تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1795

يركز الخطاب العام في إسرائيل، خلال الحرب العدوانية الحالية على غزة، على القتال ضد حماس والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، ويغيّب معاناة المدنيين الفلسطينيين، الذين يدفعون أبهظ الأثمان، سواء بعدد الشهداء المرتفع للغاية أو بالدمار الرهيب جراء القصف الإسرائيلي العنيف. ولا تخفي إسرائيل تعمدها التسبّب بهذه الأهوال، وأن ذلك يندرج ضمن عقيدة قتالية تطلق عليها اسم "عقيدة الضاحية"، في إشارة إلى تدمير الضاحية الجنوبية في بيروت، معقل حزب الله، خلال حرب لبنان الثانية في العام 2006.
ويرافق هذا العدوان الوحشي، تفاقم لمظاهر العنصرية بين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، في قطاع غزة والضفة الغربية وداخل إسرائيل، ورفض أية مظاهر احتجاجية مناهضة لهذه الحرب، خاصة لدى عرب الداخل.


كذلك ترافق هذا العدوان مظاهر فاشية ضد احتجاجات اليسار الإسرائيلي، ومعظمه من اليسار غير الصهيوني. وفي مقابل هذه الاحتجاجات، يخرج متظاهرون يهود للتعبير عن تأييدهم للحرب ويهتفون بشعاراتهم العنصرية والفاشية وفي مقدمتها "الموت للعرب". وحتى أن عدسات الكاميرات وثقت ارتداء بعضهم بلوزات النازيين الجدد في أوروبا، التي كتب عليها شعار النازيين الجدد في ألمانيا "Good Night Left Side" (تصبحون على خير أيها اليساريون).

في ظل هذه الأجواء، وفي سياق الأنباء حول مداولات المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) حول مواصلة العدوان أو حتى توسيعه، تصور "الجوقة" الإعلامية الإسرائيلية رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، موشيه يعلون، على أنهما منضبطان، وأحيانا "حمائميان"، لأنهما يمتنعان عن توسيع العملية العسكرية البرية في القطاع أو احتلاله كله، علما أنهما صادقا على العدوان الذي تسبب بكل هذه الأهوال.

رغم ذلك، ظهرت في وسائل الإعلام الإسرائيلية مقالات بأقلام شخصيات معروفة، معظمهم باحثون، احتجوا على الأجواء السائدة وخطاب اليمين الإسرائيلي المسيطر في إسرائيل.

"إسرائيل تتجاهل العلاقة بين المساس بالمدنيين وعدائهم لها"

 

 في ظل تجاهل الرأي العام الإسرائيلي للأهوال في القطاع ومعاناة المدنيين، أكد الباحث في الشؤون العسكرية، الدكتور ياغيل ليفي، أن إسرائيل تتجاهل العلاقة بين الأذى البالغ الذي تلحقه بالمدنيين الفلسطينيين وعداء هؤلاء المدنيين لإسرائيل. ومن أجل توضيح هذا الأمر، اقتبس ليفي خطابا ألقاه في العام 1956 رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي في حينه، موشيه دايّان، في تأبين حارس كيبوتس "ناحل عوز"، روعي روتبرغ، الذي قتله رعاة فلسطينيون تسللوا من قطاع غزة.

وقال دايّان في خطابه إنه "لا ينبغي علينا اليوم أن نكيل الاتهامات تجاه القتلة. ولماذا نشكو من كراهيتهم الشديدة لنا؟ فهم يسكنون منذ ثماني سنوات في مخيمات اللاجئين التي في غزة، وأمام أنظارهم استولينا على الأرض والقرى التي سكنوها هم وآباؤهم".

وكتب ليفي، في مقال نشره في صحيفة "هآرتس"، يوم الأحد الماضي، أن "دايّان أبدى تفهما لكراهية لاجئي العام 1948 تجاه المستوطنين اليهود، الذين أقاموا بيوتهم على أنقاض قراهم. ودعا دايان إلى النظر إلى ’الضغينة التي ترافق وتملأ حياة مئات آلاف العرب’ على أنها ’مصير جيلنا’. واستنتج من ذلك أن ’هذا خيار حياتنا، أن نكون مستعدين ومسلحين، أقوياء وصارمين، وإلا ستفلت الحربة من قبضتنا وتنقطع حياتنا’. وقال (الصحافي وناشط السلام) أوري أفنيري عن هذا الخطاب إنه يعبر عن ’وجهة نظر صليبي لا يفتح أية ثغرة للسلام’. لكن اليوم، ولشدة التناقض، يثير هذا الخطاب اشتياقا.

ورأى ليفي أن دايان أظهر تفهما لجذور الصراع العربي – الإسرائيلي "ومنح بصورة غير مباشرة، عمليا، شرعية للمقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل. وخلافا لدايان، فإن الخطاب السياسي الذي يرافق سلسلة الجولات المسلحة ضد غزة في السنوات الأخيرة يُسكت جذور العداء بين إسرائيل وغزة، أو يتجاهلها".

وشدد ليفي على أن "إسرائيل اليوم ليس فقط تزرع أرض لاجئي 1948، وإنما هي أيضا تخنق قدرة أحفادهم على ترميم أنفسهم، سياسيا واقتصاديا. وفيما اعترف دايان بالعلاقة بين إلحاق الأذى بالمدنيين وزيادة عدائهم، فإن ورثة ورثته يتجاهلون هذه العلاقة. ولذلك بالإمكان في هذه الأيام تدمير بلدات لاجئي الأمس، من دون التفكير في العداء المستقبلي الذي تنميه هذه العمليات لدى لاجئي الحاضر".

وأضاف ليفي أن "عداء السكان (في غزة)، الذي أدى إلى نمو حماس وتسلحه، ليس جزءا من الخطاب (الإسرائيلي). وبنظر بنيامين نتنياهو، فإن قادة حماس ’يستخدمون مواطنيهم من أجل حماية صواريخهم’، كما لو أن الحديث هو عن سكان خاملين، سيطرت عليهم قوة عسكرية خارجية وتستخدمهم كدرع بشري".

وخلص ليفي إلى أن "موشيه دايان أفسح المجال للمستمعين لخطاب التأبين الذي ألقاه أمام إمكانية الاختيار السياسي عندما تحدث عن ’خيار حياتنا’، لكن قادة الحاضر، في الديمقراطية التي تبدو أنها أكثر تطورا بكثير من الخمسينيات، يسلبون مواطنيهم حرية الاختيار. وهم يستعرضون أفعالهم على أنها مفهومة من تلقاء ذاتها، وهم معزولون عن السياق التاريخي، ولذلك هم معزولون عن المسؤولية تجاه المستقبل أيضا".

عملية سياسية إلى جانب الحرب

 

رأى رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) الأسبق، عامي أيالون، في مقال نشره في موقع "واللا" الالكتروني، يوم الثلاثاء الماضي، أن الجانب المنتصر في حرب مثل "الجرف الصامد" في الواقع الدولي الحالي هو ذلك الجانب الذي تكون روايته التاريخية أفضل، وأن الرواية الفلسطينية تتقدم على الرواية الإسرائيلية في هذا الشأن.

واعتبر أيالون أن "الجانب الذي يُقتل فيه أكثر ليس الجانب المحق بالضرورة، والجانب الذي يقتل أكثر ليس الجانب المنتصر بالضرورة. وميزان العدالة والانتصار متملص ومتعدد الأوجه، وينطبق ذلك على أي مواجهة عسكرية، بدءا من حرب عالمية وحتى عملية عسكرية محدودة نسبيا مثل ’الجرف الصامد’. وبرأيي كإسرائيلي، فإن عملية ’الجرف الصامد’ تمثل حملة عسكرية عادلة بسبب الحق في الدفاع عن النفس. والقتال الذي يخوضه الجيش الإسرائيلي جار من خلال حرص على تطبيق قواعد القانون الدولي، ضد إرهاب وحشي يحول مواطنيه إلى درع بشري وهو الذي يتسبب بموتهم".

وأردف أيالون أنه "بالنسبة للكثيرين من الفلسطينيين، فإن حربهم هي حرب حتمية، حرب عادلة على الرغم من الضحايا الكثيرين. وهم يؤمنون أن طريق الإرهاب ستؤدي بإسرائيل إلى إنهاء الاحتلال، تماما مثلما بنظرهم أن إسرائيل استسلمت للإرهاب وانسحبت من لبنان، أو استسلمت للإرهاب في الانتفاضة الثانية وانسحبت من غزة. ولذلك، فإنه برغم الضعف العسكري والمعاناة الإنسانية البالغة، تتعزز قوة حماس اليوم بنظر الجمهور الفلسطيني".

وأضاف أنه "مثلما يدعي كل جانب بأن الحق معه، فإن بإمكان كل جانب الادعاء بأنه المنتصر في الحرب. والنصر لا يتحقق في ميدان القتال فقط، إذ أن طريقة القتال التي يستوعبها المجتمع الدولي باتت شرطا ضروريا في الطريق إلى النصر. وانعدام تأييد المجتمع الدولي، أو في حالات متطرفة تتخذ فيها قرارات بشأن عزل سياسي وعقوبات، ستحول الانتصار في القتال إلى خطوة أخرى في الطريق إلى خسارة الحرب. وهنا يعود إلى الصورة انعدام الموضوعية حيال مصطلحات القانون والعدالة. والمجتمع الدولي لا يحدد موقفه بموجب قوانين الحرب والقانون الدولي".

وتابع أيالون أن "ما يعتبر عدلا بنظر الجمهور هو ليس ما هو مسموح فيه بموجب القانون الدولي. ويحدد الجمهور موقفه من خلال القصة التي تروى له بالصور في وسائل الإعلام وحيز الانترنت. ومن خلال القصة يقرر من هو المحق، ومن هم الأخيار ومن هم الأشرار في المسلسل المتواصل للصراع الشرق أوسطي. ووفقا لاستيعابه للعدل يؤثر الجمهور على قيادته من أجل بلورة السياسة، التي يتم التعبير عنها بقرارات سياسية، وبالدبلوماسية وبضغوط الجمهور التي تضطر شركات اقتصادية إلى مقاطعة بضائع وأسواق".

وبما أن الجانب المنتصر، بنظر أيالون، هو الجانب الذي تعتبر قضيته عادلة، فإنه "في امتحان النتيجة، يظل استمرار الاحتلال وعدد القتلى الفلسطينيين غير الضالعين في القتال، هما اللذان يشهدان على العدالة بنظر الجمهور في العالم. وما بدا في الأيام الأولى كحرب عادلة من أجل الدفاع عن النفس، نتيجة لقرارات حكومية مدروسة ومنضبطة سياسيا، تغيرت بنظر المشاهدين في العالم إلى حرب شرسة ضد عدو عاجز. والساعة الرملية للحق الإسرائيلي أخذت تأزف". 

لكن أيالون اعتبر أنه بإمكان إسرائيل الانتصار في الحرب إذا ما استخدمت "قصتها المنتصرة"، وأن "قصة إسرائيل في حدود العام 1967، التي تسعى إلى خلق واقع الدولتين للشعبين، تستوعب لدى المجتمع الدولي على أنها عادلة. ووفقا لهذا المفهوم، فإنه حتى المشاهد القاسية ستفهم على أنها دفاع عن النفس. لكن إذا ما استمرت القصة الإسرائيلية في أن تكون بنظر العالم قصة إسرائيل التي تحارب على استمرار الاحتلال وبناء المستوطنات، فإن القتال ضد تهديد الصواريخ والأنفاق إزاء سكان مدنيين، لن يعتبر عادلا. وتم التعبير عن دعم العالم لإسرائيل في سنوات التسعين الأولى (نهاية الانتفاضة الأولى)، عندما جرت، إلى جانب الحرب التي لا مساومة فيها ضد الإرهاب الفلسطيني، عملية سياسية أيضا".

ملاحقة سياسية ضد النواب العرب
 

إلى جانب دعم الرأي العام الإسرائيلي، الذي يكاد يكون جارفا، للحرب على غزة غير مكترث بالأهوال التي يحدثها هناك، فإن مظاهر العنصرية والفاشية والإجراءات غير الديمقراطية في إسرائيل تجاه الأقلية الفلسطينية جاءت عنيفة وغير مسبوقة. فالشرطة الإسرائيلية قمعت المظاهرات السلمية، والشركات الكبرى فصلت من العمل عاملين عبروا، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، عن معارضتهم للمجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة، والكنيست أبعد النائبة حنين زعبي عن هيئته العامة ولجانه، لأنها رفضت وصف خاطفي المستوطنين الثلاثة بأنهم "إرهابيون" ونددت بالمجازر في غزة. وبكلمات أخرى، فإن المجتمع اليهودي في إسرائيل، وإلى جانبه مؤسسات الدولة، فقد في هذه الحرب القليل مما تبقى لديه من قيم التسامح وتعددية الآراء.

وندد أيالون ونائب رئيس "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" والخبير القانوني، البروفسور مردخاي كريمنيتسر، في مقال مشترك في "واللا"، يوم الخميس الماضي، بزعبي، بادعاء أن تصريحها حول المستوطنين الثلاثة "دل على انعدام حساسية إنسانية يجدر إبداءها تجاه إلحاق أي أذى بغير الضالعين في القتال"، رغم أن الإسرائيليين والغالبية الساحقة من نخبهم لم يعبرا عن أية حساسية تجاه مقتل نحو 1300 من المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة.

واعتبرا أن تصريحات زعبي "تدل على انعدام فهم أساسي من جانبها لجوهر الإرهاب. ولشدة الأسف، فإنها ليست الوحيدة في هذا الموقف، ولديها شركاء كثر من اليهود والعرب".

والأمر اللافت هنا هو أن خبيرا قانونيا بمكانة البروفسور كريمنيتسر، ومكانته مرموقة في إسرائيل في مجال الدفاع عن الحريات الديمقراطية، يعتبر أنه مضطر إلى مقدمة كهذه من أجل أن ينتقد قرار "لجنة الآداب" في الكنيست.

وأضاف الكاتبان أن "العقل يلزم بمعارضة قرار لجنة الآداب التابعة للكنيست بأن تفرض على زعبي العقوبة الأكبر المخولة بها اللجنة، ولا تتناسب بتاتا مع أية عقوبة تم فرضها في حالات أخرى، وهي إبعادها عن جلسات الهيئة العامة واللجان، باستثناء التصويت، لستة أشهر".

وأضافا أنه بقرارها هذا فإن "لجنة الآداب تمس بحرية التعبير... وقد مسّت صميم الديمقراطية، وهو حرية التعبير السياسية، وحرية عضو الكنيست الذي يمثل ناخبيه. ويزداد هذا المس على ضوء حقيقة أن الحديث يدور عن عضو كنيست من قبل الأقلية، وهي ابنة للشعب الفلسطيني". وخلصا إلى أن "هذه لجنة بدون آداب".

من جانبه، أكد الخبير القانوني والمحاضر في جامعة تل أبيب، البروفسور إيال غروس، أن إبعاد زعبي عن الكنيست هو "مرحلة أخرى في الملاحقة السياسية"، خاصة وأن المستشار القانوني للحكومة، يهودا فاينشتاين، قرر أنه لا ينبغي اتخاذ إجراءات جنائية ضد زعبي.

وأضاف أن "بالإمكان مناقشة أقوال زعبي، لكنها قيلت في إطار القانون" لأنها لم تعبر عن تأييدها لعملية اختطاف المستوطنين. "كما أن أقوالا أدلت بها زعبي بشأن ’المقاومة الشعبية’، لا تشكل دعوة إلى العنف".

وأشار غروس إلى أقوال عديدة وخطيرة أدلى بها أعضاء كنيست من اليمين المتطرف، لكن "لجنة الآداب" لم تتخذ إجراءات استثنائية بحقهم. فعندما قال عضو السابق أرييه إلداد إن من يقرر الانسحاب من أراض فلسطينية محكوم بالإعدام، اكتفت اللجنة بإبعاده عن جلسات الكنيست ليوم واحد فقط. وعندما وصف عضو الكنيست الحريدي السابق مناحيم بوروش، قاضي المحكمة العليا ميشائيل حيشين، بأنه "خنزير"اكتفت "لجنة الآداب" بتوجيه "توبيخ شديد" إليه.

ورأى غروس أنه "يجب إبداء الأسف على أنه خلافا لرئيس الكنيست السابق ورئيس الدولة الجديد، رؤوفين ريفلين، الذي عارض الملاحقة السياسية ضد النواب العرب وخاصة زعبي، فإن خليفته في رئاسة الكنيست، يولي إدلشتاين، هو الذي قاد الحملة ضد زعبي هذه المرّة. والقرار المرفوض والتمييزي، الذي يسعى إلى وضع حدود مصطنعة للنقاش السياسي، هو مرحلة أخرى في مسار تدمير الديمقراطية الإسرائيلية".

 

 

هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي.

 
مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"  و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي