المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ابحاث ودراسات
  • 1672

عرضت في مؤتمر تحت عنوان "سكان القدس... إلى أين؟" معطيات وتوقعات ديمغرافية، آنية وإستراتيجية، تتعلق بمدينة القدس بشطريها الغربي والشرقي، وذلك في ضوء ما وصفه الواقفون خلف هذا المؤتمر بـ"عَجْز الحكومة الإسرائيلية في كل ما يتعلق بالاستثمار في تعزيز الأغلبية اليهودية في القدس"

 

كتب سعيد عياش:

 

تستعد إسرائيل في هذه الأيام للاحتفال قريباً بما تسميه "يوم القدس"، وهو اليوم الذي ضمت فيه إليها، "رسمياً وقانونياً"، الشطر الشرقي (العربي) من مدينة القدس الذي احتلته مع ما تبقى من مساحة فلسطين التاريخية، في الضفة الغربية وقطاع غزة، قبل نحو أربعين عاماً خلت، في حرب حزيران 1967.

 

هذه المناسبة، التي جعلتها الدولة الإسرائيلية منذ ذلك الحين "عيداً وطنياً" يحتفل به الإسرائيليون سنوياً (حسب التقويم العبري، في موعد قريب من أواخر أيار من كل سنة)، شكلت على الدوام فرصة تغتنمها بعض الأوساط الإسرائيلية اليهودية، السياسية والأكاديمية والإعلامية وغيرها، للتقييم والمراجعة، وغالباً وسط إطلاق صيحات التحذير والإنذار، إزاء ما تصفه بـ "الأوضاع والمؤشرات الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية المقلقة" و"الخطر الذي يتهدد استقرار الأغلبية اليهودية" في مدينة القدس.

 

في هذا السياق عقد مؤخراً معهد أبحاث إسرائيلي ["معهد القدس للدراسات الإسرائيلية"] مختص بوضع وإعداد دراسات وتصورات وبدائل إستراتيجية حول وضع مدينة القدس، والتي ترفع عادة للمستويات العليا النافذة في صنع القرارات السياسية والأمنية في إسرائيل للاسترشاد بها في التخطيط واتخاذ القرارات المتعلقة بالمدينة، مؤتمراً "بمناسبة مرور أربعين عاماً على توحيد القدس" تحت عنوان "سكان القدس... إلى أين؟" عُرِضَت خلاله سلسلة تقارير وأوراق وتحليلات انصبت في معظمها على عرض معطيات وسيرورات وتوقعات ديمغرافية، آنية وإستراتيجية- مستقبلية، تتعلق بمدينة القدس (الموسعة) بشطريها الغربي والشرقي، وذلك في ضوء ما وصفه القائمون على هذا المعهد ذي الميول اليمينية، "عَجْز الحكومة الإسرائيلية في كل ما يتعلق بالاستثمار في تعزيز الأغلبية اليهودية في القدس كجزء من سياستها المعلنة".

 

وقد أُستهل المؤتمر، الذي شاركت فيه مجموعة من كبار الخبراء والباحثين في المعهد، بينهم د. يسرائيل كمحي (مدير عام سابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية)، والبروفيسور سرجيو ديلا فرغولا، د. مايا حوشن، د. هيلل كوهين، د. يعقوب لوبو وأمنون رامون، بعرض معطيات ديمغرافية حديثة، مُهِّدَ لها سلفاً باستخلاص "يدق ناقوس الخطر" مؤداه أن وتيرة نمو السكان العرب في القدس تفوق مرتين وتيرة نمو السكان اليهود في المدينة (...).

 

 

خلفية تمهيدية موجزة

 

قبل الاستطراد في عرض ملخص التقارير والتحليلات التي استعرضها باحثو وخبراء هذا المعهد الإسرائيلي في مؤتمره الأخير (في 22 شباط الماضي)، قد يكون من المفيد والضروري بادئ ذي بدء التذكير بخلفية وطبيعة أهداف وسياسات ومخططات الضم والتهويد التي انتهجتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حيال الشطر الشرقي (القدس الشرقية) وسكانه الفلسطينيين، منذ احتلاله في العام 1967.

