلف بلدان العالم إلى الأونروا، وإزالة القناع الكاذب الذي يحيط بها". وفي 15 شباط 2024، أقر الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون في قراءته الأولى يهدف إلى حظر عمليات الوكالة في أراضي 1948 والقدس المحتلة.
  1. الدفع باتجاه إثارة نقاش أممي حول "الدور السلبي" للأونروا في المحافظة على قضية اللجوء، وعدم وجود جدوى من استمرار عمل الوكالة. وبالتالي، تسعى إسرائيل إلى تشكيل إجماع دولي بأن الوكالة هي مؤسسة فاسدة، معيقة للسلام، ولا تتناسب مع ملامح المرحلة الجديدة. فقد صرح وزير الخارجية الإسرائيلي أيضا بأن إسرائيل "تحذر منذ سنوات [بأن] الأونروا تديم قضية اللاجئين، وتعرقل السلام". أما نتنياهو، فقد أعلن في 31 كانون الثاني 2024، بإن "الأونروا ليست جزءا من الحل، بل هي جزء من المشكلة... لقد حان الوقت للبدء في عملية استبدال الأونروا بهيئات أخرى غير ملوثة بدعم الإرهاب".

ومع ذلك، لا يوجد إجماع إسرائيلي داخلي على توقيت إنهاء عمل الأونروا. والخلاف الإسرائيلي الداخلي المتعلق بعمل الأونروا يمكن تلخيصه بالتالي:

  1. من جهة، تسعى المستويات السياسية في إسرائيل إلى "هندسة" الحياة الاجتماعية والاقتصادية لقطاع غزة في اليوم التالي للحرب بحيث لا تشكل حركة حماس جزءا من المشهد السياسي والإداري. وهذا يتطلب سيطرة إسرائيل على ثلاث قضايا ملحة تتعلق بالحياة اليومية للسكان، بحيث أن سيطرة إسرائيل المطلقة عليها قد تشكل عاملاً يدفع المجتمع الغزي إلى الانتفاض بحثا عن سلطة جديدة لتنظيم حياته الاجتماعية بعد حرمان حركة حماس من السيطرة على هذه القضايا الثلاث: ادخال المال، الإدارة والتنظيم المجتمعي، واعمار البنية التحتية. تشكل الأونروا (مرة أخرى ليس لها دور سياسي في حياة الفلسطينيين) جزءا من اللوحة التي تضطلع بدور ما في كل واحدة من هذه القضايا الثلاث. ومنع عمل الأونروا في قطاع غزة من شأنه أن يحكم سيطرة إسرائيل على قضايا مفتاحية قد تلعب دورا في تشكيل المشهد السياسي والإداري في اليوم التالي للحرب.
  2. من جهة أخرى، تدرك المستويات الأمنية بأنه لا يوجد بديل حالي لحركة حماس، ولم تقدم إسرائيل، أو الدول العربية، أو المجتمع الدولي بديلا تنظيميا وإداريا لحركة حماس حتى الآن. وتدعي صحيفة يسرائيل هيوم، بأن إسرائيل لم تكشف تحقيقاتها حول تورط موظفي الأونروا في هجمات 7 أكتوبر على الفور، بل تريثت حتى بداية العام 2024 لأنها تدرك بأن الأونروا هي الكيان الوحيد الذي ظل يعمل في غزة بعد 7 أكتوبر، وأنه "بدون الأونروا ستكون هناك الفوضى أكبر". وقد شرح ضباط إسرائيليون كبار، من ضمنهم من كانوا على رأس عملهم كمنسقين للشؤون الحكومية الإسرائيلية في قطاع غزة، بأنه في حال انهارت الأونروا "فمن سيحل مكانها؟ هل هو الجيش الاسرائيلي؟ أم وزارة الشؤون الاجتماعية الإسرائيلية؟ أم منظمات غير حكومية إسرائيلية؟ ... الأمر أشبه بفخ وقعت فيه إسرائيل". خصوصا في أوقات الحروب، إذا انهارت الأونروا، فمن سيوزع الطحين والماء والأدوية وجميع الأشياء الأخرى التي تسمح للجيش الإسرائيلي بمواصلة العمل في المناطق المدنية؟

ويمكن الادعاء بأن الخلاف الإسرائيلي حول عمل الأونروا في قطاع غزة في اليوم التالي للحرب هو خلاف على التوقيت وليس خلافاً مبدئيا. فحتى كميل أبو ركن، وهو المنسق السابق (2021-2018)، يرى أنه لا بد من إزاحة الأونروا عن المشهد لكن لا يوجد بديل حتى الآن، خصوصا وأنها تدفع رواتب وتقدم مساعدات أممية لمئات الآلاف من الفلسطينيين الفقراء.

