المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اليمين الاسرائيلي ورموز السلطة الاسرائيلية غاضبون

"المشهد الاسرائيلي":

بعد ثلاثة ايام من المباحثات المكثفة في العقبة، ونحو عامين ونصف العام من المحادثات التي جرت سرًا في اوروبا ورام الله واسرائيل، اعلن اخيرا عن توصل سياسيين اسرائيليين وفلسطينيين ليس لهم صفة رسمية الى وثيقة سلمية اطلق عليها اسم "وثيقة سويسرا"، وهي مسودة اتفاق تضع ارضية مشتركة للحل النهائي للصراع الاسرائيلي - الفلسطيني، وفقما افادت مصادر صحافية اسرائلية مطلعة.

وذكرت صحيفة "هآرتس" (13/12/2003) ان الاتفاق الذي اشرف على المحادثات التي افضت للتوصل اليه كل من يوسي بيلين وياسر عبد ربه، ينطوي على تنازل فلسطيني مقيد او مشروط في قضيتين رئيسيتين من اعقد قضايا التسوية الدائمة، وهما حق العودة للاجئين الفلسطينيين والسيادة على الحرم القدسي الشريف.

واشارت هذه المصادر الى انه تم الاتفاق حول هذين البندين قبل بضعة اسابيع. واضافت ان عرّابَي الاتفاق، يوسي بيلين وياسر عبد ربه، توجها فور انتهاء المحادثات في الاردن الى القاهرة، حيث من المنتظر ان يجتمعا مع الرئيس المصري حسني مبارك ليطلعاه على وثيقة الاتفاق. وقالت الصحيفة ان الشخصيات التي تقف وراء المبادرة تعتزم خلال الاسابيع المقبلة اطلاق حملة لترويج الاتفاق في اوساط الجمهور الاسرائيلي والجمهور الفلسطيني، اضافة الى عرضه على صانعي السياسة في الجانبين.

وفي اسرائيل حملت اوساط اليمين الحاكم بشدة على المبادرة واصفة اياها بأنها "ترَّهات" و"اضعاث واحلام". وذهب مسؤولون في الحكومة الاسرائيلية الى حد تشبيه اتفاق بيلين – عبد ربه بـ "اتفاق ميونخ" الذي وقع في العام 1938 بين زعماء بريطانيا وفرنسا والمانيا النازية. وكرر رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون شجبه للمبادرة وقال انها "تضر بالقدرة على تحقيق تقدم في مفاوضات جوهرية جادة للتوصل الى اتفاق سلام في المستقبل".

وقالت صحيفة "هآرتس" ان مهندسي وثيقة التفاهم الاسرائيليين والفلسطينيين وقّعوا ايضا على رسالة تعهد سيتم تسليمها لوزيرة خارجية سويسرا التي رعت المحادثات بين الجانبين، وذلك الى حين التوقيع على الاتفاق في مراسم علنية احتفالية ستقام خلال الاسابيع المقبلة، واشارت الى ان احد التواريخ المقترحة لتنظيم حفل التوقيع هو الرابع من شهر تشرين الثاني المقبل، وهو اليوم الذي تحل فيه الذكرى السنوية الثامنة لاغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي الراحل اسحق رابين.

وحضر حفل اختتام المحادثات الذي اقيم يوم الأحد الماضي في منتجع منعزل على شاطئ البحر الميت، كل من يوسي بيلين واعضاء الكنيست حاييم اورون (ميرتس) وعمرام متسناع وابراهام بورغ (من حزب "العمل") والنائبة السابقة عن حزب الليكود، نحاما رونين، والميجر جنرال (احتياط) غيورا عنبار والكاتب عاموس عوز، من الجانب الاسرائيلي، فيما حضره من الجانب الفلسطيني ا الوزراء السابقون في الحكومة الفلسطينية ياسر عبد ربه ونبيل قسيس وهشام عبد الرازق والنائبان في المجلس التشريعي قدورة فارس ومحمد حوراني.

ووصف ياسر عبد ربه في كلمة افتتاح الحفل على شاطئ البحر الميت، مسودة الاتفاق بأنها

"بداية عهد جديد" مشيرًا الى ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء السابق محمود عباس (ابومازن) والحالي احمد قريع (ابو العلاء) اعلنوا في مكالمة هاتفية مباركتهم للاتفاق. وقال الزعيم السابق لحزب "العمل" عمرام متسناع ان " معسكر السلام اصبح يمتلك الان اجندة.. لقد انهينا المرحلة السهلة والان وصلنا الى المرحلة الصعبة، وهي العودة الى البلاد وطرق باب كل بيت في سبيل اقناع الجمهور".

وقال يوسي بيلين، في تصريحات رد بها على منتقدي الاتفاق من محافل اليمين الاسرائيلي الحاكم: "اعلم مسبقا بأنهم سيقولون إن هذا الاتفاق اتفاق سيء، وأننا رضخنا واعطينا كل شيء.. لكنهم لم يستطيعوا القول بعد الآن بأنه لا يوجد شريك للسلام".

وقد اثار التوقيع على مسودة الاتفاق موجه من الغضب الشديد في الحكومة الاسرائيلية واحزاب اليمين المتطرف. وقال وزير الخارجية الاسرائيلي سيلفان شالوم في معرض تعليق له" انني لا اتوقع الكثير ممن كانوا مسؤولين عن اتفاقيات اوسلو التي ندفع ثمنها الباهظ حتى اليوم". واضاف: "هناك حكومة اسرائيلية هي المسؤولة عن التعامل مع هذه المواضيع، وكل ما عدا ذلك يعتبر وهميا".

وانضم العديد من وزراء الحكومة واعضاء الائتلاف الى الاصوات المنتقدة لمسودة "اتفاق سويسرا"، الذي انتقدة ايضا رئيس الوزراء العمالي السابق ايهود باراك. اما الرئيس الحالي لحزب "العمل" المعارض، شمعون بيرس فقد امتنع عن التعقيب على المبادرة. وقال متحدث باسم بيرس انه لن يعلق على الاتفاق ما لم يتضح محتواه.

"هآرتس": مناورة ذكية نجحت في اغضاب شارون

وكتب المراسل السياسي لصحيفة "هآرتس" الوف بن في تعليق له على نفس الموضوع ان

يوسي بيلين سجّل لنفسه انجازًا مزدوجًا.. فقد نجح في اعادة شيء من الاعتبار والاهمية لليسار الاسرائيلي، وعلى الاقل في وسائل الاعلام، كما نجح ايضا في اثارة غضب رئيس الوزراء ارئيل شارون، الذي تخلى عن هدوئه ليهاجم بشدة ما اعتبره "محاولات اليسار للاطاحة بالحكومة في وقت تعيش فيه البلاد حالة حرب".

واستطرد بن في تعليقه قائلا "ان الهدف الرئيسي الذي سعى له يوسي بيلين هو الاثبات بان هناك طرفاً يمكن التحادث معه في الجانب الفلسطيني وبالتالي دحض الادعاءات التي يرددها شارون، وسلفه في رئاسة الحكومة، ايهود باراك، ومفادها انه" لا يوجد شريك لنا في صنع السلام".

فمنذ فشل المفاوضات التي اجرتها حكومة باراك في "كامب ديفيد" وطابا، يسعى بيلين لاظهار ان هناك امكانية للتوصل الى تسوية، وان لدى الفلسطينيين استعداداً للمرونة وللتخلي، بشكل خاص، عن "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين والذي ينظر اليه في اسرائيل كوسيلة للقضاء على الدولة اليهودية.. غير ان وجهة نظر بيلين وطروحاته هذه قوبلت حتى اليوم بعدم اهتمام نظرا للاوضاع السائدة في الاراضي الفلسطينية واسرائيل. الآن تغيرت الاجواء العامة قليلا.. ان " اتفاق جنيف" او "اتفاق سويسرا" الذي توصل اليه بيلين وعمرام متسناع وابراهام بورغ مع زملائهم من الجانب الفلسطيني يشكل تعبيرًا آخر لصحوة معينة في احتجاج اليسار الذي خيم عليه الصمت في فترة حكومة الوحدة الوطنية.. فها هم الآلاف يشاركون في مظاهرة مؤيدة للانسحاب من الاراضي الفلسطينية، ومؤخراً جاءت رسالة الطيارين الرافضين للمشاركة في عمليات قصف احياء مدنية فلسطينية، والآن عاد الى الحلبة مهندسا اتفاق اوسلو، يوسي بيلين ورون فونداك، وفي جعبتهما وثيقة سلمية جديدة.

ويواجه رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون بوادر معارضة لم يشعر بها منذ صعوده الى السلطة، وهو يدرك بان هذه هي البداية فقط، لهذا السبب عقب بلهجة حادة غير مألوفة على الانباء المتعلقة بوثيقة بيلين ورفاقه. وعلقت مصادر في مكتب رئيس الوزراء بقولها ان وثيقة اتفاق جنيف تضر بالجهود الاسرائيلية الرامية لعزل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ولاجبار السلطة الفلسطينية على "مكافحة الارهاب" كشرط لأي مفاوضات سياسية بين الجانبين.

وتابع "بن" معتبرًا ان اتفاق سويسرا هو مناورة نظرية اكثر منه وثيقة سياسية، لا سيما وان واضعية لا يتمتعون اليوم باية صلاحية لتطبيقه. واستطرد مشيرًا الى ان الوثيقة لا تنص على تخل تام عن حق عودة اللاجئين وانما تكرر "الحلول" التي وردت في مقترحات الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون في هذا الخصوص ومؤداها السماح لعدد معين من اللاجئين بالعودة الى اسرائيل ولكن ليس في اطار "حق العودة" وانما ضمن صيغة مختلفة.

واشار "بن" الى ان رئيس حزب "العمل" شمعون بيرس، الذي كان في صورة المحادثات، رفض الانضمام الى وثيقة بيلين بسبب ذكرها لقرار الامم المتحدة رقم 194 والذي يعتبره الفلسطينيون اساسا لـ "حق العودة"، بينما يعتبره بيرس خطرًا على اسرائيل.

ويتضح من التفاصيل التي نشرت حول الوثيقة، ان معظم التنازلات جاءت من الجانب الاسرائيلي ولا سيما فيما يتعلق بمسألتي تعيين الحدود النهائية وتقسيم مدينة القدس. ومقارنة مع المحادثات التي اجراها باراك فان "اتفاق جنيف" يذهب الى ابعد من ذلك في عدة نقاط، فهو يقضي بالتخلي عن مستوطنة "ارئيل" ونقل السيادة الفلسطينية على الحرم القدسي للفلسطينيين، والتخلي عن السيطرة الاسرائيلية في معابر الحدود مع الدولة الفلسطينية، وباعطاء دور لقوة دولية في القدس ومعابر الحدود، كما وينص الاتفاق على اعتبار "الخط الاخضر" كأساس لترسيم الحدود بين اسرائيل والدولة الفلسطينية، مع تبادل اراضي بنسبة واحد الى واحد.

ويرى "بن" في تحليله ان التنازل الرئيسي الذي قدمه الجانب الفلسطيني في وثيقة جنيف يتمثل بالاعتراف باسرائيل كدولة للشعب اليهودي، والموافقة على ضم مستوطنتي معالية ادوميم (الى الشرق من القدس المحتلة) وافرات (جنوب) الى اسرائيل، في نطاق الحل النهائي.

ويختم "بن" تعليقه بالقول: ان "اتفاق جنيف" يسعى لحل النزاع على اساس تقسيم البلاد الى دولتين، وبذلك فإنه يشبه رؤية الرئيس الاميركي جورج بوش و "خريطة الطريق"، لكن "اتفاق جنيف" وخلافا لهما، يتغاضى عن مسألة البنية السلطوية او هيكل الحكم في الدولة الفلسطينية ولا يسعى لفرض اجراء اصلاحات شاملة في السلطة الفلسطينية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات