تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1388

دخلت معركة الانتخابات العامة في إسرائيل مرحلتها الأخيرة بانفجار سجال حاد بين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي، باراك أوباما، من خلال الأقوال والأفعال.

فقد وجه أوباما انتقادات شديدة إلى سياسة نتنياهو، بينها أنه لا يعرف مصلحة دولته، وأنه أسير بيد لوبي المستوطنين. ورد نتنياهو على ذلك، مساء أمس الأربعاء، بالقول إن مواطني إسرائيل سيقررون من يمثل بإخلاص مصالح إسرائيل. كما رد نتنياهو على انتقادات الرئيس الأميركي بخطوات على أرض الواقع، حيث نشرت وزارة البناء والإسكان الإسرائيلية عطاءات لبناء 198 وحدة سكنية في مستوطنتين في الضفة الغربية.


والملفت حاليا هو أنه رغم بقاء خمسة أيام للانتخابات، إلا أن قائمة "الليكود بيتنا"، التي يقودها نتنياهو، ما زالت تمتنع عن نشر برنامجها السياسي.

وقالت صحيفة "هآرتس"، اليوم الخميس - 17.1.2013، إن النقاش المركزي في الليكود هو حول ما إذا كان ينبغي أن يتضمن البرنامج مبادئ خطاب بار إيلان، الذي ألقاه نتنياهو، في العام 2009، واعترف خلاله بحل الدولتين للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. لكن الصحيفة أشارت إلى أن قياديين في الليكود يرفضون الاعتراف بخطاب بار إيلان، وأكدوا أن "برنامج الليكود حتى اليوم لا يعترف بإقامة دولة فلسطينية. ويرفض حزب إسرائيل بيتنا إمكانية قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل".

وفي هذه الأثناء سارت المعركة الانتخابية خلال الفترة الماضية بهدوء نسبي، ولم تُحدث نقاشا عاما صاخبا، كما هي العادة في معارك كهذه. ولعل ما ميّز هذه المعركة أن النقاش بين الأحزاب المتنافسة دار، أساسًا، داخل المعسكرات. بمعنى أن أحزاب اليمين، "الليكود بيتنا" و"البيت اليهودي" (وأحيانا حزب غلاة المستوطنين "عوتسما ليسرائيل" الذي لا يتوقع أن يتجاوز نسبة الحسم)، هاجمت بعضها، كما أن أحزاب الوسط، العمل و"الحركة" و"يوجد مستقبل"، هاجمت بعضها. وحتى عندما هاجمت رئيسة حزب "الحركة"، تسيبي ليفني، رئيس الحكومة نتنياهو في أعقاب انتقادات أوباما، هاجمتها رئيسة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش، وقالت إن تصريحات ليفني فارغة من أي مضمون.

بناء على ذلك، تكاد هذه المعركة الانتخابية تخلو من السجالات الحادة التي يبين كل حزب من خلالها تميزه عن الآخر. ودلت استطلاعات الرأي على أن كتلة أحزاب اليمين أكبر من كتلة أحزاب الوسط - اليسار. وإذا ما تحالفت كتلة اليمين مع كتلة الأحزاب الحريدية (المتشددة دينيا)، شاس و"يهدوت هتوراة"،  فإنها ستتفوق على كتلة أحزاب الوسط - اليسار وستشكل الحكومة المقبلة لا محالة. لكن رغم ذلك، هناك سيناريوهات تتعلق بتشكيلة الحكومة المقبلة واحتمالات انضمام حزبي "الحركة" و"يوجد مستقبل" أو أحدهما على الأقل إلى حكومة مقبلة يشكلها نتنياهو. فقد أعلن رئيسا هذين الحزبين الوسطيين أنهما لا يستبعدان الانضمام إلى حكومة كهذه. بينما أعلنت يحيموفيتش أنها لن تنضم إلى حكومة برئاسة نتنياهو.

