المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • اقتصاد ومجتمع
  • 994

تظهر معاينة اسباب تدني نسب النمو في الاقتصاد الاسرائيلي وجود عاملين هامين، يختلفان جوهريا عما هو مألوف في الدول المتطورة، فنسب الانخراط في قوة العمل (مجموعة المنخرطين في قوة العمل نسبة لعدد السكان الذين تزيد اعمارهم عن 15 عاما) تعتبر منخفضة بالمقارنة مع الوضع المألوف في الدول المتطورة، وفي المقابل فان نسبة النمو الطبيعي للسكان تعتبر مرتفعة جدا قياسا مع الوضع السائد في العالم الغربي... // من اوراق "مؤتمر هرتسليا الرابع.

 

 

من اوراق مؤتمر هرتسليا الرابع

الانعكاسات الاقتصادية للبنية الديمغرافية

 

ورقة عمل

اعضاء فريق العمل: رئيس الطاقم يعقوب شاينن

و ياريف سيغف

 

ملخص:

تظهر معاينة اسباب تدني نسب النمو في الاقتصاد الاسرائيلي وجود عاملين هامين، مختلفان جوهريا عما هو مألوف في الدول المتقدمة، فنسب الانخراط في قوة العمل (مجموعة المنخرطين في قوة العمل نسبة لعدد السكان الذين تزيد اعمارهم عن 15 عاما) تعتبر منخفضة بالمقارنة مع الوضع المألوف في الدول المتطورة، وفي المقابل فان نسبة النمو الطبيعي للسكان تعتبر مرتفعة جدا قياسا مع الوضع السائد في العالم الغربي.

فارتفاع نسبة النمو السكاني يؤدي الى جعل نسبة الاولاد حتى سن 15 عاما بين مجموع السكان (اي الذين لا يساهمون في الناتج على المدى القصير من جهة، ويستقطبون موارد مالية من جهة اخرى) اعلى بشكل ملموس مما هو قائم في الدول المتطورة. ولكن وبسبب انخفاض نسب الانخراط في العملية الانتاجية وتدني الناتج للفرد وارتفاع العجز الحكومي، فان عبء الضريبة (في اسرائيل) يعتبر الاكثر ارتفاعا بين سائر الدول المتطورة، فضلا عن عدم توفر مصادر لتشجيع الاستثمار في البنى التحتية الوطنية.

وتفوق نسبة النمو الطبيعي لدى السكان العرب والسكان المتدينين الحرديم نسبة الـ3% في السنة، مقارنة مع 1% فقط لدى مجموعة الاغلبية (حسب تقديراتنا، ووفق المنظور الراهن لاستمرار الاتجاه الحالي، فان مجموعة الاغلبية ستنخفض من 75% حاليا الى نحو 63% فقط عام 2030. وبحكم معدلات الانجاب المرتفعة، فان الدخل المتدني للفرد ونسبة المشاركة المنخفضة في قوة العمل لدى الوسطين العربي والحريدي يرجحان بمرور السنوات كفة الناتج المتوسط للفرد في الاقتصاد نحو المزيد من التدني. ان استمرار التوجه الراهن يؤدي في تقديرنا الى تراجع سنوي بنحو %0.4 في معدل النمو للفرد في اسرائيل.

لذلك، فان للبنية الدمغرافية والتطور على مدى فترة طويلة تأثير هام على طاقة النمو الاقتصادي على المدى البعيد.

في المقابل، فان ارتفاع نسبة المشاركة في قوة العمل، وهبوط نسبة النمو الطبيعي، وارتفاع اجور (ناتج) السكان من الوسطين العربي والحريدي، كل ذلك له تأثير جوهري على ازدياد معدل النمو المتوسط للفرد.

وطبقا لتقديراتنا فان تساوي نسبة النمو الطبيعي لدى الوسطين العربي والحريدي مع مجموعة الاغلبية السكانية من شأنه ان يؤدي الى زيادة بنحو 20% في الناتج المحلي الخام للفرد في اسرائيل.

وبالاضافة الى الانعكاسات الاقتصادية لهبوط طاقة النمو، جراء البنية الدمغرافية الحالية، فان من المتوقع ايضا ان تنجم عن هذا الوضع انعكاسات اجتماعية، ذلك لان الفئات السكانية المذكورة ( العرب والمتدينين الحرديم) وبحكم تدني مستوى دخلها من العمل، تتلقى مخصصات اعانة (تحويل) مرتفعة، تشكل عبئا متزايدا على مجموعة الاغلبية.

وبحسب تقديراتنا، فان العبء الواقع على مجموعة الاغلبية، الذي ينبع بشكل مباشر من مخصصات التحويل المباشر وغير المباشر من مجموعة الاغلبية الى الاقلية العربية والسكان المتدينين الحرديم، يصل اليوم الى حوالي 8% من الدخل المتوسط للأسرة لدى مجموعة الاغلبية. هذا العبء من الممكن ان يصل عام 2030، اذا ما استمر الاتجاه الحالي، الى ما يزيد عن 15%.

وفي ظل هذا الوضع، فاننا نعتقد بانه سيكون من المتعذر تنفيذ خطط تطوير واسعة بما يتيح نموا حثيثا على المدى البعيد.

لايزال المجتمع السكاني في اسرائيل ابعد عن ان يكون مجتمعا له سمات اقتصادية متشابهة. على الرغم من ذلك، ومن ناحية اقتصادية، فانه يمكن ملاحظة وجود مجموعتين سكانيتين لهما سمات مميزة او خاصة في كل ما يتعلق بمعدلات انجاب الاولاد وحجم الاقتصاد المنزلي (مداخيل وناتج الاسرة) وعادات الانخراط في قوة العمل ومستوى الاجور، وهما السكان المتدينين الحرديم والسكان العرب. على هذا الاساس فان سكان اسرائيل ينقسمون في هذا الاطار الى ثلاث مجموعات:

 

مجموعة المتدينين الحرديم التي تشكل اليوم حسب التقديرات نحو 6% من مجموع السكان.

مجموعة السكان العرب التي تمثل اليوم نحو 19%

مجموعة الاغلبية التي تشكل اليوم حوالي 57% من مجموع السكان.

تصل اليوم نسبة المشاركة في قوة العمل بالاقتصاد الاسرائيلي الى حوالي 54% فقط وذلك مقارنة مع نحو 58% في دول الاتحاد الاوروبي ونحو 65% في الولايات المتحدة الاميركية. وعند التقسيم حسب المجموعات، فان نسبة مشاركة مجموعة الاغلبية في قوة العمل تبلغ حوالي 58% (وهي نسبة مماثلة للمتوسط الاوربي) في حين تبلغ نسبة مشاركة مجموعة السكان المتدينين الحرديم في قوة العمل حوالي 45%، والسكان العرب حوالي 39% فقط. ووفقا لتقديراتنا فان دخل الفرد العامل من مجموعة السكان العرب والسكان المتدينين الحرديم يشكل ما بين 70% الى 75% من دخل الفرد العامل من مجموعة الاغلبية.

وضمن خط "الاستمرار" الذي يمثل استمرار الاتجاهات الحالية في ناتج العمل وطاقة الانجاب ونسبة المشاركة في قوة العمل، فاننا نعتقد بان الاقتصاد سيسير في خط او مسار ناتج عمل يصل الى حوالي 1.3% في السنة، وهي نسبة ناتج العمل المتوسط خلال الـ 25 عاما الاخيرة، السابقة لاندلاع موجة الارهاب الحالية ( 1976 – 2000). وهو ناتج عمل منخفض نسبيا ( بلغ ناتج العمل في الولايات المتحدة خلال السنوات الاخيرة حوالي 2%)، علما ان نمو هذا الناتج مرتبط مباشرة بزيادة حثيثة في الاستثمارات والانتقال الى التكنولوجيا الغنية بالموارد (التي تؤدي في المقابل الى ازدياد الناتج للفرد العامل).