 

في 28 حزيران 1967، وبعد 18 يوماً فقط من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، وضعت الحكومة الإسرائيلية بقيادة "المعراخ" (حزب "العمل" لاحقا) اللبنة الأولى في السيطرة على مدينة القدس "العربية" تمهيداً لتهويدها. ففي ذلك اليوم أصدرت الحكومة مرسوماً يستند إلى قانون أنظمة السلطة والقضاء لسنة 1948، يسري بموجبه "قانون الدولة- الإسرائيلية- وقضاؤها وإدارتها" على مساحة تبلغ حوالي 70 ألف دونم تضم بلدة القدس القديمة والمناطق المحيطة بها وتمتد من صور باهر جنوباً وحتى مطار قلنديا وكفر عقب شمالاً. وفي نفس الفترة أصدر وزير الداخلية الإسرائيلي إعلاناً في الجريدة الرسمية بإلحاق منطقة القدس الموسعة بمنطقة صلاحية (متروبولين) مجلس بلدية القدس الغربية (اليهودي). وبذلك زادت منطقة السلطة البلدية بثلاثة أضعاف وأصبحت تعادل 20% من مجموع مساحة الضفة الغربية، علماً أن الأراضي التي ضمت حديثاً (بموجب المرسوم الإسرائيلي ذاته) تعادل 14% من هذه المساحة.

 

وفي 18 آب 1967 قررت الحكومة الإسرائيلية تفويض رئيسها بتسريع عمليات البناء والاستيطان في "القدس الكبرى". ومنذ ذلك الحين تبنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة منهجية ثابتة حيال القدس، تجسدت في تكريس السيطرة اليهودية على المدينة ومنطقتها وتعزيز ما وصف بـ "وحدتها المادية". هذه السياسة كانت ولا تزال تهدف بوضوح إلى "الحؤول دون إعادة تقسيم القدس لاحقاً" وهو ما شكل ركناً وطيداً في ما يسمى بـ "الإجماع القومي" الصهيوني.

 

سياسة التهويد هذه ترجمت من خلال جملة من الإجراءات والقرارات والخطط التي اعتمدتها الحكومات الإسرائيلية طوال العقود الأربعة الأخيرة، وتجّسدت في تنفيذ العديد من المشاريع والخطط الاستيطانية المكثفة داخل القدس وفي محيطها وفي الاستيلاء على الأراضي والعقارات الفلسطينية، الخاصة والوقفية، وتقييد البناء العربي على أراضي المدينة بشروط صارمة أصبحت اليوم أقرب إلى التعجيز، وتمزيق أوصال ومنع التواصل بين الأحياء العربية.

 

الخطة الاستيطانية الأولى في القدس، التي بلورها يهودا تامير، نائب المدير العام لوزارة الإسكان في ذلك الوقت، بعد عام واحد تقريباً من احتلال 1967، تضمنت في خطوطها الأساسية إيجاد تواصل يهودي في المرحلة الأولى بين شطري المدينة، من الشمال إلى الجنوب (قضت بإقامة سبعة آلاف وحدة سكنية في الشمال، بدءاً من التلة الفرنسية وامتداداً في اتجاه شارع النبي صموئيل وباب العامود، وعدد غير محدد من المساكن في الجنوب باتجاه قصر المندوب السامي- في جبل المكبر- وصور باهر وحتى مشارف بيت جالا وبيت لحم، ومضاعفة عدد مباني الجامعة العبرية على جبل سكوبس وإقامة مكاتب ومقار حكومية في منطقة الجبل وحيّ الشيخ جراح، واستيطان "حي الشرفاء"- الحي اليهودي القديم- المتاخم للحرم القدسي الشريف داخل البلدة القديمة). هذه الخطة- "خطة تامير"- ظلّت إجمالاً نموذجاً لمشاريع استيطان القدس وتهويدها وذلك من زاويتين: سِتار السرية والغموض الذي يلفها، وإستراتيجية "الوصل" (بين النقاط والأحياء الاستيطانية) و"الفصل" (بين التجمعات والأحياء العربية)، وإقامة الأطواق والأحزمة الاستيطانية (وأخيراً جدار الفصل "الضم والتوسع" العنصري) التي تحوّط وتحاصر المدينة من كل جوانبها.

 

كما اعتمدت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، منذ احتلال 1967 وحتى الآن، العديد من الخطط والمشاريع الأخرى، التي تصب في ذات الأهداف، وأبرزها المخطط الرئيس للقدس الذي نشر في تموز 1970، ويهدف إلى تحويل القدس بشطريها إلى مدينة واحدة ذات أغلبية يهودية مطلقة، مع التركيز على "زيادة الوجود اليهودي في القدس الشرقية"، و"خطة تطوير القدس حتى سنة 2010" (التي اعتمدتها حكومة الليكود في 28 أيار1984) وتهدف إلى "مضاعفة عدد اليهود في القدس الكبرى" من 330 ألف نسمة إلى 750 ألف نسمة خلال خمسة وعشرين عاماً، وذلك عن طريق استيطان المنطقة الممتدة من مستوطنة "بيت إيل" شمالاً إلى "غوش عتصيون" جنوباً ومن "مفسيرت تسيون" غرباً إلى مستوطنة "متسبيه يريحو" (قرب أريحا) شرقاً، وتضمنت هذه الخطة إقامة (15) مستوطنة جديدة في المنطقة إضافة إلى شبكة من الطرق المركزية التي تربط القدس بشبكة المواصلات الإسرائيلية.

 

مؤشرات ديمغرافية سلبية

 

وكان القائمون على "معهد القدس للدراسات الإسرائيلية" قد عبروا سابقاً في "ورقة موقف" شارك في إعدادها نخبة من كبار باحثي وخبراء المعهد، عن "خشيتهم على مستقبل القدس" التي يرون فيها "مكوناً أساسياً في أمن إسرائيل القومي"، وذلك في ضوء ما وصفوه بـ "سيرورات ومتغيرات ومؤشرات سلبية تشهدها المدينة خلال السنوات الأخيرة تهدد استقرار الأغلبية اليهودية في عاصمة إسرائيل"، حسب تعبيرهم. وأتت "ورقة موقف" المعهد في مستهلها على تأكيد مخاوف وقلق وتحذيرات القائمين عليه إزاء مجمل الأوضاع والمؤشرات الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في القدس بشطريها، مشددة على دعوتهم الملحة لصانعي القرار السياسي الإسرائيلي من أجل "بذل المزيد من العمل والجهود بهدف تدعيم و تقوية الأغلبية اليهودية ومجمل أوضاع المدينة كعاصمة لإسرائيل".

 

مؤشر السكان

 

وفصَّل باحثو المعهد في مؤتمرهم الأخير (الشهر الماضي) بقولهم إن الأغلبية اليهودية في القدس تشهد منذ سنوات عديدة انحساراً متزايداً. فعند "توحيد" المدينة (احتلال القدس الشرقية) في حزيران 1967 كانت نسبة الأغلبية اليهودية 75% من مجموع سكان المدينة، غير أن هذه الأغلبية تقلصت منذ ذلك الحين بالتدريج إلى أن وصلت اليوم إلى 66%.

وطبقاً لمعطيات حديثة عرضها خبراء المعهد في بداية المؤتمر فإن تعداد سكان القدس (بشطريها) يبلغ حالياً نحو 720 ألف نسمة، منهم 66% يهود (475100) و 34% عرب (245 ألفًا). وحذر خبراء المعهد من أن هذا الفارق سيتقلص- حسب التوقعات الديمغرافية التي يحرصون على تكرارها في كل مناسبة- حتى العام 2020 إلى 60% يهودا مقابل 40% عربا.

 

وتشير معطيات جمعت وأعدت في المعهد ذاته إلى أن عدد سكان القدس بلغ في نهاية العام 1967 حوالي 266 ألف نسمة، وأن هذا العدد نما منذ ذلك الوقت بوتيرة سريعة، إذ ازداد عدد سكان المدينة بشطريها في نهاية العام 2005 بنسبة 170%، ليصل إلى قرابة 720 ألف نسمة. في غضون العقود الأربعة المنصرمة منذ العام 1967، ازداد عدد السكان العرب- حسب تقارير المعهد ذاته- بوتيرة سريعة أكثر من السكان اليهود. فقد ازداد عدد السكان اليهود من 7ر197 ألف نسمة في العام 1967 إلى 1ر475 ألف نسمة في العام 2005، فيما ازداد عدد السكان العرب من 6ر68 ألف نسمة العام 1967 إلى 8ر244 ألف نسمة في العام 2005. وقد ازداد عدد السكان اليهود خلال هذه الفترة بنسبة 140% بينما ازداد عدد السكان العرب بنسبة 257% .. ورأى خبراء المعهد أن وتيرة النمو البطيئة نسبياً لدى السكان اليهود أدت إلى انخفاض نسبتهم في المدينة من 74% العام 1967 إلى 66% العام 2005. في المقابل ارتفعت نسبة السكان العرب من 26% العام 1967 إلى 34% العام 2005.

 

ووفقاً لتوقعات خبراء المعهد، ففي حال استمرت هذه الاتجاهات الديمغرافية فإن عدد سكان القدس سيبلغ في العام 2020 حوالي 959 ألف نسمة، ستنخفض نسبة اليهود بينهم إلى 60% مقابل 40% عربا.

 

ويقول خبراء المعهد إن هذه المعطيات "تضع الواقع القائم في القدس في تناقض مع السياسة الحكومية الإسرائيلية المعلنة منذ نهاية العام 1967، والتي تساند وتدعم المحافظة على التفوق الديمغرافي للسكان اليهود في المدينة". ويشير خبراء المعهد إلى أن نسبة الزيادة السنوية لدى السكان العرب تراوحت في العقد الأخير بين 3% و 4%، وهو ما يعني أن وتيرة نمو السكان العرب كانت في السنوات العشر الماضية أعلى مرتين من وتيرة النمو لدى السكان اليهود.

 

وتظهر مقارنة سنوية لوتائر نمو المجموعتين السكانيتين (اليهود والعرب) في المدينة أن وتيرة نمو السكان اليهود كانت أعلى من وتيرة نمو السكان العرب في ست سنوات فقط من بين 38 سنة مضت منذ العام 1967 وحتى 2005، وذلك في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وكان ذلك نتيجة لتنفيذ مشاريع بناء جديدة في أحياء يهودية ونتيجة لاستيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين الجدد القادمين من دول الاتحاد السوفييتي سابقاً.

 

ويؤكد القائمون على المعهد على أن "هدف الزيادة السكانية الذي وضعته الحكومات الإسرائيلية للسكان اليهود في القدس لم يتحقق". وكان من المفروض حسب هذا الهدف (الذي أُقِرَ في السبعينيات) أن يزداد عدد السكان اليهود في المدينة بنسبة 7ر3% على الأقل سنوياً وذلك بهدف المحافظة على التفوق الديمغرافي اليهودي، إلا أن معدل الزيادة السنوية للسكان اليهود في القدس لم يتجاوز في العقود الأربعة المنصرمة نسبة 7ر2%، في حين بلغ معدل الزيادة السنوية لدى السكان العرب، خلال الفترة ذاتها، 4ر3%.

 

 

السكان والنمو السكاني في القدس، حسب المجموعة السكانية، 1967-2005

 

 

السنة

المجموع

يهود

عرب وآخرون



بالآلاف

نسبة مئوية

بالآلاف

نسبة مئوية

بالآلاف

نسبة مئوية

1967

266.3

(100%)

197.7

(74.2%)

68.6

(25.8)

1977

376.0

(100%)

272.3

(72.4%)

103.7

(27.6)

متوسط النمو السكاني السنوي 1967-1976 (%)

3.5%



3.3%



4.2%

1987

482.6

(100.0)

346.1

(71.7)

136.5

(28.3)

متوسط النمو السكاني السنوي 1977-1987 (%)

2.5%



2.4%



2.8%

1997

622.1

(100.0)

429.1

(69.0)

189.5

(30.5)

متوسط النمو السكاني السنوي 1987-1997 (%)

2.6%



2.2%



3.5%

2001

670.0

(100.0)

454.6

(67.9)

215.4

(32.1)

2002

680.4

(100.0)

458.6

(67.4)

221.9

(32.6)

2003

693.2

(100.0)

464.5

(67.0)

228.7

(33.0)

2004

706.4

(100.0)

469.3

(66.4)

237.1

(33.6)

2005

719.9

(100.0)

475.1

(66.0)

244.8

(34.0)

متوسط النمو السكاني السنوي 1997-2005 (%)

1.8%



1.3%



3.0%

متوسط النمو السكاني السنوي 1967-2005 (%)

2.7%



2.3%



3.4%

 

 

النمو السكاني

 

تحت هذا العنوان كتبت الباحثة البارزة في "معهد القدس" د. مايا حوشن في إحدى أوراقها المقدمة للمؤتمر الأخير: في نهاية العام 2005 بلغ عدد السكان العرب في القدس 8ر244 ألف نسمة، وهذا مقابل 8ر68 ألف نسمة (سكان عرب) أقاموا في القدس الشرقية في نهاية حزيران 1967، مما يعني أن عدد السكان العرب في المدينة ازداد منذ ذلك الوقت بنسبة 257%. وأضافت حوشن: "في معظم مدن العالم، وبضمنها مدن إسرائيل، يكون نمو السكان ناتجًا عن عدة عوامل منها النمو الطبيعي والهجرة الحرّة والهجرة الطوعية من الريف إلى المدينة، غير أن ازدياد عدد السكان العرب في القدس الشرقية ناتج في معظمه عن النمو الطبيعي وليس نتيجة هجرة حرّة، إذ أن هجرة السكان العرب من القرى (الريف) إلى مدينة القدس محدودة جداً، بل وتمنع بموجب القانون الإسرائيلي منعاً باتاً هجرة الفلسطينيين من مدن وقرى الضفة الغربية إلى القدس الشرقية".

 

النمو السريع للسكان العرب منذ العام 1967 أدى أيضاً- حسب حوشن- إلى اتساع رقعة امتداد الأحياء العربية باتجاه المناطق غير العمرانية (غير المأهولة) المجاورة لها وإلى اكتظاظ في المباني والسكان في الأحياء المبنية، وبذلك نشأ تدريجياً امتداد جغرافي مأهول للأحياء العربية الممتدة من كفر عقب، في الضواحي الشمالية للقدس وحتى صور باهر وأم طوبا جنوباً. هذا الامتداد المبني والمأهول قُطع على ما تؤكده الباحثة الإسرائيلية عن طريق إقامة سلسلة من الأحياء- المستوطنات- اليهودية في شمال ووسط وجنوب القدس الشرقية.

 

لكن هذا النموذج من التمدد السكاني، من النواة القديمة للمدينة باتجاه هوامشها، يميز الكثير من المدن في إسرائيل والعالم ولا يسم بالذات مدينة القدس أو سكانها العرب. وينشأ مثل هذا النموذج بصورة عامة نتيجة ارتفاع الطلب على السكن في المدينة. في القدس، وبسبب القيود المفروضة على حركة الهجرة إلى المدينة ومنها، فإن جزءاً كبيراً من الزيادة السكانية في الأحياء ناتج عن حركة هجرة داخلية بين الأحياء، بالإضافة إلى النمو السكاني السريع في كامل المنطقة المتاخمة للحدود البلدية للقدس، كبلدات العيزرية، أبو ديس، الرام، ضاحية البريد وغيرها (الواقعة في الضفة الغربية خارج حدود البلدية الإسرائيلية).

 

مكانة السكان العرب؟!

 

وعن "المكانة القانونية" للمقدسيين الفلسطينيين أكد الخبير القانوني في "معهد القدس" الإسرائيلي أمنون رامون أنه على الرغم من مرور قرابة 40 عاماً منذ أن حددت عملياً مكانة "عرب القدس الشرقية" إلا أن هذه المسألة ما زال يشوبها نوع من الغموض..

وأضاف رامون: منذ العام 1967 أعطيت للسكان العرب في القدس الشرقية مكانة "مقيمين دائمين في إسرائيل" وبناء عليه فإنهم يحملون بطاقة هوية إسرائيلية، وبذلك فإن مكانتهم تختلف سواء عن مكانة السكان الفلسطينيين في باقي مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، أو عن مكانة العرب المقيمين في إسرائيل داخل الخط الأخضر، الذين يتمتعون بمواطنة إسرائيلية كاملة.

 

وأوضح رامون أنه يحق للسكان العرب في القدس الشرقية، بكونهم سكان إسرائيل، المشاركة في الانتخابات لبلدية القدس، ومن ناحية نظرية فإن إمكانية تقدمهم بطلب للحصول على جنسية إسرائيلية متاحة، ولكن في الحالتين، نجد أن أقلية منهم فقط اختارت اللجوء إلى مثل هذه الخطوات وذلك بحكم عدم اعترافهم بخطوة "توحيد المدينة" التي قامت بها إسرائيل عام 1967. وقد اختارت السلطات الإسرائيلية من جهتها عدم فرض الجنسية الإسرائيلية على السكان العرب، على غرار ما حصل تجاه العرب في إسرائيل العام 1948. نتيجة لذلك فإن الأكثرية الساحقة من سكان القدس الشرقية العرب لا يمكنهم أن ينتخبوا أو يترشحوا للكنيست كما أنه لا يوجد لهم أيضاً تمثيل في مجلس بلدية القدس. وتابع رامون مشيراً إلى أن قسماً كبيراً من "عرب القدس" هم من حملة الجنسية الأردنية ولكن منذ العام 1988، السنة التي قرر فيها الأردن "فك الارتباط" مع الضفة الغربية، فقد الكثيرون من المقدسيين حقهم في الحصول على هذه الجنسية (الأردنية)، ولذلك فهم يحتاجون، من أجل السفر والخروج من البلاد، للحصول على تأشيرة سفر (لاسيه باسيه) من وزارة الداخلية الإسرائيلية وهي بمثابة جواز مرور مؤقت.

 

هناك مشكلة صعبة تقلق الكثيرين من سكان القدس الشرقية وهي سحب مواطنتهم من قبل السلطات في حال انتقلوا للسكن فترة طويلة (7 سنوات) في الضفة الغربية أو خارج البلاد من هنا فإن مكانة سكان القدس الشرقية تعتبر مسألة شائكة ومن ناحية عملية فإنهم "ممزقون" بين ثلاث هويات: إسرائيلية، فلسطينية وأردنية.

 

مناطق وحدود

 

وكتب يسرائيل كمحي عن مفاهيم "المناطق والحدود" المتعلقة بالقدس، قائلاً:

تصف مصطلحات "شرق القدس" و"غرب القدس" مجالين جغرافيين يشكلان معاً "القدس الموحدة" حسب تعبيره. وتابع: "غرب القدس" هو المنطقة التي بقيت ضمن حدود دولة إسرائيل وتم توسيعها بالتدريج إلى 38 كم2 عشية حرب حزيران 1967؛ مصطلح "شرق القدس" يتناول المنطقة التي جرى ضمها إلى القدس الغربية ومساحتها 70 كم2 بناء على قرار الحكومة الإسرائيلية في قانونين صادق عليهما البرلمان (الكنيست) الإسرائيلي في 27 حزيران 1967.

 

واستطرد كمحي مفصلاً: استناداً إلى القانون الأول (قانون تعديل أمر لوائح السلطة والقضاء) أصدرت الحكومة أمراً جاء فيه أن القدس ومحيطها "منطقة يسري فيها قانون وقضاء وإدارة الدولة". وخُوِّلَ وزير الداخلية، بناء على القانون الثاني (قانون تعديل أمر البلديات)، بتعيين حدود القدس الموسعة حسبما يراه مناسباً. وقد وقع وزير الداخلية على أمر التوسيع بناء على عمل لجنة خاصة تفحصت بدائل للحدود (البلدية) الجديدة. المبادئ التي أرشدت اللجنة في رسم خط الحدود كانت أمنية، ديمغرافية وجيوسياسية. المساحة التي جرى ضمها شملت مناطق ملائمة لبناء أحياء يهودية، ومناطق مطلة على القدس اليهودية (الغربية) بالإضافة إلى مناطق كانت في معظمها مواقع عسكرية أردنية. أحد المبادئ التي ارتكزت إليها عملية توسيع المنطقة المضمومة تمثلت في: ضم أقصى مساحة من الأراضي وحد أدنى من السكان العرب.

 

بناء على ذلك، أردف كمحي قائلاً، شملت حدود القدس الشرقية (الموسعة) مناطق البلدية الأردنية (نحو 6 كم2) التي امتدت من الشيخ جراح في الشمال وجبل الزيتون ورأس العامود في الشرق، وحتى مقر المندوب السامي في جبل المكبر جنوباً. وأضاف أن المناطق الأخرى التي جرى ضمها كانت أراضي قرى عربية. في الغالب جرى ضم أجزاء من أراضي قرى ولكن تم أحياناً ضم قرى بأكملها مثل بيت صفافا، شرفات، صور باهر، أم طوبا (في الجنوب) أو العيساوية، الطور وشعفاط (في الشمال) كذلك ضمت أجزاء من أراضي قرى لم تُشمل في المنطقة المعلن عنها (القدس) مثل بيت حنينا (التحتا) الرام، حزما، عناتا وغيرها.

 

ونوه كمحي إلى أن مصطلح "القدس الشرقية" له دلالة جغرافية وسياسية وقال: من ناحية سياسية هذه هي المنطقة التي جرى ضمها للمدينة في حزيران 1967. ومن ناحية جغرافية المناطق التي جرى ضمها للمدينة من الجهات الشمالية والشرقية والجنوبية تشمل اليوم أيضاً أحياء يهودية يصل عدد سكانها إلى قرابة نصف عدد سكان "القدس الشرقية".

 

ولخص كمحي بقوله إن "القدس الشرقية" هي خليط من المناطق التي ضُمت إلى القدس الغربية بعد (حرب) حزيران 1967، جزء منها يتسم بطابع حضري مثل البلدة القديمة وأحياء باب الساهرة، الشيخ جراح، رأس العامود، شعفاط وبيت حنينا، وجزء آخر هو مناطق مأهولة ذات طابع قروي- ريفي- مثل صور باهر، أم طوبا، السواحرة الغربية، الطور وكفر عقب.

المصطلحات المستخدمة:

الخط الأخضر, الليكود, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات