كشفت صحيفة "هآرتس"، اليوم الخميس - 15.8.2013، عن أن إسرائيل وقعت منذ سنوات طويلة على اتفاقية علمية مع الولايات المتحدة، تلزمها بمقاطعة المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وتنص وثيقة التعليمات الرسمية لـ "الصندوق الثنائي القومية للعلوم إسرائيل – الولايات المتحدة" على "عدم تنفيذ المشاريع التي يمولها الصندوق في مناطق أصبحت تحت سيطرة إسرائيل بعد 5 حزيران 1967. كما أن المشاريع لا يمكنها أن تتناول مواضيع مرتبطة مباشرة بهذه المناطق".
ووفقا للمعطيات التي أوردتها الصحيفة، فإن هذا الصندوق أعطى منح لباحثين ومؤسسات في إسرائيل بمبلغ 15 مليون دولار في كل عام، ومنذ بدء المشروع في العام 1972 وحتى اليوم وصل حجم التمويل إلى حوالي 500 مليون دولار تم منحها لأربعة آلاف باحث إسرائيلي.
لكن في هذه الأثناء، بدأت محادثات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، أمس، حول انضمام الأخيرة إلى المشروع الضخم للبحث والتطوير العلمي الأوروبي "هورايزون 2020". وتأتي هذه المحادثات في ظل أزمة في العلاقات بين الجانبين، في أعقاب إعلان الاتحاد الأوروبي عن مقاطعة المستوطنات وعدم تمويل أية جهة إسرائيلية تتعامل مع هيئات أو مؤسسات في المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان.
وعقد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يوم الخميس الماضي، اجتماعا بمشاركة وزراء كبار في حكومته، تم خلاله البحث في الرد الإسرائيلي على الشروط الأوروبية لانضمامها للمشروع العلمي الضخم. وأجمع نتنياهو والوزراء على "التمسك بالموقف الإسرائيلي بعدم التعاون مع مشاريع أوروبية تستثني المناطق الواقعة وراء الخط الأخضر".
وتقرر خلال الاجتماع أيضا، أن تبلغ إسرائيل الاتحاد الأوروبي بشكل رسمي بأنه طالما لا يتم تغيير القرار بمقاطعة مؤسسات إسرائيلية في المستوطنات، فإن إسرائيل لن تنضم إلى مشروع "هورايزون 2020". وفي المقابل، أصدر نتنياهو تعليمات إلى الجهات المختصة، تقضي ببحث إمكانية التعاون العلمي بين إسرائيل وبين الصين أو الهند.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه تم خلال الاجتماع، لأول مرة، استعراض الشروط الجديدة التي يضعها الاتحاد الأوروبي أمام إسرائيل، في إطار مقاطعته للمستوطنات. ومن بين هذه الشروط انضمام إسرائيل إلى مشروع "هورايزون 2020" وهو برنامج الأبحاث الأكاديمية للسنوات 2014 – 2020.
وأشارت التقارير الإسرائيلية إلى أنه في حال الانضمام إلى هذا المشروع الأوروبي فإن الجامعات والشركات الإسرائيلية ستكون ملزمة بالإعلان عن عدم وجود أية علاقة لها مع مستوطنات في الضفة أو القدس الشرقية وهضبة الجولان وعدم رصد أموال للكليات ومعاهد الأبحاث في هذه المناطق المحتلة.
وسيدرّ هذا البرنامج على إسرائيل، في حال وافقت على الانضمام إليه، دخلا لصالح الأبحاث العلمية والأكاديمية، بحيث أنه في مقابل كل يورو تستثمره إسرائيل في مشروع "هورايزون 2020" ستحصل على 1.5 يورو، ما يعني أنه مقابل 600 مليون يورو يتعين على إسرائيل أن تستثمرها في المشروع ستحصل الجامعات والشركات العلمية الإسرائيلية من الاتحاد الأوروبي على 900 مليون يورو على الأقل. وإسرائيل هي الدولة الوحيدة من خارج الاتحاد الأوروبي التي تمت الموافقة على مشاركتها في هذا المشروع العلمي الضخم.
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إنه إذا وافقت الحكومة الإسرائيلية على الانضمام إلى هذا المشروع العلمي الأوروبي فإن هذا يعني أنها توافق على شروط الاتحاد الأوروبي، والتنازل عن "سيادتها" على القدس الشرقية وهضبة الجولان، اللتين ضمتهما إليها، والاعتراف بأن حدودها هي حدود العام 1967.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن نائب رئيس الجامعة العبرية في القدس لشؤون الأبحاث والتطوير العلمي، البروفسور شاي أركين، قوله إن عدم انضمام إسرائيل إلى مشروع "هورايزون 2020" من شأنه أن "يوجه ضربة شديدة إلى المجال العلمي، الذي يشكل الدافع الأساس للنمو الاقتصادي لدينا".
ونقلت "يديعوت أحرونوت" عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله في السياق نفسه، إن نتنياهو تردد في الموافقة على مطلب وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، باستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، لكنه قرر الموافقة على ذلك في أعقاب صدور القرار الأوروبي بشأن المستوطنات.
رؤساء الجامعات الإسرائيلية يحذرون من عواقب عدم الانضمام إلى "هورايزون 2020"
حذر رؤساء الجامعات الإسرائيلية الحكومة من عواقب عدم التوقيع على اتفاقية "هورايزون 2020". وجاء هذا التحذير خلال اجتماع عُقد في مطلع الأسبوع الحالي، بين رؤساء الجامعة العبرية في القدس وجامعات تل أبيب وحيفا وبئر السبع وبار إيلان ومعهد الهندسة التطبيقية (التخنيون) في حيفا ومعهد وايزمان في رحوفوت، وبين نائب وزير الخارجية الإسرائيلي زئيف إلكين، بمبادرة الأخير، وبمشاركة عدد من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية، للبحث في القيود الأوروبية بشأن المستوطنات، وذلك عشية بدء الاتصالات، أمس، حول انضمام إسرائيل للمشروع الأكاديمي الأوروبي.
ونقل موقع "واللا" الالكتروني عن رؤساء الجامعات قولهم خلال لقائهم مع إلكين، إن قرار حكومة إسرائيل بعدم التوقيع على اتفاقية الانضمام إلى مشروع "هورايزون 2020" يعني فقدان منح للأبحاث بحجم مئات ملايين اليوروات، وهو أمر سيلحق "ضررا هائلا" بالأبحاث العلمية في إسرائيل.
وافتتح إلكين الاجتماع بشرح سياسة الحكومة الإسرائيلية التي أقرها نتنياهو، وتقضي بعدم التوقيع على اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، التي تتضمن "بندا إقليميا" يفصل بين المستوطنات ودولة إسرائيل.وشدد إلكين أمام رؤساء الجامعات على أن إسرائيل "لن توافق على إملاءات أوروبية" حول حدودها، ولذلك فإنها لن توقع على اتفاقية "هورايزون 2020" طالما أن الاتحاد الأوروبي يصر على استثناء المستوطنات من إسرائيل.
وقال مصدر شارك في الاجتماع إن إلكين فوجئ من بعض المعطيات التي استعرضها رؤساء الجامعات، وأنه "كان يعلم قبل اللقاء أن الحديث يدور على حدث خطير، لكنه لم يدرك تماما حجم الضرر الذي سيلحق بالجامعات في حال عدم توقيع إسرائيل على الاتفاقية".
وأضاف المصدر أن رؤساء الجامعات أوضحوا لإلكين أنه إلى جانب الخسارة المالية التي ستلحق بإسرائيل في حال عدم التوقيع على الاتفاق، فإنه ستتضرر العلاقات في مجال الأبحاث والتعاون بين الجامعات في إسرائيل والجامعات الأوروبية.
وقال رؤساء الجامعات لنائب الوزير إن "الاتفاقية لا تشمل منحا للأبحاث وحسب، وإنما تشمل أيضاً تعاونا في مجال البنية التحتية للأبحاث. وإذا لم نوقع على الاتفاقية فإنه سيتوقف التعاون في مجالات متنوعة وستُعزل إسرائيل عن شبكة الأبحاث الأوروبية، ومعظم الجامعات الأوروبية التي تتعاون معنا ستجد بديلا لإسرائيل، لكن نحن سنواجه صعوبة في إيجاد بديل لأوروبا".
وتطرق أحد رؤساء الجامعات إلى أنباء ترددت بأن نتنياهو أصدر تعليمات بدراسة إمكانية التعاون الأكاديمي مع جامعات في الصين والهند، وحذر من أن "الفجوات بين الصين والهند وبين أوروبا ما زالت كبيرة" في مجال البحث العلمي.
كذلك حذر رؤساء الجامعات من تراجع مكانة الجامعات الإسرائيلية في حال عدم التوقيع على الاتفاق "سواء كان ذلك بسبب المس بالمنح أو بسبب إلغاء مشاريع مشتركة أو بسبب تغيّب باحثين إسرائيليين عن مؤتمرات علمية هامة في أوروبا. وبنظرة إلى المدى البعيد، فإن هذا أخطر من الضرر المالي الآني في السنوات القريبة".
من جانبه أكد إلكين أنه من دون تغيير السياسة الأوروبية تجاه المستوطنات فإن إسرائيل لن توقع على الاتفاقية، وطالب رؤساء الجامعات بإجراء اتصالات مع مسؤولين أكاديميين أوروبيين والمطالبة بتجميد تنفيذ القرار الأوروبي بشأن مقاطعة المستوطنات. ويشار إلى أن ألكين هو مستوطن يسكن في مستوطنة "كفار إلداد" في الكتلة الاستيطانية "غوش عتصيون" الواقعة بين مدينتي بيت لحم والخليل.
وعقب أحد المشاركين في الاجتماع على طلب إلكين بوصفه بـ "الغريب"، وأنه "ليس مقبولا أن يطلب أكاديمي من أكاديمي آخر ممارسة تأثير سياسي في دولته، ولا حتى في هذه الحالة".
وشدد رؤساء الجامعات أمام إلكين على أنه لا يمكن إرجاء التوقيع على اتفاقية "هورايزون 2020" لمدة تزيد عن شهور معدودة، وأن "هذا ليس وضعا يمكن القول فيه إنه لن نوقع الآن وأنه إذا تغيرت سياستهم في موضوع المستوطنات في المستقبل فإننا سننضم إلى الاتفاقية. فالحديث يدور هنا على اتفاقية متعددة السنوات وتجري بلورتها في الشهور القريبة. وإذا لم تنضم إسرائيل الآن فإنها لن تنضم إليها أبدا"
عدم التوقيع على الاتفاقية سيؤثر سلبا على عودة "الأدمغة"
وأفاد تقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، أول من أمس الثلاثاء، بأن إسرائيل موجودة في المرتبة الثانية بعد إسبانيا في الحصول على منح من الاتحاد الأوروبي لتشجيع عودة الباحثين إلى دولهم. ويتم إعطاء منحة (Career Integration Grant) CIG للباحثين من الدول الأوروبية ومن إسرائيل أيضا، الذين يعودون إلى دولهم بعد قضائهم عدة سنوات في جامعات أجنبية، وتهدف هذه المنح إلى مساعدتهم على التأقلم في دولهم.
وتبين من المعطيات التي أوردتها الصحيفة أنه خلال السنوات الخمس الماضية، حصل 336 باحثا على هذه المنح، التي كان مبلغ كل واحدة منها 100 ألف يورو. ويتوقع أن توقع إسرائيل خلال العام 2013 الذي لم ينته بعد، على 17 عقدا كهذا، الأمر الذي سيضعها في المرتبة الأولى بين الدول التي يستحق الباحثون فيها الحصول على هذه المنح.
لكن تسود تخوفات في الأكاديميا الإسرائيلية الآن، وفقا للصحيفة، من أن قرار الحكومة بعدم التوقيع على اتفاقية "هورايزون 2020"، سيلحق ضررا شديدا بمنح الأبحاث العلمية السخية التي تحصل عليها إسرائيل، وبضمن ذلك تأثر عودة "الأدمغة" بصورة سلبية. وشددت الصحيفة على أن منح CIG مهمة للغاية بالنسبة لدولة مثل إسرائيل، التي تواجه مشكلة منذ سنوات طويلة تتمثل في هروب الأدمغة إلى مؤسسات أبحاث مرموقة في أنحاء العالم.
وأحد الباحثين الإسرائيليين الذين حصلوا على هذه المنحة هو الدكتور روعي بك - بركاي، من مدرسة الفيزياء وعلم الفضاء في جامعة تل أبيب، والذي بات يتخوف من أن تنازل إسرائيل عن هذه المنح سيؤدي إلى تراجع الأكاديميا الإسرائيلية. وقال بك - بركاي إن "هذه المنح هي مجرد مثال صغير من بين أمثلة كثيرة. وإذا تنازلنا عن إمكانية الحصول عليها فإننا سنقصي أنفسنا عن الجالية العلمية، لأنه لن تتوفر لدينا إمكانيات تمويل تبرر نفسها وتكون قادرة على التنافس. وأنا أرى بهذا أنه أحد الأمور الأكثر كارثية الذي يمكن أن يحدث لنا من الناحية المهنية".
