أوراق إسرائيلية

سلسلة أوراق تتناول ملفات راهنة في المشهد الإسرائيلي وتغطيها من زوايا مختلفة.
الأبارتهايد في الخطاب الإسرائيلي في أعقاب صدور التقارير الحقوقية
  • أوراق إسرائيلية
  • 64
  • تصفح الملف

تتطرق هذه الكراسة إلى النقاش العام في إسرائيل، في أعقاب صدور أربعة تقارير بحثية جدية، في السنتين الأخيرتين، هي: تقرير منظمة يش دين، وبتسيلم، وهيومان رايتس وتش، وأخيرا تقرير أمنستي. يثبت كل واحد من هذه التقارير، اعتمادا على تحقيقاته الميدانية، أن إسرائيل تقيم نظام أبارتهايد ضد الفلسطينيين، في الضفة الغربية المحتلة أو ضدهم في كافة أماكن تواجدهم.

ليس اعتبار إسرائيل نظام أبارتهايد في الكثير من الأدبيات السياسية، الفلسطينية والعربية عامة، بالأمر الجديد أو النادر، إذ يجد من يتعقب استخدام المصطلح في سياق السيطرة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وبالأخص بعد احتلال إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة سنة 1967، الكثير من التحليلات والمواقف التي وصفت إسرائيل كنظام أبارتهايد يقوم على الفصل والاضطهاد والتفوق العرقي. عادة، لم يتأسس هذا الوصف لإسرائيل كنظام أبارتهايد على أبحاث وفحص دقيق للممارسات الإسرائيلية والجرائم التي ترتكب ضد الفلسطينيين حسب تعريفها في المعاهدات والمواثيق الدولية والقانون الدولي، بل كان لضرورات الاستهلاك السياسي الداخلي والحشد الجماهيري على المستوى المحلي والعربي عامة. كانت هذه الأصوات والتحليلات تستغل أي قرارات دولية أو مواقف دول معينة تدين ممارسات إسرائيل كدولة احتلال، كما كان مع قرار الأمم المتحدة من سنة 1975، الذي اعتبر الصهيونية عقيدة عنصرية هي التي أقامت إسرائيل ووجهتها. وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة عادت وألغت هذا القرار في وقت لاحق فإن أثره على صورة إسرائيل على المستوى الدولي لا يزول بسهولة شطب قرار نفسها. في العقدين الأخيرين، وربما أكثر بقليل، طرأ تسارع وازدياد ملحوظين في وتيرة وزخم

التطرق إلى إسرائيل باعتبارها تقيم نظام أبارتهايد في تحّكمها بالشعب الفلسطيني، ليس فقط في الكتابات والتحليلات السياسية، بل أيضا وهو الأهم، على الساحة الدولية، إذ يمكن أن يكون لهذا التغيير تأثير باتجاه عزل إسرائيل على الساحة الدولية والتشكيك بشأن الطابع الديمقراطي الذي تنسبه لنفسها، وهو ما تعتبره هي تهديدا لمفهوم أمنها القومي. 

ليس من السهل أن نصنف، حسب الأهمية وشّدة الأثر، الأحداث والتطورات التي أدت إلى التزايد الكبير والجدي في اعتبار إسرائيل تقيم نظام فصل عرقي على الفلسطينيين الذين يرزحون تحت هيمنة منظومة السيطرة الإسرائيلية، سواء في جميع أنحاء فلسطين التاريخية أم في الأراضي المحتلة عام 1967، ولسنا هنا بصدد تصنيف كهذا، فلا شك أن تراكم التطورات وتشابكها على الأصعدة المحلية والعالمية هو الذي قاد إلى التغيير في اعتبار إسرائيل نظام أبارتهايد في الخطاب الدولي، كما سنرى في التقارير التي نتطرق إليها في هذه الورقة. هناك مجموعة حقائق استجدت على الأرض، مثل إنشاء جدار الفصل الذي يحاصر الضفة الغربية ويعزلها منذ سنة 2002، والحصار المحكم المضروب على قطاع غزة منذ 2006-2007، وتجويع سكانها وتقييد حركتهم وحرمانهم من تحصيل رزقهم وحقوقهم الأساسية، إضافة إلى الممارسات القمعية الأخرى للاحتلال، ونهب الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية لهدف إقامة المستوطنات اليهودية الخاضعة للمنظومة القانونية المدنية الإسرائيلية في حين يخضع الفلسطينيون، أصحاب الأرض الأصليين، لحكم عسكري صارم.. كان لكل هذه الحقائق على الأرض وما يترتب عليها من ممارسات احتلالية يومية دور مهم في تغيير مواقف أطراف سياسية ودولية ومنظمات حقوقية مما يجري تحت هيمنة منظومة السيطرة الإسرائيلية. من ناحية ثانية، هنالك إسهام مهم في إحداث التغيير في تعامل المجتمع الدولي مع ممارسات إسرائيل لتأسيس حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) في سنة 2005، وهي تطالب بفرض المقاطعة الكاملة على إسرائيل حتى إنهاء احتلال كل الأراضي الفلسطينية وإزالة الجدار العازل وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وغير ذلك. لا يمكن تجاهل دور بعض الأحداث العالمية المهمة في هذا السياق، التي شكلت جزًءا من التراكم الذي أحدث التغيير، وتندرج تحت خانة التضامن العالمي، مثل المؤتمر العالمي للأمم المتحدة ضد العنصرية، والتمييز وكراهية الأغراب، الذي عقد في 2001 في ديربن جنوب أفريقيا، وهو حدث مهم في بلورة الفكرة التي تعتبر إسرائيل نظام أبارتهايد يشبه حالة جنوب أفريقيا سابًقا. ولا يجوز هنا التقليل من دور التقليد السياسي الذي يتلخص في تنظيم «أسبوع الأبارتهايد الإسرائيلي» سنويا في العديد من أهم الجامعات في أميركا وأوروبا، وهو حدث سنوي كان يستقطب اهتماما وتعاطفا واسعين. 

يتناول الفصل الأول من هذه الورقة التغيير الذي طرأ على تعريف الأبارتهايد من تجربة جنوب أفريقيا الحصرية إلى جريمة ضد الإنسانية في القانون الدولي. يستعرض الفصل الثاني أهم الاستنتاجات التي توصل إليها كل واحد من «تقارير الأبارتهايد» الأربعة. وتتناول الفصول الآتية النقاش العام في إسرائيل حول مضمون هذه التقارير من خلال ردود الفعل الرسمية، ثم أبرز المواقف، والتحليلات الأكاديمية ،والاعلامية والسياسية.

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية

أوراق اسرائيلية

أحدث الأعداد