المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 2482

أقيم في "الكلية الأكاديمية نتانيا" (في مدينة نتانيا بوسط إسرائيل)، يوم الأربعاء 8 حزيران الجاري، مؤتمر خاص لإحياء ذكرى مرور 100 عام على ولادة إسحاق شامير، رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، نظمه "مركز الحوار الاستراتيجي" التابع لـ"كلية نتانيا" و"مركز إحياء تراث مناحيم بيغن"، بالتعاون مع ديوان رئيس الحكومة ("مجلس تخليد رؤساء إسرائيل ورؤساء حكوماتها") وبلدية نتانيا.

وقد شارك في المؤتمر عدد من المسؤولين السياسيين الذين عملوا إبان تولي شامير رئاسة الحكومة في إسرائيل، من بينهم قاضي المحكمة العليا الحالي، إلياكيم روبنشطاين، والوزيران السابقان دان مريدور وإفرايم سنيه ورئيس جهاز "الموساد" السابق، شبتاي شفيط.

وعشية هذا المؤتمر، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوم 7 حزيران الجاري، مقابلات مع ثلاث من الشخصيات المذكورة، هم: إلياكيم روبنشطاين ودان مريدور وإفرايم سنيه، تحدثوا خلالها عن شامير وعن فترة رئاسته الحكومة الإسرائيلية، فأجمعوا ـ من خلال مقارنات محددة ـ على توجيه نقد حاد وصريح إلى رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو، في مركزها عدم مبدئيته وتفضيله مصالحه الشخصية، السياسية والاجتماعية، على أية مصلحة عامة، سواء كانت مصلحة الدولة أو مصلحة الشعب في إسرائيل.

والمعروف أن إسحاق شامير ولد في بولندا في تشرين الأول من العام 1915 وهاجر إلى فلسطين ("أرض إسرائيل") في العام 1935، حيث انضم إلى عصابة "إيتسل" ("المنظمة العسكرية القومية في أرض إسرائيل"). وحين انشقت "مجموعة شتيرن" عنها في العام 1940 وشكّلت عصابة "ليحي" ("لوحمي حيروت يسرائيل" ـ "المقاتلون من أجل حرية إسرائيل")، رفض شامير الانضمام إلى المنشقين بداية، لكنه عاد والتحق بهم في العام 1941، احتجاجا على ورفضا لما وصفه "التعاون الوثيق بين الإيتسل والبريطانيين". وفي كانون الأول من العام 1941، ألقي القبض عليه ووضع رهن الاعتقال في "سجن المزرعة" بالقرب من مدينة عكا، لكنه هرب منه في أيلول 1942، ليصبح المسؤول المباشر عن العمليات العسكرية في عصابة "ليحي"، إذ اتخذ لنفسه اسما حركيّا هو "ميخائيل" (اسمه الأصلي).

قاد شامير عددا من من العمليات الإرهابية، من بين أبرزها محاولة اغتيال المندوب السامي هارولد مكمايكل واغتيال اللورد موين في مصر، وكلتاهما كانتا في العام 1944. وفي تموز 1946، ألقي القبض عليه وتم نفيه إلى معسكر اعتقال في أريتريا، لكنه استطاع الفرار من هناك، سوية مع آخرين من أعضاء "ليحي" ووصلوا إلى باريس عن طريق جيبوتي. وبعد أيام من إنشاء دولة إسرائيل، عاد شامير إليها في أيار 1948. وفي أيلول من تلك السنة، شارك في عملية اغتيال الكونت برنادوت.

ثم انضم شامير إلى جهاز "الموساد" في العام 1955 ونفذ من خلاله عدة مهام استخبارية وعمليات اغتيال، وبقي فيه حتى العام 1965. وفي العام 1970، انضم إلى حزب "حيروت"، الذي أصبح "الليكود" فيما بعد، وأصبح من خلاله عضواً في الكنيست، منذ الكنيست الثامن (ابتداء من العام 1973) وحتى الكنيست الثامن عشر (حتى أيار 1996).

في أعقاب الانقلاب الذي حققه "الليكود" في الانتخابات البرلمانية في العام 1977، انتخب شامير رئيساً للكنيست (التاسع) ليكون أول من يشغل هذا المنصب ممثلا عن "الليكود" وأحزاب اليمين في إسرائيل عامة.

وبقي شامير في هذا المنصب حتى آذار 1980، إذ استقال ليشغل منصب وزير الخارجية في حكومة مناحيم بيغن.