وأضاف بك - بركاي "نحن نأتي إلى الجامعات الإسرائيلية وفي جعبتنا الكثير من الروح الصهيونية والنية الحسنة، لكن إذا لم نتمكن من العمل في المستوى الأوروبي، فإننا سنضطر إلى القيام بذلك في مكان آخر. وهذه ستكون صفعة بالنسبة لنا. ويبدو أنه ليس لدينا بديل آخر".
وقال الدكتور إيرز بن يوسف، من قسم علم الآثار في جامعة تل أبيب، والذي حصل على منحة مشابهة، إن "المال كان مصيريا لاستيعابي وإمكانياتي في إدارة المشروع والمختبر الذي أديره في تل أبيب. ومن دون هذا المال ستكون الأمور أصعب، والجامعة لا تعطي ميزانية لاستيعابنا بعد عودتنا من خارج البلاد... وبإمكان الجامعة أن تمول خُمس ما أفعله. وأموال الاتحاد الأوروبي والمكانة المرموقة بعد الحصول على المنحة هما أمر هائل. وكمية المنح التي نحصل عليها من الاتحاد الأوروبي تمنح إسرائيل مكانة مرموقة جدا".
إسرائيل ستفقد مكانتها العلمية في حال عدم الانضمام إلى المشروع الأوروبي
أشار رئيس المجلس العلمي في معهد وايزمان للعلوم، البروفسور ايتان دوماني، في مقال نشره في "يديعوت أحرونوت"، أمس، إلى أن الاتحاد الأوروبي يمول أبحاثا علمية بواسطة برنامج يطلق عليه اسم FP. وبين السنوات 2007 – 2013 تم تفعيل برنامج FP7. وسبقه برنامج FP6، والبرنامج المقبل هو "هورايزون 2020".
وأضاف دوماني أنه منذ العام 1996 فإن إسرائيل هي الدولة غير الأوروبية الوحيدة التي تشارك في هذه البرامج العلمية، والتي تدعم أربعة أنواع من المشاريع: "التعاون" بين مجموعات من دول مختلفة في مواضيع يمليها الاتحاد؛ "أفكار"- وهو مشروع يشمل منحا مخصصة للعالم الفرد ويستند إلى التفوق الشخصي؛ "أفراد"- وهو مشروع لنقل علماء شبان للدراسة في دول غير دولهم؛ "قدرات"- وهو مشروع يهدف إلى إنشاء بنى تحتية متقدمة للأبحاث.
ووفقا لدوماني فإنه بين السنوات 2007 – 2012، حصل 1500 باحث إسرائيلي على تمويل لصالح 1200 مشروع علمي. وأضاف أن الباحثين الإسرائيليين يبرزون بشكل خاص في مشروع "أفكار" المرموق. ولفت إلى أن حجم التمويل الأوروبي لهذه المشاريع يصل إلى عشرة أضعاف المنح التي يحصل عليها الباحثون من مصادر إسرائيلية، ولذلك فإن المنح الأوروبية تسمح للباحث بـ "تفكير واسع النطاق" واقتناء أحدث التجهيزات.
وأصبحت إسرائيل لاعبا مهما في الحلبة العلمية الأوروبية. فهي تستضيف مؤتمرات مرموقة، ويشترك الباحثون الإسرائيليون في عمليات تحكيم في اقتراحات أبحاث يتم تقديمها من أجل الحصول على تمويل لها، كما أن الباحثين الإسرائيليين هم أعضاء في هيئات تبلور السياسة العلمية الأوروبية.
وشدّد دوماني على أنه في حال عدم انضمام إسرائيل إلى مشروع "هورايزون 2020" فإنه "سيتم محو كل هذه الأمور، وستحقق إسرائيل بذلك أحلام جهات أكاديمية أوروبية تحاول منذ سنوات إقصاءنا وإبعادنا عن الجالية العلمية الأوروبية".
هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي
"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, الخط الأخضر, التخنيون, يديعوت أحرونوت, هآرتس, شاي, الكتلة, نائب وزير, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو