في العدد الجديد من (3 آذار 2003) نشرت اربع مداخلات اسرائيلية وفلسطينية حول <خريطة الطرق> المقترحة لحل الصراع في الشرق الاوسط، بأقلام الدكتور غسان الخطيب والنائب قدوره فارس عن الجانب الفلسطيني، ويوسي الفر وافرايم انبار عن الجانب الاسرائيلي. قدم الاربعة تصوراتهم الخاصة لـ <خريطة الطرق الذاتية>، دون ان تشي مداخلاتهم بوجود قاسم مشترك بينهم حول المخطط الذي اتت به <الرباعية> أملاً في حل الصراع في الشرق الاوسط.
ننشر في الصفحات التالية المداخلات الأربع، نقلا عن الموقع المذكور.
• التساوي والتنازل / بقلم غسان الخطيب
خريطة الطريق التي اقترحتها الحكومة الأميركية هي المبادرة الرئيسية التي تتم مناقشتها في الدبلوماسية الشرق أوسطية. وبينما يمكن بسهولة الإتيان بعملية أكثر دراماتيكية وجرأة في اتجاه السلام، فإن هذه الخطة متميزة في أنها تحدد هدفها النهائي بأنه إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتأسيس دولة فلسطينية مستقلة وقادرة على العيش. وعلى هذا فإنني أحاول هنا استكشاف طرق أخرى لتحويل خريطة الطريق هذه إلى خطة سلام مقبولة.
إن الحفاظ على مبدأ المشاركة والتبادلية والتنازلات المتوازية هو الخطوة الأولى المفروغ منها في اتجاه السلام. تحتوي خريطة الطريق حتى الآن على خطوات كثيرة، تستند إحداها على الأخرى، قبل تقديم تنازلات مهمة من جانب إسرائيل. في وثيقة يمكن أن تكون عملية فإن كل مرحلة يجب أن تؤدي إلى تحسين في الظروف الحياتية والاقتصادية لكلا الشعبين، مما يعزز روح التعاون، لا روح القوة أو الهيمنة.
ليس مرضيا تحديد دور الفلسطينيين بأنه "إنهاء العنف والإرهاب" ودور الإسرائيليين بأنه "صنع ما هو ضروري ليتم تأسيس دولة فلسطينية ديمقراطية"، كما هو وارد في خريطة الطرق الحالية. هذه التأكيدات غير المتوازنة تضع المسؤولية على كاهل الفلسطينيين (كما لو أنهم كانوا يحتلون إسرائيل)، وتصبغ سائر خريطة الطريق بفكرة أن إسرائيل يمكنها أن تكتفي بما قدمت وأن تستريح من أي عناء.
يجب على كلا الطرفين أن يشرعا في تطبيق خريطة الطريق (المرحلة الأولى) بالموافقة على إيقاف استخدام العنف، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في المناطق أ و ب (حسبما تم تحديدها في اتفاقات سلام سابقة)، وبوقف كل الإجراءات الإسرائيلية التي تعيق حركة الفلسطينيين وحياتهم الطبيعية. يجب على كلا الفريقين الامتناع عن أية نشاطات قد تمس بالنتيجة النهائية للمحادثات، بما في ذلك النشاطات الاستيطانية لإسرائيل. الأهداف ضمن هذه المرحلة تتضمن تحسين الظروف الاقتصادية الفلسطينية والسماح باستئناف خطة الإصلاح الفلسطينية.
من أجل وضع خطة الطريق في إطار قانوني دولي أقل خضوعا لاختلال التوازن في القوى الموجود في المنطقة، يجب أن يعقد مؤتمر دولي للحصول على قوة دفع عالمية، ويجب أن يصدر مجلس الأمن الدولي قرارا يتبنى فيه خطة خريطة الطريق.
يجب على القيادتين إصدار بيانات تستنكر العنف وتلتزم بجدية بمنع العنف والتمسك بتطبيق خطة السلام هذه. سوف تجدد القيادة الفلسطينية اعترافها بدولة إسرائيل التي بدورها ستؤكد اعترافها بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وتأسيس دولته ذات السيادة. وبالإضافة إلى ذلك، ولإعطاء خريطة الطريق سندا قانونيا، فإن كل طرف سوف يعرب عن التزامه باتباع القانون الإنساني الدولي.
مع اتباع القانون الإنساني الدولي والبنود القانوينة التي تحكم توقعات كل من النشطين الفلسطينيين المسلحين، والأفرع الأمنية للسلطة الفلسطينية، يصبح أسهل بكثير من ناحية سياسية "إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية الفلسطينية تحت إشراف ومساعدة اللجنة الرباعية، والعودة إلى الالتزام بالاتفاقيات الموقعة، بما في ذلك إيقاف جميع أنواع الأعمال المسلحة الخارجة عن القانون وإيقاف العنف بشكل تام."
إضافة إلى ذلك فإن هذه الصيغة إنما تتوجه إلى الإسرائيليين بما لا يقل عن توجهها إلى الفلسطينيين.
هنا يجب على الرباعية الدولية أن تصل إلى خطة مفصلة لعمليات تجري في وقت واحد من أجل إنهاء الوجود الأمني الإسرائيلي في مناطق السلطة الفلسطينية، وإنهاء القيود الإسرائيلية على حركة الفلسطينيين (التي تعيق أيضا تحرك قوات الأمن)، والسماح للأمن الفلسطيني بأن يضطلع من جديد بالمسؤوليات الأمنية في هذه المناطق. هذه الآلية يجب أن تسهل كلا من إنهاء العنف الفلسطيني والهجمات الحربية الإسرائيلية، بما في ذلك الاغتيالات والاعتقالات ونسف المنازل.
ثمة الآن إجماع فلسطيني كبير على أنه لا يجوز إجراء مفاوضات على الأمور الأساسية ما دامت إسرائيل ماضية في إجراءاتها الأحادية الجانب التي من شانها التأثير في نتيجة هذه المفاوضات. على إسرائيل في هذه المرحلة أن تتخذ الخطوات اللازمة لتجميد الاستيطان بشكل كامل، على أن تراقب ذلك الرباعية أو طرف آخر تكلفه الرباعية بذلك.
هذه الخطوة، يضاف إليها تنفيذ رزمة إنعاش اقتصادي للفلسطينيين، ستكون حافزا لحشد التأييد لخريطة الطريق. لن يكتب لأية مبادرة دبلوماسية أن تعيش ما بقيت نسبة البطالة الفلسطينية 60 بالمئة.
تتضمن خريطة الطريق الأصلية عددا كبيرا من البنود التي تسرد تفاصيل عملية الإصلاح الفلسطيني، بما في ذلك تعيين رئيس وزراء، والانتخابات، وصياغة دستور؛ وهذه جميعا يجب أن تحدث قبل أن تقوم إسرائيل بأية خطوة ذات بال. ويرى الفلسطينيون في هذا التنقير والتدقيق إهانة وإقامة لعوائق عديدة أمام خريطة الطريق بمجملها. وقد تم تصميم كل بند على نحو يسمح لإسرائيل بأن تعطله قبل أن تنفذ هي التزاماتها.
ليس معنى هذا أنه ليس في وسع الفلسطينيين الإفادة من الدعم الفني، والخبرات، والدعم المالي من اجل تطوير نظم الحكم والتشريع عندنا. على أن هذا كله يمكن أن يحدث عبر الدعم، والتنمية ومواصلة الجهود بمساعدة فريق دولي خاص، وعلى أن تقوم به الدوائر الفلسطينية والوزارات وشركات القطاع الخاص.
فيما تحدد خريطة الطريق وجوب إعادة فتح المؤسسات الفلسطينية المقدسية التي أغلقتها إسرائيل فهي لا تذكر شيئا عن آلاف المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وكما في كل نزاع فإن حسن النية والإدراك بأن هذا النـزاع على وشك الانتهاء يقتضيان إفراجا تدريجيا عن المعتقلين. كثيرا ما يتم تجاهل وجود عدد هائل من المعتقلين وهو الأمر الذي يشكل مصدرا لتجدد العداء بين الطرفين، وإطلاق سراحهم يسهل كثيرا عملية الانتقال من حال النـزاع إلى حال السلام.
كخطوة أخيرة في المرحلة الأولى من خريطة الطريق يجب إجراء الانتخابات الفلسطينية بإشراف دولي. وبعد ذلك مباشرة يجب أن تبدأ المرحلة الثانية بمؤتمر دولي ثان لتجديد التزامات الفرقاء. ويجب أن تستمر كل الجهود لتعزيز الهدوء عن طريق تخويل الأمن الفلسطيني الصلاحيات، وتحسين ظروف حياة الفلسطينيين.
وفي المرحلة الأخيرة، "يبدأ الفلسطينيون والإسرائيليون المفاوضات التي يتم إطلاقها في المؤتمر الدولي وتتم برعاية اللجنة الرباعية، ويتم فيها صوغ اتفاقية وضع نهائي دائمة وشاملة تنهي النـزاع الفلسطيني الإسرائيلي في عام 2005 عن طريق تسوية يتفق عليها بعد التفاوض بين الأطراف وتستند إلى قرارات مجلس الأمن: 242 ، 338 ، 1397 ، و194، وإنهاء الاحتلال الذي بدأ سنة 1967. وستحل قضية اللاجئين بشكل عادل ونهائي على أساس القرار 194، وقضية القدس ستحل على نحو يراعي الشرعية الدولية، والمصالح السياسية والدينية للطرفين، والمصالح الدينية لليهود، والمسيحيين، والمسلمين في العالم.
* غسان الخطيب هو وزير العمل في حكومة السلطة الفلسطينية. وقد عمل لسنوات محللا سياسيا وصحفيا.
* البدء بخريطتي طريق منفصلتين / بقلم يوسي ألفر
إن تناولا جديدا لفكرة "خريطة الطريق" يجب أن يستفيد من مراجعة متأنية لإخفاقات عملية السلام حتى الآن:
* قرار مجلس الامن 242، الذي قامت على أساسه مفاوضات الوضع النهائي المستندة إلى إعلان المباديء الذي تم التوصل إليه في أوسلو، لا يتطرق إلى قضايا إسرائيلية فلسطينية محددة مثل اللاجئين والقدس، وهو بعد ليس واضحا في المسائل ذات الصلة بالأراضي. وعلى هذا فهو ليس أساسا كافيا للعملية.
* لقد فشل مبدأ الحل على مراحل. فالتقسيم إلى مراحل أدى إلى توفير فرص كثيرة للمتطرفين في الجانبين ليتدخلوا. يجب بالضرورة تحديد الهدف النهائي للعملية مسبقا من أجل توفير التركيز، والحافز للمضي قدما.
* لقد فشلت أيضا الفرضية القائلة إن التعاون الاقتصادي الوثيق يولد ثقة متبادلة وازدهارا فلسطينيا. لا بل ثبت أنه يؤدي إلى عكس المتوخى منه أمنيا.
* الجانبان يحتاجان إلى مساعدة من الخارج، تتضمن التحكيم المفروض فرضا، لكن لا تتضمن تسوية مفروضة.
* لقد طالما أرجيء التعاطي مع المشاكل الأعوص – العنف الفلسطيني والمستوطنات الإسرائيلية- وقد وصل الجانبان الآن نقطة لا بد فيها من معالجة كل ذلك. كل واحد من هذين الدمّلين يهدد بضعضعة أو حتى بتدمير روحي للمجتمع الذي يعاني منه.
* انهارت الثقة المتبادلة انهيارا جعل من الضروري ألا يتم البدء بالمفاوضات من نقطة بداية خريطة الطريق. يجب للمحادثات المثمرة أن تنتظر حتى تبدأ أولا عملية جديدة لبناء الثقة.
* خريطة الطريق الحالية تتجاهل في الواقع العملي كل تلك الحقائق آنفة الذكر، وهي لذلك غير قابلة للتطبيق.
يجب علينا أن نبدأ بخريطتي طريق اثنتين تستندان إلى خطوات أحادية متوازية يقوم بها كل من الجانبين، وفقط بعد ذلك يمكن أن تندمج خريطتا الطريق.
إن الضرر الذي أدت إليه سياسات الاستيطان الإسرائيلية، والميزة الديموغرافية الفلسطينية التي تزداد استحكاما، يفرضان اتخاذ قرار بإعادة انتشار أحادية وتفكيك المستوطنات إن أرادت إسرائيل أن "تنقذ وجدانها" بوصفها دولة يهودية وديمقراطية. يجب على إسرائيل أن تختار بين الديموغرافيا والجغرافيا. إن مزايا انسحاب بلا أي مقابل من قطاع غزة، ذي السبع عشرة مستوطنة، ومن قلب الضفة الغربية الجبلي (وهناك من 30 إلى 40 مستوطنة) تفوق كثيرا أية أضرار لهاتين الخطوتين. ستستمر إسرائيل في السيطرة على غور الاردن، وعلى القدس الكبرى، وعلى الكتل الاستيطانية القريبة من الخط الأخضر في انتظار مفاوضات الحل النهائي، وسوف تستكمل إنشاء سياج الخط الأخضر بمساعدة دولية.