2.7 ما هي نتائج الحرب الإسرائيلية على الأونروا منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم؟

حتى الآن، أعلنت أهم الدول التي تمول عمل الأونروا بأنها ستتوقف عن تمويل الوكالة حتى إشعار آخر، وهذه الدول هي كل من الولايات المتحدة، وألمانيا، واليابان، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وكندا، وأستراليا، وإيطاليا، وفنلندا، وأيسلندا، وهولندا، وسويسرا، وأستونيا، والنمسا، ورومانيا، ونيوزيلندا، ولاتفيا، والسويد. ومن المتوقع أن تتأثر أعمال الأونروا بشكل حقيقي مع نهاية شباط 2024 في حال لم يكن هناك بديل. في المقابل، أصدر المجلس النرويجي للاجئين ومنظمة أوكسفام، ومنظمة إنقاذ الطفولة، ومنظمة العفو الدولية – بيانات أعربت فيها عن "القلق والغضب" بشأن ايقاف المساعدات. وأضاف الوكيل العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث (Martin Griffiths)، أن وقف تمويل الأونروا سيؤدي إلى انهيار نظام المساعدات في غزة، مضيفا: "لا يمكن للعالم أن يتخلى عن شعب غزة".

 

ثالثًا: ما هي تداعيات إغلاق مكتب الأونروا في قطاع غزة في اليوم التالي للحرب؟

يمكن فهم حرب إسرائيل على الأونروا على مستويين:

  1. المستوى الأول يتعلق بقطاع غزة نفسه في اليوم التالي للحرب. بالطبع، فإن إسرائيل تستطيع إداريا وتنظيميا منع عمل الأونروا في قطاع غزة لأن القطاع يقع ضمن صلاحيات الحكم العسكري، بحيث أن عمل المنظمات الدولية داخل "الأرض المحتلة" يقع ضمن اختصاصات الحكم العسكري وليس أمرا مفروضا عليه. لا يمكن نقاش تداعيات إغلاق مكاتب الأونروا بمعزل عن الترتيبات السياسية والإدارية للقطاع في اليوم التالي للحرب. ومع ذلك، فإن سيناريو منع عمل الأونروا في قطاع غزة يعني:
  • إنهاء الاستقلالية النسبية لنظام التعليم الذي تديره الأونروا وإخضاع طلاب القطاع الذين كانوا يرتادون مدارس الأونروا إلى نظام تعليمي آخر قد تكون إسرائيل أكثر قدرة على السيطرة عليه. لطالما كانت قضية التعليم والمناهج التربوية موضوعا أساسيا في النقاش الإسرائيلي حول عمل الأونروا، وتسببت أيضا في خلافات عميقة مع حركة حماس عندما حاولت الأونروا ادخال مناهج تعليمية "تسامحية"، وتثقف الطلاب حول الهولوكوست واحترام حق الآخر في الحياة. صحيح أن المنهاج التعليمي المتبع في مدارس الأونروا لا يمكن وصفه بأنه ثوري ومعاد لإسرائيل، لكنه أيضا ليس المنهاج الذي تسعى إسرائيل إلى فرضه بهدف تخريج أفواج جديدة من الفلسطينيين غير متعلقة بحق العودة وقضية اللجوء.
  • إسرائيل تطمح إلى الهيمنة على المؤسسة العليا التي تدير شؤون الفلسطينيين في قطاع غزة، سواء أكانت السلطة الفلسطينية الحالية أو سلطة فلسطينية جديدة. إن إغلاق مكاتب الأونروا يعني تحويل رواتب نحو 10 الاف فلسطيني غزي من جدول الوكالة إلى السلطة الجديدة التي تهيمن عليها إسرائيل.
  • إسرائيل تطمح إلى التحكم بآليات ادخال المساعدات، والأموال، والمواد اللازمة لإعادة الإعمار. في أعقاب حرب 2014، وجدت إسرائيل نفسها أمام مأزق في ما يخص إدخال مواد إعادة الإعمار، خصوصا الإسمنت والحديد. وفي ظل رفض إسرائيل السماح لحركة حماس بتسلم هذه المواد وتوزيعها، كان الخيار "الأقل سوءا" بالنسبة لإسرائيل هو إشراك وكالة الأونروا في الأمر. ويبدو أن إسرائيل مقتنعة تماما بأن قسماً ليس بيسير من هذه المواد قد انتقل من أيدي الأونروا إلى أيدي حركة حماس.
  1. المستوى الثاني يتعلق بمصير اللاجئين الفلسطينيين بعيدا عن المساعدات العينية والخدمات التي تقدمها الأونروا. وهنا، لا بد من التمييز بين وكالة الأونروا (UNRWA)، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR). بينما أن الأونروا لا تقوم بأي دور لحل قضية اللاجئين وإنما تعمل على الحفاظ عليها إلى حين إيجاد حل عادل، فإن المفوضية السامية ترعى اللاجئين غير الفلسطينيين في العالم بهدف إيجاد حلول لقضية لجوئهم عبر توطينهم. وفي منشور على منصة X (سابقا تويتر)، نشر الموقع الرسمي لإسرائيل فيديو تحريضيا قصيرا يدعي فيه بأن هناك 36 مليون لاجئ حول العالم لكن فقط 6 ملايين من بين هؤلاء اللاجئين يتلقون خدمات VIP بسبب الدور الذي تلعبه الأونروا في تخصيص مساعدات طائلة فقط لهم. ومن هنا، فإن دعوات نتنياهو إلى إيقاف عمل الأونروا كانت مرتبطة في كثير من الأحيان بضرورة تحويل ملفهم إلى هيئة أممية ثانية، وهي على ما يبدو، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR). وتنظر إسرائيل إلى استمرار قضية اللاجئين في الوعي العام الفلسطيني، ومؤسساته، باعتبارها قضية أمن قومي خطيرة لا بد من وضع حد لها. بالطبع ستكون للأمر انعكاسات جدية على بعض الدول المستضيفة للاجئين، خصوصا سورية ولبنان (ملاحظة: منحت الأردن اللاجئين الفلسطينيين (البالغ عددهم اليوم 2.4 مليون فلسطيني) جنسية أردنية؛ ومع ذلك، لا تزال الأونروا تعمل داخل الأردن).

