صدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" العدد 94 من فصلية "قضايا إسرائيلية"، يسلّط الضوء ضمن محور موسّع على تأثير هذه الحرب التدميرية المستمرة على غزة منذ السابع من أكتوبر، على الساحة العالمية، وخصوصاً ما شهدته الجامعات الأميركية والغربية عموماً من حراك طلابي نشط وواسع النطاق، مركزاً على موضوع هويات القوى المشاركة في هذا الحراك الطلابي، وخلفياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكيف ولماذا انخرطت فيه، والدوافع التي قادت إلى توسعه واتخاذه شكل "مخيمات احتجاج" امتدت إلى حرم عشرات الجامعات الغربية.
وتعرض مساهمات المحور أيضاً طبيعة الحراك وتواصله مع حراكات واحتجاجات أخرى في السنوات الأخيرة، ويسعى للإجابة عن سؤال حول إذا ما كان يمكن الحديث عن تشكيل نوع جديد من الحراكات التي تدعم بعضها البعض، مثل حراك "حياة السود مهمة"، الحراكات النسوية، وحراكات الشعوب الأصلية، وغيرها من الحراكات التي تتشابك، كما تقرأ المساهمات المطالب والشعارات التي رفعها الحراك الطلابي، وكيف جرى الاتفاق عليها، وما النقاشات التي رافقت صياغة هذه الشعارات، والآلية التي حسمت بها هذه المسائل، وكيف أثر هذا الحسم على هوية المشاركين وطبيعة الحراك.
كما يضيء محور العدد على تأثير هذا الحراك على المجتمعات التي شهدته، على المستوى الفكري الاجتماعي، تتناول المساهمات كيفية تأثير الحراك في صياغة وعي معين وطرح أجندات فكرية وأخلاقية تتجاوز موضوع فلسطين لتشمل قضايا محلية مثل حرية التعبير، علاقة الأكاديميا بالسياسة، هيكل الأكاديميا الغربية وطرق اتخاذ القرار فيها، وموضوع التمويل للجامعات ومدى استقلالية القرار في هذه المؤسسات.
ولا يغفل العدد في هذا السياق مسألة خاصة تتعلق باليهود الأميركيين، نظراً لأن العديد من المشاركين في الحراك كانوا من أصول يهودية محاولاً الإجابة عن أسئلة من نوع: ما دلالة ذلك؟ هل هناك تغيير داخل الجالية اليهودية في أميركا؟ ما مدى عمقه وهل يمكن التعويل عليه؟ وكيف كان رد فعل المؤسسات اليهودية واللوبي الصهيوني مثل "أيباك" على هذه التحولات؟
يتضمن محور العدد ست مساهمات. يناقش المقال الأول بعنوان "مخيمات غزّة في الجامعات البريطانية.. العلاقة مع إسرائيل في قفص الاتهام" للكاتب ربيع عيد، حركة الاعتصامات الطلابية التي انطلقت في 36 جامعة بريطانية احتجاجاً على الإبادة الجماعية في غزّة ودعماً للقضية الفلسطينية. يسلط المقال الضوء على كيف وضعت هذه المخيمات علاقة الجامعات البريطانية مع إسرائيل تحت المساءلة، مع مطالبات بقطع العلاقات مع المؤسسات المتورطة مع الاحتلال وسحب الاستثمارات منها.
المقال الثاني هو نص مقابلة مسجلة مع البروفيسور دونكان كبنيدي حول تأثير الاحتجاجات الطلابية التي حدثت في جامعة هارفارد خلال ربيع 2024. تفيد المقابلة بأن هذه الاحتجاجات، رغم تشابهها مع احتجاجات سابقة ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وأزمات أخرى، كانت مختلفة بسبب ردة الفعل القوية من قبل الجامعة والمجتمع اليهودي، موضحاً أنها جزء من تحرك واسع النطاق على مستوى الجامعات الأميركية، حيث تحول الشباب المتعلمون بشكل كبير ليصبحوا ضد إسرائيل، ما أدى إلى انقسام في المجتمع الأميركي بين الأجيال.
يناقش المقال الثالث بعنوان "انتفاضة طلاب الجامعات الغربية: استمع! إنه الصوت غير الفاسد" للكاتب حاييم بريشيت زابنر، التحولات الكبيرة في مواقف الطلاب الجامعيين الغربيين تجاه القضية الفلسطينية بعد أحداث الإبادة الجماعية في غزة في العام 2023. يُسلط المقال الضوء على سرعة تحول الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي إلى قضية خلافية على مستوى عالمي، ما دفع ملايين الطلاب في جميع أنحاء العالم إلى الانخراط في أنشطة مناهضة للإبادة الجماعية والصهيونية. كما يناقش المقال دور الطلاب في مواجهة هذه الأزمة، وكيف أصبحوا جزءاً من نضال عالمي يربط بين قضايا المناخ، وحقوق الإنسان، وإنهاء الاستعمار، ما يشكل تحدياً للنظام الرأسمالي الغربي التقليدي وللسلطة الأكاديمية والسياسية.
يناقش المقال الرابع بعنوان "بيانات رؤساء الجامعات الإسرائيلية خلال الحرب: اصطفاف كامل مع الدولة" للكاتبة ميسون سكرية، تواطؤ الجامعات الإسرائيلية مع الاحتلال ونظام الفصل العنصري، ودعمها للإبادة الجماعية في غزة.
يروي المقال الخامس تحت عنوان "تنظيم الطلاب اليهود في المخيمات: تجربة محتج يهودي من جامعة نيويورك" تجربة طالب يهودي مناصر للقضية الفلسطينية في جامعة نيويورك خلال احتجاجات ضد الإبادة الجماعية في غزة. يسلط المقال الضوء على مشاركة الطلاب اليهود في تنظيم الاحتجاجات والمخيمات، والتحديات التي واجهوها، بما في ذلك التوترات مع مجموعات أخرى والتعامل مع قمع الجامعة والشرطة.
يتناول المقال السادس تحت عنوان "الجامعات الإسرائيلية: حملة القمع" للكاتبين نيف غوردون وبيني غرين، القمع المتزايد الذي يتعرض له الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الفلسطينيون في الجامعات الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر 2023.
يضم العدد إلى جانب هذه المقالات أيضاً مساهمات أخرى. يناقش مقال "الانقلاب الاستيطاني في الضفة الغربية: إدارة الاستيطان بدلاً عن الإدارة المدنية" للباحث وليد حباس، التحولات السريعة في المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية منذ توقيع اتفاق تقسيم الصلاحيات بين يوآف غالانت وبتسلئيل سموتريتش في شباط 2023.
أما زاوية الأرشيف فتضم ترجمة لمحاضرة ألقاها الكاتب العبري آشر براش في العام 1931 تحت عنوان "أدب قبيلة أم أدب شعب؟"، قدمت لها الكاتبة حنان حيفير. تناولت المحاضرة مسألة هوية الأدب العبري في فلسطين وهل هو أدب قبيلة محلية ضيقة الأفق أم أدب شعب يتميز بالسمات الوطنية.
وفيما يخص غزة، في العدد ترجمة لفصل من كتاب غزّة: المكان والصّورة المُتخيَّلة في الحيّز الإسرائيليّ، وهو بعنوان "غزّة آتية: المدينة البيضاء والمدينة التوأم" للكاتب أوري ش. كوهين، يناقش التغيرات في الوعي الإسرائيلي تجاه غزة بعد نكبة 1948.
بالإضافة، يناقش مقال "الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الرقابة الإسرائيلية خلال الحرب على غزة" لعالم الاجتماع أحمد سعدي، استخدام إسرائيل لأنظمة المراقبة الحديثة والذكاء الاصطناعي خلال الحرب على غزة التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، ويركز المقال على كيفية استخدام إسرائيل لتكنولوجيا المراقبة والسيطرة على الفلسطينيين في غزة، مع توضيح كيف أن اعتمادها المفرط على هذه التكنولوجيا أدى إلى نتائج غير متوقعة.