من جهة أخرى على الفلسطينيين أن يعلنوا عن، وينفذوا هدنة من جانب واحد. هنا أيضا فإن المزايا بالنسبة لفلسطين من وراء إنهاء العنف بدون مقابل أكبر بكثير من أية سلبيات. إن الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من مناطق التركز السكاني الفلسطينية ستسهل هذه الخطوة. على السلطات الأمنية الفلسطينية أن تقوم بمهمة مراقبة مشددة لضمان ألا يفسر المسلحون الفلسطينيون انسحاب إسرائيل على أنه دليل ضعف، وإلا فإن العملية برمتها ستفشل.
قد يتبع ما ذكرنا تطوران. الأول حدوث استقرار للوضع وانخفاض حاد في العنف. وهذا قد يجعل من الممكن استئناف حد أدنى من العلاقات الاقتصادية، على أساس وجود حالة طواريء، وتتضمن هذه العلاقات دخول وخروج عمال المياومة الفلسطينيين في إسرائيل.
خطوة أخرى محتملة تتمثل في بدء عمل وحدة إشراف دولية بقيادة الولايات المتحدة في الضفة الغربية وغزة لمتابعة عملية النهوض والإعمار للبنية التحتية والاقتصاد، ولترتيب خطوات تفضي إلى بناء دولة. أحد مهام وحدة الإشراف يجب أن يكون تطوير قاعدة اقتصادية فلسطينية أقل اعتمادا على العملة الإسرائيلية والأسس الجمركية في إسرائيل، وأكثر اندماجا في الاقتصاد العربي الإقليمي. وهذا أيضا سيصبح أسهل بفصل القوات وإبعاد المستوطنين الذي ستقوم به إسرائيل من جانب واحد. وفي النتيجة فإن القيادة الفلسطينية تستطيع بعد انسحاب إسرائيل أن تعلن دولة وأن تسمح ببدء عمل وحدة الإشراف من جانب واحد.
وما إن يستقر الوضع عن طريق هذه السلسلة من الإجراءات التي هي إلى حد بعيد أحادية الجانب حتى تندمج خريطتا الطريق. وتبدأ مفاوضات الوضع النهائي مستندة إلى القرار 242، والخطة السعودية/العربية ، ومباديء كلنتون . ومنذ البداية ستقبل إسرائيل حد الخط الأخضر لعام 1967، مع تبادل متوازن للمناطق وذلك كنقطة انطلاق للتسوية بشأن الأراضي. وتعترف منظمة التحرير الفلسطينية بأنه ليس هناك حق عودة إلى إسرائيل نفسها وبأن لإسرائيل حق تاريخي مشروع بان يكون لها دور، وإن رمزيا، في جبل الهيكل/الحرم الشريف (تحت السيطرة الفلسطينية).
للأسف فإنه لا يبدو أن الأعمال الأحادية التمهيدية التي تدعو إليها هذه الخطة ممكنة ما دام أي من القادة الثلاثة الرئيسيين: الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون، ورئيس الولايات المتحدة جورج بوش ما زالوا عاجزين عن تطوير استراتيجية واقعية للسلام.
* يوسي ألفر مدير سابق لمركز يافه للدراسات الاستراتيجية بجامعة تل أبيب، وكبير مستشارين سابق لرئيس الوزراء إيهود باراك، ومسؤول سابق في <الموساد>.
• طريق الخروج من المأزق / بقلم قدورة فارس
النـزاع الحالي بين الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال والدولة المحتلة إسرائيل نزاع لا سبيل إلى إنهائه بحل فيه رابح وخاسر. ولهذا فإن الكثيرين في المجتمع الفلسطيني والإسرائيلي مقتنعون بأن هذا النـزاع لا يمكن إنهاؤه بمجرد استخدام القوة. للأسف فثمة في إسرائيل اتجاه اكتسب مزيدا من القوة خلال السنتين الفائتتين يتصرف ويرسم سياسته بناء على الاعتقاد بأنه من الممكن إنهاء النـزاع عن طريق استخدام القوة المسلحة، ثم بعد إحراز النصر يتم التوصل إلى حل يرضي طموحات هذا الاتجاه بالحفاظ على الاحتلال من جهة، وبتوفير الأمن لإسرائيل من جهة أخرى. وعلى هذا فإن المخرج من دوامة العنف، نظريا، واضح رغم فقدان العنصر الرئيسي المتمثل في وجود طرف إسرائيلي مستعد وقادر على تحقيق الخروج من هذه الدائرة.
إن الاعتقاد بأن حربا على العراق ستكون شيئا ما كعملية ميكانيكية تبدأ وتنتهي بحسب جدول زمني متوقع مسبقا ليس بالتقدير الحصيف. من الممكن حقا أن تغدو الولايات المتحدة منشغلة وقتا طويلا بعقابيل الحرب ضد العراق، ولن تخصص بسبب ذلك وقتا للنـزاع العربي الإسرائيلي بعد الحرب مباشرة. هذا يعني أن النـزاع قد يشهد تصعيدا بحيث تضاف إليه فصول أخرى من المآسي وسفك الدماء.
من جهة أخرى إذا افترضنا أن المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، مستعد لتوفير المناخ الملائم لحل شامل للنـزاع الفلسطيني الإسرائيلي فإنني أعتقد عندئذ أن الحل لا بد أن يكون على هيئة رزمة متكاملة. هذا لا يتناقض مع الحاجة إلى التطبيق التدريجي الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حق تقرير المصير وتأسيس دولته.
يجب فهم الهدف منذ البداية. الشعبان، الفلسطيني والإسرائيلي، يعيشان حالة من الإحباط الحاد بشأن إمكان العثور على حل. ولهذا فإن أي تصور أو فكرة لا تعطي الشعبين شعورا بالأمل في أنه يمكن تحقيق السلام والأمن لن تصادف تعاطفا في نفوس الشعبين. ربما كانت أهم خطوة في المرحلة الأولى هي وقف التقهقر في العلاقات عن طريق خطة ذات إطار زمني، لا يتجاوز الأشهر الثلاثة، يقوم الفريقان خلالها بتنفيذ التزاماتهما على النحو التالي:
* يوقف الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني جميع الأعمال الحربية من أي نوع، وفي كل مكان، لمدة أسبوعين.
* تنسحب إسرائيل من المدن الفلسطينية في غضون ثلاثة أسابيع، وتتسلم أجهزة الأمن الفلسطينية المسؤولية الكاملة عن الأمن في هذه المناطق.
* توقف إسرائيل الاغتيالات وملاحقة الأعضاء المطلوبين في الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية. ويمكن تدوين أسمائهم في سجل خاص، كما جرى في عام 1994 بأسماء المطلوبين الفلسطينيين في الانتفاضة الأولى، من أجل إعطاء هذه العناصر شعورا بأن لهم مصلحة وطنية وشخصية في تطبيق حالة من الهدوء.
* يجب أن تعطى المؤسسات الأمنية والمدنية الفلسطينية الفرصة للقيام بمهامها وتحقيق إنجازات من شأنها تقوية حضور السلطة وتطبيق الإصلاحات المتفق عليها (أو تلك التي ترمي إلى إصلاح المؤسسات الفلسطينية وفي مقدمتها إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية.)
* تقوم إسرائيل بوضع حد لكل إجراءاتها، بما فيها فرض الحصار والإغلاق، وبالسماح للمواطنين الفلسطينيين بأن يعيشوا حياتهم الطبيعية. وتتوقف إسرائيل عن مصادرة الأرض، وإنشاء ما تسميه "الجدار الأمني". وتفرج إسرائيل عن كل الأموال الفلسطينية المحتجزة.
بتنفيذ الخطوات آنفة الذكر سيعود الوضع إلى ما كان عليه قبل 28 أيلول/سبتمبر 2000، وهذا سيكون نهاية المرحلة الأولى. وعندئذ تودع منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل لدى اللجنة الرباعية وثيقتين حيث تتعهد المنظمة بالتوصل إلى حل نهائي شامل في مدة لا تتجاوز العام على أساس قراري مجلس الأمن 242 و 338 ، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194 بخصوص مشكلة اللاجئين. وتتعهد إسرائيل بالتجاوب، وبالتوقف عن كل النشاطات الاستيطانية ومصادرة الأرض. وتستمر حالة الهدوء خلال تلك الفترة. ثم تبدأ مفاوضات مكثفة برعاية الرباعية من أجل التوصل إلى حل نهائي يؤدي إلى ما يلي:
* إنهاء الاحتلال عن طريق انسحاب إسرائيلي كامل من جميع المواقع الاستيطانية والعسكرية في المناطق التي احتلت عام 1967، وتأسيس دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
• تحقيق الأمن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
• حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلا عادلا وبالتوافق مع قرارات القانون الدولي.
أثناء المفاوضات ستأخذ إسرائيل المبادرة وتفرج بالتدريج عن كل المعتقلين. ويتم أولا الإفراج عن المعتقلين الإداريين والصغار في السن والمرضى ضمن إطار خطة إفراج أشمل. ويتم بهذا البت في قضية المعتقلين في إطار اتفاقية نهائية تؤدي إلى الإفراج عن جميع المعتقلين.
أدرك تمام الإدراك أن الأفكار المطروحة هنا لا تنسجم والمناخ الإقليمي والدولي السائد حاليا. كما أن هذه الأسس تتعارض بشدة مع الأيديولوجية التي تحكم سلوك الجناح اليميني المتطرف الحاكم في إسرائيل اليوم. على أنني واثق من أن أي صيغة أخرى يمليها ثقل إسرائيل في ميزان القوى لن تؤدي إلى حل شامل للنـزاع. ثمة إمكانية في تطبيق خطط طواريء منشؤها الأوضاع الحالية المتردية ولكنها لن تؤدي إلى عودة حقيقية لمائدة التفاوض، ولن تحقق الحرية والأمن للفلسطينيين والأمن والسلام للإسرائيليين.
* قدورة فارس نائب عن فتح من رام الله في المجلس التشريعي الفلسطيني.
• بوصلة لخريطة الطريق / بقلم إفرايم إنبار
أثناء عملية أوسلو ضيع الفلسطينيون فرصة لتغيير نمط العلاقات التشاركية عندما انتهكوا بشكل صارخ الاتفاقات التي وقعوها مع إسرائيل، وبالتحديد عن طريق استخدام القوة ضد الإسرائيليين. إن الافتراضات الأساسية لتحسن العلاقات بين الطرفين هي:
1. أية عملية سياسية يجب أن تتطور على مراحل إذ إن محاولة التوصل إلى اتفاق نهائي قد فشلت ولا يمكن إحياؤها، ليس استنادا إلى مباديء كلنتون بالتأكيد. الجمهور الإسرائيلي ليس مستعدا اليوم للمخاطرة وبذل التنازلات التي كان يمكن أن يقدمها في صيف عام 2000. وعلى هذا فالسبيل الصحيح هو "خطة طريق" تتضمن نهجا تصاعديا يتقدم خطوة خطوة على مدى زمني طويل وبموجب خط مرسوم سلفا.
2. إبعاد ياسر عرفات عن الساحة أو تهميشه شرط مسبق لأي تقدم. لقد أدت قيادته إلى كارثة حلت على رأس شعبه وولدت انعدام ثقة تاما في أوساط الإسرائيليين والأميركيين والأطراف الدولية الفاعلة الأخرى. واستمرار وجوده سيعيق ظهور قيادة فلسطينية بديلة، وهذا بحد ذاته عملية معقدة وطويلة.
3. الاختبار الأول للقيادة الجديدة سيكون امتلاكها الشجاعة لإيجاد احتكار لاستعمال القوة ضمن السلطة الفلسطينية، حتى لو كلف ذلك حربا أهلية. لقد كان من أهم دروس إخفاق عملية أوسلو أن السلطة الفلسطينية غير قادرة على أن تكون شريكا في عملية سلام ما لم تحقق مركزية جميع القوى المسلحة.
4. ثمة درس آخر من عملية أوسلو هو ضرورة التثبت من تطبيق كل الالتزمات قبل التقدم إلى المرحلة القادمة من خريطة الطريق.
5. سيكون العنصر الذي يقرر الجدول الزمني لخريطة الطريق بشكل أساسي قدرة الفلسطينيين على التصدي بشكل فعال للمجموعات المسلحة التي لا تقبل قرارات القيادة.
6. من الجانب الإسرائيلي يجب أن يكون هناك استعداد واضح ومثبت لتنازلات إقليمية تشمل إزالة عدد من المستوطنات. وهناك استعداد عند رئيس الوزراء أرئيل شارون، وعناصر كثيرة في الليكود، وعند الحكومة الجديدة، للوفاء بهذا الشرط.
لخريطة الطريق هدفان عمليان. الأول، العودة التدريجية للوضع الذي كان سائدا قبل اندلاع موجة إرهاب في أيلول/سبتمبر 2000، أي إلى الحكم الفلسطيني في المدن. والثاني، توقيع اتفاقية مؤقتة طويلة الأمد (15-20 سنة)، مع تفاوض على مسائل الخلاف المتبقية يبدأ عند انتهاء الاتفاقية.
إنجاز الهدف الأول يعتمد على تبني النموذج السائد في أريحا. تلك المدينة تحت الحكم الفلسطيني لأنها لا تشكل قاعدة، أو تقدم بنية تحتية، لنشاطات إرهابية ضد أهداف إسرائيلية. وكانت هناك محاولات لنقل المسؤولية عن بيت لحم والخليل إلى السلطة الفلسطينية، ولكن الفلسطينيين لم يتمكنوا من الحفاظ على السلم. تظهر سابقة أريحا أن الفلسطينيين يملكون القدرة على منع الإرهاب. ونقل مناطق إضافية يعتمد على وجود نتائج مشابهة. وبالمقابل يجب على إسرائيل أن تتيح الدخول إلى سوق العمل فيها، وأن تتخذ إجراءات اقتصادية لتحسين وضع الفلسطينيين ولا سيما في المناطق التي تعاد إلى الحكم الفلسطيني. إن السيطرة الفعالة من جانب السلطة الفلسطينية لعدة أشهر على المناطق التي تمت إعادتها إلى نفوذها الأمني والمدني شرط لنقل مناطق إضافية. قد يكون ممكنا إتمام هذه المرحلة في سنتين من البداية إلى النهاية.
بعد سنة واحدة من تمتع السلطة الفلسطينية بسيطرة مركزية على جهازها الأمني وإثباتها فعاليتها في منع الإرهاب- وهذا يقتضي في الواقع أن تغير طبيعتها- سيكون ممكنا الدخول في مفاوضات بشأن اتفاقية مرحلية. وهدف الاتفاقية المرحلية هو خلق واقع جديد، حيث يتم تقليل الاحتكاك بين المواطنين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الحد الأدنى، بينما تحتفظ إسرائيل بالأراضي التي قد تعطى للفلسطينيين بمقتضى الوضع النهائي. وبعد توقيع الاتفاقية المرحلية بقليل تقوم إسرائيل بنقل مزيد من الأراضي إلى السلطة الفلسطينية وبإزالة عدد من المستوطنات المعزولة.
خلال فترة الاتفاقية المرحلية يمكن إعطاء السلطة الفلسطينية رموز السيادة مثل العملة الوطنية و/أو العضوية الكاملة في المنظمات الدولية. في الواقع تكون سيادتها مقيدة بسيطرة إسرائيل على المعابر الحدودية وبإجراءات مشددة لضبط التسلح. قد يكون هناك مجال لإشراك الأردن في ترتيبات في الضفة الغربية، ومصر في ترتيبات في غزة. ويجب على السلطة الفلسطينية في سياق الاتفاقية المرحلية أن تراجع مناهج المدارس وأن تبدأ بتدريس موضوعات مثل الديمقراطية واحترام الحقوق الدينية والتاريخية لليهود في أرض إسرائيل.
الجانب الجغرافي للوضع النهائي المقترح يتماشي مع خطة ألون حيث تحتفظ إسرائيل بغور الأردن، حيث لا يوجد سكان عرب، مع ممر إليه من القدس الكبرى عبر معاليه أدوميم. والتنازلات الإقليمية بموجب الاتفاقية المرحلية هي طبعا مستمدة من خريطة خطة ألون.
* إفرايم إنبار بروفسور في العلوم السياسية في جامعة بار إيلان ومدير مركز بيغين - السادات للدراسات الاستراتيجية..