ولم تعلن يحيموفيتش عن قرارها هذا بسبب مواقف نتنياهو في المجال السياسي وتكثيف الاستيطان وتجميد المفاوضات مع الفلسطينيين، ولا حتى بسبب عزلة إسرائيل الناجمة عن هذه السياسة، بل أكدت أنه طالما لم يتم التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين يجب مواصلة البناء في المستوطنات، وإنما أعلنت نيتها عدم الانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو كي تبعد نفسها، وحزبها طبعا، عن سياسته الاقتصادية، وتعزّز سعيها إلى جذب مصوتين على الخلفية الاقتصادية.

وقد تبين، في مطلع الأسبوع الحالي، أن الميزانية الإسرائيلية العامة تعاني من عجز مالي بمبلغ 39 مليار شيكل. وتجمع كافة التوقعات على أن ضربات اقتصادية، تتمثل بتقليص ميزانيات الوزارات وزيادة الضرائب ورفع الأسعار، ستنزل على الإسرائيليين بعد الانتخابات. رغم ذلك، فإن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن هذه الأزمة الاقتصادية لن تؤثر كثيرا على قرار الناخب الإسرائيلي في صندوق الاقتراع، يوم الثلاثاء المقبل.

 آخر الاستطلاعات: استقرار قوة اليمين

بدأت المعركة الانتخابية الإسرائيلية، في بداية شهر تشرين الثاني الماضي، بإعلان نتنياهو ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" ووزير الخارجية في حينه، أفيغدور ليبرمان، عن خوض الانتخابات في قائمة واحدة باسم "الليكود بيتنا".

ويمثل قائمة الليكود في الكنيست الحالي 27 نائبا، بينما يمثل "إسرائيل بيتنا" 15 نائبا.

وأشارت استطلاعات الرأي العام في بداية الحملة إلى أن قائمة "الليكود بيتنا" ستفوز بأكثر من 42 مقعدا في الكنيست. لكن سرعان ما أخذت شعبية هذه القائمة تتراجع، وبالأساس لصالح حزب اليمين المتطرف "البيت اليهودي".

وأظهر آخر استطلاع للرأي العام، نشرته صحيفة "معاريف" اليوم الخميس، أن يحصل "الليكود بيتنا" على 37 مقعدا، والعمل 15 مقعدًا، و"البيت اليهودي" 14 مقعدًا، وشاس 12 مقعدًا، و"يوجد مستقبل" 8 مقاعد، وميرتس 7 مقاعد، و"يهدوت هتوراة" 6 مقاعد، و"الحركة" 5 مقاعد. ووفقا لهذا الاستطلاع فإن الأحزاب العربية ستحصل على 10 مقاعد: الجبهة 4، التجمع 3، القائمة العربية الموحدة 3. وتوقع الاستطلاع أن يتجاوز حزب كاديما نسبة الحسم وأن يحصل على 3 مقاعد، بينما لن يتجاوز حزب اليمين المتطرف "عوتسما ليسرائيل" نسبة الحسم وقوته تعادل مقعدين. ويتبين من الاستطلاع أن قوة أحزاب اليمين - الحريديم 72 مقعدا، في مقابل قوة أحزاب الوسط - اليسار - العرب التي تعادل 48 مقعدا.

 وقبل ذلك أظهر استطلاع نشرته القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، مساء أمس الأربعاء، تراجع قوة "الليكود بيتنا" إلى 32 مقعدا في الكنيست. ووفقا لهذا الاستطلاع فإن حزب العمل سيحصل على 16 مقعدا، و"البيت اليهودي" 14 مقعدا، وشاس 11 مقعدا، و"يوجد مستقبل" 11 مقعدا، و"الحركة" 9 مقاعد، و"يهدوت هتوراة" 6 مقاعد، وميرتس 6 مقاعد. وتوقع الاستطلاع حصول الأحزاب العربية على 11 مقعدا: الجبهة 4، التجمع 4، القائمة العربية الموحدة 3.

ونشرت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي استطلاعا، أمس الأول الثلاثاء، جاء فيه أن "الليكود بيتنا" سيحصل على 33 مقعدا في الكنيست، وحزب العمل 17 مقعدا، و"البيت اليهودي" 12 مقعدا، وشاس 12 مقعدا،  و"يوجد مستقبل" 11 مقعدا، و"الحركة" 9 مقاعد، وميرتس 6 مقاعد، و"يهدوت هتوراة" 6 مقاعد. وحصلت الأحزاب العربية على 11 مقعدا: الجبهة 4، القائمة العربية الموحدة 4، والتجمع 3. ويتبين من هذا الاستطلاع أن قوة أحزاب اليمين - الحريديم هي 64 نائبا، مقابل 54 نائبا لأحزاب الوسط - اليسار والعرب.

وقبل ذلك نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوم الجمعة الماضي، استطلاعا كبيرا، شمل 1000 مستطلع، تبين منه أن "الليكود بيتنا" سيحصل على 33 مقعدا أيضا. وتوقع الاستطلاع ارتفاع قوة حزب العمل من 17 مقعدا في استطلاع سابق إلى 18 مقعدا، وارتفاع قوة "البيت اليهودي" من 13 إلى 14 مقعدا، وزيادة قوة ميرتس من 4 إلى 6 مقاعد.

وفي المقابل حافظ حزب "يوجد مستقبل" على قوته- 11 مقعدا، لكن انخفضت قوة حزب "الحركة" برئاسة تسيبي ليفني من 11 مقعدا إلى 8 مقاعد. كذلك تراجعت قوة حزب شاس من 11 إلى 10 مقاعد، وتراجعت أيضا قوة كتلة "يهدوت هتوراة" من 6 إلى 5 مقاعد. وتوقع الاستطلاع عدم تجاوز حزب كاديما لنسبة الحسم وأن قوته توازي مقعدين فقط. واستقرت قوة الأحزاب العربية على 11 مقعدا بينها 4 مقاعد للجبهة، و4 مقاعد للقائمة العربية الموحدة، و3 مقاعد للتجمع.

ووفقا لهذا الاستطلاع فإن قوة أحزاب اليمين 49 مقعدا وأحزاب الوسط - اليسار 45 مقعدا، بينما قوة الحزبين الحريديين 15 مقعدا، ويمكن أن يشاركا في أي حكومة، بينما قوة الأحزاب العربية 11 مقعدا وبإمكانها أن تشكل جسما داعما لحكومة وسط - يسار ولكن من دون الدخول إلى التحالف.

من جهة ثانية أظهر استطلاع نشرته صحيفة "معاريف" ، في اليوم نفسه، نتائج مختلفة، بينها أن قوة "الليكود بيتنا" ارتفعت من 36 إلى 38 مقعدا، بينما انخفضت قوة حزب العمل من 18 إلى 16 مقعدا. وبحسب هذا الاستطلاع فإن البيت اليهودي سيحصل على 13 مقعدا، و"يوجد مستقبل" 8 مقاعد، وحزب شاس 12 مقعدا، و"الحركة" 7 مقاعد، وميرتس 5 مقاعد، و"يهدوت هتوراة" 6 مقاعد، وستحصل الأحزاب العربية على 10 مقاعد، 4 للجبهة، و3 لكل من التجمع والموحدة. وتوقع هذا الاستطلاع أن يتجاوز حزب كاديما نسبة الحسم وأن يحصل على 3 مقاعد.

ووفقا لاستطلاع "معاريف" فإن قوة اليمين 52 مقعدا، والوسط - اليسار 39 مقعدا، والحريديم 19 مقعدا، والعرب 10 مقاعد.

وقال 67 بالمئة من المشاركين في هذا الاستطلاع إنهم يعرفون لمن سيصوتون، بينما قال 25 بالمئة إنهم لم يقرروا بعد، ما يعني أن 30 مقعدا في الكنيست ما زالت "عائمة"، فيما رفض 8 بالمئة الرد على السؤال.

