المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

"المشهد الإسرائيلي" - خاص

قررت القاضية في محكمة الصلح الإسرائيلية في القدس، مالكا أفيف، إطلاق سراح المستوطن زئيف براودة، الذي أطلق النار على مواطنين فلسطينيين في الخليل، خلال الاعتداءات التي نفذها المستوطنون بعد أن أخلتهم قوات الأمن الإسرائيلية من مبنى عائلة الرجبي في المدينة. وذكرت صحيفة هآرتس، اليوم الخميس – 11.12.2008، أن المسؤولين في النيابة العامة ونشطاء منظمات حقوق الإنسان لم يفاجئوا من قرار القاضية افيف. فقد تبين بعد الإطلاع على سيرتها الذاتية أن أفيف نفسها مستوطنة، وتسكن في مستوطنة "غيتيت" في غور الأردن، وحتى أنها من أوائل المستوطنين فيه هذه المستوطنة التي أقامتها الحركة الاستيطانية "حيروت بيتار" اليمينية في العام 1975. واستأنفت النيابة العامة على القرار ويتوقع أن تنظر المحكمة المركزية في القدس في القضية اليوم.

ويشار على أن منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وثقت بواسطة شريط فيديو عملية إطلاق النار التي نفذها براودة ضد فلسطينيين اثنين وأصابهما بجروح خطيرة، في الرابع من كانون الأول الحالي. لكن القاضية أفيف وجهت انتقادات للشرطة الإسرائيلية واعتبرت في قرار الحكم أن "الشرطة كانت أسيرة منظور استعرضته وسائل الإعلام، وتساهلت مع الفلسطينيين وتساهلت مع الفلسطينيين الذين كانوا ضالعين في الحدث إلى حد عدم الإنصاف" تجاه المستوطن..

ورغم أن شريط بتسيلم يوثق إطلاق براودة النار على فلسطينيين من مسافة تقل عن مترين، إلا أن القاضية اعتبرت أن براودة هو "شخص متمدن" ومن دون ماض جنائي "وتم زجه في حدث عنيف". وتجدر الإشارة إلى أن براودة كان حينئذ يشارك في انفلات المستوطنين في الأحياء الفلسطينية المحاذية لمبنى الرجبي وهاجموا مواطنين فلسطينيين وأملاكهم ومقدساتهم وأضرموا النار في بيوت وسيارات فلسطينية. ويذكر أن شريط التصوير يظهر أنه بعد أن أطلق براودة النار على فلسطينيين وأصاب اثنين بجروح خطرة، تمكن أحد المواطنين الفلسطينيين من الإمساك به وإسقاطه على الأرض ومنعه بذلك من الاستمرار في إطلاق النار. لكن القاضية افيف قلبت الحقائق وكتبت في قرار الحكم إنه "يتضح من الشريط الذي شاهدته أن الاعتداء الوحشي الذي تم تنفيذه بحق المتهم (المستوطن براودة)... هو أنه فيما كان المتهم ملقى على الأرض وعاجزا، كان ينضم المزيد من السكان الفلسطينيين، من دون أي استفزاز أو سبب، وإنما فقط بهدف ركل وضرب المتهم... وحقيقة أن الشرطة تتساهل بصورة متطرفة مع تصرف السكان الفلسطينيين في الحدث ذاته ينبغي نسبها لصالح المتهم. ولن ندعم هذه الظاهرة التي تؤكد التمييز الصارخ".

ولفت الصحفي عكيفا إلدار، في هآرتس، إلى أنه على مدار 41 عاما من الاحتلال، اندمج مستوطنون ومؤيدو المشروع الاستيطاني في قيادة الجيش الإسرائيلي، ووجدوا مكانا في مناصب رفيعة في "الإدارة المدنية" التابعة للجيش، وتبوئوا مناصب في جهاز القضاء. وأضاف إلدار أن "العناية التي منحها القاضي موشيه دروري للمستوطن نوعام فيدرمان، قبل أسبوع، لم تكن شاذة أيضا. ورغم أن المستوطن (فيدرمان) النشط للغاية اقتحم موقعا تم الإعلان عنه أنه 'منطقة أمنية خاصة'، وخرق بذلك أمر القائد العسكري الإسرائيلي للضفة وتعهد قيادة المستوطنين، إلا أن دروري وبخ النيابة بالذات التي تجرأت على إبعاد مخالف الأمر عن بيته من دون قرع بابه بصورة لطيفة".

وأضاف إلدار أن "الروح المتسامحة ذاتها سادت في محكمة الصلح في القدس عندما حكمت بالعمل لصالح الجمهور وستة أشهر سجن مع وقف التنفيذ وغرامة بقيمة 300 شيكل على ييفعات ألكوبي، بعد إدانتها بإلقاء حجارة على بيت مواطن فلسطيني في الخليل وتكسير زجاج نوافذه. وحظيت ألكوبي برأفة المحكمة رغم أنها أدينت ثلاث مرات بالقيام بأعمال شغب والاعتداء على شرطي إسرائيلي". وفي حالة أخرى "أخلت قاضية محكمة الصلح في مدينة كفار سابا، نافا بِخور، سبيل أفري ران، وهو مستوطن يثير الرعب بين الفلسطينيين، وحتى أنه تم الإعلان عنه كمجرم فار. ورغم أن ران اعترف بعدد من بنود لائحة الاتهام ضده، إلا أن القاضية اعتبرت في قرار الحكم أن إفادات الضحايا الفلسطينيين 'كان مبالغ فيها وتفتقر للمصداقية'. كما تمت تبرئة ساحة متهمين آخرين كانا ضالعين في الاعتداءات. فقد أطلقت بخور سراح (المستوطنة) تسفيا ساريئيل، وهي شابة من (مستوطنة) ألون موريه وتم اتهامها بالاعتداء على فلسطيني ورفضت الاعتراف بصلاحية المحكمة الإسرائيلية بالنظر في القضية".

وأشار إلدار إلى أنه "لا توجد، بالطبع، أية طريقة لإثبات أن القاضي الفلاني أصدر قرارات متساهلة وأحكاما مخففة ضد مستوطنين. رغم ذلك فإن المرء بحاجة إلى اقل من يدين اثنتين لتعداد الإدانات في محكمتي الصلح اللتان تنظران في مخالفات (أي اعتداءات) إسرائيليين ضد فلسطينيين: محكمة الصلح في القدس ومحكمة الصلح في كفار سابا".

وكانت منظمة "ييش دين" الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة قد ذكرت في تقرير أصدرته قبل فترة، أن محكمة الصلح في كفار سابا نظرت في 392 ملفا تتعلق بأعمال جنائية ارتكبها مستوطنون بحق فلسطينيين، خلال ثلاثة أعوام، من أيلول العام 2002 وحتى أيلول العام 2005. وانتهت معظم هذه الملفات، وعددها 257، بإدانة المستوطنين. لكن النيابة العامة قدمت لوائح اتهام في 11 ملفا منها فقط وكانت تتعلق بالاعتداء على فلسطينيين. وتم تبرئة المستوطنين في سبعة ملفات من ال11. وأكد إلدار أن هذه الظاهرة ليست جديدة. وأضاف أنه "يكفي ذكر الأحكام المخففة التي تصل إلى حد كونها سخيفة التي تم فرضها على مستوطنين مشهورين، مثل الحاخام موشيه ليفينغر وبنحاس فالرشطاين، اللذين أدينا بقتل فلسطينيين".

وخلص إلدار إلى أنه قبل 15 عاما تماما، وبعد أسابيع قليلة من التوقيع على اتفاق أوسلو، وعندما زار رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، إسحاق رابين، الخليل، قال له قائد المنطقة العسكري، العميد موشيه خليفي: 'إن الأمر الذي يقلقني أكثر من أي شيء آخر هو جهاز القضاء... نحن نعتقل يهوديا، وهو يذهب على المحكمة والقاضي يطلق سراحه... لا يتم استنفاذ القانون، وعندما لا يتم استنفاذ القانون، لا يوجد رادع".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات