المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
لقاء بين الرئيس الأرجنتيني ميلي وبنيامين نتنياهو في شباط 2024. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 50
  • وليد حباس

في العقود الأخيرة، استثمرت إسرائيل بقوة في تفوقها التكنولوجي بغية تعزيز نفوذها في أميركا اللاتينية، محققة نجاحاً فاق التوقعات بين الأعوام 2009 و2023. فالابتكارات والبحث العلمي الإسرائيليان مكنا إسرائيل من بسط الهيمنة فيما وراء البحار. جاءت الحرب الإسرائيلية على غزة كعاصفة جرفت كل هذا التقدم في بعض الدول اللاتينية لكنها حافظت عليها في دول أخرى.

العلاقة بين إسرائيل وأميركا اللاتينية

يبلغ عدد سكان أميركا اللاتينية 750 مليون نسمة، وهي تتألف من 33 دولة، وتشكل 17% من الأعضاء المصوتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة. تعد المنطقة أكبر منتج للغذاء في العالم وثالث أكبر منتج للطاقة. توجد 15 سفارة لدول أميركا اللاتينية في إسرائيل، تمثل: الأرجنتين، البرازيل، تشيلي، الأوروغواي، بيرو، باراغواي، كولومبيا، الإكوادور، بنما، كوستاريكا، السلفادور، هندوراس، غواتيمالا، جمهورية الدومينيكان، والمكسيك. تشمل اتفاقيات التجارة والاستثمار بين إسرائيل وأميركا اللاتينية اتفاقية التجارة الحرة مع ميركوسور، التي وُقعت العام 2007 مع الأرجنتين، والبرازيل، وباراغواي، والأوروغواي. كما أصبحت إسرائيل دولة مراقبة في تحالف المحيط الهادئ العام 2014، وهو تكتل يضم: تشيلي، والمكسيك، وبيرو، وكولومبيا. بالإضافة إلى ذلك، وقعت اتفاقيات للتكنولوجيا والتجارة مع المكسيك وكولومبيا لتعزيز التعاون الاقتصادي والتقني. أدناه، إطلالة على علاقة إسرائيل ببعض دول أميركا اللاتينية.

البرازيل

في العام 2018، قام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بجولة في أميركا اللاتينية شملت البرازيل، وكانت هذه أول زيارة لرئيس حكومة إسرائيلية إلى البرازيل. هدفت هذه الزيارة إلى إعادة ضبط العلاقات بين إسرائيل وأميركا اللاتينية، وفتح آفاق جديدة للتعاون التكنولوجي والاقتصادي. في مجال التكنولوجيا الزراعية، استثمرت الشركات الإسرائيلية بكثافة في البرازيل، مقدمة أنظمة ري متقدمة وحلولاً لمكافحة الآفات. التكنولوجيا الإسرائيلية ساعدت في تحسين إنتاجية المحاصيل الرئيسية مثل فول الصويا والذرة وقصب السكر والأرز، التي تمثل 90% من إجمالي مساحة المحاصيل في البرازيل. في مجال الأمن السيبراني، كان التعاون بين إسرائيل والبرازيل ملحوظاً، حيث قدمت الشركات الإسرائيلية التدريب والتكنولوجيا لسلطات إنفاذ القانون البرازيلية والقطاع الخاص. ينمو سوق الأمن السيبراني في البرازيل بحوالي 10% سنوياً، مما يعكس الحاجة المتزايدة إلى حماية البنية التحتية الرقمية فيها، خاصة مع ارتفاع عدد الهجمات الإلكترونية في البلاد، وهو ما قد تلعب فيه إسرائيل دوراً أساسياً.

ومع ذلك، فإن الحرب على غزة أثرت بشكل كبير على العلاقات البرازيلية الإسرائيلية. فقد شهدت العلاقات أزمة دبلوماسية خطيرة تلت تصريحات الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا الذي وصف ما يحدث في غزة بـ"الإبادة الجماعية"، مما أدى إلى توتر العلاقات. ثم اعتبرت إسرائيل الرئيس دي سيلفا شخصاً غير مرغوب فيه، وهو إجراء خطير في العرف الدبلوماسي، فردت البرازيل بطرد السفير الإسرائيلي وسحب سفيرها من تل أبيب، مما ينذر بتجميد أو قطع العلاقات الدبلوماسية. في المقابل، زادت البرازيل تمويلها لوكالة الأونروا واستنكرت تعليق المساعدات المقدمة لها.

الأرجنتين

في السنوات الأخيرة، حولت إسرائيل تركيزها نحو توسيع التعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة مع الأرجنتين. تم إنشاء برنامج التعاون الصناعي للبحث والتطوير بين البلدين، والذي يهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية. وإن انتخاب خافيير ميلي رئيساً للأرجنتين في كانون الأول 2023 قد يؤدي إلى تعزيز العلاقات التقنية بين إسرائيل والأرجنتين. فميلي، المعروف بمواقفه المؤيدة لإسرائيل، قد يسعى إلى توسيع التعاون في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والابتكار، مع التركيز على مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية.[1]

تحسنت العلاقات بين إسرائيل والأرجنتين بشكل ملحوظ خلال الحرب على غزة، حيث أصبحت أقوى من أي وقت مضى، ويعود هذا التحول بشكل أساس إلى سياسات الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، الذي تولى منصبه في العام 2023. في تموز 2024، صنفت الأرجنتين حماس كـ "منظمة إرهابية"، مستشهدة بهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وعلاقاتها مع إيران. في أيار 2024، زار الرئيس ميلي إسرائيل، والتقى برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، معلناً دعمه القوي لها. كما أصدرت وزارة الخارجية الأرجنتينية بيانات تحمل الفلسطينيين مسؤولية الحرب. في كانون الأول 2024، احتفلت الدولتان بالذكرى الـ75 للعلاقات الدبلوماسية في حفل رسمي بالقدس، حيث وصلت العلاقات إلى "مستويات غير مسبوقة". كما زار وزير الدفاع الأرجنتيني لويس بيتري إسرائيل لتوقيع اتفاقية موسعة لتعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين.

المكسيك

تواجه المكسيك أزمة مائية خطيرة، وتسعى إسرائيل بقوة إلى الترويج لتقنياتها المتقدمة في إدارة المياه للمساهمة في حل هذه الأزمة. تقدم الشركات الإسرائيلية مجموعة من الحلول المبتكرة، مثل تقنية H2OLL التي تستخرج الرطوبة من الهواء، ما يوفر مصدراً مستداماً للمياه الصالحة للشرب في المناطق الجافة. كما تطرح OfraAqua أنظمة تنقية متطورة تعتمد على العمليات الطبيعية لمعالجة المياه شديدة التلوث، بينما تسهم تقنيات الكشف عن التسربات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في تقليل فقدان المياه في شبكات التوزيع، مما يساعد على الحفاظ على السدود المكسيكية من الجفاف وتحسين إدارة الموارد المائية. على صعيد المدن الذكية، ازداد التعاون بين إسرائيل والمكسيك بشكل ملحوظ، حيث تقدم الشركات الإسرائيلية حلولاً متطورة للإدارة الحضرية والأمن. تشمل هذه الابتكارات أنظمة ذكية لإدارة حركة المرور بهدف تحسين التنقل في المناطق الحضرية، وتقنيات مراقبة متقدمة لتعزيز الأمن العام، إلى جانب حلول ذكية لإدارة النفايات تهدف إلى رفع كفاءة الاستدامة البيئية. منذ تشرين الأول 2023، حاولت المكسيك الحفاظ على حياد نسبي تجاه الحرب في غزة مع التأكيد على دعمها لحل الدولتين. في البداية، دانت المكسيك هجوم 7  أكتوبر الذي شنته حماس على إسرائيل، وأكدت حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنها في الوقت نفسه استنكرت استخدام القوة ضد المدنيين من جميع الأطراف. مع تولي الرئيسة الجديدة كلوديا شينباوم منصبها في تشرين الأول 2024، جددت دعمها لحل الدولتين، داعية إلى الاعتراف بكل من إسرائيل وفلسطين. ومع ذلك، رفعت المكسيك طلباً للانضمام إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، متهمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة.

وشهدت مدينة مكسيكو سيتي احتجاجات مؤيدة لفلسطين، بما في ذلك مواجهات أمام السفارة الإسرائيلية في أيار 2024. ومع ذلك، لم تقطع المكسيك علاقاتها مع إسرائيل، خلافاً لبعض دول أميركا اللاتينية الأخرى. قد يكون موقفها مدفوعاً بمصالحها الاقتصادية والعسكرية، حيث تُعد إسرائيل ثاني أكبر مورد للتكنولوجيا والتدريب العسكري للجيش المكسيكي.

كولومبيا

كانت إسرائيل شريكاً رئيساً في التحديث الزراعي في كولومبيا، حيث قدمت تقنيات متطورة مثل الري بالتنقيط وأنظمة الدفيئات. ساعدت هذه التقنيات في تحسين الإنتاجية الزراعية في كولومبيا بشكل كبير، خاصة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه. في مجال الدفاع، قدمت شركات التكنولوجيا الإسرائيلية معدات وتدريبات متقدمة للقوات المسلحة الكولومبية. وتمتلك كولومبيا حقوق تصنيع بنادق "جليل" وصواريخ "سبايك" الإسرائيلية، مما يعكس عمق التعاون العسكري بين البلدين.

