منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ومع ازدياد حدّة العنف والتطرّف داخل المجتمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، غابت الأصوات الإسرائيلية المعارضة لهذه السياسة، وتجنّد المجتمع الإسرائيلي بأكمله في حرب الإبادة على قطاع غزة، والحرب الصامتة في الضفة الغربية والقدس والداخل. وخلال الأشهر الأخيرة، ومع استمرار التعقيد المرافق لقضية "الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين"، برزت العديد من المبادرات والحراكات الإسرائيلية التي طالبت بإعادتهم بأي ثمن بما في ذلك وقف الحرب. إلى جانب حراك عائلات الأسرى والمحتجزين المناهض للحكومة الإسرائيلية، برز حراك منظمة "نقف معاً" والذي بدأ يحظى بأهمية متزايدة في المشهد الداخلي انطلاقاً من طرحه بديلاً سياسياً وأخلاقياً لمسار الحرب، حيث لم يقتصر دوره على النشاط السياسي، بل امتد ليشمل مبادرات ميدانية وإنسانية.
يظهر تقرير صادر عن قسم الممتلكات والشركات في وزارة البناء والإسكان الإسرائيلية، حول وضع الإسكان الشعبي للعام 2024، استنتاجات قاتمة، إذ أن مخزون الشقق في هذا الإطار آخذ بالتقلص أكثر فاكثر.
هذا التقرير، الذي يغطي بيانات حتى 31 كانون الأول 2024، يقدم صورة يصفها بالمقلقة عن تراجع مخزون المساكن الشعبية وتزايد الضغوط المالية والاجتماعية على المستحقين. والأبرز أنّ هذه الأزمة لم تعد مسألة إدارية أو تقنية فحسب، بل أصبحت مرتبطة مباشرة بقرارات الحكومة وسياساتها الاقتصادية، وبالذات بتحويل الموارد إلى الجبهة العسكرية خلال الحرب المتواصلة وتغطية تكاليفها.
(1) قبل عقد من الأعوام، وتحديداً في خريف 2015، نشر ألوف بن، رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، مقالة في مجلة "ذي ماركر" الشهرية، نشرنا ترجمتها الكاملة في ملحق "المشهد الإسرائيلي"، شدّد فيها على أن تفكّك "النواة الصلبة" في المجتمع الإسرائيلي وارتفاع الوزن الديمغرافي لمن أسماهم "أقليات" أكثر تأثيراً على مستقبل إسرائيل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير ماليته في ذلك الوقت موشيه كحلون، وعائدات الغاز الطبيعي. وأشار إلى أن تزايد أعداد اليهود الحريديم (المتشددون دينياً) والمنتمين إلى الصهيونية الدينية في مقابل تراجع أعداد "العلمانيين" (*) يُعدّ أبرز التغييرات الديمغرافية في المجتمع الإسرائيلي وسوف يتعمق خلال الأعوام المقبلة ("المشهد الإسرائيلي"، 22/9/2015).
في السنوات الأخيرة أضحى منصب "المنسّق" [منسق شؤون الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة 1967] بمثابة الجهة المركزية المسؤولة عن مختلف جوانب الحياة المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، متحكّماً في ملفات حيوية تشمل إصدار تصاريح العمل في إسرائيل، ومنح رخص التجارة، والموافقات على الحركة والتنقل، وتنظيم الأنشطة الاقتصادية. وعملياً، غدا أي نشاط مدني في هذه المناطق مرهوناً بموافقته، ما جعله صاحب تأثير بالغ على الحياة اليومية لملايين الفلسطينيين. كذلك، الإشراف على قطاعات البنى التحتية كالكهرباء والمياه والاتصالات، إلى جانب إدارة سجل السكان وأنظمة التعليم والصحة، وهو ما جعل هذا المنصب أشبه بجهاز ذي صلاحيات شبه مطلقة.
الصفحة 5 من 909