رام الله- صدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار (رام الله) العدد رقم 80 من سلسلة "أوراق إسرائيلية" بعنوان " الحرس القومي في إسرائيل قراءة في الجذور، الأسس الفكرية والعلاقة مع اليمين الجديد"، وهو من إعداد وليد حباس، وتقديم أنطوان شلحت. تستحضر هذه الورقة، وهي الأولى من نوعها باللغة العربية، خلفيات إنشاء ما بات يُعرف باسم الحرس القومي (أو الوطني) في دول مختلفة من أنحاء العالم والتي يحلو لإسرائيل أن تحذو حذوها أو أن تتشبّه بها، لكي تضع يدها على العوامل الواقفة وراء القرار الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية مؤخراً والقاضي بإنشاء مثل هذا الحرس.
يمكن تعريف الحرس القومي، باعتباره جهازاً، أو "ميليشيا" عسكرية، تتشكل من أفراد مدنيين. وهو يعتبرقوة عسكرية احتياطية تعمل تحت تنظيم وإشراف الدولة وتتألف أساساً من مدنيين "متطوعين" في الحرس بدوام جزئي. تعمل هذه الميليشيات عادة كقوة تكميلية وداعمة لكل من الشرطة والجيش، وتقع على مسافة ما بينهما، خاصة في أوقات الأزمات أو الاضطرابات الداخلية. وبينما تضطلع الشرطة الإسرائيلية بمهمات شرطية، إنفاذ قانون، تحقيق، واعتقال، الا أنها تفتقر إلى المهارات الحربية في التعامل مع "عدو" داخل إسرائيل. أما الجيش الإسرائيلي (الذي يتقن هذه المهارات القتالية)، سواء كان نظاميا أو احتياطيا، فإنه يفتقر إلى تدريب شرطي يمكنه من إنفاذ القانون والتعامل مع "العدو" بناء على القانون النافذ في الدولة. أما حرس الحدود، الذي يجمع ما بين العملين (العمل الشرطي والقتالي)، فإن عدده محدود جدا، كما أن توسيعه يتطلب ميزانيات عالية وإعادة هيكلة داخلية تستنزف موارد الدولة. من هنا، فإن الحرس القومي هو جهاز يتكون من كل المدنيين الذين تلقوا في السابق تدريبا عسكريا (خصوصا في صفوف الجيش الإسرائيلي) والذين سوف يتم رفدهم بمهارات شرطية تجعلهم قريبين في مهاراتهم من حرس الحدود، لكنهم، وبدلاً من أن ينضموا بشكل رسمي تحت سلطة "جهاز عسكري" فإنهم يظلون مدنيين ويستمرون في ممارسة حياتهم الاعتيادية، كل في موقعه، لكنهم ينتدبون أنفسهم تطوعا للمشاركة في "الحرس القومي" من خلال تهيئتهم للخدمة وقت الحاجة بدون أن ينطوي الأمر على التزام رسمي (رواتب، دوام كامل وفق ورديات ثابتة). وبالتالي، فإن الحرس القومي هو بمثابة خلق قوة عسكرية على هيئة ميليشيا من خلال تحويل كتلة المدنيين الإسرائيليين المبعثرين داخل المجتمع إلى عساكر قادرين على الانتظام في هيكلية قتالية- شرطية وقت الحاجة.
فضلاً عن المقارنة التي تجريها هذه الورقة مع سيرورات تشكيل الحرس القومي في أنحاء مختلفة منالعالم، فهي تعرض بقدر وافٍ لكل الجدل الدائر بهذا الشأن في إسرائيل من خلال الاستعانة بترجمة مقالاتوتحليلات ومواقف بصورة حرفية تتيح للقارئ إمكان الاطلاع على جوانب هذا الجدل من مصادره الأولىمباشرة.
وثمة تركيز خاص مقصود على مسألتين ذواتي صلة:
الأولى، تقديم جينيولوجيا حول تشكيل الحرس القومي الإسرائيلي ولا سيما من الفترة القليلة الفائتةوالمحدّدة منذ هبة أيار 2021 وما عنته من علاقة عضوية بين الفلسطينيين في الداخل والقضية الفلسطينيةفي كل ما يرتبط بقضية مواطنتهم في إسرائيل وحقوقهم المدنية.
الثانية، مسألة علاقة المسعى لإنشاء حرس قومي في إسرائيل مع تصاعد قوة اليمين الجديد الذي باتاليمين الفاشي المتمثل في حزب "عوتسما يهوديت" الكهانيّ أحد أنشط الفاعلين فيه. وفي هذا الخصوص تشير الورقة إلى أنه في بعض الحالات خارج إسرائيل تم اختيار الحرس القومي من طرف جماعات سياسية يمينية متطرفة كرمز للقوة القومية، ما أدى إلى زيادة شرعية مقترحاتها السياسية وإضفاء الصدقية على مواقفها، وتؤكد أن هذا هو السياق العام الذي يفسر ولادة فكرة الحرس القومي في إسرائيل من جانب أحزاب وأعضاء كنيست تابعين لليمين الجديد.
تنقسم الورقة إلى جزأين: الجزء الأول يعود إلى الثورة الفرنسية وبدايات تأسيس المجتمع الأميركي كمجتمع استعمار استيطاني كان عليه التعامل مع، وإخماد، ثورات الأصلانيين والعبيد الأفارقة الأميركية. ويقدم هذا الجزء مراجعة في أهم الأطر النظرية الداعمة، والرافضة، لإنشاء الحرس القومي ويسوق أمثلة على عمل هذه الميليشيات، وعنفها الذي يتلقى انتقادات لاذعة من مؤسسات حقوق الإنسان، في الدول الغربية (بإمكان غير المهتمين الانتقال مباشرة الي الجزء الثاني). والجزء الثاني ينفرد في قراءة السياق الذي أدى إلى ولادة فكرة الحرس القومي في إسرائيل، والدور الذي من المتوقع أن يناط به. ويقدم هذا القسم ترجمات من أهم النصوص الإسرائيلية المتعلقة بالنقاشات الرسمية التي أعقبت أحداث هبة أيار 2021، ويحللها، وصولا إلى قرار الحكومة الإسرائيلية، في 2 نيسان 2023، بتكليف وزير الأمن القومي بتقديم مقترح شامل في غضون 60 يوما لتشكيل الحرس القومي.
في الخاتمة، تستطرد الورقة في قراءة علاقة الحرس القومي الإسرائيلي باليمين الجديد، والديني، والاستيطاني داخل إسرائيل والانعكاسات المحتملة على فلسطينيي القدس والداخل.