في هذه الحالة، يجب ببساطة الاستماع إلى تصريحات "الكبار" بكامل الجدية. وزير "الأمن"، شاؤول موفاز، يدلي بهذه الأقوال، مؤخرًا، في كل فرصة: إسرائيل أعلنت حربًا على "حماس" في قطاع غزة. وفي هذه الحرب، كل الوسائل متاحة وشرعية من ناحيتها. كلها - ما عدا (حاليًا) احتلال القطاع كاملاً.لذلك، فإن إغتيال د. إبراهيم المقادمة، (السبت 8 آذار) في حي الشيخ رضوان في غزة، هو علامة أخرى تنذر بالتصعيد الكبير. وقد تمت المصادقة على هذا الاغتيال، قبل مدة طويلة نسبيًا، لكن إسرائيل امتنعت عن إخراجه إلى حيز التنفيذ لأن المقادمة تواجد في مناطق مأهولة بالسكان. بالأمس، نشأت الفرصة للمسّ به، وثلاثة من "حماس" فقط كانوا معه في السيارة - وهذا ما حدث. ولم يكن ما حدث مفاجأةً تامةً. فقد تحدثوا في قيادة الجنوب في الجيش الاسرائيلي منذ منتصف الأسبوع الماضي، قبل ساعات معدودة من العملية التي نفذها منتحر من "حماس" في حيفا، عن أن <<شهادات تأمين رؤساء التنظيمات قد انتهى سريانها>>. كما أن كبار "حماس" و "الجهاد الاسلامي" كانوا واعين لذلك. وقد تنقّل القياديون (ومن بينهم المقادمة) مؤخرًا، مع حراس خاصين ودرج قسم منهم على تبديل أماكن سكناهم.
لكن المسّ بالمقادمة له أهمية تزيد كثيرًا عن مجرد شطب إسم آخر من قائمة النشيطين "الارهابيين". فالمقادمة، على الرغم من التصريحات الاسرائيلية الرسمية، لم يكن <<رئيس الذراع العسكرية لـ ‘حماس‘ في القطاع>>، بشكل دقيق. والتمييز بين الذراع العسكرية وبين الذراع السياسية في التنيظم هو ضبابي أصلاً: كل "كبار حماس"، ومن بينهم الشيخ أحمد ياسين، ضالعون بشكل أو بآخر في "الارهاب". وتدل إعترافات أدلى بها ناشطون في التنظيم على أن حتى ياسين نفسه اهتم في بعض الأحيان بالربط بين متطوعين وبين النقود والسلاح المطلوبة لتنفيذ العمليات. ومع ذلك - كان المقادمة في نظر الفلسطينيين رمزًا سياسيًا وواحدًا من مؤسسي "حماس"، الذي أكثَرَ من الظهور في التظاهرات العلنية والتحدث إلى وسائل الاعلام العربية، ومن الصعب مقارنته بناشط ميداني مثل محمد ضيف، الذي عاش حياةً سرية طيلة سنوات.
ويتعلق التبرير الاسرائيلي للإغتيال بضلوع المقادمة المتزايد في النواحي التنفيذية لعمليات "حماس" في الأشهر الأخيرة. وقد خلقت إصابة ضيف واغتيال صلاح شحادة فراغًا في قيادة الذراع العسكرية، تطوع المقادمة لشغره. لكن لا شك في أن الاغتيال يحوي بلاغًا لكبار "حماس" - إسماعيل أبو شنب والدكتورين عبد العزيز الرنتيسي ومحمود الزهار. <<لو كنت مكانهم>>، قال مصدر أمني، <<لكنتُ اختفيت من الميدان لعدة شهور>>. بينما أضاف ضابط كبير في القيادة العامة: <<ليس هناك ما يُسمى ‘مستوى سياسي‘ في ‘حماس‘. لقد حان الوقت لوقف التعامل مع هذه التعريفات>>.
ولذلك، فإن إغتيال المقادمة هو ذروة (مؤقتة) في عملية تستمر منذ عدة اسابيع. وقد نُشرت في الأسبوع الماضي صور للناشط الكبير من "حماس"، والذي أعتقل في جباليا: مسن مُلتحٍ بلحية بيضاء، وعيونه مغطاة. وفي عمليات أخرى قُتل قائد "الجهاد الاسلامي" في بيت حانون، والذي قُتل إبنه عندما كان يحاول تنفيذ عملية في حاجز "أيرز" قبل يومين من ذلك؛ وأصيب ناشط من "حماس" في الـ 64 من عمره، إصابة بالغة، أثناء إعتقاله مع عدد من أبنائه. وهؤلاء لم يعودوا فقط مشغلي صواريخ "قسام" ومهندسي العبوات، بل وأيضًا المحرضين على "الارهاب" ورؤساء الجمعيات الاسلامية المحلية. هذا خط تخطّته إسرائيل مرتين فقط في النزاع الحالي، والمرتان وقعتا في أيلول 2001، في إغتيال السكرتير العام للجبهة الشعبية، أبو علي مصطفى، والشيخين جمال منصور وجمال سليم داموني، من رؤساء "حماس" في نابلس. وقد ردّ الفلسطينيون عندها باغتيال الوزير رحبعام زئيفي، مما دفع الاسرائيليين لوضع حراس على كل وزير وكولونيل تقريبًا.
وبموازاة موجة الاغتيالات الجديدة يضيّق الجيش الاسرائيلي من قبضته في شمال القطاع. وهنا، يتركزون في منع إطلاق صواريخ "قسام" على سدروت، والذي عرّفته إسرائيل كخطوة غير محتملة، تمامًا مثل إطلاق النار قبل سنة ونصف السنة على حي غيلو (في القدس). وابتداءً من هذا الأسبوع تنشط في القطاع كتيبة "غولاني" أيضًا. وستكون وحدتان ميدانيتان للمهمات في خدمة قيادة الجنوب، مما يعني على أرض الواقع مضاعفة عدد العمليات المحتملة. وأمس الأول (الجمعة 7 آذار)، قبل إغتيال المقادمة، طلبت السلطة إجراء لقاء طارئ بين قياديي الوحدات من الطرفين، في محاولة للتوصل إلى إتفاق يضمن وقف إطلاق القذائف، مقابل الانسحاب الاسرائيلي. ويبدو الآن، بعد الاغتيال، أن المحادثات ستؤجل. وفي الجهاز الأمني الاسرائيلي يدّعون أنه ما إذا كانت بوادر لقدرة حقيقية عند الأجهزة الأمنية الفلسطينية، على أخذ زمام الأمور، فإن هناك مجالاً للحديث.
وبحسب تقدير القيادة العامة (للجيش الاسرائيلي)، فإن بدء الهجوم الأمريكي في العراق لن يُقيّد حرية عمل الجيش الاسرائيلي. وربما على العكس: عندما ينشغل العالم في الحصار على بغداد، يمكن لاسرائيل أن تضيّق الخناق حول غزة وأن تمسّ بشخصيات أخرى من "حماس". ويتحدث وزير "الأمن" عن <<عودة إلى طاولة المفاوضات، عندما تتهيأ الظروف لذلك>>، ولكن الآن على الأقل يبدو أن إسرائيل تضع من بين هذه الشروط مسألة تحطيم قيادة "حماس" في القطاع - نشطاء "الارهاب" المعروفين إلى جانب من عرّفوا أنفسهم إلى اليوم على أنهم قياديون سياسيون. (عاموس هرئيل - هآرتس 9 آذار)