دلّت نتائج انتخاب الحاخامين الأكبرين في إسرائيل، الأسبوع الماضي، على انتصار التيار الحريدي على التيار الصهيوني – الديني. ويعني ذلك، بإجماع المحللين، انتصار حزب شاس وكتلة "يهدوت هتوراة"، على حزب "البيت اليهودي"، الذي عمل كل ما باستطاعته ونجح، بالتعاون مع حزب "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد، لمنع دخول الحزبين الحريديين إلى حكومة بنيامين نتنياهو الحالية. لكن انتخابات الحاخامين الأكبرين لا تخلو من السياسة والدسائس والمكائد والفساد.
وفاز بمنصب الحاخام السفارادي (الشرقي) الأكبر الحاخام يتسحاق يوسف، 61 عاما، وهو نجل الحاخام السفارادي الأكبر الأسبق والزعيم الروحي لحزب شاس، الحاخام عوفاديا يوسف. وحتى انتخابه تولى يوسف إدارة المعهد الديني "حَزون عوفاديا"، الذي أسسه في العام 1992. ويعتبر يوسف غير صهيوني، ولم يخدم في الجيش الإسرائيلي، ووجه في الماضي انتقادات شديدة ضد الكنيست والجهاز القضائي الإسرائيلي.
وفاز بمنصب الحاخام الأشكنازي (الغربي) الأكبر الحاخام دافيد لاو، 47 عاما، وهو نجل الحاخام الأكبر الأشكنازي الأسبق، الحاخام يسرائيل مائير لاو. ولاو هو الحاخام الأصغر سنا الذي انتخب لهذا المنصب. وتسرح لاو من شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. وقد كتب فتاوى كثيرة من خلال الانترنت، رغم أن هذا أمر ما زال غير منتشر في المجتمع الحريدي. وحتى انتخابه حاخاما أكبر، عمل لاو حاخاما في مدينة "موديعين" والمستوطنات حولها.
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن المعركة الانتخابية على منصبي الحاخامين الأكبرين كانت "وسخة ونزوانية للغاية، ودارت في أروقة الكنيست وعناوين الصحف، وكذلك في غرف التحقيقات وقاعات المحكمة العليا".
يشار إلى أن الهيئة التي تنتخب الحاخامين الأكبرين مؤلفة من 150 عضوا. وقد شارك في التصويت 147 عضوا. وحصل يوسف على 68 صوتا، وفاز على منافسه، الحاخام العنصري شموئيل إلياهو، وهو حاخام مدينة صفد الذي أصدر فتوى تمنع اليهود من بيع أو تأجير البيوت للعرب، ويحرض ضد الطلاب العرب في كلية صفد.
كذلك حصل لاو على 68 صوتا هو الآخر، وتغلب على منافسه، الحاخام دافيد ستاف، الذي تلقى دعما واسعا من جانب أحزاب "البيت اليهودي" و"يوجد مستقبل" و"الحركة"، الذي ترأسه وزيرة العدل تسيبي ليفني. ويعزو محللون فوز لاو إلى الجهود التي بذلها نتان إيشل، المدير السابق لمكتب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، والذي سعى إلى إقناع أعضاء الهيئة بأن ينتخبوا لاو. ووالد لاو، أي الحاخام الأشكنازي الأكبر الأسبق، مقرب من نتنياهو وهو الذي عقد قرانه وهو أيضا عراب نجلي رئيس الحكومة الإسرائيلية.
فوز سياسي وربح اقتصادي
ينطوي فوز يوسف بمنصب الحاخام السفارادي الأكبر على أهمية سياسية ومذهبية كبيرة، وعلى دلالات سياسية أيضا. وكتب محلل الشؤون الحريدية في صحيفة "هآرتس"، يائير إتينغر، أن ما كان مطروحا في كفة الميزان في هذه الانتخابات "أكثر بكثير من فوز الحاخام يتسحاق يوسف. فقد تم إنقاذ والده، الزعيم الروحي، من هزيمة، كان من شأنها أن تضر كثيرا بنفوذه السياسي، والأخطر من ذلك أنه كان من شأن هزيمة كهذه أن تسبب شرخا في زعامته في الشؤون الشرعية اليهودية، التي تسيطر على عالم الفتاوى السفارادي منذ عشرات السنين. وتم هزم الخلايا المتمردة، وفي مقدمتها تلك التي أقامها الحاخام الأكبر المنتهية ولايته شلومو عمار" الذي كان في الماضي أحد أكثر المقربين من الحاخام عوفاديا يوسف.
وأضاف إتينغر أنه ليس شاس وحده، وإنما القيادية الحريدية كلها، احتفلت بفوز وتطبيق كامل ل"صفقة الأمراء"، في أعقاب انتخاب يوسف ولاو، نجلي الحاخامين الأكبرين الأسبقين. ولفت المحلل إلى أن "هذا الانجاز جاء على خلفية حضيض سياسي وكآبة عامة لدى الحريديم، في الوقت الذي يتواجد فيه حزبا شاس ويهدوت هتوراة خارج الائتلاف [الحكومي]. والحفاظ على القوة الحريدية في المؤسسة الحاخامية يعتبر إنقاذا لكنز حريدي هام وردا على محاولات الحكومة الحالية المس بعالم الييشيفوت [المعاهد الدينية الحريدية] وجيوب الحريديم [من خلال تقليص الميزانيات لمؤسساتهم]. كما أنه لجم للأصوات الدينية المتساهلة، التي يمثلها الحاخام دافيد ستاف والوزير نفتالي بينيت".
ويرى محللون كثيرون أن الأمر الأهم الأساسي في نتائح هذه الانتخابات يكمن في ما تمثله من الناحية السياسية، في العالم اليهودي عامة وفي الخريطة اليهودية الأرثوذكسية في إسرائيل خاصة.
وأشار إتينغر في هذا السياق إلى أن نفتالي بينيت، رئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف، الذي يمثل جمهور الصهيونيين – المتدينين، وعد بانتخاب "حاخام أكبر صهيوني واحد على الأقل"، عندما دعم الحاخامين الصهيونيين ستاف وإلياهو. وبسبب عدم تحقيق ذلك فإن بينيت كان الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات.
وأضاف المحلل أن "انتخاب بينيت رئيسا للبيت اليهودي، وبعد ذلك تحالفه مع رئيس حزب يوجد مستقبل، يائير لبيد [ضد دخول الحريديم إلى الحكومة]، اعتبر على أنه انقلاب ضد الحاخامات الحردليم [ أي تيار الحريديم – القوميين]، الذين سيطروا طوال سنوات على حزب المفدال، ولكنهم وجدوا الطريق للانتقام من خلال انتخابات الحاخامين الأكبرين وإبقاء زعامته [أي زعامة بينيت] محدودة".
من جهة ثانية، فإنه يتوقع حدوث مواجهة بين الحاخامين الأكبرين، الحريديين، وبين وزارة الخدمات الدينية التي يتولاها بينيت ونائبه، عضو الكنيست ايلي بن داهان، وهو من حزب "البيت اليهودي" أيضا. ويدعو بينيت وبن داهان علنا إلى إجراء إصلاحات في عمل المؤسسة الحاخامية. وقد أعلنا عن إلغاء مؤسسة حاخامات الأحياء، وعن نيتهما السماح لحاخامات من التيارين اليهوديين الإصلاحي والمحافظ، خصوم التيار الأرثوذكس، بالحصول على تمويل حكومي. كما باشرا العمل في الكنيست من أجل فتح مناطق للتسجيل للزواج، وهو أمر سيثير منافسة ضد الحاخامية الرسمية. وهذه مجرد أمثلة على تغييرات لا تحتمل من وجهة النظر الحريدية، وستجري من خلال وزارة الخدمات الدينية.
ولا يزال من غير الواضح بعد، كيف سيكون أداء بينيت أمام أصوات تتعالى في السنوات الأخيرة من جانب ما يسمى ب"المعسكر العصري – الأرثوذكسي"، التي تطالب بالانفصال عن المؤسسة الحاخامية الرئيسية وإقامة مؤسسات بديلة، على ضوء التشدد البالغ للحاخامية في قضايا مثل الأحوال الشخصية، خاصة الزواج والطلاق، والتهود، خاصة على خلفية رفض الحاخامية الاعتراف بيهودية الكثير من المهاجرين إلى إسرائيل.
وتوقع إتينغر أنه "إذا استمرت الحاخامية في توجهها المتشدد والمنعزل، مثلما يتوقع داعمو يوسف ولاو، فإن من الجائز أن يتضح أن نتائج الانتخابات هي إنجاز للجمهور العلماني. إذ أن نفوذ المؤسسة الحاخامية سيتراجع، والفجوة بينها وبين الجمهور ستتسع. والآن، لأول مرة، ليست الأحزاب الدينية وحدها ضالعة في الأمر، إذ أن معظم الأحزاب اليهودية في إسرائيل، يوجد مستقبل والحركة والبيت اليهودي والعمل وإسرائيل بيتنا، أيدت المرشح الخاسر، الحاخام دافيد ستاف. ويوجد وزن كبير لتحالف الخاسرين، خاصة إذا إضيفت إليه جهات مركزية خارج البلاد، مثل منظمة الحاخامات الأرثوذكسيين الأكبر في أميركا، والرابطة ضد التحريض، اللتين أيدتا ستاف".
إضافة إلى ما تقدم، فإن ثمة أمرا ينبغي الالتفات إليه ويتعلق بتراجع قوة حزب شاس والحاخام عوفاديا يوسف. ففي انتخابات الحاخامين الأكبرين في العام 2003، صوت لصالح الحاخام شلومو عمار، مرشح عوفاديا يوسف، 124 عضوا من أصل 150 عضوا في الهيئة التي تنتخب الحاخامين. بينما حصل نجل عوفاديا يوسف، الآن، على 68 صوتا فقط. وهذا المعطى يشكل تذكيرا لقيادة حزب شاس بحقيقة أنه على الرغم من الفوز، إلا أنها مُنيت بخسارة كبيرة وأن هناك من تجرأ على تحدي عوفاديا يوسف.
وأحد أبرز القياديين في حزب شاس الذي حقق "الفوز" في انتخابات الحاخامية، ويتعين عليه مواجهة انتخابات مستقبلية، هو رئيس شاس، عضو الكنيست أرييه درعي، الذي عاد إلى الحياة السياسية عشية الانتخابات العامة الأخيرة، في بداية العام الحالي. والتحدي القريب الماثل أمام درعي هو انتخابات السلطات المحلية، التي ستجري في تشرين الأول المقبل. وتشير تقارير وتقديرات إسرائيلية إلى أن حال حزب شاس ليس جيدا في الحلبة المحلية.
إلا أن فوز يوسف بمنصب الحاخام السفارادي الأكبر، يضمن لعدة سنوات على الاقل استمرار ضخ الأموال لمؤسسة "بيت يوسف"، التي تشرف على الغذاء والشراب "الكاشير"، أي الحلال بموجب الشريعة اليهودية. و"بيت يوسف" هي مصلحة تجارية خاصة تابعة لعائلة عوفاديا يوسف، وتدر أرباحا مالية.
دعوة لتأسيس بديل للمؤسسة الحاخامية
يرى الكثير من اليهود بالمؤسسة الحاخامية أنها مؤسسة فاسدة وتتسبب بتعاسة الكثيرين، وانه لا توجد حاجة لمثل هذه المؤسسة. أحد هؤلاء هو المحاضر في قسم التربية في جامعة تل أبيب، البروفيسور يِزهار أوبلاتكا، الذي كتب في مقال نُشر في موقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني، في أعقاب انتخابات الحاخامين، الأسبوع الماضي، أنه "من عام لآخر يكتشف معظم مواطني الدولة ’اليهود’ أن الحاخامين الأكبرين، اللذين يعدان من الشخصيات المرموقة في الدولة... يرأسان منظمة [مؤسسة] فاسدة تسبب التعاسة للكثيرين عندما يكونون بحاجة إلى بعض الرأفة، ويمثلان مفاهيم يهودية متطرفة – عنصرية ومظلمة لم يحلم حكماؤنا بأن تتحول إلى قوانين وأنظمة".
واستعرض أوبلاتكا أمثلة كثيرة على ذلك بينها "التمييز ضد النساء بصورة دائمة في المحاكم الدينية، التي ينبغي أن تحكم بموجب روح التوراة الجميلة التي دعت إلى المساواة بين بني البشر، لكنهم يختارون المفاهيم الأكثر ظلمة التي عرفها شعب إسرائيل في تاريخه. وهناك أفراد شركة كَديشا [لدفن الموتى]، والتي تنحصر مهمتها في مساعدة العائلات في حداد على تنظيم دفن أعزائهم الذين فارقوهم للتو، ويحظرون فجأة على النساء قراءة تأبين أمام أصدقائهم وأعزائهم الذين حضروا لمواساتهم في ظرفهم الصعب. ويكتشف الجنود الذين خدموا الدولة، فجأة، أن الحاخامية لا تسمح لهم بالزواج في بلادهم بسبب خوف ما من أنه ربما لا تكون والدتهم يهودية كاملة، وإنما نصف يهودية فقط. وهناك أزواج متدينون، أي حريديم تطلقوا وأصبح أحدهما علمانيا، ويكتشفان عندها ظلم المحكمة الحاخامية التي تأخذ منهما أولادهما وتسلمهم لزوجين حريديين".
وانتقد أوبلاتكا انتخاب حاخامين أكبرين، أحدهما سفارادي والآخر أشكنازي، ووصف ذلك بأنه "مظهر شتاتي" وأنه "كأننا ما زلنا في مكان ما في الشتات وعلى بعد آلاف الكيلومترات بين اليهودية الأشكنازية واليهودية السفارادية. وكأنه لم نتزاوج فيما بيننا، ولم ينمو هنا جيل كامل وهو نتائج رائع لأب من أوروبا وأم من شمال أفريقيا أو أم من بولندا وأب من العراق".
وفي تلميح واضح إلى فساد المؤسسة الحاخامية، كتب أوبلاتكا أن "القرن الرابع عشر كان قرن الشدائد في أوروبا. إنه القرن الذي انهارت فيه منظومة القيم الأخلاقية في الكنيسة لدرجة أنه كان هناك باباوان متخاصمان لفترة، وطرح الكهنة على كل من يرغب الحصول على رسالة غفران ذنوب مقابل المال، وانتشرت الرشوة في كل مكان. وكان هذا القرن الذي أدى بعد ذلك بسنوات إلى هرب الكثيرين من الكنيسة الكاثوليكية وتأسيس بديل مسيحي لهذه الكنيسة" في إشارة إلى الكنيسة البروتستنتية.
ورأى الكاتب أن "اليهودية ’المقدسة’ في أرض إسرائيل متأثرة من المجتمع الحريدي الذي يزداد تطرفا يوما بعد يوم، ويحتل الحاخامية الرئيسية شيئا فشيئا حاخامات يربط بينهم وبين العصرنة والدولة بطاقة الهوية التي في جيبهم فقط. ولذلك، يبدو أنه ليس بعيدا اليوم الذي سيعلن فيه شبان ما نسمعه هنا بين حين وآخر، بأنه جئنا لنطرد الظلام، لأن اليهودية أجمل بكثير من المؤسسة الحاخامية المسيطرة في بلادنا".
وشدد على أنه لا حاجة للمؤسسة الحاخامية من أجل القيام بطقوس دينية، وأنه "أقول للجمهور العلماني إن التوراة والأسفار اللاحقة هي بمثابة كنز للقارئ فيها ولا توجد حاجة لحاخامات كبار وحاخامات أقاليم وحاخامات أحياء ومجرد حاخامات يتجولون في كل مكان من أجل الربط بيننا وبين ديانتنا".
وخلص أوبلاتكا إلى الدعوة إلى إقامة "بدائل أخرى للمؤسسة الحاخامية، وسنكتشف بذلك غِنى الديانة التي ننتمي إليها وسنعرف مدى بعدها عن العنصرية والتمييز والسجود للحاخام".
هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي
"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"
المصطلحات المستخدمة:
انقلاب, موديعين, يديعوت أحرونوت, هآرتس, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, يائير لبيد, نفتالي بينيت