قال شلومو بروم، الباحث المتخصص في الشؤون الفلسطينية في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، إن التوقيت الحالي لاتفاق المصالحة الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس ملائم بالنسبة لسلوك إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحكومة إسرائيل.
وأضاف بروم في سياق مقال تقدير موقف ظهر في موقع معهد الدراسات المذكور في بداية هذا الأسبوع، أنه يبدو أيضاً أن طاقم المفاوضات الأميركي برئاسة جيسون غرينبلات يؤيد عملية المصالحة ويدفع نحو تحقيقها، على افتراض أن ذلك سيزيل عقبة من أمام العملية السياسية الإسرائيلية - الفلسطينية. كما صرحت اللجنة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة في 19 أيلول الماضي بأن هناك حاجة إلى إعادة القطاع إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، وكان من الواضح أن مثل هذه الخطوة ستكون ممكنة فقط من خلال اتفاق مصالحة بين الحركتين.
ورأى أن حكومة إسرائيل أيضاً ردّت على الاتفاق بـ"اعتدال نسبي"، وعلى الرغم من تصريحاتها ضد الاتفاق، فهي لم تتخذ أي خطوة عملية ضد السلطة الفلسطينية بعد التوقيع. وبرأيه فإن عدم وجود رد يعود بصورة أساسية إلى عدم الرغبة بالدخول في مواجهة مع إدارة ترامب ومع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لكن هذا يكشف في الوقت نفسه إدراكاً داخل إسرائيل بأن "الاتفاق سيساهم في استقرار الوضع في قطاع غزة، وفي منع جولة عنف إضافية بين إسرائيل وحماس".
وأشار الباحث إلى أن المحاولات السابقة للمصالحة بين فتح وحماس انتهت بالانهيار حتى بعد توقيع الاتفاقات وبدء تطبيقها، وذلك بسبب رؤية الطرفين شبكة العلاقات بينهما كلعبة خاسرة كل ربح فيها لطرف هو خسارة للطرف الآخر، وكل منهما معني بالاتفاق فقط لأن تطبيقه سيؤدي في نهاية الأمر إلى هيمنته المطلقة. وقد أدت هذه الدينامية إلى انهيار أو عدم تطبيق محاولات سابقة لتسوية العلاقات بين المعسكرين، وأيضاً بسبب عدم الاتفاق على "الموضوعات الوطنية" ومن بينها ما يلي: 1- مسألة خضوع ذراع حماس العسكرية للحكومة الفلسطينية، وسعي حماس إلى واقع يشبه الوضع القائم في لبنان، حكومة مركزية في بيروت، في مقابلها يحتفظ حزب الله بميليشيا مسلحة غير خاضغة للحكومة المركزية. بينما تصر زعامة السلطة على تطبيق مبدأ سلطة واحدة مع سلاح واحد. وفي هذه الأثناء جرى تأجيل النقاش في هذه المسألة. وهذه المسألة لها صلة أيضاً بعلاقة حماس مع إيران. فالذراع العسكرية للحركة تعتمد على المساعدة من إيران، واستمرار هذه المساعدة يفرض عليها مواصلة تطوير علاقاتها مع طهران؛ 2- انضمام حماس إلى منظمة التحرير وقبولها بشروطها. فحماس معنية بالانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية كخطوة تسمح لها بالسيطرة على المنظمة، بينما تسعى فتح إلى ضم حماس ضمن شروط تقييد وتقليص قدر الإمكان؛ 3- قضية الانتخابات، حيث يؤيد الطرفان إجراء انتخابات للمجلس التشريعي وللرئاسة، لكن فقط ضمن شروط تضمن نجاحهما. ومن هنا الخلاف بشأن أسلوب الانتخابات.
ورأى بروم أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة. في السيناريو الأول يجري تنفيذ الاتفاقات التي جرت الموافقة عليها، لكن الموضوعات الوطنية المفتوحة تبقى موضع خلاف، وعلى الرغم من ذلك يقرر الطرفان عدم تحطيم الأواني. وبهذه الطريقة سينشأ توازن جديد في قطاع غزة حيث سيكون للطرفين وجود عسكري. وهذا الواقع سيكون شبيهاً جداً بالواقع في لبنان، على الرغم من أن الحكومة الفلسطينية ستظل معادية للذراع العسكرية في حماس وستحاول تقييد نشاطها، وستكون لها الحرية في إجراء مفاوضات مع إسرائيل. في السيناريو الثاني، سيؤدي عدم الاتفاق على هذه القضايا إلى انهيار الاتفاق وعودة الوضع إلى ما كان عليه قبل توقيعه. وفي السيناريو الثالث، الذي حظوظه ضئيلة، يتوصل الطرفان إلى الاتفاق أيضاً على القضايا الوطنية وينفذانها.
وبموجب قراءته، في جميع الأحوال من الأفضل أن تواصل إسرائيل سياستها التي لا تعارض بصورة فعالة اتفاق المصالحة هذا، وتتعاون مع الولايات المتحدة ومصر والسلطة الفلسطينية. كما أنه من الأفضل وجود وضع يكون للفلسطينيين فيه حكومة واحدة تمثلهم أمام إسرائيل، ويمكن أن يشكل ذلك فرصة أفضل للتقدم، ولو بصورة تدريجية ومحدودة، نحو تهدئة النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، وربما حله في المستقبل. كما أن ما أسماه "السيناريو اللبناني" هو أيضاً أفضل بكثير من الوضع الحالي، لأنه سيؤدي إلى استقرار قطاع غزة، وسيقيد أكثر النشاطات العسكرية لحماس، وسيكون معناه أن تمنح حماس الحكومة في رام الله قيادة العلاقات السياسية مع إسرائيل بما في ذلك المفاوضات معها.
وأعرب الباحث عن اعتقاده بأن اتفاق المصالحة هو نتيجة مبادرة مصرية مدعومة من الأردن والسعودية والإمارات العربية، ودول أخرى تنتمي إلى الكتلة السنية البراغماتية. وتهدف المبادرة إلى خدمة مصالح مصر والكتلة السنية عامة، وقطع علاقة حماس بحركة الإخوان المسلمين، وبالدول التي تؤيد الحركة، مثل قطر وتركيا، ومنع انجرار حماس إلى حضن إيران والحؤول دون تعاون بين حماس والمجموعات الجهادية، وخصوصاً الموجودة في شبه جزيرة سيناء، وتفادي نشوب عنف بين إسرائيل وحماس يمكن أن يتسبب بتحويل الانتباه عن المشكلات الأساسية التي تعانيها الكتلة السنية، وهي الإسلام الجهادي، والإخوان المسلمين، وإيران، والإضرار بقدرة هذه الدول على مواجهتها، وأيضاً بالتعاون مع إسرائيل، وأخيراً ترميم مكانة مصر الحالية في العالم العربي من خلال استئناف دورها المركزي في المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية.
وتابع أنه في مرحلة أولى نجحت مصر في تحقيق هدف إبعاد حماس عن الإخوان المسلمين وعن المجموعات الجهادية عندما نشرت حماس ورقتها السياسية الجديدة التي قطعت فيها العلاقة مع حركة الإخوان المسلمين، وتعهدت بوقف الصلات مع المجموعات الجهادية التي تنشط في سيناء، وبالتعاون مع مصر في محاربتها. وفي مرحلة ثانية جرى التوصل في القاهرة إلى اتفاق مصالحة بين فتح وحماس.
ورأى أنه في الاجمال، فإن الرئيس محمود عباس وحركة فتح راضيان عن اتفاق المصالحة. وبالنسبة إليهما، فإن توقيع الاتفاق، وفي هذا الإطار حرمان محمد دحلان من القيام بأي دور، هو انتصار تحقق نتيجة استعدادهما الجازم لاتخاذ تدابير قاسية ضد قطاع غزة، وحرمانه من موارد مالية والتسبب بتفاقم الوضع هناك. كما أن تنفيذ البنود التي جرت الموافقة عليها كلها سيسمح بعودة وجود أمني واسع للغاية للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، يشمل أولاً حملة السلاح الذين يعملون في المجالات المدنية، الشرطة الزرقاء، وحدات الأمن الداخلي، والاستخبارات العامة، وسيكون هناك نحو 20 ألف شخص تابعين لحكومة السلطة. ثانياً، اضطرت حماس إلى إبعاد قواتها عن المعابر، بما في ذلك معبر رفح، واستبدالها بقوات تابعة للسلطة، على ما يبدو من الحرس الرئاسي. لكن بالنسبة إلى أعضاء فتح ما يزال هناك تحد صعب تطرحه الموضوعات التي تسمى "الموضوعات الوطنية"، وخاصة تحقيق هدف "حكومة واحدة، وسلاح واحد"، أي خضوع جميع العناصر المسلحة لسيطرة السلطة.
وبالنسبة إلى حماس أشار إلى أنها اضطرت إلى الموافقة على هذا الاتفاق بسبب تفاقم الوضع في قطاع غزة في أعقاب الخطوات التي اتخذتها السلطة. كما أثر على حماس اعتمادها على مصر التي تسيطر على المخرج الوحيد للقطاع الذي لا يخضع لسيطرة إسرائيل، وكذلك تفاقم النزاع بين الدول السنية بزعامة السعودية وقطر مما أدى إلى قطيعة بين حماس والمصدر الأساسي لمساعدتها المالية. كما لعبت التغييرات التي طرأت على زعامة حماس دوراً مهماً، فقد انتُخب إسماعيل هنية رئيساً للمكتب السياسي للحركة بدلاً من خالد مشعل، وانتُخب يحيى السنوار من الذراع العسكرية زعيماً للحركة في قطاع غزة. وكانت النتيجة عملياً انتقال مقر قيادة حماس إلى غزة وتحول السنوار إلى شخصية مهيمنة. وبخلاف التقديرات التي سادت إسرائيل بعد انتخاب السنوار، والتي مفادها أن هذا الانتخاب معناه سيطرة الذراع العسكرية على الذراع السياسية، وانتهاج السنوار سياسة أكثر كفاحية، فإن شخصيته المهيمنة تسمح عملياً للذراع السياسية بفرض إرادتها على الذراع العسكرية. وتجلى ذلك في تصريح السنوار بأنه "سيكسر عظام" الذين يعارضون خطواته. ولقد تبنى السنوار سياسة براغماتية وعقلانية، ووفقاً لتحليله للوضع فإن مفتاح حل مشكلات غزة موجود في مصر وليس في إيران، وهو يتصرف تبعاً لذلك.