من جهة أخرى، دل استطلاع نشرته صحيفة "هآرتس"، أمس الأربعاء، على أن أغلبية الناخبين الذين لم يصوتوا في الانتخابات الماضية، العام 2009، من المتوقع أن يصوتوا هذه المرة، وأن يعززوا قوة أحزاب الوسط قليلا، من خلال انتقال 3 أو 4 مقاعد من كتلة اليمين إلى كتلة الوسط.

وتبين من هذا الاستطلاع أن 62 بالمئة من الذين لم يصوتوا في الانتخابات الماضية سيصوتون في الانتخابات القريبة. ووفقا للاستطلاع فإن 70 بالمئة من الناخبين الجدد سيصوتون لأحزاب الوسط - اليسار. كما تبين من الاستطلاع أن 24 بالمئة من الناخبين الذين صوتوا في الانتخابات الماضية لن يصوتوا في الانتخابات المقبلة.

 

سيناريوهات محتملة لتشكيلة الحكومة المقبلة

تشير التوقعات السائدة في إسرائيل إلى أن تركيبة التحالف في الحكومة المقبلة، في حال شكلها نتنياهو، ستكون مشابهة لتركيبة الحكومة الحالية، أي أنها ستكون مكونة بالأساس من "الليكود بيتنا" وشاس و"يهدوت هتوراة". لكن هذه القوائم الثلاث ليست كافية. وسيضطر نتنياهو إلى ضم حزبين وسطيين، "يوجد مستقبل" و"الحركة" (وربما حزب كاديما، برئاسة شاؤول موفاز، إذا ما تجاوز نسبة الحسم)، أو حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف، أو الأحزاب الثلاثة معا، وبذلك سيكون لديه تحالف واسع، ولكنه غير متجانس أبدا.

وتوجد خلفيات عديدة لعدم التجانس بين هذه الأحزاب، بينها الصراع العلماني - الديني، والصراع السياسي بين الوسط واليمين المتطرف. إضافة إلى ذلك هناك الأزمة الاقتصادية، التي من غير المتوقع أن يتردد نتنياهو في مواجهتها من خلال ضربات اقتصادية، مثلما فعل دائما في هذا السياق. وهناك خلاف كبير على ما يبدو بين نتنياهو ورئيس "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت. فالأخير كان يتولى منصب مدير مكتب رئيس الحكومة نتنياهو. وقد تنحى عن هذا المنصب، وسط أنباء تحدثت عن وجود خلافات بينه وبين نتنياهو، وبينه وبين سارة نتنياهو، زوجة رئيس الحكومة. وأفادت تقارير، مؤخرا، أن بينيت بعث برسائل إلى نتنياهو، عبر مقربين من الاثنين، قال فيها إن الخلافات بينهما أصبحت وراءه وأنه، بالنسبة له على الأقل، لم تعد هناك ترسبات تمنعه من الانضمام إلى حكومة نتنياهو.

من جهة أخرى، وفي سياق الصراع العلماني - الديني، بادر قياديون في حزب شاس، بينهم رئيس الحزب إيلي يشاي، والقيادي العائد إلى الحزب أرييه درعي، إلى مهاجمة حزب "إسرائيل بيتنا"، الذي أصبح الآن جزءا من الحزب الحاكم. فحزب "إسرائيل بيتنا" يمثل جمهورين أساسيين هما اليمين العلماني والمهاجرين الروس. وتتعلق أبرز مطالب هذا الحزب، من الناحية الاجتماعية وفي إطار تقديم خدمة للمهاجرين الروس، بقضية الزواج المدني، والسماح بفتح محال تجارية لبيع لحم الخنزير وقضايا أخرى تتعارض مع مبادئ الأحزاب الحريدية. ووصف درعي "إسرائيل بيتنا" بأنه "حزب البِيض". ويشار في هذا السياق أيضا إلى أن كتلة "يهدوت هتوراة" لا تنضم إلى حكومة لا يشارك فيها حزب شاس.

وفي هذا الإطار، قالت "معاريف"، أول من أمس، إن قياديين في حزب الليكود يعترفون بأنه يسود تخوف في الأيام الأخيرة من أن قادة شاس و"يهدوت هتوراة" سيوصون أمام الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس، بأن يكلف رئيسة العمل يحيموفيتش بتشكيل الحكومة بعد الانتخابات.   

ونقلت الصحيفة عن قياديين في الليكود قولهم إنه "ينبغي أن لا نتأثر من التصريحات التي ينثرها درعي، ودعوته نتنياهو إلى الجلوس والاتفاق على مبادئ الحكومة المقبلة. فهذه أقوال تميز فترة الانتخابات، وغايتها انتخابية وحسب".

ووفقا لهؤلاء القياديين في الليكود، فإن قادة الحزبين الحريديين يجرون في الأيام الأخيرة محادثات مكثفة مع قياديين في حزبي العمل و"الحركة"، حول إمكانية ألا يوصوا أمام بيريس بتكليف نتنياهو لتشكيل الحكومة. وقال أحد القياديين في الليكود إن درعي وقادة "يهدوت هتوراة" هم الذين يقفون وراء هذه المبادرة. وأضاف أنه من شأن فارق كبير في عدد المقاعد لصالح "الليكود بيتنا" أن يمنع هذه الخطة.

ورأى القيادي نفسه في الليكود أن دعوة درعي لنتنياهو إلى وضع مبادئ الحكومة المقبلة الآن "غايتها فقط القول لناخبي شاس إنه أراد التعاون مع نتنياهو، وإن نتنياهو لم يستجب لاقتراحه". ووصف قياديون آخرون في الليكود درعي كشخص لا يعتمد حزبهم عليه. وأضافوا أن "يهدوت هتوراة قد تنجر وراء درعي، ونتنياهو لا يمكنه الاعتماد على شاس في سنة تقليصات شديدة، لأنه يخشى من ابتزاز كبير جدا من جانبه". ويشار إلى أن غالبية الناخبين الحريديم هي من الشرائح الفقيرة في إسرائيل. 

وذكرت "معاريف" يوم الاثنين الماضي، أن "الليكود بيتنا" سيحاول بعد الانتخابات التوجه أولا إلى أحزاب "يوجد مستقبل" و"الحركة" وكاديما، بهدف تشكيل التحالف المقبل مع هذه الأحزاب الوسطية، وفقط بعد ذلك سيتم التوجه إلى الحزبين الحريديين و"البيت اليهودي".

 

تقليص ميزانيات الاستيطان والأمن أولا

على ضوء الأزمة الاقتصادية الإسرائيلية المتوقعة، أظهر استطلاع للرأي أنه في حال كانت هناك حاجة إلى أن تقلص الحكومة الإسرائيلية ميزانيات لمواجهة هذه الأزمة، فإن أغلبية كبيرة بين الإسرائيليين، وبغض النظر عن انتماءاتها السياسية، تؤيد أن تبدأ تقليصات كهذه بميزانيات البناء في المستوطنات وميزانية الأمن.

وذكرت "هآرتس" أول من أمس، أنه وفقا لهذا الاستطلاع فإن 63.7 بالمئة من الإسرائيليين قالوا إن ميزانية البناء في المستوطنات هي التي يجب إجراء التقليص الأكبر فيها من أجل مواجهة العجز المالي في الميزانية العامة. وجاء ذلك في استطلاع أجراه معهد استطلاعات الرأي "بانيلز" بين 591 مستطلعا بالغا يشكلون عينة تمثل جميع فئات السكان في إسرائيل، وتم استعراضه خلال مؤتمر "منتدى اختيار ميزانية اجتماعية" الذي عقد يوم الاثنين.

وكان نتنياهو ووزير المالية، يوفال شتاينيتس، قد أعلنا، الأحد الماضي، عن وجود عجز مالي في الميزانية العامة بمبلغ 39 مليار شيكل، فيما تسود توقعات بأن الفترة المقبلة ستشهد ضربات اقتصادية، تتمثل بتقليص ميزانيات وزيادة الضرائب ورفع الأسعار، لمواجهة هذا العجز المالي.

وتبين من الاستطلاع أن تأييد تقليص ميزانيات البناء في المستوطنات لا يتعلق بموقف الإسرائيليين من الاستيطان وبانتماءاتهم السياسية، إذ أيد قرابة 76 بالمئة من المصوتين لأحزاب اليمين تقليص ميزانيات البناء في المستوطنات. وأيد المشاركون في الاستطلاع تقليص ميزانية الأمن، في الدرجة الثانية، وتقليص ميزانيات البنى التحتية في الدرجة الثالثة.

من جهة ثانية، أيد أقل من 4 بالمئة تقليص ميزانية التعليم، بينما أيد أقل من 2.6 بالمئة تقليص ميزانيات الرفاه الاجتماعي والصحة. وفي المقابل، قال 51.6 بالمئة إنهم يؤيدون زيادة ميزانية الرفاه، وطالب 71 بالمئة بتوسيع سلة المنتجات التي تخضع لدعم حكومي. وقال 22.3 بالمئة إنهم يؤيدون خفض نسبة ضريبة القيمة المضافة على المنتجات الأساسية ورفع هذه النسبة على الكماليات وذلك من أجل مواجهة العجز المالي.

وفي هذا السياق انفجر سجال بين نتنياهو ورئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت.

فقد قال أولمرت للقناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، يوم الجمعة الماضي، إن حكومة نتنياهو أنفقت 11 مليار شيكل على "مغامرة وهمية لم تنفذ ولن تنفذ"، في إشارة إلى الاستعدادات لهجوم عسكري إسرائيلي محتمل ضد المنشآت النووية في إيران.

وأضاف أولمرت أن "حكومته عملت في الموضوع الإيراني أكثر مما فعلت حكومة ’الكلام الفارغ’ الحالية. وقد نفذنا أمورا آمل ألا يتم الكشف عنها أبدا".

من جانبه قال نتنياهو، خلال اجتماع انتخابي، إن أولمرت "يتفاخر بخطة الانفصال" عن غزة. "فقد وعدونا بأنها رؤيا أمنية، لكن ما حصل هو أننا اقتلعنا يهودا (من مستوطنات غزة) وتلقينا مطرا من الصواريخ، ونحن لم نفعل هذا، ولم نبذر المليارات على اقتلاع اليهود".

ونقلت الإذاعة العامة الإسرائيلية عن مسؤولين أمنيين، شاركوا في المداولات المقلصة التي عقدها نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك للبحث في هجوم محتمل ضد إيران، قولهم إن "أولمرت محق فيما يتعلق برصد أموال للعملية العسكرية". رغم ذلك، أضاف المسؤولون الأمنيون أن المبالغ التي ذكرها أولمرت مبالغ فيها، وأن القرار بتجهيز الجيش لعملية عسكرية في إيران كان شرعيا. لكن تم إنفاق أموال بحجم مبالغ فيه وكان بالإمكان إنفاق مبالغ أقل بكثير لو أن الزعماء توخوا الحذر بشكل أكبر، إذ أنه كان واضحا أنه لا يوجد مصدر لتمويل هذا الإنفاق.

وأكد المسؤولون ذاتهم أنه خلال المداولات كان هناك من عارض بشكل واضح إنفاق موارد كثيرة بهذا الحجم على عملية عسكرية لا توجد نية لتنفيذها في ذلك الوقت. 

 

أوباما ينتقد نتنياهو؛

الليكود: أوباما يتدخل في الانتخابات!  

في هذه الأثناء، نشر المحلل السياسي الأميركي جيفري غولدبرغ، المقرب من الإدارة الأميركية، مقالا في موقع شبكة "بلومبرغ" الأميركية، أول من أمس، جاء فيه أن أوباما وجه انتقادات إلى سياسة نتنياهو خلال محادثة مغلقة، وقال فيها إن "نتنياهو لا يعرف ما هو جيد لإسرائيل، وهو يقود سياسة تدمير ذاتي، تحول إسرائيل إلى دولة منبوذة، وتتنكر حتى لصديقتها الأخيرة الولايات المتحدة، وفي وضع كهذا فإنها لن تتمكن من البقاء".

وأضاف أوباما، وفقا لغولدبرغ، أنه "في كل ما يتعلق بالفلسطينيين فإن نتنياهو جبان سياسيا، وفي جوهره هو ليس مستعدا لمواجهة تحديات، ويرفض بشدة أن يقود أو أن يبذر موارد سياسية من أجل دفع تسوية سياسية. ونتنياهو أسير بيد لوبي المستوطنين".

وتابع الرئيس الأميركي أن "إسرائيل لا تعرف مصلحتها، ومع كل إعلان جديد حول مستوطنة جديدة، يدفع نتنياهو دولته إلى مسار ستكون في نهايته معزولة بشكل مطلق. وإذا تنكرت إسرائيل للولايات المتحدة أيضا فإنها لن تبقى موجودة".

ورد نتنياهو على انتقادات أوباما بالقول، خلال جولة في قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل أمس، إن "مواطني إسرائيل فقط سيقررون من يمثل بإخلاص مصالح الدولة". وأضاف نتنياهو أن حكومته صدّت ضغوطا كثيرا خلال السنوات الأربع الماضية وبينها مطالبتها "بجعل مواجهتها للقضية النووية الإيرانية أكثر اعتدالا، والانسحاب إلى حدود العام 1967، وعدم البناء في القدس الشرقية".

كذلك نشرت وزارة الإسكان الإسرائيلية، أمس أيضا، عطاءات لبناء 198 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات في الضفة الغربية، وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن هذه الخطوة جاءت ردا على انتقادات أوباما. وشملت العطاءات بناء 114 وحدة سكنية في الحي الاستيطاني "غفعات هتمار" التابع لمستوطنة "إفرات" في الكتلة الاستيطانية "غوش عتسيون"، و84 وحدة سكنية في الحي الاستيطاني "غفعات هخارسينا" في مستوطنة "كريات أربع" في الخليل.

وقال قياديون في حزب الليكود إن انتقادات أوباما لنتنياهو هي تدخل في الانتخابات العامة. ونقلت الصحف الإسرائيلية عن قياديين في الليكود قولهم إن "أوباما يتدخل في الانتخابات الإسرائيلية الداخلية بواسطة تشويه سمعة نتنياهو".

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن قياديين في حزب الليكود قولهم إن توقيت نشر مقال غولدبرغ، قبل أسبوع من الانتخابات الإسرائيلية، تم بموافقة أوباما، وأكدوا أن "على أوباما أن يستوعب أن رئيس الحكومة القادم هو نتنياهو، وأنه يتعين عليه الاستمرار في العمل معه".

وقالت عضو الكنيست اليمينية تسيبي حوطوفيلي من الليكود إن "سياسة نتنياهو حصلت على دعم كامل من جانب الأميركيين رغما عن أوباما".

وقال رئيس حركة الليكود العالمية عضو الكنيست داني دانون إن "أية محاولة لتدخل خارجي إنما تزيد عدد النواب الذين سنفوز بهم، وحتى الرئيس أوباما يدرك أنه سيضطر إلى العمل مع رئيس الحكومة نتنياهو".

وقالت مصادر مقربة من نتنياهو إن "رئيس الحكومة سيستمر في الحفاظ على المصالح الوطنية الإسرائيلية، ولن يقوم بأية تسوية تمس بأمن مواطني إسرائيل".  

      

هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي

 
"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"