تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1953

أعلن رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، أمس الأربعاء، أن حكومته تعتزم اتخاذ قرارات تقضي بتشديد التعامل مع الفلسطينيين الذين يتصدون لاقتحام غلاة المستوطنين وعناصر اليمين المتطرف للمسجد الأقصى، على خلفية المواجهات في بداية الأسبوع الحالي، وأنه ستصدر توجيهات إلى أجهزة الأمن بعدم التردد في إطلاق النار على المشاركين في المواجهات.

وقال نتنياهو، خلال جولة في شارع رقم 443 (القدس - موديعين - تل أبيب) وفي القدس الشرقية، "نحن بصدد تغيير السياسة، والوضع الحالي ليس مقبولا علينا. وسنمنح الأدوات للجنود وأفراد الشرطة من أجل العمل بحزم بالغ جدا ضد من يلقون الحجارة والزجاجات الحارقة".

وزار نتنياهو المكان الذي لقي فيه ألكسندر ليفلوفيتش، من سكان مستوطنة "هار حوماه" في جبل أبو غنيم في جنوب القدس الشرقية، مصرعه بحادث طرق قرب بلدة صور باهر، وتدعي السلطات الإسرائيلية أنه أصيب بنوبة قلبية بعد أن أصاب حجر ألقاه فلسطينيون سيارته.

وقال نتنياهو إنه "لا يمكن التمييز بين حجر يُلقى على سيارة رُجمت هنا وقتل فيها مواطن إسرائيلي وبين حجر يتم إلقاؤه داخل الخط الأخضر. ونعتزم تبني تغييرات في التعليمات بشأن إطلاق النار وفي الحد الأدنى من العقوبات على من يلقون الزجاجات والحجارة".

وأضاف "أعتزم تشديد الغرامات على القاصرين وعائلاتهم بشكل كبير، من أجل التسبب بردع شديد. وليس مقبولا أن يحدث أمر كهذا (إلقاء حجارة) في إسرائيل. أنا لا أتحدث عن الطرق الموصلة إلى القدس أو في القدس نفسها فقط، وإنما عن الجليل والنقب أيضا... إننا نعلن الحرب ضد من يلقون الحجارة والزجاجات".

وتطرق نتنياهو إلى الوضع في الحرم القدسي، حيث تزايدت خلال ولايته اقتحامات المتطرفين اليهود وتزايدت القناعة بأن حكومته تسعى إلى تقسيم زماني للحرم كما هي حال الحرم الإبراهيمي في الخليل، فزعم أنه "نؤيد الحفاظ على الوضع القائم. لكن يتم اختراقه طوال الوقت من جانب المشاغبين الذين يتحصنون في جبل الهيكل ويتعرضون للزوار اليهود. وهذا ليس مقبولا علينا ونحن نعالج هذا الأمر أيضا، من خلال التعاون والحوار مع الأردن، ولكن ليس معه فقط".

وفيما يتحدث نتنياهو عن "تعاون" و"حوار" مع الأردن حول الأحداث في الحرم القدسي، فإن الملك الأردني عبد الله الثاني أصدر بيانا، يوم الاثنين الماضي، حذر فيه إسرائيل من "استفزازات أخرى" وأن من شأن ذلك أن يؤثر على العلاقات بين الأردن وإسرائيل، وأن الأردن سيكون مضطرا للقيام بخطوات. كما عبر الملك عن قلقه وغضبه الشديدين "من التدهور في القدس وخصوصا في المسجد الأقصى".

من جهة أخرى، ذكرت صحيفة "هآرتس" اليوم الخميس، أن إسرائيل بعثت في الأيام الأخيرة برسائل تهدئة إلى الأردن بصورة مباشرة وبواسطة الإدارة الأميركية، على خلفية التصعيد في الحرم القدسي.

ونقلت الصحيفة عن موظفين حكوميين قولهم إن إسرائيل أوضحت في هذه الرسائل أنه ليست لديها نية لتغيير الوضع القائم في الحرم، وادعوا أن جهات في السلطة الفلسطينية تنشر "أكاذيب" حول الموضوع.
رغم ذلك، يبدو أن نتنياهو يعمل باتجاه تغذية التصعيد الأمني الحاصل في القدس.

وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن نتنياهو طلب من المستشار القانوني للحكومة، يهودا فاينشتاين، المصادقة على استخدام قناصة من الشرطة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين المشاركين في المواجهات ويلقون الحجارة، مثلما تستخدم إسرائيل قناصة الجيش في الضفة الغربية.
ووفقا للتقارير الإعلامية الإسرائيلية، تبين خلال مداولات عقدها نتنياهو أول من أمس لبحث الوضع في القدس، أن هناك فرقاً بين تعليمات إطلاق النار لدى الجيش الإسرائيلي في الضفة وبين تعليمات كهذه لدى الشرطة، وأنه يحظر على الشرطة استخدام القناصة.

وأشارت "هآرتس" إلى أن "لجنة أور" الرسمية الإسرائيلية، التي حققت في أحداث هبة أكتوبر العام 2000، التي سقط فيها 13 شهيدا من المواطنين العرب في إسرائيل بنيران الشرطة، أكدت في تقريرها أن "إطلاق النار الحية، بما في ذلك إطلاق نيران قناصة، ليس وسيلة لتفريق حشد على أيدي الشرطة. إطلاق النار الحية هو وسيلة للتعامل مع أوضاع خاصة، مثل وضع يوجد فيه خطر حقيقي وداهم على الحياة أو أثناء إنقاذ رهائن".

المطالبة بعدم ترقية قضاة "يتساهلون" مع ملقي الحجارة

وجرى في بداية الأسبوع الحالي سجال بين رئيسة المحكمة العليا الإسرائيلية، مريم ناؤور، ووزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، الذي طالب بعدم ترقية قضاة وصفهم بأنهم "يتساهلون" في قرارات الحكم التي يصدرونها على معتقلين بشبهة إلقاء حجارة خلال المواجهات.

ونقلت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، يوم السبت الماضي، عن إردان اعتباره أنه في الوقت الذي ينص فيه القانون على فرض عقوبة السجن لمدة قصوى تصل إلى عشرين عاما على من يدانون بإلقاء حجارة، وأن "قوات الأمن تبذل جهودا من أجل اجتثاث هذه الظاهرة، فإن الحلقة الأخيرة في السلسلة، المحاكم، تمس بمحاولة ردع من يلقون الحجارة".

واقترح إردان تحويل قرارات المحاكم بشأن من يلقون الحجارة إلى اعتبار يؤخذ في الحسبان لدى اتخاذ قرار بترقية قاضٍ من محكمة الصلح إلى المحكمة المركزية.
وردت ناؤور، يوم الأحد الماضي، على أقوال إردان، وقالت في بيان خاص إن "الأقوال المنسوبة للوزير إردان تلائم دولاً ما كنا نريد أن نتشبّه بها، ولا تتشبه بها دولتنا كدولة يهودية وديمقراطية".

وأضافت أن الأفكار التي يطرحها إردان "تتناقض مع مبدأ الاستقلالية الشخصية للقاضي، الذي هو عنصر مركزي في أي نظام ديمقراطي، وتتناقض مع المبدأ الماثل في قانون أساس: القضاء، الذي بموجبه لا سلطة تعلو على من يمسك بصلاحية القضاء باستثناء سلطة القانون. وإذا بدا للسلطة التنفيذية أن قرار حكم كهذا أو ذاك مخفف أكثر مما ينبغي، فإن الطريقة المناسبة لمواجهته هي الاستئناف عليه".

واعترضت ناؤور على "محاولة تحذير القضاة من أنه إذا لم يحكموا وفقا لاعتقاد السلطة التنفيذية، فإنهم لن يترقوا"، وشددت على أن "قضاة إسرائيل سيستمرون في القيام بعملهم بإخلاص، ولن يهابوا أحدا".

ورد إردان على ناؤور بالقول "لست بحاجة إلى مواعظ أخلاقية في موضوع الحفاظ على القانون والدفاع عن المحكمة... وثمة أهمية كبيرة لأن يعرف مندوبو لجنة تعيين القضاة من يتساهل ومن يتشدد قبل تصويتهم على القضاة القلائل الذين ستتم ترقيتهم من بين عشرات المرشحين".

وأضاف إردان "أنا أحترم جدا رئيسة المحكمة العليا، ورغم ذلك فإن التزامي الأعلى كوزير للأمن الداخلي هو العثور على أية طريقة من أجل ضمان أمن مواطني إسرائيل".

ووفقا للقناة الثانية، فإن إردان يعتزم الاجتماع مع وزيرة العدل، أييليت شاكيد، من حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف، والتي ترأس لجنة تعيين القضاة، كي يستعرض أمامها قرابة ثلاثين قرار حكم صدرت في السنوات الأخيرة وفرضت "أحكاما مخففة" على مدانين قاصرين وبالغين بشبهة إلقاء حجارة.

من جانبه، طالب رئيس نقابة المحامين في إسرائيل، المحامي إيفي نافيه، إردان بالتراجع عن مبادرته. وقال إنه "إذا كان المشرع يعتقد أنه ينبغي تشديد العقوبة فليتفضل ويغيّر القانون وسقف العقوبة التي ينص عليها، وبعدها سيكون الجهاز القضائي والقضاة ملزمين بالعمل بموجب القانون".

وأضاف نافيه "إننا نحترم رغبة وزير الأمن الداخلي بإعادة النظام والأمن الشخصي إلى مواطني الدولة، لكننا نعتقد أنه ينبغي القيام بذلك بواسطة سن قوانين مناسبة وليس من خلال معاقبة قضاة".

"منشغلون بصيانة الصراع"!

اعتبر محللون أمنيون إسرائيليون، أمس، أن التصعيد الأمني الحالي في القدس يأتي على خلفية سياسة إدارة الصراع، وأكدوا أن الجانبين، إسرائيل والسلطة الفلسطينية، مسؤولان عن الوضع الحاصل.

ووفقا للمحلل الأمني في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، فإن الأحداث الأخيرة في القدس "هي نتيجة لغياب رؤيا وبسبب سياسة حكومة إسرائيل. وهي التعبير الأبرز عن سياسة نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون، اللذين لا يؤمنان بتقدم عملية السلام ويرسخان توجه ’صيانة الصراع’ الإسرائيلي – الفلسطيني وإدارته".

وأردف أن "كلا الجانبين منشغلان بالصيانة، وكل واحد على طريقته. الفلسطينيون معنيون بتصعيد التوتر ولذلك هم يلقون الحجارة، يخرقون النظام العام ويتواجهون مع قوات الأمن. ولا يوجد تفكير أو عمل موحد في الجانب الفلسطيني. ورؤساء الوقف الإسلامي، المقربون من السلطة الفلسطينية والمملكة الأردنية والذين يديرون المساجد في جبل الهيكل، ليسوا معنيين بالمواجهات لكن تأثيرهم على الشبان الذين في واجهة هذه المواجهة ضئيل للغاية".
واعتبر ميلمان أن "السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن (الرئيس محمود عباس) تتطلع إلى أن تكون المواجهات دائرة على ’نار هادئة’، وأن يدوي صداها في وسائل الإعلام العالمية وفي الدول العربية، مرسلة تذكيرا بأن القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، المبعدين عن الأجندة والعناوين في العالم، لا يزالان موجودين. لكن حماس تريد أكثر من ذلك. إنها تسعى إلى تغذية الغرائز وتسخين الأجواء وإشعال الأرض وتدهور الوضع إلى انتفاضة جديدة".

وأضاف ميلمان أن "حكومة إسرائيل، بواسطة الشرطة، تحاول تفريق المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع والاقتحام والاعتقالات، وهكذا دواليك. لكن الحكومة تواجه مشكلة، فهي تشعر بأن من واجبها الرد على المشاغبين والمتظاهرين من أجل الحفاظ على الشعور بالردع والمصالحة مع اليمين والرأي العام، كي لا تُصور بأنها لينة وخنوعة".

وتابع ميلمان أنه في أعقاب التنديد الدولي والعربي، فإن "التخوف الأكبر في إسرائيل هو من ردود الفعل في العالم العربي المنقسم والذي يشهد حروبا أهلية دموية. والمواجهات في جبل الهيكل، أحد الأماكن المقدسة في الإسلام، قد تثير ردود فعل متتالية".

وأردف أن "ما يثير قلق إسرائيل خصوصا هو تأثير الأحداث في القدس عموما وفي جبل الهيكل خصوصا على الأردن، الحليف الإستراتيجي".

من جانبه، اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن "(الملك الأردني) عبد الله قلق على الرغم من حقيقة أن نتنياهو تعهد أمامه بعدم المساس بالوضع القائم بعد التوتر قبل عام. ورغم ذلك، استمر التعاون الوثيق بين القدس وعمان حول المصالح طوال الوقت على خلفية الواقع الإقليمي. ولذلك فإن ثمة شكاً في هذه المرحلة في ما إذا كان حتى التوتر في القدس سيقوض العلاقات بين الدولتين".

وأشار هرئيل إلى أن "إلقاء الحجارة يحظى الآن بانتباه إعلامي (إسرائيلي) بسبب مقتل ألكسندر ليفلوفيتش. لكن في الواقع، تجري في القدس الشرقية وأحياء خط التماس بصورة دورية انتفاضة محلية منذ صيف العام 2014، في أعقاب خطف وقتل الشبان الإسرائيليين الثلاثة وقتل الفتى الفلسطيني (محمد أبو خضير) في حي شعفاط".

واعتبر أن "الخطوات التي نفذتها الحكومة والبلدية والشرطة أدت حتى اليوم إلى تخفيف مؤقت للتوتر وحسب، وليس إلى تهدئة حقيقية".

ورأى هرئيل أن ما يقف في خلفية تدهور الأوضاع في الحرم القدسي، قرار يعلون الإعلان عن "مجالس العلم" و"مصاطب العلم" في المسجد الأقصى "تنظيمين محظورين". وأضاف أن الأجواء في الحرم القدسي تسخن دائما خلال "أعياد تشري"، وهو الشهر العبري الحالي الذي يحل فيه عيد رأس السنة العبرية ويوم الغفران وعيد العرش أو المظلة، وذلك "على ضوء وجود معارضة إسلامية لزيارات المصلين اليهود".

وتابع هرئيل أنه يوجد الآن سبب آخر لتدهور الوضع يتمثل بأنه "طوال شهور معدودة علقت قيادة حماس في غزة آمالا على جهود وسطاء دوليين لحياكة اتفاق واسع لهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل. واهتم نتنياهو ويعلون مؤخرا بالتوضيح أنهما غير معنيين بأكثر من تحقيق وقف محدود لإطلاق النار، ترافقه تسهيلات في معبر كرم أبو سالم، ولكن ليس خطوات أوسع أملوا بها في غزة مثل المصادقة على إنشاء ميناء. ويبدو أنه منذ أن أدركوا في حماس أن المفاوضات مع إسرائيل لن تثمر عن أمور كثيرة، عادت الحركة إلى تشجيع نشطاء إسلاميين مرتبطين بها على القيام بأعمال عنف في القدس والضفة".

ووفقا للمراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، فإنه "في القدس بدأوا يفقدون السيطرة الأمنية. ولم يعد بالإمكان اتهام ’الفرد الذي ينفذ اعتداء’ دوريا. فهذه ليست أحداثا موضعية، وإنما هي نمط متكرّر منذ فترة طويلة".

وأشار يهوشواع إلى اقتحامات المستوطنين المتكررة للحرم القدسي، وكتب أن "ما لم يحققه قتل الطفل (علي دوابشة) في سريره، تحققه الصلوات المشتركة في جبل الهيكل. إنها تشعل المنطقة الأكثر قابلية للاشتعال في العالم".

وأضاف أنه برغم الأحداث في القدس "وبرغم محاولات قيادة السلطة الفلسطينية تسخين الأجواء، وبرغم التحريض في شبكات التواصل الاجتماعي، فإن الجمهور في المناطق (المحتلة) لم يخرج إلى الشوارع أو إلى مراكز الاحتكاك المعروفة حتى الآن. لكن ربما الأسوأ لا يزال أمامنا، عندما يصعد آلاف المصلين اليهود إلى القدس في عيد العرش. إن التحدي عندها سيكون أكبر بكثير".