وفي اعتقادنا فانه لن يكون بالامكان، بدون حصول تغيير ملموس في العوامل المذكورة اعلاه، تكريس الموارد لزيادة الاستثمارات في الاقتصاد.

ان هذا الخط البطيء في النمو سيؤدي الى زيادة او اتساع الفجوة بالمقارنة مع الدول المتقدمة، التي يتوقع ان تصل فيها نسبة النمو للفرد خلال الفترة الحالية الى نحو 2% في السنة. ومن المتوقع ان تؤدي الفجوة الكبيرة مقارنة مع الدول المتقدمة، الى تفاقم الاحباط الشديد لدى فئات سكانية واسعة، تتطلع الى تقليص هذه الفجوة. علاوة على ذلك فان استمرار الخط المشار اليه انفا سيفضي الى استمرار اتساع الفجوات الاجتماعية، والى زيادة العبء الملقى على غالبية السكان، بل ومن المحتمل ان يؤدي ذلك الى ازمة اجتماعية.

وفي تقديرنا فان بالامكان، من خلال الاستثمار في التعليم واحداث تغيير في مستوى التحصيل العلمي، ولاسيما بالنسبة للسكان العرب والمتدينين الحرديم، تغيير خط او مسار "الاستمرار".

فاجراء اصلاح في جهاز التعليم، والانتقال الى يوم دراسي طويل وزيادة الوعي والتحصيل في المجالات ذات الاجور المرتفعة، كل ذلك من شأنه ان يؤدي الى تغيير جوهري خلال فترة تتراوح بين عشر سنوات الى عشرين سنة. ان الانتقال الى يوم دراسي طويل سيمكن الفئات السكانية الفقيرة من تحقيق انجازات ونتائج اعلى في التعليم الاساسي وفوق الابتدائي، ويمكن الافتراض ان نسبة الذين يواصلون الدراسة فوق الثانوية ستزداد لتغدو مشابهة للوضع لدى مجموعة الاغلبية.

في المقابل ستنشأ حاجة الى فتح حضانات للاطفال حتى سن خمس سنوات، بما يتيح للامهات الخروج للعمل بوظيفة كاملة، دون قيود.

اضافة الى ذلك، لابد من اجراء تغييرات بنيوية في قانون الخدمة العسكرية، والتي يمكن لها التأثير على نسب الانخراط في العمل لدى السكان المتدينين الحرديم. فهذه الفئة تتسم بنسب مشاركة متدنية لدى الرجال الذين تتراوح اعمارهم بين 25 و40 عاما، وذلك جراء قيود ومعيقات ناجمة عن واجب الخدمة العسكرية. لذلك فان من شأن قانون "طال"والانتقال الى خدمة وطنية بدلا من الخدمة العسكرية، ان يؤديا الى ازدياد نسبة مشاركة هذه المجموعة السكانية في قوة العمل، لتصل الى مستوى مجموعة الاغلبية.

ان استخدام العمال الاجانب في اعمال بـ "الأسعار المتداولة" يحجم على المدى القصير، نسبة مشاركة المجموعات السكانية في قوة العمل بمستويات اجور متدنية. وسيحول ذلك على المدى البعيد، دون الانتقال الى التكنولوجيا المتقدمة في الفروع الغنية بالعمل، مما يؤدي الى تكريس الاجر المتدني والتعلق بالعمل الرخيص.

ان من شأن الاجراءات المذكورة اعلاه في مجال التعليم والتحصيل العلمي ان تؤدي الى زيادة الناتج للفرد العامل المنتمي لهذه الفئات السكانية والى تشجيع الزيادة الحثيثة في الاستثمارات ( في التقنيات الغنية برأس المال بدلا من اتقنيات الغنية بالعمل). وبهذا الشكل فانه لن يصبح هناك ما يعيق تساوي الناتج المتوسط للعامل من مجموعات السكان العرب والحرديم بالناتج للفرد العامل من مجموعة الاغلبية.

فمن المفروض ان يؤدي التحصيل العلمي المتساوي الى ناتج متساو لدى جميع المجموعات السكانية.

ان ارتفاع مستوى الناتج سيؤدي الى تحقيق مستوى اجر اعلى، والى زيادة حافز الالتحاق بقوة العمل. وفي اعتقادنا فان الانخراط في سوق العمل سيفضي ايضا الى هبوط في معدل انجاب الاولاد لدى هذه المجموعات السكانية وصولا الى المستوى المتوسط لدى باقي السكان.

لذلك فان من المتوقع ضمن مثل هذا الخط "خط الاستثمار في التعليم" حصول ارتفاع في وتيرة النمو للفرد ليصل الى 2.2% في السنة، الامر الذي سيحول دون اتساع الفجوة بالمقارنة مع الدول المتقدمة، وتقليص عدم المساواة في المداخيل وكذا العبء على مجموعة الاغلبية.

وكتحليل يراعي حساسية "خط الاستثمار في التعليم"، فقد اخذنا بالاعتبار امكانية عدم انخفاض نسبة الاخصاب (الانجاب) لدى السكان الحرديم والعرب رغم انخراطهم في سوق العمل (وهو اتجاه يميز

الـ 15 عاما الاخيرة لدى السكان العرب).

وفي ظل خط او مسار كهذا المسار، "المسار البديل"، سيكون النمو للفرد اكثر انخفاضا بقليل، حوالي 1.9% في السنة، وذلك جراء ازدياد نسبة الفئة السكانية التابعة التي لا تعمل (الاولاد).

ونتيجة لذلك سيبقى هناك عبئا ما ملقى على كاهل مجموعة الاغلبية، ينبع من كمية فائض الاولاد لدى السكان العرب والمتدينين الحرديم، الامر الذي يتطلب الاستثمار فيهم بما يتخطى الاستثمار المقابل في مجموعة الاغلبية.

 

اجمال – نظرة لسنة 2030

ان تأثير التغييرات البنوية في مضمار الاستثمار في التعليم والتحصيل العالي على الزيادة في نسبة المشاركة في قوة العمل والزيادة في الناتج للفرد العامل، ليس تأثيرا فوريا وانما يمكن ان يحتاج لسنوات طوال. وفي حال جرى تنفيذ التغييرات بصورة فورية، فان تأثيرها على النمو الاقتصادي لن يكون ملموسا قبل بداية العقد المقبل.

مع ذلك فانه يمكن حث وتيرة النمو الاقتصادي منذ الان، قبل ان تنضج ثمار الاستثمار في التعليم والتحصيل العلمي، وذلك بواسطة زيادة نسبة المشغلين ( الايدي العاملة الفعلية) من احتياطي قوة العمل الحالية، ذلك لأن نسبة البطالة تصل اليوم الى حد قياسي بلغ حوالي 11%. هذا الامر يحتاج الى سياسة اقتصادية اضافية لاستئناف النمو على المدى القصير، سياسة تتمحور حول حث وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية ووقف تشغيل العمال الاجانب. نحن نعتقد ان هناك في اللحظة الراهنة فرصة نادرة متاحة امام الاقتصاد لخلق اتجاه نمو قابل للحياة على صعيد الناتج للفرد، على مدى عشرات السنين، وذلك عن طريق الاستثمار في التعليم والتحصيل العلمي، بما يساعد في معالجة اشكالية مسار البنية الدمغرافية الراهنة، وعن طريق الاستثمار في البنى التحتية، بغية حفز النشاطات الاقتصادية بشكل فوري وتوفير الموارد اللازمة لذلك.

 

 

 

المصطلحات المستخدمة:

هرتسليا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات