المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

خلافا لكل توقعات سابقة فإن استطلاعا جديدًا يؤكد أن أقل نسبة للأصوات العائمة في إسرائيل هي بين الفقراء الذي يصوتون بغالبيتهم لقوائم قطاعية تمثلهم * قضاياهم تحظى بعناوين برّاقة سرعان ما تختفي أمام العناوين السياسية * 50% من المصوتين الفقراء عرب ويهود حريديم

كان الانطباع العام في إسرائيل ان الأصوات العائمة، بمعنى التي تتقلب من عام الى آخر بين الأحزاب في شكل تصويتها حسب الأجواء السياسية، موجودة في غالبيتها لدى الشرائح الفقيرة، الى ان ظهر استطلاع جديد لمعهد ديالوغ، الذي يجري الاستطلاعات لصحيفة "هآرتس"، ليقول عكس هذا الانطباع، ويؤكد ان الغالبية الساحقة من فقراء إسرائيل يصوتون بشكل ثابت لقوائم تمثل قطاعاتهم وطوائفهم الدينية.

وكانت نسبة الأصوات العائمة في إسرائيل في حدود 25% من الأصوات، لكن هذه النسبة ارتفعت الى حوالي 30% بسبب موجات الهجرة اليهودية المتلاحقة في السنوات الخمس عشرة الماضية، ووصول مجموعات بالغة مارست التصويت مباشرة دون اي معرفة مسبقة وعميقة بالخارطة الحزبية في إسرائيل، ولهذا فقد شهدنا في الجولات الانتخابية الثلاث الأخيرة الماضية تنقلات كبيرة وظهور أحزاب وقوائم تتضخم فجأة وتختفي فجأة، وظاهرة كهذه كانت في الماضي لكن ليس بهذه الوتيرة التي نشهدها في السنوات الأخيرة.

وتعامل الاستطلاع مع الفقراء بموجب تدريج مؤسسة الضمان الاجتماعي في إسرائيل (مؤسسة التأمين الوطني)، إذ تم سؤال المستطلع عن مدخوله وفق تدريج معد مسبق، علما أن تدريج مؤسسة الضمان لا يشمل أولئك الذين يقفزون عن خط الفقر بدولارات قليلة جدا، لكن بالمجمل العام فإنهم فقراء في المعيشة وفي الممارسة الحياتية اليومية.

واعتمد الاستطلاع على أن في إسرائيل 1.6 مليون فقير معترف بهم رسميا، من بينهم 870 ألف فقير في جيل التصويت، لكن 70 ألفا منهم من الفلسطينيين المقدسيين الذين لا يحق لهم التصويت في الانتخابات البرلمانية، أي أن 800 ألف فقير وفق السجلات يحق لهم التصويت، ونصف هؤلاء من العرب واليهود الأصوليين (الحريديم).

ويخرج الاستطلاع من فرضية ان 51.6% من العرب مواطني إسرائيل فقراء (من دون القدس المحتلة بفعل الضم)، وان عدد المصوتين العرب في هذه الانتخابات في حدود 620 ألف مصوت، وأن عدد الفقراء من بينهم 300 ألف مصوت.

وفي تحليل للاستطلاع واعتمادا على نتائج الانتخابات البرلمانية السابقة، فإن 80% من العرب صوتوا للقوائم الناشطة بين الفلسطينيين في إسرائيل، بمعنى ان الغالبية الساحقة منهم لم تلجأ الى أحزاب صهيونية ترفع شعار "العدالة الاجتماعية"، وهذا المشهد كان أيضا بين المتدينين الأصوليين. وحسب الاستطلاع فإن 12% من الفقراء اليهود صوتوا لحزب "يهدوت هتوراة" الذي يمثل الحريديم الأشكناز، رغم أن قوة الحزب البرلمانية هي 5%، كما أن حزب شاس الذي يمثل الحريديم الشرقيين (السفاراديم) يحصل على نسبة من الفقراء أعلى من نسبة قوته البرلمانية التي تصل الى 9%، بمعنى أنه في حين أن قوة حزبي الحريديم البرلمانية 14%، فإنهما يحصلان على 19% من مجمل الفقراء ذوي حق التصويت، وفي حين أن القوائم الثلاث الناشطة بين الفلسطينيين في إسرائيل قوتها البرلمانية في حدود 7%، فإن 22% من مجمل الفقراء في إسرائيل يصوتون لها (جميعهم عرب).

وكما ذكر سابقا فإن الاستطلاع يؤكد ان الفقراء تقليديون في تصويتهم، فهم يصوتون للقوائم التي تمثلهم مباشرة، مثل العرب للعرب، والحريديم للحريديم، وإذا كانت هناك قوائم ذات طابع شرقي فإن الفقراء الشرقيين أيضا يصوتون لها.

أما الأحزاب الكبرى فإن نسبة أصوات الفقراء لديها قليلة مقارنة مع قوتها البرلمانية. مثلا حصل حزب كديما على 19% من أصوات الفقراء رغم أن قوته البرلمانية المتوقعة هي أكثر من 30%، والمشكلة واضحة جدا لدى حزب العمل الذي لم يكسب سوى ثقة 8.5% من مجمل الفقراء في إسرائيل، في حين قوته البرلمانية المتوقعة هي 15%، رغم أنه لا يكف عن طرح شعارات "العدالة الاجتماعية"، كما ان الليكود يحظى بتأييد 7.5% من الفقراء رغم أن قوته البرلمانية هي 11%.

لكن العامل الجديد في هذه المعطيات هو الفقراء من بين المهاجرين الجدد، فهذه شريحة لم تظهر بشكل واضح على خارطة الفقراء في إسرائيل إلا في السنوات القليلة الماضية وحتى اليوم، لكن الأمر الأكثر غرابة هو أن غالبية الفقراء من المهاجرين الجدد تتجه الى قائمة لا تعدهم بأي شيء من حيث السياسة الاقتصادية، وهم يتجهون بالأساس إلى قائمة "يسرائيل بيتينو" التي يتزعمها المتطرف اليميني أفيغدور ليبرمان، وهو من الداعمين سابقا لسياسة بنيامين نتنياهو الاقتصادية، إلا أن سبب اللجوء لهذه القائمة هو كونها تمثل المهاجرين الجدد، وليس من باب الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية التي يعانون منها.

البرامج الانتخابية والفقراء

في معالجات سابقة في "المشهد الإسرائيلي" تم التوقف عند أجندة الانتخابات الإسرائيلية. فقد أكدت سلسلة من استطلاعات الرأي أن أكبر عامل حاسم لدى الناخب الإسرائيلي هو الملف الأمني السياسي الذي يحصل على 32%، مقابل 28% للعامل الاقتصادي الاجتماعي، والفجوة بين هاتين النسبتين تتسع أكثر عند ظهور نتائج الانتخابات التي تعطي للقوائم ذات الطابع العسكري أكثر من غيرها.

وعلى الرغم من ان إسرائيل تعاني من أزمة اقتصادية مزمنة منذ عشرات السنين، إلا أن القضية الاقتصادية لم تكن حاسمة في أي من معارك إسرائيل الانتخابية البرلمانية الست عشرة الماضية، ولا في الحملة الجارية كما يبدو واضحا، رغم أن استطلاعات الرأي، التي تسأل المواطن عن الموضوع الأهم بالنسبة له، تفيد أن الملف الاقتصادي الاجتماعي هو الأكثر سخونة، لكن حين يُسأل نفس المواطن لمن سيصوّت فإنه يمنح صوته لمن يضع الملف "الأمني"، بمعنى الحرب والاحتلال، على رأس أولويات أجندته الانتخابية.

يشار هنا الى أن المعطيات السابقة ظهرت بشكل آخر في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر مع انتخاب رئيس اتحاد النقابات الإسرائيلية، عمير بيرتس، زعيما لحزب العمل، فقد أشار استطلاع لجمعية "لتيت" (عطاء)، التي تختص بالمساعدات الاجتماعية في إسرائيل، في تلك الفترة الى أن 29% من الجمهور في إسرائيل يرى ان الموضوع الأهم بالنسبة له هو الجانب الاقتصادي الاجتماعي، يليه ملف التربية والتعليم بنسبة 21%، ثم في الدرجة الثالثة الملف الأمني، بحصوله على نسبة 15%. وعلى مستوى الفرد في إسرائيل فإن هذا الاستطلاع أقرب للحقيقة، ولكن على أرض الواقع كفة الأمن والسياسة هي الراجحة.

رغم ذلك فقد ظهرت الأحزاب الثلاثة الكبرى، "كديما" و"العمل" و"الليكود"، ببرامج انتخابية تدعو جميعها لمواجهة ظاهرة الفقر، إلى درجة محاربتها كما أعلن زعيم "الليكود" بنيامين نتنياهو الذي كان وزيرا للمالية في حكومة اريئيل شارون، وتنسب له السياسة الاقتصادية التي أدت الى استفحال الفقر.

غير أن جميع هذه البرامج والمؤتمرات الصحافية والجولات في أسواق وأحياء الفقر للمرشحين الأوائل في قوائم الأحزاب الكبرى لم تُحدث أي تحول في تصويت الفقراء، الذين بقوا ملتزمين بغالبيتهم بقرارهم المسبق.

ولقد حاول حزب "العمل" وزعيمه عمير بيرتس، منذ أربعة أسابيع، تجاهل التطورات السياسية الحاصلة بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وأعلن أنه سيركز على الجانب الاقتصادي الاجتماعي، وآخر شعار يرفعه الآن هذا الحزب هو "سنحارب الإرهاب وسننتصر على الفقر"، لكن هذا الشعار أيضا لم يجلب مصوتين جددًا له. وينصح المحلل في صحيفة "هآرتس"، شاحر ايلان، حزب "العمل" بأن يتريث في سعيه لجذب المصوتين من خلال البرنامج الاقتصادي الاجتماعي.

وعلى ما يبدو أن لهذه الدعوة أساسًا واضحًا، فحزب العمل هبط في استطلاعات الرأي منذ عدة أسابيع الى 20 مقعدا وما دون، وهناك استطلاعات تمنحه 19 وحتى 17 مقعدا، بينما لديه الآن 21 مقعدا. وإذا ما تحققت استطلاعات الرأي فإن هذا سيعتبر هزيمة جديدة لحزب "العمل" وتثبيت مكانته ليس فقط في المرتبط الثانية وإنما أيضا كحزب متوسط في الخارطة السياسية، تبعده مقاعد قليلة جدا عن القوائم التي تليه مثل الليكود، وحتى قائمة اليمين المتطرف (الاتحاد الوطني + المفدال) التي بدأت تتنبأ لها استطلاعات الرأي بالحصول على 11 مقعدا.

عمليا فإن الفقراء في الحملة الانتخابية يبقون بعيدا عن مركز الحملة الانتخابية ويتم استيعابهم لكاميرات الدعاية الانتخابية لا أكثر، وكما أنه في كل عام يتم التركيز على مسألة الفقر فقط عند ظهور التقرير الرسمي السنوي، فإن الفقراء "يحظون" في هذا العام باهتمام عابر مرحلي إضافي، لغرض الدعاية الانتخابية لا أكثر.

والفقراء ليسوا غائبين فقط عن البرامج والسياسة في إسرائيل، بل أيضا عن لوائح الأحزاب، باستثناء حزب "شاس" الديني الأصولي الذي يستوعب أحيانا بعض النواب من أحياء الفقر، أما في باقي الأحزاب الكبرى والمتوسطة فإن الشخص يحتاج بالمعدل الى أكثر من مائتي ألف دولار، ومنهم من يصرف أضعاف ذلك من أجل الانخراط في قوائم الأحزاب التي لديها فرصة في الوصول الى البرلمان الإسرائيلي، الكنيست.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات