تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 2622
  • انطوان شلحت

شرعنة البؤر الاستيطانية: آخر الوقائع
قدّم المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت، الأسبوع الفائت، رداً قانونياً على طلبات التماس تجري مناقشتها في المحكمة العليا ضد "قانون التسوية" الذي يهدف إلى تنظيم الوضع القانوني للبؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية، أكد فيه أنه غير دستوري ودعا إلى إلغائه.

وكان مندلبليت أعلن، بعد وقت قصير من إقرار هذا القانون بصورة نهائية في الكنيست الإسرائيلي في شباط 2017، أنه لن يدافع عنه أمام المحكمة العليا، واضطرت الحكومة إلى توظيف محام خاص للدفاع عن القانون في المحكمة. لكن بسبب قيام طلبات التماس قدمت إلى هذه المحكمة من جانب عدة جمعيات يسارية وقادة مجالس محلية فلسطينية، بذكر المستشار القانوني وأشخاص آخرين اضطر مندلبليت إلى تقديم الردّ.

وأوضحت رسالة المستشار القانوني التي تضمنت الرد والمؤلفة من 72 صفحة، أن "قانون التسوية" لم يتغير في الأشهر التسعة الأخيرة. وأكدت أنه لا يمكن تجنب الإعلان القانوني بأنه غير دستوري. وبينما اعترف مندلبليت بأن هدف الكنيست من وراء التعامل مع "مصاعب المستوطنين الذين يواجهون الإخلاء والهدم بسبب البناء غير القانوني" نابع من نوايا حسنة، إلا إنه قال إن هذا القانون مؤذ ولا يتماشى مع معايير التناسب. وأضاف أن القانون سوف يتسبب بتمييز خطر ضد السكان الفلسطينيين في المنطقة. وكما قال في الماضي، أكد المستشار القانوني كذلك أن القانون الذي تم تشريعه يثير تساؤلات جدية في مجال القانون الدولي.

ويقول خبراء إن "قانون التسوية" قد يمهد الطريق لإعتراف الحكومة الإسرائيلية بحوالي 4 آلاف منزل إسرائيلي غير قانوني في المستوطنات.

ودان ناشطون وشخصيات سياسية في إسرائيل والخارج هذا القانون، الذي كان يهدف في البداية إلى إنقاذ بؤرة "عمونه" الاستيطانية التي تم إخلاؤها منذ ذلك الحين.

المستشار القانوني يوافق على مصادرة أراض فلسطينية خاصة

بالرغم من أن المستشار القانوني يعارض بوضوح قانون شرعنة البؤر الاستيطانية العشوائية فإنه قدم الأسبوع الفائت أيضاً رأياً قانونياً حول قضية منفصلة أكدت منظمات حقوقية أنه يعدّ بمثابة سابقة مماثلة لتلك التي سعى ذلك القانون لإحداثها في شباط.

فقد أعلن مندلبليت موافقته على مصادرة أراض فلسطينية خاصة من أجل شق طريق للوصول إلى البؤرة الاستيطانية غير القانونية "حورشا" المُقامة على أراض فلسطينية خاصة بالقرب من مستوطنة تلمون في منطقة بنيامين في الضفة الغربية.
وجاء إعلان مندلبليت هذا في سياق رأي قانوني غير مسبوق نشره بناء على طلب من وزيرة العدل الإسرائيلية أييلت شاكيد ("البيت اليهودي").

وتوجهت شاكيد إلى المستشار القانوني في إثر قرار أصدره قاضي المحكمة العليا المتقاعد سليم جبران الشهر الفائت وأكد فيه أنه يمكن السيطرة على أراض فلسطينية خاصة مهجورة من أجل شقّ طرق إلى المستوطنات ما دام يتم تعويض أصحابها. وتم التعامل في القرار الذي أصدره جبران مع طلب التماس قدمته حركة "السلام الآن" ضد إقامة تجمع سكني موقت للمستوطنين الذين تم إخلاؤهم من بؤرة "عمونه" غير القانونية بالقرب من رام الله إلى حين إتمام عملية إقامة مستوطنة "عميحاي" الجديدة التي ستُخصّص لهم. ووصف جبران المستوطنين في سياق القرار بأنهم مجتمع مدني محمي ويتعيّن على الجيش الإسرائيلي الاعتناء بهم عبر بناء الطرق على سبيل المثال. وأكد أن المكانة الخاصة للمستوطنين الذين تم إخلاؤهم من بؤرة "عمونه" تفوق المشاكل القانونية الناتجة من مصادرة أراض فلسطينية خاصة.

وكانت المحكمة الإسرائيلية العليا أصدرت عام 2005 أمراً يقضي بعدم جواز شق طريق عبر أراض فلسطينية خاصة مهجورة إلى بؤرة "حورشا" الاستيطانية التي أقيمت من دون موافقة الحكومة عام 1995 بالقرب من مستوطنة تلمون في منطقة رام الله، وذلك في إثر طلب استئناف قدمته حركة "السلام الآن". وبالإضافة إلى الاعتراض على كون مصادرة الأراضي عموماً غير قانونية قال الفلسطينيون إن السبب الوحيد لاعتبار الأراضي مهجورة هو منعهم من الوصول إليها. لكن عقب إصدار القاضي جبران قراراً قانونياً حول حالة مماثلة طلبت وزيرة العدل تعديل رأي الحكومة بشأن بؤرة "حورشا".

وكتب مندلبليت في رأيه القانوني أنه في ضوء قرار جبران، لم يعد هناك عائق قانوني أمام إمكان شق طريق وصول إلى "حورشا" عبر مصادرة أراض خاصة مهجورة من أجل حاجة السكان.

ورحبت وزيرة العدل شاكيد بإعلان مندلبليت، وقالت في بيان صادر عنها إنه خطوة أخرى في اتجاه "احترام حقوق مئات آلاف المستوطنين في يهودا والسامرة"، وأكدت أن هذا الاتجاه هو ما يجب أن تتطلع الحكومة إليه.

في المقابل قالت حركة "السلام الآن" إن الحكومة تتيح إمكان مصادرة أراض لا توجد لديها سيادة عليها وتابعة لمجتمع فلسطيني لا يوجد لديه حقوق مدنية أو حق التصويت، فقط من أجل مجتمع إسرائيلي لديه حقوق. وأضافت أنه لا يوجد وصف آخر لذلك غير الأبارتهايد (الفصل العنصري).

وذكرت مصادر في قيادة الحركة أن قرار الموافقة على مصادرة أراض فلسطينية خاصة من أجل شق طريق وصول إلى بؤرة استيطانية فيها 50 عائلة سوف يمكّن مستوطني "حورشا" من التقدم باتجاه شرعنة هذه البؤرة الاستيطانية بأكملها، وبذا تضاف البؤرة إلى نحو 130 مستوطنة تعترف بها الحكومة الإسرائيلية.

وأصدر مقدمو طلبات الالتماس ضد "قانون التسوية"، وهم مركز عدالة (حيفا) ومركز الميزان (غزّة) ومركز القدس لحقوق الإنسان، بياناً أكدوا فيه أنه بالبرغم من أن موقف مندلبليت يدعم إلغاء القانون المذكور، إلا إنه موقف إشكاليّ جداً في مضمونه ويتعارض تماماً مع وجهة نظر القانون الدوليّ، فرغم أنّه يعارض سنّ القانون إلا إنّه في تفسيره لذلك يعتبر شرعنة المستوطنات هدفاً مقبولاً وأن معارضته للقانون تأتي لأن إسرائيل تمتلك اليوم الأدوات الكافية لتحقيق هذا الهدف ولمصادرة الأراضي الفلسطينيّة الخاصّة التي أعطيت للمستوطنين "بحسن نيّة"، على حدّ تعبيره.

وأضاف البيان أنّ المستشار القانونيّ في موقفٍ قضائيّ آخر أصدره قبل أيّام قليلة، أعطى الضوء الأخضر لاستخدام هذه "الأدوات" القانونيّة في قضايا كثيرة، ومن ضمنها قضيّة مصادرة أراضٍ فلسطينيّة خاصّة "لصالح الجمهور" من أجل شق طريقٍ إلى بؤرة استيطانيّة غير قانونيّة. وشدّد بيان هذه المنظمات الحقوقيّة على أن موقف المستشار القانونيّ للحكومة يتناقض مع القانون الدوليّ الذي يمنع بشكلٍ قطعيّ قوة الاحتلال من القيام بأي بناء في المستوطنات أو القيام بأي نقل لسكان القوّة المحتلّة إلى المناطق التي تحتلها، وهو ما يُعتبر جريمة حرب. كذلك يمنع القانون الدوليّ أي مسّ بأملاك المجتمع الفلسطينيّ في الضفة الغربيّة لأهداف تطوير وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية.

ترخيص نحو 1050 وحدة سكنية

في غضون ذلك قالت صحيفة "هآرتس" نقلاً عن مصدر رفيع في وزارة العدل الإسرائيلية أن المستشار القانوني للحكومة يعمل على مصادرة أراض فلسطينية خاصة بهدف ترخيص 1048 وحدة سكنية على الأقل في مستوطنات الضفة الغربية.

وقال هذا المصدر للصحيفة إن مندلبليت يعتقد أن المحكمة الإسرائيلية العليا سوف تلغي القانون الذي يسمح بمصادرة أراض فلسطينية خاصة المعروف باسم "قانون التسوية" والذي يهدف إلى تنظيم الوضع القانوني للبؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة، لكنه في الوقت عينه يعتقد أنه نحو 30 بالمئة من هذه المباني في المستوطنات يمكن تسويتها بواسطة قنوات بديلة.

وقالت مصادر أخرى إن مندلبليت وضع خطة بديلة لهذا الغرض في إثر ضغوط مارستها عليه وزيرة العدل الإسرائيلية أييليت شاكيد. وتشمل الخطة الاستيلاء على أراضي فلسطينيين كانت إسرائيل صنفتها في وقت سابق بأنها "أراضي دولة" وأقيمت عليها مبان استيطانية لكن طلبات التماس قدمت في الماضي ضد إقامة مثل هذه المباني تسببت بإخلائها، ويسعى مندلبليت الآن لاستخدام البند رقم 5 من الأمر العسكري بشأن ما يسمى "الأملاك الحكومية في الضفة الغربية" بهدف إتاحة المجال أمام إسرائيل للاستيلاء على هذه الأراضي مرة أخرى. ومع أن هذه الإجراءات تختلف من الناحية القانونية عن "قانون التسوية" إلا إنها تحقق النتيجة نفسها، حيث أن المباني الاستيطانية ستبقى في مكانها ولن يستطيع أصحاب الأراضي الفلسطينيون الوصول إليها ولا الاعتراض على الاستيلاء عليها، وسيحصلون على تعويض عنها.

وكانت "هآرتس" أشارت في آب الماضي، إلى أن الإدارة المدنية لشؤون المناطق المحتلة التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية كشفت عن وجود 3455 وحدة سكنية ومبنى عاماً للمستوطنين أقيمت فوق أراض ذات ملكية فلسطينية خاصة في الضفة الغربية.

وقالت إن الكشف عن هذه الإحصاءات المتعلقة بظاهرة البناء الاستيطاني من دون تصاريح فوق أراض فلسطينية خاصة، ورد في سياق ملحق أُرفق باللائحة الجوابية التي قدمتها دولة إسرائيل والإدارة المدنية إلى المحكمة الإسرائيلية العليا ردّاً على طلبي التماس قدما إلى هذه المحكمة ضد قانون تنظيم الأوضاع القانونية للبؤر الاستيطانية العشوائية وبعض المستوطنات في الضفة الغربية المعروف باسم "قانون التسوية".

وبحسب الإدارة المدنية، فإن هذه الوحدات السكنية تنقسم إلى 3 أصناف: الأول، يشمل 1285 وحدة سكنية أقيمت في إثر توقيع اتفاق أوسلو (1993) على أراض فلسطينية خاصة لم يعلن ولن يعلن أنها أراضي دولة يمكن مصادرتها، وبناء على ذلك أصدرت أوامر هدم وإخلاء ضد هذه الوحدات. والصنف الثاني يضم 1048 وحدة سكنية أقيمت على أراض فلسطينية خاصة أعلن عنها في السابق من طريق الخطأ بأنها أراضي دولة ما أتاح إمكان وضع اليد عليها. أما الصنف الثالث فيضم 1122 وحدة سكنية أقيمت قبل التوقيع على اتفاق أوسلو وخلال الفترة التي كانت تُطبق فيها قوانين البناء والتنظيم من قبل الإدارة المدنية، ما حفز جماعات استيطانية لوضع اليد على مزيد من الأراضي الفلسطينية وإقامة بؤر استيطانية غير قانونية فيها.

وأشارت إحصاءات الإدارة المدنية إلى أن 874 من هذه الوحدات السكنية قائمة ضمن نفوذ بؤر استيطانية أقيمت من دون ترخيص ومن دون قرار صادر عن الحكومة الإسرائيلية ضمن تخوم مستوطنات كبيرة، في حين أن 411 وحدة سكنية منها أقيمت في بؤر استيطانية منعزلة في قلب التجمعات الفلسطينية. كما أشارت إلى أن 543 وحدة سكنية من بين الوحدات الـ1285 التي أقيمت فوق أراض فلسطينية خاصة عقب توقيع اتفاق أوسلو، بُنيت في أراض خاصة مسجلة ومعترف بها حتى من طرف الإدارة المدنية التي تعرف هوية أصحاب هذه الأراضي.

وتزامن هذا النشر مع قيام حركة "السلام الآن" بتعميم تقرير أشارت فيه إلى أن "قانون التسوية" الذي صادق عليه الكنيست في شباط الفائت، سيؤدي في حال تطبيقه إلى شرعنة نحو 4 آلاف وحدة سكنية أقيمت على أراض فلسطينية خاصة في المستوطنات والبؤر الاستيطانية العشوائية.

أبارتهايد تحت حماية القانون

تحت العنوان أعلاه أبدى الأكاديمي الإسرائيلي البارز زئيف شطرنهيل استغرابه من كيفية انقياد المستشار القانوني للحكومة لرغبة وزيرة العدل وحزبها "البيت اليهودي".

وأضاف شطرنهيل في مقال نشره في "هآرتس"، أنه منذ البداية كانت شاكيد تريد مندلبليت، ربما لأنها كما يبدو عرفت من أية طينة مجبول منها السكرتير السابق للحكومة فيما يتعلق بموضوعات حساسة بالنسبة إلى الحكم: الاحتلال، المستوطنات، وحقوق الفلسطينيين. وحالياً يقوم المستشار القانوني للحكومة بما هو مطلوب منه.

وتساءل الكاتب: كيف يمكن لوريث حاييم كوهين، وأهرون باراك، وإسحاق زامير (مستشارون قانونيون سابقون للحكومة) ألا يشعر بالخجل عندما يتراجع عن رأيه القانوني بشأن "البؤر الاستيطانية غير الشرعية" – كما لو أن بقية المستوطنات شرعية - ويستجيب بوقاحة لطلب الوزيرة نهب أراض فلسطينية خاصة وعامة من أجل تلبية "حاجات جمهور" المستوطنين، أي شق طرقات لليهود فقط؟ هذا ما أصبحت عليه سلطة القانون في إسرائيل.

وتابع: بحسب الأرقام التي نشرتها "يديعوت أحرونوت"، فالمقصود هنا هو مصادرة أراض واسعة، جزء منها "فقط" ممنوع البناء عليه بحسب الذين صادروها. وهذا ليس أول فعل لا يُحتمل لنظام الأبارتهايد ليكتسب صبغة قانونية. وبالطبع سيجري تقديم طلبات التماس إلى محكمة العدل العليا، لكن ثمة شك في أن تكون قادرة على وقف هذه السياسة لوقت طويل، فإن المستوطنات هي التي تسيطر على الدولة وعلى الجيش، ولا يوجد سبيل حقيقي لكبحها.

وأكد شطرنهيل أنه لم يبق لنا سوى الاستنجاد بالرأي العام العالمي، وبالإعلام والجامعات، وهناك حاجة ماسة إلى حملة واسعة ضد الأبارتهايد في جامعات الولايات المتحدة وفي أوروبا، وكذلك في مؤسسات الاتحاد الأوروبي. كما أن الجمهور الإسرائيلي يشكل هدفاً لا يقل أهمية، وفي ظل غياب حزب معارض فعال، يتعين على منظمات المجتمع المدني الوصول إلى هذا الجمهور. ولو كانت عندنا معارضة حقيقية مع زعيم لائق، لكان عليها أن تصرخ من فوق كل المنابر بأن السياسة التي تسرق وتصادر تقضي على ما بقي من إمكانية الانفصال عن الفلسطينيين من خلال قيام دولة فلسطينية.

أخيراً تساءل الكاتب: من سيناضل ضد هذه الحكومة؟ وأجاب: بالطبع ليس مَن يعتقد أن التملق والاستجداء الإيديولوجي لليمين هو وصفة الوصول إلى الحكم، كما يفعل أكثر من زعيم في صفوف المعارضة الإسرائيلية.