تعلن إسرائيل باستمرار، من خلال قيادتها السياسية والعسكرية، أنها تمتنع عن التدخل في الحرب الدائرة في سورية. وبرغم ذلك، فإنها بين حين وآخر تشن غارات في عمق الأراضي السورية، ضد قواعد للجيش السوري أو مواقع أو قافلات سيارات، وتبرر ذلك، بصورة غير مباشرة، بأن أهداف الغارات هي صواريخ متطورة تُنقل أو سيتم نقلها إلى حزب الله في لبنان.
واتبعت إسرائيل سياسة عدم الاعتراف بهذه الغارات. لكن في أحيان نادرة تعلن أن لا علاقة لها بهذه الغارة أو تلك. وحدث ذلك أمس، الاثنين، في أعقاب تقرير لقناة الجزيرة القطرية، قالت فيه إن طائرات "يعتقد أنها إسرائيلية" أغارت ليل الأحد – الاثنين الفائت على موقع منصات صواريخ في منطقة القلمون، الواقعة شمالي دمشق والقريبة من الحدود السورية - اللبنانية، وأنه سقط في هذه الغارة قتلى وجرحى.
إلا أن مصدرا أمنيا إسرائيليا قال أمس إن إسرائيل لم تنفذ هذه الغارة، وإنما هي جزء من المعارك الدائرة بين "جبهة النصرة" وبين حزب الله والجيش السوري. وبحسب هذا المصدر فإن إسرائيل ليست معنية بالتدخل في المعارك، التي تصاعدت مؤخرا في هذه المنطقة بين الأطراف المتصارعة في سورية. ورفض الناطق العسكري الإسرائيلي التعقيب، وقال "إننا لا نتطرق إلى تقارير إعلامية أجنبية".
وجاءت هذه الغارة في وقت أخذت تسخن فيه الجبهة الإسرائيلية – السورية. فقبل ساعات من هذه الغارة، قصفت طائرة من دون طيار إسرائيلية موقعا عند خط وقف إطلاق النار في مرتفعات الجولان السورية المحتلة. وأعلن الجيش الإسرائيلي أن الهدف الذي جرى قصفه عبارة عن خلية مؤلفة من أربعة أشخاص، حاولت زرع عبوة ناسفة. وأضاف أن ثلاثة قتلوا فيما الرابع أصيب، ولم يتم رصده يغادر المكان، ما يعني أنه ربما قُتل أيضا.
وتطرق رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، إلى هذه العملية قائلا إن "أي محاولة للاعتداء على جنودنا أو مواطنينا ستواجه ردا حازما أسوة بعملية الجيش هذه الليلة، التي أحبطت بدورها محاولة لتنفيذ عملية إرهابية. أشيد بيقظة جنود الجيش الإسرائيلي التي أدت إلى القيام بعمل سريع ودقيق".
وقبل ذلك بيومين، قال تقرير لقناة الجزيرة أيضا، إنه جرى قصف مواقع تابعة للجيش السوري وحزب الله في منطقة القلمون، ولم ترد أنباء عن خسائر بشرية. ولم تعقب إسرائيل على ذلك، لا بالتأكيد ولا بالنفي، خلافا لنفي الغارة أمس.
ورغم سياسة التعتيم التي تفرضها إسرائيل على غاراتها في سورية، إلا إنها تعلن دائما أنها ستفعل كل ما بوسعها من أجل منع نقل أسلحة "كاسرة للتوازن" إلى حزب الله. وفي هذا السياق قال وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، أول من أمس، إن "إيران مستمرة في محاولة تسليح حزب الله في هذه الأيام أيضا، وتتطلع إلى تزويد المنظمة الإرهابية اللبنانية بسلاح متطور ودقيق. كما يتطلع أفراد الحرس الثوري الإيراني وحزب الله إلى تنفيذ ذلك بكل الطرق وبواسطة كل المسارات".
وأضاف يعلون، في اعتراف مبطن بالغارات في سورية، أن إيران وحزب الله "يعيان الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل والتي لا توجد أية نية لديها في المساومة عليها: لن نسمح بنقل أسلحة نوعية إلى المنظمات الإرهابية، وعلى رأسها حزب الله، وسنعرف كيف نصل إلى هذه الأسلحة ومرسليها في أي زمان ومكان. ولن نسمح لإيران وحزب الله بإقامة بنية تحتية إرهابية عند حدودنا مع سورية، وسنعرف كيف نضع يدنا على كل من يهدد مواطني إسرائيل على طول الحدود وحتى أبعد من ذلك".
"لا أحد يريد حرب لبنان ثالثة"
اعتبر المحلل العسكري في موقع "واللا" الالكتروني، أمير بوحبوط، أن أقوال يعلون "ليست موجهة إلى حزب الله وحماس، اللذين يبذلان جهودا هائلة من أجل حيازة صواريخ دقيقة (في إصابة الأهداف)، وإنما هي موجهة أيضا إلى التنظيمات المسلحة في الأراضي السورية، التي قد تصحو في أحد الأيام وتوجه سلاحها ضد إسرائيل".
وأشار بوحبوط إلى أن يعلون يعتبر أن هناك حاجة دائمة لصيانة "الخطوط الحمراء" الإسرائيلية "لكي لا يتمكن العدو من تطوير استخفاف بها". وأضاف أنه عندما كان يعلون يتولى رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، كان يتحدث عن سياسة "العصا والجزرة"، معتبرا أن إسرائيل استخدمت العصا، في نهاية الأسبوع الماضي، قبيل نقل صواريخ "سكاد" إلى حزب الله.
وتابع بوحبوط أن الغارة في نهاية الأسبوع الماضي لها هدف آخر وهو "رؤية كيفية رد فعل العدو على هذا الهجوم"، لافتا إلى أن "عملية (عسكرية إسرائيلية) واحدة زائدة من شأنها جر الأطراف إلى حرب إقليمية، تكون بدايتها واضحة ومعروفة، ولكن لا أحد بإمكانه أن يعرف متى وأين ستنتهي".
بدوره، رأى المحلل العسكري في موقع nrg الالكتروني العبري، عمير رابابورت، أن نفي إسرائيل شن الغارة ليل الأحد – الاثنين، كان يهدف "ربما إلى خفض ارتفاع ألسنة اللهيب المشتعلة"، وشدد على أنه يصعب معرفة ما إذا كان هذا هجوما نفذته تنظيمات تحارب ضد النظام السوري.
وأضاف أن "الأمر الواضح هو... أن أي خطأ يرتكبه أحد الأطراف في تحليل نوايا وخطوات الجانب الآخر بإمكانه أن يقود إلى تدهور عارم وسريع جدا، رغم أن لا أحد من الأطراف معني بحرب لبنان الثالثة في الصيف القريب".
هدف الغارات هو الصواريخ التي تخرق التوازن
تنظر إسرائيل إلى تسلح حزب الله على أنه القضية الأكثر إلحاحا والتحدي الأخطر أمامها، كما أنه بناء على تجربة السنوات الأخيرة، بات من الصعب توقع رد فعل حزب الله على غارات كهذه، بحسب المحللين.
وارتفعت في الآونة الأخيرة وتيرة التهديدات والتحذيرات التي يطلقها قادة الجيش الإسرائيلي والمسؤولون الأمنيون ضد حزب الله، وكان آخرها تهديدات أطلقها قائد سلاح الجو، أمير إيشل، يوم الجمعة الماضي، خلال مقابلة مع القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، وقال فيها إن لبنان سيتعرض لضربات شديدة أكثر بكثير من تلك التي تعرض لها خلال حرب لبنان الثانية قبل تسع سنوات، في حال نشوب حرب أخرى بين إسرائيل وحزب الله. وحذر إيشل المدنيين اللبنانيين من أنه لا يجدر بهم التواجد في منطقة يخبئ حزب الله فيها صواريخ لأن منطقة كهذه، ورغم أنها منطقة سكنية، ستعتبر "قاعدة عسكرية".
وكان مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، نسيم بن شيطريت، بعث برسالة إلى وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، في منتصف نيسان الحالي، قال فيها إن قضية تسلح حزب الله هي الأكثر إلحاحا وخطورة بالنسبة لإسرائيل. ويأتي ذلك في الوقت الذي تشير فيه التقديرات إلى تراجع إمكانية شن هجوم إسرائيلي منفرد ضد المنشآت النووية في إيران بعد تفاهمات هذه الأخيرة مع الدول الكبرى.
وكتب المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، أن "تهديد صواريخ حزب الله عاد ليحتل مكانته كتحد أمني رقم واحد بالنسبة لإسرائيل".
وعلى خلفية الغارة الإسرائيلية في سورية والتقارير التي تحدثت عن قصف قافلة تنقل أسلحة إلى حزب الله في لبنان، أشار هارئيل إلى أن بحوزة حزب الله قرابة 100 ألف صاروخ، يغطي مداها كل الأراضي الإسرائيلية، ولذلك فإنه إذا كان بحوزته مئة صاروخ أكثر أو أقل، فإن هذه ليست المشكلة وأن هذا الأمر لا يشكل دافعا لشن هجوم جوي ضد قوافل نقل أسلحة.
وأضاف هارئيل أن المشكلة تكمن في نوعية الصواريخ وكونها تخرق التوازن بين حزب الله وإسرائيل، إذ أن أمين عام الحزب، حسن نصر الله، يهدد بقصف منشآت عسكرية ومدنية في إسرائيل في حال استهدفت الأخيرة منشآت لبنانية هامة. ومن أجل تحقيق هذا التهديد، يحتاج الحزب إلى صواريخ دقيقة في إصابة الأهداف الإستراتيجية، بمعنى أن تكون قادرة على السقوط على مقربة عشرات الأمتار من أهدافها وليس في موقع يبعد كيلومتراً عن هذه الأهداف.
وأشار هارئيل أيضا إلى أن نقل الأسلحة في التوقيت الحالي مرتبط بضعف النظام السوري خصوصا أمام هجمات تنظيمات مثل "داعش" و"جبهة النصرة"، التي استولت في الفترة الأخيرة على مواقع عديدة داخل البلاد وعند حدودها.
وفيما يتعلق باحتمالات إقدام حزب الله على شن هجوم ردا على الغارات الأخيرة، فإنه في إسرائيل يصعب تقدير ذلك، لأن الحزب لم يرد على معظم الغارات الإسرائيلية في السنوات الماضية، لكنه رد بهجوم في مزارع شبعا على الغارة التي استهدفت جنرالا إيرانيا وستة مقاتلين من الحزب، في كانون الثاني الماضي، وأسفر ذلك عن مقتل جنديين إسرائيليين.
الغارات تضعف النظام السوري أمام التنظيمات الجهادية المتشددة
انتقد المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، بشكل مبطن، الغارات في سورية. وكتب أنه "في كل مرة ينسبون فيها إلى سلاح الجو مهاجمة منشآت للجيش السوري، يُعتبر ذلك كأنه يساعد تنظيمات المعارضة المركزية لنظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، وهما جبهة النصرة وداعش. ويبدو هذا بمثابة اعتقاد مفند لكن هذه هي المعادلة القائمة".
وأضاف فيشمان أنه على الرغم من أن كلا جانبي الصراع في سورية عدوان لإسرائيل، إلا أنه "ينبغي أن يكون هناك سبب غير مألوف من حيث خطورته، ويشكل خطرا مباشرا على المصالح الإسرائيلية، من أجل أن تقدم على خطوة عسكرية كأنها قد تعود بالفائدة على الإسلاميين في سورية".
وحذر فيشمان من عواقب غارات كهذه، وكتب أنه "قبل الخروج بأهازيج الفرح بنجاح الغارات الغامضة في سورية، والتي نُسبت لإسرائيل في نهاية الأسبوع، يجدر أن نتذكر أنه قبل عدة عقود أيضا شوهد فرح مشابه هنا عندما هاجم الجيش الإسرائيلي أهدافا سورية في لبنان ’لأسباب أمنية مبررة’، وجرّنا إلى التدخل في حرب أهلية لا علاقة لنا بها ورطتنا طوال 18 عاما في الوحل اللبناني".
ورأى فيشمان أن "الفرضية المعقولة هي أن الغارة في نهاية الأسبوع الماضي جاءت كي تحبط محاولة أخرى من جانب حزب الله لنقل عتاد من سورية إلى لبنان تحت غطاء السحب الكثيفة التي رافقت المنطقة في الأيام الأخيرة".
وتابع فيشمان أنه "يحظر الاستخفاف بنقل قذائف صاروخية وصواريخ من سورية إلى لبنان". لكنه اعتبر أن "الغارات الجوية الجراحية هذه تتقزم أمام قطار الأسلحة الفرنسية – السعودية التي يتم ضخها إلى الجيش اللبناني في هذه الأيام، وفي وضح النهار وبدون عائق. ويدور الحديث عن تزويد سلاح فرنسي متطور، بتمويل سعودي قدره ثلاثة مليارات دولار، وغايته إعادة تسليح الجيش اللبناني من أجل لجم الإسلاميين ومنع دخولهم إلى لبنان".
وأوضح فيشمان أن ما يزعجه في تسلح الجيش اللبناني، هو أنه "لا شك لدى أحد في إسرائيل في أن هذا السلاح الفرنسي المتطور سيخدم في نهاية المطاف حزب الله الذي يتعاون بشكل وثيق مع الجيش اللبناني. فأين التناسبية إذن وتزويد السلاح الفرنسي هو أخطر بكثير بالنسبة لنا" من الصواريخ التي تنقل من سورية إلى حزب الله في لبنان.
وفيما يتعلق بالغارات في القلمون، رأى فيشمان أنها ستضعف الجيش السوري وحزب الله في وقت يتوقع فيه تصاعد القتال في هذه المنطقة، مع اقتراب فصل الصيف، وتكثيف التنظيمين الجهاديين المتشددين "جبهة النصرة" و"داعش" من تواجدهما في المناطق المحيطة بدمشق.
وخلص المحلل إلى التساؤل: "من بين كل هذه الأطراف، لمن بالضبط توجد لإسرائيل مصلحة في تعزيز قوته أو إضعافه؟".
المصطلحات المستخدمة:
يديعوت أحرونوت, هآرتس, مدير عام وزارة, بنيامين نتنياهو, موشيه يعلون, أفيغدور ليبرمان