وفي أعقاب استقالة بيغن (بتأثيرات "حرب لبنان الأولى" في العام 1982)، أصبح شامير رئيس الحكومة السابع في إسرائيل وذلك في تشرين الأول 1983 وأشغل هذا المنصب حتى هزيمة "الليكود" في انتخابات العام 1992 لصالح حزب "العمل" برئاسة إسحاق رابين.

شهدت فترة تولي شامير رئاسة الحكومة في إسرائيل أحداثا عاصفة وهامة كان أبرزها: اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في كانون الأول 1987، ثم حرب الخليج الأولى و"مؤتمر مدريد للسلام" في الشرق الأوسط في العام 1991، فضلا عن تهجير مئات الآلاف من اليهود من دول الاتحاد السوفييتي السابق وتهجير اليهود الفلاشا من أثيوبيا إلى إسرائيل وغيرها.
مريدور: الليكود ـ من المبادئ
إلى المصالح شخصية

يقول دان مريدور، في حديثه إلى صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن "القيادة من صنف شامير ومن سبقوه كانت متحررة من الإيغو، لا كما هي حال قيادات اليوم... لقد آمن برسالته الصهيونية، بكل جوارحه. كان يشعر بأنه يخدم الصهيونية، بطريقته الخاصة وكان مستعدا لدفع الثمن لقاء تحقيق الصهيونية وبناء البلاد".
ويضيف أن الليكود بعد بيغن وشامير مختلف تماما. ويضيف: "حينما كنت وزيرا للعدل في حكومة شامير، أحدثنا "الثورة الدستورية" التي خولت المحكمة العليا صلاحية شطب وإلغاء قوانين تتعارض مع قوانين الأساس. هل ترون ماذا يفعل الليكود اليوم؟ إنه يفعل العكس تماما. يحاولون تقليص صلاحيات المحكمة. في عهد بيغن وشامير، كان الشخص يخدم فكرة، وليس العكس، ولم يكن الزعيم يبدّل التحالفات والائتلافات الحكومية لا لشيء إلا لكي يضمن بقاءه هو في السلطة، كما هي الحال اليوم. الليكود في زمن بيغن وشامير كان حزبا يحمل مبادئ، كان حزب أشخاص يضعون المصلحة العامة نصب أعينهم، وليس مصالحهم الفردية الشخصية".

ويؤكد مريدور أن شامير "لم يكن يؤمن بحل يشمل إقامة دولة فلسطينية". ويضيف: "وربما كان نتنياهو أيضا لا يؤمن بهذا. لا يمكن لنا أن نقرر، لأن تصريحاته لا تنسجم مع ممارساته دائما.
شامير لم يؤمن بحل الدولة الفلسطينية، لكن طريقته في إدارة الأمور كانت واقعية. فقد كان بمقدوره، مثلا، تشكيل حكومة يمينية ـ كهذه الموجودة اليوم ـ لكنه حينما رأى أن هذا يؤدي إلى انقسام الشعب، توجه إلى تشكيل حكومة موسعة مع حزب العمل. وقد فعل ذلك لأنه كان يضع الشعب والدولة فوق كل اعتبار".

ويرى مريدور إن "الإرث الذي خلّفه شامير هو أنه لم يقبل بالتنازل عن أي ملليمتر من أرض إسرائيل، خلال كل فترة رئاسته الحكومة". ويروي: أذكر أنني وروني ميلو (زعيم سابق في "الليكود" ووزير سابق في حكومة شامير) أتينا إليه ذات مرة وحاولنا إقناعه بعرض حل ما لقطاع غزة، لأن ليس لنا ما نبحث عنه هناك ولأن هذا ما يريده الشعب. نظر شامير إلينا وقال: "قد يكون هذا ما يريده الشعب، لكنني لا أسير وفق ما يريده العشب، بل وفق ما أومن بأنه صحيح ويجب القيام به".

ويلاحظ مريدور أن "شامير كان يفصل بين اليهودية وبين الدين، بينما يتم الربط بينهما اليوم للأسف واستغلال هذا الربط استغلالا سيئا".

ويخلص إلى القول: "أفتقد في قادة اليوم ما كان يتحلى به شامير من صفات: الاستقامة، التشبث بالمبادئ والتواضع".
روبنشطاين: شامير لم يكن يؤمن
بالسلام مع الفلسطينيين!

يشغل إلياكيم روبنشطاين منصب قاض في المحكمة العليا الإسرائيلية. وكان قد عمل إلى جانب شامير طيلة 12 عاما، كان في بعضها مقربا جدا منه بوصفه سكرتيرا لحكومته، حتى استقالته من هذا المنصب في العام 1992، ثم انتقاله لإشغال منصب المستشار القضائي لوزارة الخارجية ثم مبعوث خاص في واشنطن.

يقول روبنشطاين، في حديثه لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن شامير "كان يتمتع بجانب براغماتي. كان يدرك بأننا نعيش في عالم تحكمه العلاقات الدولية وكان يدرك أهمية العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية ومع المنظومة الدولية. ولذا، فقد طور، بمعان كثيرة، منظومة علاقات جيدة جدا مع الرئيس جورج بوش (الأب) سبقتها علاقات ممتازة مع وزير الخارجية جورج شولتز".

ويؤكد روبنشطاين أن "شامير لم يكن يؤمن بأن السلام وشيك التحقق مع الفلسطينيين. كانت لديه مواقف سلبية تجاه الفلسطينيين، ولذلك تحفظ واعترض على اتفاقيات كامب ديفيد ولم يكن سعيدا بالذهاب إلى مدريد، لكنه أدرك أهمية مشاركته، فسافر وشارك".

ويروي روبنشطاين أنه بعد اعتزال شامير الحياة السياسية، نشرت مقابلة صحافية معه "فُهم منها أنه أصدر تعليماته بجرجرة المفاوضات مع الفلسطينيين لعشر سنوات. هاتفتُه وكتبتُ مقالاً أكدتُ فيه أنني لم أتلق منه أية تعليمات تقضي بجرجرة المفاوضات". ثم يضيف: "لكنه كان قادرا على إدارة مفاوضات صارمة أدت إلى أن يكون المؤتمر (في مدريد) مفتوحا وعلنيا وأن تجري المفاوضات بعد ذلك في مسارات ثنائية فقط"!

ويشير روبنشطاين إلى أن "شامير كان إنسانا أيديولوجياً، بمعنى أنه بذل كل ما في وسعه ليكون أمينا لأيديولوجيته ومتشبثا بها. كان كل همه بناء الدولة، تقويتها وتحصينها. كان يهمّه أمن الدولة، لا أناه الشخصية. وأنا لا أقصد قول أي شيء هنا عن القيادة اليوم"!

ويضيف: "عملت إلى جانب قادة آخرين، وتعلمت منهم أيضا. لكن شامير كان يقاتل على مبادئه ويدافع عنها. كان يتمتع باستقامة لافتة ويترفع عن مصالحه وشؤونه الشخصية. وللأسف، هذا ما نفتقده اليوم تماما"!

سنيه: إرث شامير ـ الجمود وعدم إحراز أي تقدم سياسي

يشغل إفرايم سنيه اليوم منصب رئيس "مركز الحوار الاستراتيجي" في "الكلية الأكاديمية في نتانيا". وكان أشغل في الماضي منصب رئيس "الإدارة المدنية" في الضفة الغربية إبان تولي شامير رئاسة الحكومة وكان عضوا في طاقم حزب العمل الانتخابي الذي حقق الفوز على الليكود وشامير لصالح إسحاق رابين، في انتخابات العام 1992. وفي الحكومة التي شكلها رابين بعد تلك الانتخابات، أشغل إفرايم سنيه منصب وزير الصحة.

يقول سنيه لصحيفة "يديعوت أحرونوت": "كانت آرائي مختلفة وبعيدة جدا عن آراء إسحاق شامير دائما. لكن شامير جسد نموذج القيادة الملتزمة بالأيديولوجية والمتمسكة بها، إلى جانب التواضع الشخصي الواضح".

وفي نقد واضح لحال القيادة الحالية في إسرائيل، وفي مقدمتها بنيامين نتنياهو، يقول سنيه إن "شامير كان إنسانا متواضعا وليس من الساعين وراء متع شخصية. كان يؤمن، بكل جوارحه، بأنه يعمل لخدمة مصالح شعب إسرائيل ولم يستغلّ مناصبه لتحقيق منافع شخصية، أيا كانت".

أما الدرس الأبرز والأهم من فترة شامير في رئاسة الحكومة، فهو ـ كما يرى سنيه: "درس سلبي تماما. وهو حلقة أخرى في نهج الجمود وعدم إحراز أي تقدم في المجال السياسي. خلال السنوات الـ 49 منذ العام 1967، لم نفعل أي شيء جدي وحقيقي".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات