تمكن الجمهوريون في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي، التي جرت في تشرين الثاني الفائت، من الحفاظ على غالبيتهم في مجلس الشيوخ، وحتى زيادتها. في المقابل، نجح الديمقراطيون في استعادة السيطرة على مجلس النواب. لكن منذ هذه اللحظات بدأت معركة الانتخابات القادمة على الرئاسة وعلى مجلسي الكونغرس في العام 2020.
الأعصاب مكشوفة والنبرات ترتفع، حيث تتوسّط الجدل الشخصية الخلافية للرئيس الحالي دونالد ترامب.
قبيل الانتخابات، في مساء ماطر في أواخر الخريف، اجتمع في أحد بيوت واشنطن نحو 30 شخصا (وأنا بينهم) على مائدة لائقة من النبيذ الفاخر، الأجبان، المخبوزات والجدل السياسي الساخن. كانت غالبية الحاضرين من الديمقراطيين المناهضين للرئيس ترامب الذين يتمنون نصرا ديمقراطيا ساحقا في الكونغرس. ولقد عكس الجدل الراقي في الغرفة اللطيفة والسخية مدى عمق الفجوة. تم تصوير الرئيس ككاره للنساء ومعتد عليهن جنسيا، كاذب، عنيف وزارع للانقسامات؛ كمقامر يختلق من دون أساس خطر هجرة كاسحة وعنيفة وضرورة وضع ألوف الجنود على الحدود الجنوبية. صوِّر كزارع للانقسامات لا يتورع عن نعت خصومه الديمقراطيين بأسماء الأعداء. إنه دمية بيد الروس يفرط بمصالح أميركية ولا يعرف كيفية الحفاظ على حلفاء. باختصار، إنه شخصية في غاية السلبية. لكن في المقابل كان هناك من شدد على أنه مؤيد متحمس لإسرائيل قام بنقل السفارة إلى القدس ووضع خصومه كلا في موقعه. ولقد ألغى الاتفاق البائس مع إيران، وعلاوة على ذلك فالاقتصاد مزدهر. باختصار كان في الغرفة من رأى فيه قائدا حقيقيا.
هذه الانتخابات تشكل دائما استفتاء على الرئيس الراهن، لكن ترامب ذهب أبعد من هذا فوضع نفسه في قلب العاصفة. على مستوى الحقائق، كان احتفاظ الجمهوريين بمجلس الشيوخ احتمالا حسابيا واضحا منذ البداية على ضوء عدد المقاعد الديمقراطية التي وقفت أمام انتخابات مجددة، لكن ترامب ينسب هذا لنفسه وإلى حملات الانتخابات الكثيرة التي أجراها. في المقابل يصف فقدان السيطرة على مجلس النواب كتطور لا يمكن منعه وغير متعلق به، ولا يهم بالمرة إلى أية درجة استعطفه كبار مسؤولي حزبه كي يخفف من تهجمه على الديمقراطيين في آخر ساعات معركة الانتخابات الملتهبة، وهي تعابير قاسية أضرت بالهدف الجمهوري فقط. ومثلما قال في يوم الانتخابات المؤرخ الرائد في شؤون الرئاسة، مايكل باشلوس، فإن أبراهام لينكولن لم يكن ليتعرف على الحزب الذي أسسه مثلما يظهر اليوم في عهد ترامب.
لا يذكر أحد في العقود الأخيرة للسياسة الأميركية كراهية حزبية بمثل هذا العمق السحيق. كبار الديمقراطيين من الفئة التي لديها ما تتذكّره، أقسموا أمامي في ذلك المساء أنه حتى في فترة ريتشارد نيكسون بجميع فضائحه، بدءاً بووترغيت وحتى التنصت السري والأكاذيب التي أشاعها حول إجراءات إدارته في فيتنام، لم تكن الأعصاب مكشوفة والكراهية بمثل هذا العمق والفظاظة. في خطاب الهزيمة الذي ألقاه بعد معرفة النتائج، قال المرشح الديمقراطي لمجلس الشيوخ في تكساس روبرت "بيتو" أورورك إن الولايات المتحدة لم تكن في تاريخها بمثل هذا التقاطب.
زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب نانسي بلوسي (التي يتوقع أن تصبح رئيسة المجلس إذا لم يثر عليها شباب الحزب الديمقراطي) دعت في خطابها بعد الانتخابات إلى الوحدة. هناك فائزون ديمقراطيون في مجلس النواب مثل أدام شيف (الذي يتوقع أن يصبح رئيسا للجنة الاستخبارات) يتحدثون عن إعادة الشراكة الحزبية الثنائية. ويبدو أن لا أحد يعتقد بإمكانية حدوث ذلك. فالأجندة القومية للولايات المتحدة مثلما سيتضح الآن في الكابيتول قد تتميز بحوار الطرشان: بينما يتحدث الديمقراطيون عن التأمين الصحي وتقييد انتشار السلاح الشخصي، فإن الجمهوريين يتحدثون بالأساس عن منع الهجرة غير الشرعية.
ما الذي سيحدث حقاً؟
يمكن لترامب أن يمرر تعيينات ويوقع اتفاقيات، فهذه إجراءات من صلاحية مجلس الشيوخ، الذي ظل جمهورياً، ووظيفته "التوصية والمصادقة" (advise and consent). ويمكنه أن يعيّن سفيرا جديدا في الأمم المتحدة بدلا من نيكي هيلي التي استقالت مؤخراً، ووزيراً للدفاع بدلا من جيمس ماتيس، الذي يطمح لإقالته.
لكن لا يمكن لترامب أن يقيل المدعي الخاص روبرت ميلر، الذي يحقق في احتمال تدخّل روسي في انتخابات 2016، لأنه لو أقاله فسوف يثور مجلس النواب الديمقراطي ضده ويبدأ بإجراء العزل. كذلك ستصعّب عليه النتائج تمرير قوانين الميزانية، لأن مجلس النواب يقبض على "سلطة المحفظة"، التي تمنحه السيطرة على الأموال.
وفقا للنظام الأميركي، يبدأ كل قانون في اللجان ذات الصلة في مجلس النواب، ثم ينتقل إلى اللجان الموازية لها في مجلس الشيوخ، ليعود إلى نقاش مشترك للمجلسين، وفقط بعد الاتفاق عليه ينتقل إلى الرئيس لكي يوقعه ويصبح قانوناً ساري المفعول. من الوارد أن يقوم الديمقراطيون بعرقلة إجراءات تشريعية ولن يسارعوا إلى تخصيص الميزانيات التي يكون الرئيس معنياً بها. وهم قادرون أيضاً على الدعوة إلى جلسات استماع مكثفة الواحدة بعد الأخرى، ولا شك في أنهم سيفعلون هذا، على كل قضية ماثلة على الأجندة. وسيكتشف الرئيس عندها أنه من الصعب جداً ممارسة الحكم حين يكون أحد مجلسي الكونغرس ناشطاً ضد إدارتك في كل قضية وشأن تقريباً.
وبالطبع من الممكن التوصل إلى اتفاقات، وقد حدث في الماضي أن شمر مشرّعون من الحزبين عن سواعدهم ونجحوا مع البيت الأبيض بالعثور على حلول جيدة. هذا يسمى "الحكم من المركز". لكن في عهد تعيش السياسة الأميركية – وليس وحدها – كل هذا التقاطب، فإن احتمال حدوث ذلك ضعيف. هذا يسمى "مراضاة القاعدة الأميركية".
يمكن منذ الآن رؤية كيف أن ترامب يلصق بمجلس النواب وصفاً مهيناً، "كونغرس زائف". لكن من غير المتوقع أن مجلس النواب الديمقراطي سيتأثر، لأنه ملزم بتعزيز قاعدته نحو انتخابات 2020.
ماذا يعني هذا بالنسبة إلى إسرائيل؟
ماذا يعني هذا بالنسبة لإسرائيل؟
مجلس النواب قد يفاجئ. أولا سيضم نساء أكثر من كل سابقيه، وبينهن للمرة الأولى نائبتان مسلمتان (إحداهما من أصل فلسطيني سبق أن تعهّدت بمضايقة إسرائيل). كذلك انتُخبت أميركية أصلانية وهي مثليّة علنيّة.
العناصر المجهولة في المعادلة كثيرة، من ناحية إسرائيل. ربما أن التعاون الحزبي الثنائي قد انتهى بخصوص المسائل المتعلقة بإسرائيل أيضاً. الكثير من المشرّعين الديمقراطيين الجدد لم يتعرّفوا عن قرب على الأطروحات الإسرائيلية. إنهم لا يعرفون إسرائيل وليسوا شركاء في أمثولتها. كان من الممكن في الماضي التخمين بأن المشرعين القدامى، ومنهم يهود كثر (كان في الكونغرس السابق 21 عضو مجلس نواب و9 أعضاء مجلس شيوخ يهود من الحزب الديمقراطي)، قادرون على ترسيخ الأطروحات الملائمة في صفوف المشرعين الجدد. ولكن بفعل القطيعة التي طرأت في السنوات الأخيرة بين حكومة إسرائيل وبين المجتمع اليهودي غير الأرثوذكسي، وهو يشكل الغالبية الساحقة من يهود الولايات المتحدة، يجب أن نخشى من درجة تحمّس منخفضة لدى هؤلاء المشرّعين في المسائل المتعلقة بإسرائيل.
لكن هذا الوضع لا يفترض أن يؤدي إلى تشويش فعلي لاتفاقيات وأشكال تعاون قائمة، حتى من طرف كونغرس معادٍ للرئيس ولامبالٍ نسبياً نحو اسرائيل.
ليس واضحاً في الوضع السياسي الجديد في واشنطن إلى أيّ حد سيكون الرئيس قادراً على دفع "صفقته النهائية" لحل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، وقد نشاهد المزيد من الضغط الأميركي على الفلسطينيين والدعم غير المشروط بإسرائيل. لكن من الممكن أيضاً أن تبشر انتخابات 2020 بانقلاب. في مثل هذه الحالة، يجب على إسرائيل إعادة احتساب المسار، وإعادة تشكيل نفسها كمسألة تهم الحزبين في الحلبة السياسية الأميركية.
لهذا، وعينياً أيضاً، يجب على إسرائيل أن تقوم أولاً بترميم علاقات الأخوّة مع المجتمع اليهودي، الذي رأى كثيرون من أبنائه في الرد الإسرائيلي على المذبحة الأخيرة في بيتسبورغ ليس أكثر من "سيطرة غير مرغوب فيها" من طرف إسرائيل على حدث يهودي- أميركي، في حين تواصل إسرائيل التمييز ضد غالبية مجاميع وأبناء المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية.
__________________________
(*) دبلوماسي إسرائيلي سابق أشغل منصب نائب المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية لشؤون أميركا الشمالية. المصدر: شبكة الانترنت.