تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1498

انشغلت الصحافة الاقتصادية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة بقضية الاختناقات المرورية وخاصة في منطقة تل أبيب الكبرى، ولكن أيضا في منطقتي حيفا والقدس. كما أن ما يسمى "شارع عابر إسرائيل" (شارع 6-الأوتوستراد الأضخم في إسرائيل) لم يعد يفي بالغرض المنشود منه. وعلى الرغم من كل التبريرات بشأن

ارتفاع أعداد السيارات، وتفضيل السيارات الخاصة على مواصلات النقل العام، فإن من وراء كل هذا تتكشف حقيقة فشل سلسلة من المخططات الإسرائيلية لإقناع اليهود بالسكن في منطقتي الشمال والجنوب، على ضوء أن منطقة تل أبيب الكبرى تشهد حالة تفجر سكاني وارتفاعا حادا في أسعار البيوت وكلفة المعيشة.

كارثة الاختناقات المرورية

بحسب تقارير وإحصائيات رسمية، نشرتها صحيفة "ذي ماركر" مؤخرا، تقع في منطقة تل أبيب الكبرى نصف أماكن العمل في إسرائيل، ولذا فإنها تشهد يوميا 6 ملايين سفرة، تتم 80% منها بسيارات خاصة. ووفقا لهذا فإن أوتوستراد "أيالون" الذي يشق منطقة تل أبيب الكبرى من شمالها إلى جنوبها، تمر فيه يوميا 700 ألف سيارة، وهذا يشكل زيادة بنسبة 50% عما كان الوضع عليه في العام 2000. وغالبية السيارات تتحرك في ساعات بدء الدوام وانتهائه، ما يخلق اختناقات مرورية حادة جدا، يعلق فيها المتوجهون إلى العمل والعائدون منه.

ويرى المختصون أن هذا الأوتوستراد وصل إلى الحد الأقصى من إمكانيات الاستيعاب، ولا مجال لتوسيعه. وكل هذا على الرغم من أن معدل عدد السيارات التي تمر منه انخفض عما كان عليه في العام 2008، حوالي 745 ألف سيارة يوميا. ويعزو المختصون هذا الانخفاض إلى بدء عمل برنامج التطبيق الهاتفي حول توجيه السيارات "ويز"، الذي يعمل على قاعدة منظومة توجيه السيارات "جي بي إس"، ويعد أكثر تطورا؛ وهو اختراع إسرائيلي اشترته قبل نحو ثلاث سنوات شركة "غوغل" بقيمة 1,1 مليار دولار، وحتى ذلك الحين كان التطبيق الهاتفي الأغلى سعرا في العالم، إذ أن هذا البرنامج يوجه السيارات إلى شوارع بديلة للهروب من الأزمات الأشد من بين باقي الأزمات الأخرى في تلك المنطقة.

وكما ذكر فإن أوتوستراد "أيالون" لم يعد بالإمكان توسيعه، وكذا بالنسبة للشوارع المركزية التي تخترق منطقة تل أبيب الكبرى. والاختناقات المرورية مستمرة وتتزايد، على الرغم من مشاريع شق الشوارع. وبحسب الإحصائيات الرسمية، تم في السنوات العشر الأخيرة شق 1555 كيلومترا، وهذا عدا توسيع شوارع مركزية قائمة بمسار وأكثر؛ ومن أبرزها ما يسمى بـ "عابر إسرائيل"، الذي بدأ السير فيه بمقطع جزئي بطول 60 كيلومترا في العام 2004 وبمسارين؛ ولكن الآن بلغ طوله 167 كيلومترا. وفي المقطع المركزي منه، من منطقة وادي عارة وحتى مخارج منطقتي تل أبيب والقدس، فإنه يشمل ثلاثة مسارات، وفي بعض المقاطع ثمة أربعة مسارات. ولكن كل هذا لا يمنع الاختناقات المرورية فيه في ساعات الصباح والمساء. وهذا يعكس حجم فشل المشروع من حيث الهدف الذي تم شقه لأجله، وهو تقريب منطقتي الشمال والجنوب إلى وسط البلاد، من خلال تقصير مسافة السفر، وبالذات تقصير فترة الوصول إلى مركز البلاد.

ويقول رئيس وحدة أبحاث المواصلات في جامعة تل أبيب د. موشيه غفعوني: "إنهم يشقون الشوارع اعتقادا منهم بأنها ستقلص الاختناقات المرورية ولكن هذا لن يكون. فمهما شقوا شوارع ستبقى مكتظة، وفي ذات الوقت ستتزايد مشكلة إيقاف السيارات. واليوم بات واضحا للجميع أن حركة السير في منطقة تل أبيب الكبرى (منطقة غوش دان) يجب أن تكون مرتكزة على المواصلات العامة".

وبحسب التقارير الإسرائيلية، فإنه سنويا يتم شراء قرابة ربع مليون سيارة، وهذا العدد مرشح لأن يسجل قفزة أكبر في العام الجاري، ما يعني أنه سنويا يزداد عدد السيارات بعد انتقاص السيارات البالية، بما بين 180 إلى 190 ألف سيارة. وهذا الارتفاع الحاد في كمية السيارات يعود إلى عنصرين بارزين: أولهما كثرة شراء السيارات ذات المحرك الصغير، واستهلاك وقود أقل، وأيضا التنافس الحاد بين شركات تمويل السيارات بقروض مسهلة نسبيا. وثانيا، أن السفر في المواصلات العامة عدا كلفتها، لا يضمن وصولا أسرع إلى العمل، ومنه إلى البيت. وبموجب تقرير منظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD، فإن استخدام المواصلات العامة في إسرائيل هو بنسبة 10% من إجمال تنقلات السكان، مقابل نسبة 35% هي معدل الدول الأعضاء في OECD.

لكن هذا الارتفاع الحاد في دخول السيارات الجديدة لا يعني أن إسرائيل في موقع متقدم بين الدول المتطورة، من حيث عدد السيارات نسبة إلى عدد السكان، بل هي في مرتبة متأخرة. فبحسب الإحصائيات الأخيرة، يوجد في إسرائيل حاليا 3 ملايين سيارة، من بينها 2,5 مليون سيارة خاصة، وهذا تقريبا بمعدل 300 سيارة لكل ألف مواطن، في حين أن في الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، يوجد ما بين 500 إلى 600 سيارة لكل ألف مواطن.

ويضاف إلى هذا أنه في العقد الأخير ارتفعت مسافات سفر السيارات السنوية بنسبة 20% عما كانت عليه قبل عشر سنوات. ووفق التقديرات فإن السيارات في إسرائيل تتحرك بمعدل 55 مليار كيلومتر سنويا.

على حافة تفجر سكاني

كل التقارير بهذا الشأن تتضمن تصورات لحلول، في غالبيتها الساحقة تتعلق بكيفية تفكيك الاختناقات المرورية، والتركيز على المواصلات العامة، واستخدام شبكة القطارات، والقطار الخفيف داخل المدن الكبرى. ولكن من خلف كل هذا تتستر القضية الأساس: فشل كل المشاريع الإسرائيلية لإقناع اليهود بالانتشار في كافة أنحاء البلاد. وبموجب تقرير مكتب الإحصاء المركزي الصادر في العام الماضي 2015، فإن قرابة 50% من السكان اليهود يسكنون في منطقة تل أبيب الكبرى، وهي المنطقة الممتدة من مدينة الخضيرة وحتى جنوب مدينة تل أبيب، وهؤلاء يشكلون ما يزيد عن ثلاثة ملايين نسمة، ويضاف إليهم 11%، أي أكثر من 660 ألفا، في مدينة القدس والمستوطنات والبلدات المحاذية لها. ويضاف لهذا حوالي 8% من اليهود يسكنون في منطقة حيفا الكبرى، ما يعني أن 68% من السكان اليهود يتركزون في ثلاث مناطق محددة، وغالبيتهم الساحقة جدا في وسط البلاد.

وتشهد مدينة تل أبيب وجوارها حالة الاكتظاظ الأكبر في إسرائيل، فمدينة "بني براك" التي يضاف لها مسألة كونها موطنا لليهود المتزمتين "الحريديم"، يبلغ معدل السكان على كل كيلو متر مربع 24,2 ألف نسمة، تليها غفعتايم- 17,5 ألف نسمة، وبات يام- 15,6 ألف نسمة، وحولون- 9,9 ألف نسمة، ورامات غان- 9,2 ألف نسمة، وتل أبيب- 8,3 ألف نسمة.

وتقول هذه المعطيات إن الكثافة في منطقة تل أبيب أكثر بـ 25 ضعفا من الكثافة في منطقة الشمال (بالمعدل)، وأكثر بـ 93 ضعفا من الكثافة في صحراء النقب. ففي منطقة الجليل شمالا تصل الكثافة إلى 300 نسمة لكل كيلو متر مربع، وفي الجنوب الصحراوي 82 نسمة لكل كيلومتر مربع.

فشل المخططات

تسعى إسرائيل منذ العام 1948 إلى نشر السكان اليهود في كافة أنحاء البلاد. ففي العام 1956 جاء دافيد بن غوريون إلى مدينة الناصرة ليعلن عن إقامة مستوطنة نتسيرت عيليت على عشرات آلاف الدونمات من الأراضي المصادرة من مدينة الناصرة والقرى المجاورة، وفي ذات الوقت أقيمت "مجدال هعيمق" على أنقاض قرية المجيدل المدمرة، ولاحقا أقيمت مستوطنات صغيرة، وكلها في سبيل اختراق التجمعات العربية الكبرى ليس فقط في منطقة الجليل شمالا بل أيضا في صحراء النقب جنوبا. وقبل 15عاما، بمبادرة من شمعون بيريس، أقيمت وزارة "تطوير الجليل والنقب"، والتي كان الهدف منها تهويد المنطقتين على ضوء حقيقة أن 60% من سكان الشمال عدا حيفا هم من العرب، مقابل 40% من سكان منطقة النقب.

ومن أجل تشجيع اليهود على الانتقال إلى منطقتي الشمال والجنوب، طرحت إسرائيل سلسلة من المشاريع على مر السنين، وهذا تضمن فتح مناطق صناعية كبيرة، ومرافق عمل في التقنية العالية، مرفقة بامتيازات ضريبية. ولكن كل هذا لم يقنع الأجيال الشابة بالبقاء في تلك المناطق البعيدة عن مركز الحياة العامة، تل أبيب ومنطقتها. وبحسب تقارير سابقة، فإن مدنا أقيمت من أجل أن تكون تجمعات كبرى لليهود تتناقص فيها أعداد اليهود سنويا، وأولها مدينة نتسيرت عيليت، التي باتت فيها نسبة العرب الفعلية 25%، ولكن في السجلات في حدود 20%. كما أن نسبة العرب تتزايد في مدينة كرميئيل، الجاثمة على أراضي قرى منطقة الشاغور في الجليل الأوسط. وحتى مدينة حيفا لم تعد مدينة تقنع الشباب اليهود بالبقاء فيها.

وتقول تلك التقارير إن الشبان والشابات ما أن ينهوا الخدمة العسكرية ومن ثم التعليم الجامعي، حتى يتجهون للإقامة الدائمة في منطقة تل أبيب الكبرى، حيث فرص العمل العصرية أكبر، وأيضا حيث حياة الشباب بلا قيود. ويقيم أعداد كبيرة منهم فعلا في منطقة تل أبيب، بينما في السجل السكاني يبقون حيث عائلاتهم في الشمال والجنوب للاستفادة من الامتيازات الضريبية.

وشرعت الحكومات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة بعدة مشاريع أخرى لتفرض على السكان اليهود الانتقال إلى الجنوب أساسا، ومن أبرز هذه المشاريع مخطط نقل معسكرات أساسية للجيش الإسرائيلي إلى صحراء النقب، في محاولة لنقل عائلات أعداد كبيرة من جنود الجيش النظامي للسكن قريبا من تلك المعسكرات. ولكن هذا المشروع الذي أقرته حكومة إيهود أولمرت في العام 2007، ما زال في إطار المخطط، ولم يخرج إلى حيز التنفيذ، برغم رصد ميزانيات خاصة له.

وإلى جانب هدف توطين جنود الجيش وعائلاتهم في الجنوب، فإن الهدف من إخلاء المعسكرات في منطقة تل أبيب الكبرى، هو تحرير الأراضي لأغراض البناء السكني. وهذا يسري أيضا على مشروع إخلاء المطار الداخلي في مدينة تل أبيب- "مطار دوف"- إذ أن المخطط يقضي ببناء ما لا يقل 5 آلاف وحدة سكنية، ما سيزيد عمليا حالة الاكتظاظ في المدينة.

وما يقلق إسرائيل أكثر ليس الوضع الحالي بل لتوقعات بشأن المستقبل. وبحسب أحد المختصين، فإن معدلات النمو الاقتصادي وما يتبعه من مستوى معيشي قريبة من أوروبا، إلا أن معدلات الولادة تنافس المعدلات في الدول الأفريقية والفقيرة. وهذه قضية تكمن فيها أزمة مستقبلية حادة بالنسبة للكيان الإسرائيلي، إذ أن من يرفع معدلات الولادة بين اليهود هم المتدينون المتزمتون "الحريديم"، حيث يصل معدل الولادة للمرأة الواحدة في حدود 7 ولادات، تليها المرأة من التيار الديني الصهيوني- 5,5 ولادة، في حين أن معدل الولادات لدى النساء العلمانيات يقل عن ولادتين للأم الواحدة.

أما معدل الولادات لدى الأم العربية في إسرائيل فإنه في هبوط مستمر منذ مطلع سنوات التسعين، بفعل تطور المجتمع، ويبلغ حاليا 3,6 ولادة للأم الواحدة بالمعدل، ويتجاوز المعدل في صحراء النقب 5 ولادات، بينما هو في حدود 3 ولادات في شمال البلاد.

المصطلحات المستخدمة:

كرميئيل, بني براك, الخضيرة, تهويد