من يوقف عمل الأونروا؟ إسرائيل أم المجتمع الدولي؟

أخيرا، لا بد من التنويه إلى إمكانية وجود سيناريوهين لإغلاق مكاتب الأونروا في قطاع غزة في اليوم التالي للحرب:

  1. السيناريو الأول: قيام إسرائيل بإلغاء، أو التنصل من، تفاهماتها مع وكالة الأونروا بموجب تشريع جديد. مرة أخرى، يمكن النظر إلى تمرير قانون إسرائيلي (حتى الآن بالقراءة الأولى) في 15 شباط 2024 لحظر عمليات الوكالة في أراضي 1948 والقدس المحتلة بمثابة "بالون اختبار". والسبب هو أن إسرائيل تمتلك، حسب المفهوم الدولي، سيادة وصلاحيات لمنع عمل أي هيئة دولية في أراضيها. بيد أن الأمر قد يكون أكثر إشكالية في ما يخص الأرض المحتلة عام 1967. من المهم التأكيد على أن عمل الوكالة في الأرض المحتلة عام 1967 يأتي ضمن موافقة الحاكم العسكري الإسرائيلي، باعتباره صاحب السيادة.
  1. السيناريو الثاني: بدل أن تقوم إسرائيل بحظر عمل الأونروا بنفسها، وهو ما قد يفاقم التوترات بين إسرائيل ومؤسسات الأمم المتحدة، فإن إسرائيل قد تعمل على تفكيك الأونروا عبر إقناع حلفائها بتجفيف التمويل. ضمن هذا السيناريو، يمكن أن تلعب الدول الغربية الدور الأساس في ‘جهاض عمل الأونروا من خلال التوقف عن تمويلها، بحيث أن الأونروا قد تنهار بسبب نقص الموارد وعدم وجود رغبة أممية في استمرار عملها بدون أن تبدو إسرائيل اللاعب المباشر في ذلك. نظرياً، يمكن لدول الخليج، ومنظمة التعاون الإسلامي، والدول الصديقة غير الغربية، أن تسد هذا النقص في تمويل الأونروا، وهو ما يحتاج إلى أن يقوم الفلسطينيون بتشكيل مجموعات ضغط بهذا الشأن. لكن هذه تظل قضية نظرية، لأنه من الناحية الإجرائية فإن تمويل الأونروا قد يخضع أيضا إلى اعتبارات سياسية بحيث أن الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وإسرائيل يشكلون لاعبا مهما في السماح باستمرار التمويل عبر قنوات بديلة عن الدول التي أوقفت المساعدات.