تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1537

سعت الحكومة الإسرائيلية من خلال قانونيْن جرى التصويت عليهما في الكنيست فجر يوم الخميس الماضي، إلى تشديد العقوبات على فلسطينيين من جراء شن هجمات ضد أهداف إسرائيلية، وإلى كم أفواه الصحافيين والإعلاميين من خلال منعهم من التعبير عن آرائهم الشخصية، كاشفة النقاب بذلك عن الاتجاه الذي تسير نحوه في الآونة الأخيرة.

 

وربما يكون مشروع قانون تشديد العقوبات باسمه الرسمي "قانون محاربة الإرهاب"، لا يحمل توجها جديدا، لأن أقطاب هذه الحكومة، وفي مقدمتهم رئيسها بنيامين نتنياهو، وقادة حزب "البيت اليهودي"، وخصوصا وزيرة العدل أييليت شاكيد التي بادرت إلى هذا القانون، صرحوا في الماضي مرارا وتكرارا في هذا الاتجاه.

لكن القانون الآخر، وهو "قانون البث العام"، كان مثيرا للجدل وفجّر ضجة كبيرة في إسرائيل، كونه يتعلق بحرية التعبير عن الرأي التي سعى هذا القانون إلى سلبها من الإعلاميين والصحافيين في سلطة البث الحكومية، أي المسؤولة عن القناة التلفزيونية الأولى والإذاعة العامة ("صوت إسرائيل").

ويتهم معارضو هذا القانون أنه تحت جنح الظلام، وفيما كانت قاعة الهيئة العامة للكنيست شبه خالية من النواب، قبيل الفجر، تمكن عضو الكنيست يسرائيل آيخلر، من كتلة يهدوت هتوراة" الحريدية الشريكة في حكومة نتنياهو، والوزير المسؤول عن سلطة البث، أوفير أكونيس، من حزب الليكود، من إدخال بند إلى قانون البث العام، يمنع التعبير عن رأي شخصي في برامج البث العام.

ويهدف هذا البند في القانون إلى قمع برامج، خصوصاً إذاعية، توجه انتقادات للحكومة حول بعض سياساتها، وخاصة الاقتصادية والاجتماعية.

وأيد تعديل قانون البث العام 25 نائبا وعارضه 18 نائبا.
وتشمل هذه التعديلات، إضافة إلى منع التعبير عن الرأي، إلغاء ضريبة التلفزيون بدءا من العام الجاري، وتأجيل موعد إغلاق سلطة البث الحكومية وإنشاء هيئة جديدة إلى نهاية العام المقبل.

وينص البند المتعلق بمنع التعبير عن الرأي على أنه "خلال برامج سلطة البث، ينبغي الامتناع عن مواقف أحادية الجانب، أفكار مسبقة، التعبير عن رأي شخصي...".

ووصفت نقابة الصحافيين الإسرائيليين بند منع التعبير عن الرأي بأنه "هوس يمس بالديمقراطية وبأركان البث العام، وهذا يشكل تدخلا مرفوضا من جانب المشرع في أخلاقيات مهنة الصحافة". وأعلنت النقابة أنها ستعمل بكل طريقة قانونية وتشريعية وعامة من أجل إلغاء هذا البند، وأنها تدرس إمكانية التوجه إلى المحكمة العليا.
ويشار إلى أن نتنياهو تعمد أن يتولى خلال ولايته الحالية منصب وزير الاتصالات أيضا، وسط اتهامات له بأنه يسعى من وراء ذلك إلى السيطرة قدر الإمكان على وسائل الإعلام ومنع انتقادات ضد سياسته. وفي هذا السياق، بادر إلى تفكيك سلطة البث المسؤولة عن القناة الأولى والإذاعة العامة، وإنشاء سلطة جديدة مكانها تكون متماشية مع سياسته.

لكن في أعقاب الضجة على هذا القانون، أصدر مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بيانا، يوم الجمعة الماضي، قال فيه إن نتنياهو يعتزم إلغاء البند الذي يمنع التعبير عن الرأي، بادعاء أن الأخير لم يطلع عليه قبل إجراء التصويت.

وجاء في البيان أن "نتنياهو يؤمن بأن قواعد آداب مهنة الصحافة لا ينبغي تحديدها بقانون، وقرر العمل على تصحيح هذا البند".
ورد أكونيس، الذي يتولى منصب وزير العلوم والتكنولوجيا، على بيان نتنياهو هذا بالاستقالة من مسؤوليته عن سلطة البث.

وقال أكونيس في رسالة بعث بها إلى نتنياهو في أعقاب بيانه إنه "لم تكن هناك نية في أية مرحلة بأن يمنع البند المذكور التعبير عن الرأي في البرامج. وكان هدفه التشديد على قواعد آداب المهنة في نشرات الأخبار. لم يكن هدف قانون البث العام الإسرائيلي كم الأفواه. والعكس هو الصحيح، هدفه فتح الأفواه".
وأضاف أكونيس في رسالته إلى نتنياهو، بتهكم ظاهر، أنه يعيد المسؤولية عن سلطة البث إليه "وأتمنى لك النجاح في الانشغال بهذه الأمور في منصبك كوزير للاتصالات".

ثمن الولاء لنتنياهو

رغم أن نتنياهو ادعى أنه لم يكن يعلم بالبند الذي يقيد حرية الرأي، إلا أن محللين بارزين أكدوا أن نتنياهو كان على علم بهذا البند ولم يعترض عليه أو يتحفظ منه.

وكتب محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، أمس الأحد، أن أكونيس جلس قرب نتنياهو في مقاعد الحكومة في الهيئة العامة للكنيست، وكان بيده نص البند المذكور "وقرأ له بصوت مرتفع هذه الأمور، وحتى أنه كان يضع إصبعه على السطور. ونتنياهو، الذي كان يضع نظارتيه، شاهد وسمع واستوعب، ومنح أكونيس ضوءا أخضر لتأييد اقتراح عضو الكنيست آيخلر".

كذلك كتب كبير المعلقين السياسيين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، أمس، أن "أكونيس تلقى ضوءا أخضر من نتنياهو لدعم خطوة آيخلر".

وأشار برنياع إلى أن هذا البند مأخوذ من أنظمة تم وضعها قبل 44 عاما، في إطار ما يعرف بـ"وثيقة نكدي"، وذلك "قبل أن تكون في البلاد قنوات تلفزيون، وقبل أن يكون هناك انترنت وشبكات تواصل اجتماعي، وقبل أن تكون برامج يتحدث فيها الإعلاميون عن رأيهم في الإذاعة والتلفزيون. وهذه القواعد توقفت عن كونها ذات صلة بالواقع منذ فترة طويلة. وإدخالها إلى قانون كان يمكن أن يؤدي، ليس فقط إلى كم الأفواه، وإنما قبل كل شيء كانت ستؤدي إلى طرد آخر المستمعين والمشاهدين للبث العام".

وتطرق برنياع وفيرتر إلى ما يمكن وصفه بـ"ثمن الولاء" لنتنياهو، إذ أن أكونيس يعتبر من أكثر الأشخاص المخلصين له على مدار العشرين عاما الماضية. وقبل دخوله إلى الكنيست، كان أكونيس متحدثا باسم نتنياهو، وترقى سياسيا في ظله.

وأشار المحللان إلى أنه عندما كان نتنياهو يوزع الحقائب الوزارية لدى تشكيله الحكومة الحالية، تجاوز أكونيس، مثلما لم يستجب لمطالب الوزير غلعاد إردان، وهو الآخر من أكثر المخلصين لنتنياهو. وكان إردان قد هدد بعدم الدخول في الحكومة، وهو ما اعتبر تمردا على نتنياهو، إلى أن عينه الأخير وزيرا للأمن الداخلي. وفي موازاة ذلك عيّن أكونيس وزيرا بلا حقيبة، حتى تعيين الوزير داني دانون سفيرا في الأمم المتحدة وحل مكانه أكونيس كوزير للعلوم والتكنولوجيا والفضاء.

ورأى المحللان أن هذين الوزيرين استقلا سياسياً عن نتنياهو. واعتبر برنياع أنه لا مكان للشفقة على إردان وأكونيس كوفيين لنتنياهو، "فهذا هو المستقبل السياسي الذي اختاراه لنفسيهما. وإذا كان نتنياهو ليس قادرا على العمل مع أكثر المخلصين بين مؤيديه، فمع من سيعمل". من جانبه، أشار فيرتر إلى أن نتنياهو استجاب خلال توزيع الحقائب الوزارية للوزراء الذين تمردوا ضده وضد قيادته، وفي مقدمتهم الوزير سيلفان شالوم.

بدورها شككت محللة الشؤون الحزبية في "يديعوت أحرونوت"، سيما كدمون، في إمكانية أن يلغي نتنياهو بند منع التعبير عن الرأي في القانون. وكتبت، أمس، أن "ثمة إمكانية ألا يفعل نتنياهو شيئا. إذ أن الطريقة الوحيدة التي تمكن نتنياهو من تغيير القانون هي طرح مشروع قانون جديد، ينبغي أن يمر بقراءة تمهيدية، وبحثه في لجنة (القانون والدستور) وثلاث قراءات في الهيئة العامة. وحتى ذلك الحين، ستغلق سلطة البث".

"قانون محاربة الإرهاب"

في موازاة سن قانون البث، صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءة الأولى على "قانون محاربة الإرهاب".
وأيد القانون 45 عضو كنيست وعارضه 14 عضوا.

ويوسع هذا القانون بشكل كبير صلاحيات الدولة وتعريف منظمة وأنشطة "إرهاب". وسيحول مشروع القانون إلى لجنة القانون والدستور من أجل إعداده للقراءتين الثانية والثالثة.
ومن بين البنود التي ينص عليها القانون أن تتم مساواة عقوبة من يساعد في تنفيذ عملية مع عقوبة منفذ العملية، ويوسع العقوبة حتى السجن ثلاثين عاما.

كما يفرض مشروع القانون عقوبة السجن لثلاث سنوات على من يعبر عن تأييد لمنظمة "إرهابية"، أي جميع الفصائل الفلسطينية.

واستعرضت وزيرة العدل الإسرائيلية، أييليت شاكيد، مشروع القانون في الهيئة العامة للكنيست، وقالت إن "غاية مشروع القانون هذا أن يضع تحت تصرف جهاز تطبيق القانون معظم الأدوات المطلوبة اليوم لمحاربة فعالة ضد التنظيمات الإرهابية، ونشاطها الآخذ بالاتساع، وضد وسائل تمويل تسمح بهذه الأنشطة. والإرهاب يسعى إلى الفصل بيننا وتحويلنا إلى معسكرات مختلفة".
وأضافت شاكيد أنه "فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب لا يوجد يمين ويسار. لا توجد معسكرات ولا مجموعات. وهذه حرب يتعين علينا أن ننتصر فيها، وسننتصر فيها وهذه حرب سننتصر فيها معا".

وتابعت شاكيد أنه "ينبغي أن نذكر أنه إلى جانب الجبهة التي تدور فيها هذه الحرب، هناك الجبهة القانونية. ومن أجل تحسين القدرات القضائية والقانونية لدولة إسرائيل في محاربة الإرهاب، جرت دراسة الأدوات الموجودة اليوم في مجال القانون الجنائي، المدني والإداري، وتمت بلورة أمور جديدة في إطار القانون المطروح أمامكم".

وعقبت رئيسة حزب ميرتس، زهافا غالئون، على مشروع القانون خلال مناقشته في الكنيست، بالقول إنه "ينبغي القضاء على المصنع الذي ينتج المحفزات على الإرهاب وهو الاحتلال".

من جانبه أشار عضو الكنيست إيال بن رؤوفين، وهو ضابط في الاحتياط برتبة لواء، وينتمي لقائمة "المعسكر الصهيوني" التي تم إلزام نوابها بتأييد القانون، إلى أنه "سيدعم القانون لكن يجب إجراء تعديلات عليه في لجنة القانون والدستور من أجل الحفاظ على أقصى حد من أخلاقيات القتال".

ولفت عضو الكنيست أسامة السعدي من القائمة المشتركة إلى أن محاربة الاحتلال هي حق شرعي بموجب كافة المعاهدات الدولية، وأكد أنه "سنهتم بإسقاط القانون في اللجنة البرلمانية".