تصادف اليوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 الذكرى السنوية الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وقد جرى شنّها في إثر الهجوم المباغت لحركة حماس على مواقع عسكرية في منطقة الحدود مع قطاع غزة، وعلى ما يعرف باسم "بلدات غلاف غزة"، يوم 7/10/2023. وهي ما زالت مستمرة، بل واتسعت في الأسابيع الأخيرة لتشمل الجبهة الشمالية مع لبنان، وما توصف بأنها "الحرب الإسرائيلية- الإيرانية الأولى". ولعلّ ما يمكن إجماله في مناسبة مرور أول عام على هذه الحرب هو ما يلي:
تتفق التقديرات السائدة في إسرائيل على أن هذه الأخيرة تحاول، من خلال آخر العمليات التي استهدفت بواسطتها حزب الله ومعظم قادته العسكريين وشبكة الاتصالات والاستدعاءات التي بحيازته، أن تضعه في مواجهة خيارين:
الأول، ويبدو أنه المحبّذ من ناحيتها، هو فك الارتباط بين الجبهة الشمالية والحرب في قطاع غزة والتوصل إلى حلٍ دبلوماسيّ يسفر، من بين أمور أخرى، عن عودة سكان الشمال إلى منازلهم، وانسحاب مقاتلي الحزب من منطقة الحدود مع إسرائيل إلى شمال نهر الليطاني.
والخيار الثاني هو الذهاب نحو مواجهة شاملة في حال قرّر الحزب عدم تبني الخيار الأول، على أن يكون القرار بشأن هذه المواجهة صادراً عن الحزب وليس من جانب إسرائيل.
مع انتهاء الأسبوع الأول من الشهر الثاني عشر لأطول حرب تخوضها إسرائيل منذ إقامتها يقرّ معظم المحللين العسكريين الإسرائيليين بأن "الدولة تجد نفسها في عمق دوامة أمنية، والحدث يلاحق الحدث، والردّات تتلاحق، ولا نهاية للأحداث في كل الجبهات من حولها. ومن الناحية الأمنية، فإن وضع إسرائيل ليس فقط لا يتحسّن بل أيضاً يزداد تعقيداً، ومن جهة أُخرى لا يوجد أفق يدل على نهاية الحرب أو حتى على التوجه نحو حلّ للوضع"، حسبما وصف ذلك اللواء احتياط يسرائيل زيف، القائد السابق لفرقة غزة ولشعبة العمليات في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي قبل يومين (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 14/9/2024).
أدت حادثة استعادة جثث 6 مخطوفين إسرائيليين من نفق في قطاع غزة أول أمس السبت (31/8/2024) حتى الآن إلى تطوريْن ملفتيْن:
الأول، تكريس القناعة في صفوف المزيد من أوساط الرأي العام في إسرائيل بأن مقتلهم يُعدّ نتيجة مباشرة لقيام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بنسف صفقات تبادل الأسرى المقترحة وإصراره على أن يحافظ الجيش الإسرائيلي على وجوده في محور فيلادلفيا، فضلاً عن تعزّز المقاربة الذاهبة إلى أن نتنياهو يتمسّك بهذا الموقف فقط من أجل خدمة مصلحته السياسية والشخصية.
(*) ما عاد سرّاً أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هو الأكثر إصراراً على إطالة أمد حرب الإبادة على قطاع غزة، والمؤشرات المتراكمة إلى ذلك كثيرة وتظهر تباعاً على نحو يوميّ.
ومن المؤشرات الأخيرة- حتى ساعة كتابة هذه السطور- يمكن أن نذكر ما يلي:
أولاً، ما زال نتنياهو مصمماً على الاحتفاظ بوجود عسكري إسرائيلي في محور فيلادلفيا بالرغم من معارضة مصر لمثل هذا الأمر، وبالرغم من وجود شبه إجماع في إسرائيل، بما في ذلك من جانب المؤسسة الأمنيّة، على أن تحويل موضوع السيطرة الإسرائيلية أو الوجود العسكري الإسرائيلي في محور فيلادلفيا وكذلك في معبر رفح بين قطاع غزة ومصر إلى هدف رئيسي من أهداف الحرب على القطاع غير ضروري بتاتاً، وأن الهدف المركزي يجب أن يكون إطلاق المخطوفين الإسرائيليين المحتجزين في القطاع من خلال صفقة تبادل مع حركة حماس. وبحسب ما أكّد أستاذ الدراسات الشرق أوسطية، الدكتور رفائيل سغيف، قبل أيام، ليس بوسع الحكومة الإسرائيلية في الوقت الحالي أن تعرض أي إنجاز مهم للحرب التي تشنها على غزة منذ نحو 11 شهراً، وفي ضوء ذلك فإن صفقة إطلاق المخطوفين ضرورية للغاية حتى ولو بثمن الانسحاب من محور فيلادلفيا.
قبل خمسة أيام دخلت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها الحادي عشر. وفي إجمال سريع لكثير من وسائل الإعلام الإسرائيلية أشير إلى أنه بالرغم من انقضاء هذه الفترة الطويلة فإن بنيامين نتنياهو، الذي يحملّه العديد من الساسة والمسؤولين الأمنيين السابقين، فضلاً عن العديد من المحللين السياسيين والأمنيين، المسؤولية الرئيسة عن هذه الحرب التي جاءت في أعقاب الهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس ضد مواقع عسكريّة وعلى مستوطنات ما يعرف باسم "غلاف غزة" يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ما زال رئيساً للحكومة اليمينيّة الأكثر تطرفاً قومياً ودينياً والتي بدأت ولايتها بخطة الانقلاب على الجهاز القضائي وما تسببت به من انقسام عمودي في المجتمع الإسرائيلي، وما زال الجيش الإسرائيلي يعيث قتلاً ودماراً في قطاع غزة، كذلك فإن عشرات ألوف الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من منطقتي الحدود مع غزة في الجنوب ومع لبنان في الشمال (على خلفية القصف المتبادل مع حزب الله) ما انفكّوا يقيمون في فنادق ولا يدرون متى تحين ساعة عودتهم إلى منازلهم، وفي الوقت الحالي فإن ملايين الإسرائيليين في حالة ترقّب غير مسبوقة لاحتمال تعرّضهم إلى هجمات من جانب إيران وحزب الله ردّاً على عمليتي اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة في طهران، والقائد العسكري في حزب الله فؤاد شُكر في الضاحية الجنوبيّة لبيروت.
الصفحة 1 من 44