ومع ذلك، شهدت العلاقات بين البلدين تحولاً كبيراً مؤخراً. في أعقاب الأحداث في غزة، قطع الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وأوقف عمليات شراء الأسلحة منها. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت كولومبيا، التي تعد أكبر مورد للفحم إلى إسرائيل، إيقاف صادراتها من الفحم إلى تل أبيب. تعتمد إسرائيل على الفحم في توليد 20% من الكهرباء، مما يجعل هذا القرار ذا تأثير كبير. ربطت كولومبيا استئناف هذه الصادرات بوقف العمليات العسكرية في غزة.

تشيلي

لعبت إسرائيل دوراً رئيساً في تطوير قطاع الطاقة الشمسية في تشيلي، مستفيدة من الظروف الطبيعية الفريدة التي توفرها صحراء أتاكاما، إحدى أكثر المناطق المشمسة في العالم. جعلت هذه جعلت تشيلي وجهة مثالية للاستثمارات الإسرائيلية في الطاقة المتجددة. استثمرت Enel Green Power Israel نحو 400 مليون دولار في مشروع للطاقة الشمسية بقدرة إنتاجية تصل إلى 180 ميجاواط، مما عزز موقع إسرائيل كشريك استراتيجي في هذا القطاع. وفي مجال تحلية المياه، برز التعاون الإسرائيلي التشيلي بشكل خاص لمواجهة أزمة المياه الحادة، لا سيما في المناطق الشمالية الجافة. ساهمت شركة IDE Technologies الإسرائيلية في بناء محطة ضخمة لتحلية المياه في أنتوفاجاستا، بتكلفة 500 مليون دولار، وبقدرة إنتاجية تبلغ 86,400 متر مكعب يومياً، مما وفر مصدراً حيوياً للمياه العذبة.

ورغم التوترات السياسية الناجمة عن الحرب على غزة، لم تتأثر العلاقات الاقتصادية بين البلدين، بل شهدت تطوراً ملحوظاً. ففي تشرين الثاني 2024، وقعت الحكومتان اتفاقية جديدة لتعزيز التعاون في الهيدروجين الأخضر، باستثمارات متوقعة تصل إلى مليار دولار خلال خمس سنوات. والمفارقة أن التعاون بين إسرائيل وتشيلي مستمر رغم وجود 500,000 فلسطيني في الأخيرة، مما يعكس براغماتية العلاقات التي تتجاوز الخلافات السياسية.

البيرو

تعمل إسرائيل بنشاط على ترويج تقنياتها الطبية المتقدمة في البيرو، مع التركيز على التطبيب والتشخيص عن بعد، وهي مجالات حيوية خصوصاً في المناطق النائية التي تعاني من نقص الخدمات الصحية. على سبيل المثال، قدمت شركة Tyto Care أجهزة فحص طبية متصلة بالإنترنت، تتيح للأطباء إمكان إجراء فحوصات عن بعد، مما يحسن الوصول إلى الرعاية الصحية في المجتمعات الريفية المعزولة. في قطاع التعدين، الذي يُعد من أهم القطاعات الاقتصادية في بيرو، ازداد التعاون مع الشركات الإسرائيلية، التي توفر تقنيات متقدمة لتحسين كفاءة عمليات التعدين وتقليل الأثر البيئي. قدمت شركة Percepto أنظمة طائرات بدون طيار مستقلة لمراقبة مواقع التعدين، مما عزز السلامة والإنتاجية بشكل كبير. ورغم عدم توفر أرقام دقيقة حول حجم الاستثمارات الإسرائيلية في هذه القطاعات، تشير التقديرات إلى أن حجم التبادل التجاري بين إسرائيل وبيرو تجاوز 200 مليون دولار سنوياً، مع نمو متزايد في مجالات التكنولوجيا المتقدمة. ومن اللافت أن العلاقات الاقتصادية لم تتأثر بالأحداث السياسية الأخيرة، رغم اضطرابات كانون الأول 2022 عقب عزل الرئيس بيدرو كاستيو. في ظل التحديات التي تواجه بيرو، بما في ذلك استضافة أكثر من 1.5 مليون مهاجر فنزويلي بحلول نهاية 2023، قد تظهر فرص جديدة للتعاون في إدارة الهجرة والرعاية الصحية، حيث يمكن للتكنولوجيا الإسرائيلية أن تلعب دوراً استراتيجياً في التعامل مع هذه الأزمات.

 

[1] https://innovationisrael.org.il/en/programs/argentina-israel-industrial-rd-cooperation-program/

المصطلحات المستخدمة:

دورا, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات