تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خلال مؤتمر صحافي عقده سوية مع وزير الدفاع، موشيه يعلون، في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب، أول من أمس الأحد، "إننا موجودون في حرب على البيت". وخاطب الجنود الإسرائيليين الذين يشاركون في العدوان على قطاع غزة بالقول "بودي أن أقول لكم إن مواطني إسرائيل يقفون من ورائكم... وإسرائيل لم تختر الدخول إلى هذه الحملة العسكرية، لكن منذ أن فرضت علينا فإننا سننفذها حتى تحقيق الهدف، وهو إعادة الهدوء لفترة طويلة، وخلال ذلك توجيه ضربة لحماس وباقي البنى التحتية الإرهابية. ولن نرتدع. وسنستمر في العملية العسكرية طالما اقتضى الأمر. والعملية (البرية) الحالية واسعة النطاق. وهذه خطوة مليئة بالمخاطر ولكنها ضرورية".

 


من جانبه، قال يعلون "سوف نواصل ضرب حماس بصورة شديدة للغاية. وسنستمر في تدمير الأنفاق ومنشآت إطلاق الصواريخ. وسنضرب مؤسسات حماس والمنظمات الأخرى. ونحن نعمل بموجب خطة منتظمة وضعها الجيش الإسرائيلي بقيادة رئيس هيئة أركان الجيش (بيني غانتس) ورئيس الحكومة وأنا".

وتطرق يعلون إلى مقتل 13 جنديا إسرائيليا، ليلة السبت - الأحد الماضية، ومقتل 5 جنود آخرين، يومي الجمعة والسبت الماضيين. وقال "أمامنا أيام قتال كثيرة. ونحن لا نرتدع ولا ننكسر. وسنستمر في القيام بذلك من أجل إعادة الهدوء والأمن إلى مواطني إسرائيل".

ورغم أنه أدلى بهذه الأقوال رئيس حكومة ووزير دفاع، إلا أنها، على ما يبدو، ستبقى مجرد أقوال، جاءت في سياق شحن معنويات الإسرائيليين والتغطية على تكدر الأجواء بين الإسرائيليين، في أعقاب بدء تساقط القتلى بين الجنود، وتزايد عدد الجنود الجرحى، ونقلهم إلى المستشفيات داخل إسرائيل.

وهناك أمر آخر يزيد من تكدر الأجواء في إسرائيل، وهو تناقل المعلومات حول سير القتال وحجم الخسائر بين الجنود، وبعضها مبالغ به، في شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة "فيسبوك" و"واتس أب".

"إسرائيل لا تعرف كيف تنزل عن شجرة غزة"!

أجرى نتنياهو، ليلة أمس، سلسلة مداولات أمنية، يبدو أنها جاءت في أعقاب مقتل عدد من الجنود الإسرائيليين في غزة. وتقرر خلال هذه المداولات تصعيد العملية العسكرية البرية من أجل الانتقام من الفلسطينيين. ونتج عن هذا القرار مجزرة الشجاعية. وبعد ذلك استمر القتال في غزة ومناطق أخرى في القطاع، نهار أمس، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى الفلسطينيين. لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية تحدثت عن سقوط جنود جرحى.

لكن التخوف في إسرائيل هو من العمليات الجريئة التي تنفذها فصائل المقاومة ضد قوات الجيش الإسرائيلي، مثلما حدث اليوم، الاثنين، عندما توغل مقاتلون فلسطينيون إلى منطقة قريبة من الشريط الحدودي وداخل الأراضي الإسرائيلية، وهاجموا قوة من الجيش، ما أدى إلى مقتل أربعة جنود إسرائيليين على الأقل. كذلك قُتل جندي في غزة، الليلة الماضية. ويعني ذلك أن الجيش الإسرائيلي يواصل تكبد خسائر بشرية منذ بدء الاجتياح البري لقطاع غزة.

وكتب كبير المحللين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، اليوم، أنه في أعقاب القرار بتصعيد العدوان على غزة، فإنه "يجري الحديث عن استمرار القتال لأسبوع أو اثنين، لكن الجميع يعلم أنه إذا كان الأمر متعلقا بالمستوى السياسي في إسرائيل، فإنه لا يوجد أكثر من يومين أو ثلاثة أيام". وأشار إلى مطالب دولية بوقف إطلاق النار، وبضمن ذلك زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، لإسرائيل، غدا الثلاثاء، من أجل السعي إلى وقف إطلاق النار.

وشدد برنياع على أن "حكومة إسرائيل تتحسب من التورط في غزة. وهي تريد الانسحاب منها في أسرع وقت ممكن". وأضاف أن حكومة إسرائيل التي "لا تسيطر عليها نشوة آنية ولا رغبة في الانتقام، تستحق المديح. ولكن ما يستحق المديح أقل هو أن الجميع، بما في ذلك حماس، يعون تخوفات القيادة الإسرائيلية. إن حكومتنا شفافة بالنسبة للعدو".

وتابع برنياع أن الأنباء عن مقتل 13 جنديا في غزة "ولّدت عاصفة مشاعر في الجبهة الداخلية. وخرجت قلوب المواطنين نحو الجيش الإسرائيلي؛ إذ أن روحهم كانت تتوق لتحقيق إنجاز وللانتصار. وظهور رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس أركان الجيش في المؤتمر الصحافي كان غايته نشر الأمن".

وأردف "لكن أي مؤتمر صحافي ناجح لا يمكنه التغطية على 13 جنازة. وسيذكرون ليلة جولاني في الشجاعية، في هذا اللواء، إلى جانب المعركة التي وقعت في بنت جبيل في تموز العام 2006، عندما خسر هذا اللواء ثمانية جنود في معركة تعقدت الأمور فيها".

ورأى برنياع، الذي كتب مقاله اليوم بعد جولة ميدانية عند حدود إسرائيل مع غزة، أن "الشائعات حول (الجنود) القتلى في الشجاعية  وضعت ظلا ثقيلا، محا مرة واحدة نشوة الأيام الأولى للعملية العسكرية. وساهم في هذه الكآبة الانفلات الحاصل في تناقل المعلومات في شبكات التواصل الاجتماعي".

وشدد برنياع على أنه "بموجب تجارب الماضي، فإنه بعد موجة المشاعر الأولى تأتي موجة ثانية، تكون فيها المشاعر أقل والشكوك أكثر. والناس الذين دعوا أي سياسي صادفوه إلى ضرب حماس والفصائل، سيدركون أن لـ’أضربوهم’ ثمة ثمن. والغضب على حماس سيمتزج بالخوف على حياة الجنود، وهو خوف شخصي في كثير من الأحيان".

ولفت برنياع إلى أن الوزراء الإسرائيليين الأعضاء في المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) "يعرفون من تجربتهم كيف ستسير الأمور. وهم يعرفون أن نشوة أمس الأول وخوف الأمس سيتحولان إلى غضب غدا. وقد حدث هذا في حرب لبنان الثانية وفي (عمليتي) الرصاص المصبوب وعمود سحاب. ولا شيء يحصن (عملية) الجرف الصامد من مصير مشابه. وفي نهاية الأمر تقف كل حكومة أمام معضلة ذلك الرجل، الذي تعهد بالصعود إلى سطح السيرك والقفز منه إلى أسفل. وعندما تسلق وصعد بقي في الأعلى. وصرخ الجمهور: هيا، اقفز. وأجاب أن الحديث عن القفز ليس واردا. والسؤال هو كيف ننزل من هنا"..

"حساسية الإسرائيليين تجاه مقتل جنود أعلى منها تجاه مقتل مدنيين"

 أشار المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، اليوم، إلى أنه عندما أعلن نتنياهو، عن إصداره تعليمات بشن اجتياح بري في قطاع غزة، قال إن العملية العسكرية البرية ستكون محدودة. لكن في أعقاب مقتل 13 جنديا إسرائيليا، وصف رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي هذه العملية بأنها "حملة عسكرية. ومن الجائز أن تبدأ وسائل الإعلام الإسرائيلية، على ضوء نسب الخسائر المرتفعة، في وصفها، بقدر من المبالغة، على أنها حرب".

وأوضح هارئيل أن "الجمهور الإسرائيلي، وفي أعقابه السياسيين أيضا، يُعرّف حدثا على أنه حرب وفقا لعامل واحد فقط، وهو عدد القتلى (في صفوف الجنود). وبالأمس، ارتفع عدد القتلى الإسرائيليين في العملية العسكرية إلى عشرين قتيلاً". وأردف أن "المسألة التي ستتضح في الأيام القريبة المقبلة هي ما إذا كان لا يزال بالإمكان الآن وقف ولجم الانزلاق إلى حرب بحجم كامل في القطاع" مع تزايد محتمل لعدد الجنود الإسرائيليين القتلى.

ونقل هارئيل عن ضباط إسرائيليين، يقودون الاجتياح في القطاع، قولهم إنه "على ضوء قوة المقاومة من جانب حماس، فإن حجم الدمار الذي سيحدث (في القطاع) جراء استمرار القتال من شأنه أن يصل إلى حجم الدمار في الضاحية الجنوبية لبيروت في العام 2006".

وأشار المحلل إلى أن هذا لن يكون الشبه الوحيد بين العدوان الحالي على غزة وحرب لبنان الثانية. فمثل يوم أمس، 20 تموز، قبل ثماني سنوات، دارت أولى المعارك البرية في تلك الحرب، بالقرب من قرية مارون الراس. وأضاف هارئيل أنه "في غزة أيضا، تتزايد الخشية من انزلاق غير منهجي، وغير مقصود، نحو عملية عسكرية أكبر من توقعات المخططين لها".

وتابع المحلل أن الجيش الإسرائيلي وقع في عدة أخطاء خلال العدوان الحالي على غزة، "وفقا للتحقيقات الأولية"، أولها استخدام آليات قديمة، مثل المدرعة من الطراز القديم، التي استهدفتها المقاومة الفلسطينية بقذيفة مضادة للمدرعات وأسفرت عن مقتل سبعة جنود من بين الجنود الـ 13 القتلى، ليلة أمس.

وخطأ آخر ارتكبته القوات، وفقا لهارئيل، يتعلق بتجمع عشرات الجنود من لواء "جولاني" في بيت في حي الشجاعية، أصيب بقذيفة أطلقها المقاتلون الفلسطينيون. "وهذا الأمر يرتبط بالإخفاقات الكبيرة" لدى تفجير نفق في غزة، أول من أمس السبت، ما أسفر عن مقتل ضابط وجندي إسرائيليين.

من جهة ثانية، أشار هارئيل إلى أن "الجيش الإسرائيلي لم يختبر خلال السنوات الماضية القتال البري عامة وفي قطاع غزة خاصة، وتم فقدان جزء من الخبرة العسكرية مع تسرح جيل من الضباط". وأضاف أنه "حدث تراجع على مستوى التدريبات أيضا، في العام الأخير، بحجة عدم توفر ميزانيات كافية". رغم ذلك، أشار إلى أن "أي عملية عسكرية بحجم كبير ترافقها أخطاء، وتكون نابعة من حجم انعدام اليقين في القتال".

ورأى هارئيل أنه في أعقاب مقتل الجنود، أمس، تزايدت الضغوط على غانتس والحكومة الإسرائيلية، مشيرا في هذا السياق إلى التناقض لدى الإسرائيليين الذين "حساسيتهم تجاه مقتل جنود أكبر من حساسيتهم تجاه مقتل مدنيين".

واعتبر المحلل أن نتنياهو وصناع القرار في إسرائيل ليسوا في موقع يحسدون عليه، إذ أنه "يتعين عليهم الآن اتخاذ قرار حول ما إذا كان سيتم تعميق العملية البرية بصورة واسعة أو التمسك بالغايات الأصلية، وهي هدم الأنفاق وضرب بنى تحتية إرهابية أخرى لحماس، انطلاقا من النية للتوصل إلى وقف إطلاق نار سريع". لكنه توقع أن تسرّع مشاهد مجزرة الشجاعية الضغوط الدولية من أجل وقف إطلاق النار وان تصعدها.

معضلة إسرائيل في إنهاء العدوان

في الوقت الذي يدور فيه الحديث في إسرائيل حول وقف إطلاق النار في غزة، وهو حديث لم يتوقف منذ الأيام الأولى للعدوان قبل 14 يوما، تواجه إسرائيل معضلة في كيفية وقف القتال.

ورأى الدبلوماسي والباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، الدكتور عوديد عيران، أنه في حال انتهاء جولة القتال الحالية بقرار وتفاهمات كتلك التي اتخذها مجلس الأمن الدولي، في نهاية حرب لبنان الثانية (القرار 1701) وفي نهاية الحرب على غزة في مطلع العام 2009 (القرار 1860)، فإن "هذا سيشكل فشلا سياسيا بالنسبة لإسرائيل".

واعتبر عيران أن "قرارات كهذه لن تضعف حماس، التي ستطرح في جميع الأحوال صورة الوضع في نقطة النهاية على أنها انتصار، ولن تمنع إعادة تسلحها مجددا، خاصة وأن قسما كبيرا من الصواريخ التي تم إطلاقها باتجاه إسرائيل هو من صنع ذاتي".

وأضاف أن "من شأن تغيير راديكالي فقط في أداء اللاعبين المختلفين في حلبة غزة أن يحقق تغييرا في الوضع". لكن عيران رأى في الوقت نفسه أن "احتمال حدوث تغيير كهذا ليس كبيرا".

 

هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي.

 
مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"  و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي