تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1737
  • سليم سلامة

أقر الكنيست في الليلة الواقعة بين يومي الأربعاء والخميس (21 – 22/ 12/ 2016)، قانون ميزانية العامة لدولة إسرائيل للسنتين القادمتين 2017- 2018، والتي بلغت في المجمل 906,8 مليار شيكل، 446,8 مليار شيكل منها للعام 2017 و 460 مليار شيكل للعام 2018. وبإضافة بند المصروفات المرهونة بالمدخولات، تبلغ ميزانية الدولة 993,7 مليار شيكل، 491,7 مليار شيكل للعام 2017 و 502 مليار شيكل للعام 2018.

ومع إنجاز المهمة ومصادقة الكنيست على الميزانية العامة للدولة للسنتين القادمتين، قال وزير المالية، موشيه كحلون، إن "الميزانية التي أقرت اليوم هي ميزانية اجتماعية تمتاز بعمى الألوان (أي: لا تفرقة فيها، من أي نوع!)، ميزانية تخدم كل الشرائح السكانية وميزانية لجميع مواطني الدولة ـ لا يمين ولا يسار ولا وسط. إنها ميزانية نمو، تقليص الفجوات الاجتماعية، زيادة المصروفات العامة (الحكومية)، خفض الضرائب ومواصلة انطلاقة جميع الوزارات الحكومية، مع التشديد الخاص على الوزارات الاجتماعية"! بينما قال رئيس المعارضة البرلمانية، إسحاق هيرتسوغ (رئيس "المعسكر الصهيوني")، إن "حكومة إسرائيل أقرت اليوم ميزانية لا تحمل أية بشرى للمواطنين. ميزانية تؤشر إلى بداية سنة قاسية للعائلات العاملة، للشباب ولكل من قسا عليه القدر ولكل من لا يمتلك قوة التهديد والابتزاز"!

وشمل إقرار الميزانية، أيضا، المصادقة على تقليص أفقيّ بنسبة 1,8% من ميزانيات الوزارات الحكومية المختلفة، ما يعني تقليص ما يزيد عن ملياريّ شيكل من ميزانيات هذه الوزارات، وفي مقدمتها الوزارات الخدماتية الأساسية (الصحة، التعليم، الرفاه، الحكم المحلي، المواصلات وغيرها)، الأمر الذي سينعكس في تقليص هذه الخدمات الحيوية للمواطنين.

وعقبت عضو الكنيست زهافا غالئون (ميرتس) على هذا التقليص بالتأكيد على أن "السلطات المحلية التي في أمس الحاجة إلى هذه الميزانيات والتي سيعود عليها هذا التقليص بأكبر الضرر وأشده خطورة هي تلك القائمة في البلدات الأكثر عوزا في البلاد، في الضواحي البعيدة وفي الوسط العربي... ومعنى هذا التقليص بالنسبة لها هي المسّ المباشر والحاد بالمواطنين المستضعفين والمعوزين أصلاً، مما سيعمق الفجوات ويزيد من هوة عدم المساواة".

يذكر أن هذه هي المرة الأولى منذ قيام دولة إسرائيل التي يتم فيها إقرار ميزانية عامة للدولة لسنتين اثنتين بدلاً من سنة واحدة فقط كما جرت العادة حتى الآن، وذلك تطبيقاً للقانون الخاص الذي أقره الكنيست لهذا الغرض في شهر آب المنصرم. و"ميزانية السنتين" هذه هي "ابتكار" إسرائيلي خاص، غير متبع في أي من دول العالم قاطبة، تقريبا. وقد أقر الكنيست هذا القانون، في آب، نزولا عند رغبة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو (الذي يعتبر "ميزانية السنتين" الصيغة الأفضل "للهدوء التشغيلي ولاستقرار الائتلاف الحكومي")، ورغم معارضة واسعة له، وخصوصا معارضة وزير المالية، كحلون، وموظفي الوزارة المهنيين الكبار، المستشار القانوني للكنيست، رئيس لجنة المالية البرلمانية.

ويشير معارضو الميزانية لسنتين إلى سببين مركزيين لمعارضتهم هذه: 1. سبب مهني ـ القدرة على توقع الاحتياجات، المصروفات، المدخولات والتغيرات المحتملة في الاقتصاد خلال سنتين، بصورة مسبقة؛ 2- سبب تنظيمي جوهري ـ ما تفرضه ميزانية السنتين من قيود موضوعية على قدرة البرلمان (الكنيست) على مراقبة الإدارة المالية والصرف الحكومي، بحرمانه من إجراء أية مداولات حول الميزانية خلال سنتين كاملتين.

وعلى الرغم من كون "قانون الميزانية" القانون الأهمّ الذي يقره الكنيست خلال دورته، لما ينطوي عليه من تحديد للأولويات الاقتصادية والاجتماعية في الدولة وفي عمل السلطة التنفيذية (الحكومة) خلال فترة زمنية محددة، إلا أن هذا القانون لم يحظ بأية مداولات جماهيرية، باستثناء مواقف مشتتة صادرة عن أحزاب المعارضة وأعضاء الكنيست الممثلين لها، خاصة وأن هذه المواقف تنحصر عادة في بنود صغيرة وهامشية فقط، دون أن تتطرق إلى القضايا الجوهرية التي تمثلها الميزانية وتمسها، وفي مقدمتها بالطبع خارطة المصالح وسلم الأولويات الاقتصادية ـ الاجتماعية، وكذلك السياسية، بما ينعكس على المجتمع الإسرائيلي برمّته ويقرر وجهات تطوره المستقبلية.

رفاهية المستوطنين ـ في خدمة المشروع السياسي

من المعروف أن نجاح المشروع الاستيطاني الكولونيالي مشروط بقبول عدد كبير من اليهود وموافقتهم على المشاركة فيه، مشاركة فاعلة. غير أن قبول هؤلاء اليهود وموافقتهم مشروطان، بدورهما، بمدى الفائدة المادية التي يجنونها من هذا المشروع. وعلى مدى تاريخ الاستيطان الصهيوني في هذه البلاد، حظي المستوطنون ـ على اختلاف مشاربهم ونزعاتهم ـ بموارد اقتصادية جماهيرية (عامة) تحولت، مع الوقت، إلى ممتلكات خاصة لهم. ونذكر، جميعا، شعار الحملة الدعائية التي أطلقتها السلطات الحكومية الرسمية في إسرائيل في أوائل الثمانينات، من أجل "تجنيد" أكبر عدد من اليهود الإسرائيليين وإغرائهم بالانتقال إلى السكن والإقامة في مستوطنات مختلفة في الضفة الغربية، من خلال التأكيد على أنهم سيكونون "على بُعد خمس دقائق من كفار سابا". وهو الشعار الذي استهدف ليس فقط تصوير المستوطنات في الضفة الغربية بأنها قريبة جغرافيا، بل بأنها "رخيصة ومربحة" مقارنة بكفار سابا (المدينة الواقعة في وسط إسرائيل).

ولئن كان رصد الموارد للمستوطنات والمستوطنين قد جرى في السابق من خلال اللجوء إلى ألاعيب ومناورات مختلفة، كانت في أغلبها الساحق ضمن "المنطقة الرمادية" ما بين القانوني وغير القانوني، فقد أصبح في السنوات الأخيرة "جزءا لا يتجزأ" من الصرف الحكومي المتوج بقانونية رسمية خالصة، من خلال القوانين المختلفة التي تم تشريعها لهذا الغرض، من بينها بالطبع "قانون الميزانية"، بصورة أساسية، إلى جانب مختلف القوانين والأوامر القانونية الرامية إلى سلب الأراضي الفلسطينية والاستيلاء عليها.

ومن هنا، فإن ما يتضمنه قانون الميزانية الجديد الذي أقره الكنيست الأسبوع الماضي في كل ما يتعلق برصد الميزانيات والموارد المادية المختلفة للمستوطنات والمستوطنين يشكل تنفيذا دقيقا للتوجهات السياسية الرسمية السائدة في إسرائيل ويأتي لخدمة هذه التوجهات ومشاريعها المستقبلية.

المستوطن الواحد = خمسة مواطنين في إسرائيل!

كشف بحث جديد عن حقيقة أن قانونه الميزانية العامة الجديدة لدولة إسرائيل (للسنتين القادمتين، 2017 و 2018) يتضمن تفضيلا واضحا وبارزا للمستوطنين اليهود في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، إذ يحصل هؤلاء على امتيازات وهبات مالية (ضريبية وغيرها) تزيد بنسبة 24%، بالمعدل، عما يحصل عليه السكان في منطقة النقب في جنوب إسرائيل وبنسبة 19% عما يحصل عليه السكان في منطقة الجليل في شمال إسرائيل. وفي المتوسط العام، تعادل حصة المستوطن اليهودي في الضفة الغربية من الميزانية العامة الجديدة للدولة خمسة أضعاف حصة المواطن الإسرائيلي في أي من المناطق السكنية المختلفة في داخل إسرائيل (ضمن ما يسمى "الخط الأخضر").

ويشير البحث، الذي أجراه "مركز ماكرو للاقتصاد السياسي" ونشرت نتائجه يوم 16 كانون الأول الجاري، إلى أن المعطيات الواردة أعلاه حول تفضيل المستوطن في الضفة الغربية على المواطن في داخل إسرائيل "لا تشمل التفضيل الواضح في الميزانيات المرصودة للمستوطنين في مجالي التعليم والأمن"!

وبينما يحصل المواطن الإسرائيلي، في المتوسط العام، في إطار الميزانية العامة الجديدة، على 506 شواكل كامتيازات ضريبية وهبات مختلفة في السنة، يحصل المستوطن اليهودي الواحد في الضفة الغربية على 1,923 شيكلا من هذه الامتيازات والهبات.

ويؤكد البحث أن هذه الفجوة بين ما يحصل عليه المستوطن اليهودي في الضفة الغربية وما يحصل عليه المواطن الإسرائيلي في النقب أو في الجليل لم تخلق في هذه الميزانية الجديدة، وإنما جاءت هذه لتكرس هذه الفجوة وتعمقها، علما بأن المواطنين في منطقتي النقب والجليل تحديدا يحصلون على دعم حكومي أكبر مما يحصل عليه المواطنون في المناطق الأخرى في داخل إسرائيل، نسبيا، وذلك في إطار ما يسمى "دعم الضواحي والمناطق النائية".

فخلال السنة الأخيرة فقط، على سبيل المثال، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارين عمّقا هذه الفجوات، وذلك تحت ذريعة "الوضع الأمني الخاص" الذي تعيشه المستوطنات والمستوطنون في الضفة الغربية. القرار الأول شمل جميع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية ونص على منحها "هبة لمرة واحدة" بقيمة 75 مليون شيكل للسنوات الثلاث القريبة (حتى العام 2018)، بينما قضى القرار الثاني برصد مبلغ 55 مليون شيكل، حتى العام 2018 أيضا، للمستوطنين اليهود في قلب مدينة الخليل وفي مستوطنة "كريات أربع" المجاورة.

وفي إطار ما يسمى "معونات خاصة بسبب الوضع الأمني"، حوّلت الوزارات المختلفة مبالغ مختلفة للمستوطنات في الضفة الغربية خلال السنة الأخيرة 2016، كان من بينها: 6 ملايين شيكل من وزارة التعليم لأغراض "البناء، التعليم الرسمي والتعليم غير الرسمي"؛ 3 ملايين شيكل من وزارة الثقافة "لأغراض مختلفة"؛ 10 ملايين شيكل من وزارة المواصلات "لتحسين الإضاءة في الشوارع"؛ 10 ملايين شيكل من وزارة الزراعة "لتحويل مبان مؤقتة إلى مبان ثابتة ودائمة"! وينوه معدو البحث هنا إلى حقيقة أن "لا علاقة، البتة، بين المباني، سواء المؤقتة منها أو الثابتة، وبين الزراعة، سوى العلاقة الوثيقة بين وزير الزراعة، أوري أريئيل (من حزب "البيت اليهودي")، وبين يهودا والسامرة (الضفة الغربية) بشكل عام"!

ويعزو البحث هذا التمييز التفضيلي للمستوطنين في الضفة الغربية مقارنة بالمواطنين في داخل إسرائيل، في أحد أسبابه، إلى نشاط "دائرة الاستيطان" (التي كانت ضمن مسؤوليات "ديوان رئاسة الحكومة" مباشرة وجرى نقلها إلى مسؤولية وزارة الزراعة مع تولي أوري أريئيل منصب وزير الزراعة!)، وهي تشكل عمليا "مساراً التفافيا لرصد الأموال وتحويلها"! ذلك أن ميزانيات هذه "الدائرة" مخصصة، في أغلبها وبصورة دائمة تقريبا، لتلبية احتياجات مختلفة للمستوطنات والمستوطنين في الضفة الغربية. ففي العام 2014، مثلا، تم رصد 33% من ميزانية "دائرة الاستيطان" لما يسمى "منطقة المركز" التي تشمل 112 مستوطنة في الضفة الغربية و 10 بلدات يهودية في داخل إسرائيل، بينما تم توزيع الجزء المتبقي من ميزانيتها هذه (67%) على 668 بلدة في داخل إسرائيل، 418 منها في "المنطقة الشمالية" و 250 أخرى في "المنطقة الجنوبية".

ويؤكد البحث أن ميزانية "دائرة الاستيطان" الفعلية تزيد، بصورة دائمة ومنهجية، عما هو مخطط لها سلفاً، وذلك ـ بشكل خاص ـ بسبب "ضغوطات سياسية مختلفة ومتواصلة، على مدار السنة كلها، لزيادة هذه الميزانية"! ففي إطار الميزانية العامة السابقة للدولة (للعام 2015- 2016)، كان من المفترض أن يتوقف نشاط "دائرة الاستيطان" هذه، على ضوء الانتقادات الحادة التي سجلها المستشار القانوني للحكومة لكل ما يتعلق بشفافية العمل والصرف في هذه الدائرة، إلا أنها عادت وظهرت في بند خاص ميزانيته 100 مليون شيكل ضمن ميزانية وزارة الزراعة تحت عنوان "أنشطة أخرى في نطاق المسؤولية"! وقد ورد في ذلك البند أن غاية هذه الميزانية هي "منح معونات نصت عليها الاتفاقيات الائتلافية"! غير أن جميع تلك المعونات كانت "في مجالات لا علاقة لها بوزارة الزراعة"، مثل "المشاركة في سلطة الخدمة القومية المدنية" و"دعم الذين تم إخلاؤهم من غوش قطيف" (المستوطنات في قطاع غزة)!

ويشير البحث، أيضا، إلى سبب آخر لهذا التفضيل لصالح المستوطنين في الضفة الغربية يتمثل في "هبات الموازنة" التي تقدمها وزارة الداخلية للسلطات المحلية. والسبب الرسمي الذي تعتمده هذه الوزارة في تقديم هذه الهبات هو "تمكين السلطة المحلية من بلوغ حالة من الموازنة المالية، عوضا عن العجز المالي"، وهو ما يعني، بالضرورة وبشكل طبيعي، أن تذهب حصة الأسد من هذه الهبات إلى السلطات المحلية في الضواحي والمناطق النائية عن مركز البلاد. غير أن الحقيقة، كما يكشف عنها هذا البحث، أن "صيغة هبات الموازنة" تشمل مُعامِلاً خاصاً يضمن تفضيل السلطات المحلية في مستوطنات الضفة الغربية وفي "خط المواجهة" (في شمال إسرائيل)، بحيث تحظى هذه بهبات أكبر بكثير من تلك التي تحصل عليها السلطات المحلية الأخرى "التي تعاني من عجز مالي مماثل"!

وينوه البحث إلى "عبثية أخرى" في تفضيل المستوطنين على المواطنين، تتمثل في الزيادات المالية التي تحصل عليها المستوطنات في الضفة الغربية "كتعويض عن اتفاقيات أوسلو وتجميد البناء الاستيطاني في العامين 2009- 2010"!! ورغم أن "هذين البندين لم يعودا قائمين"، ورغم محاولة وزارة المالية إسقاطهما من الميزانية العامة السابقة للدولة، بما يتيح تقليص مبلغ 16 مليون شيكل سنوياً، إلا أن "هذه المحاولة باءت بالفشل، جراء العقبات السياسية ـ الائتلافية"، والنتيجة: أنهما بقيا على حالهما في الميزانية العامة الجديدة التي أقرها الكنيست الأسبوع الماضي.