المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 3431
  • بلال ضاهر

تنكرت إسرائيل دائما للاجئين الفلسطينيين ورفضت البحث في قضيتهم، وخاصة في حق العودة، الذي تعهدت به قرارات دولية من خلال الأمم المتحدة. وهي ترفض أيضا الاعتراف بأنها سبب نشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين، وترفض الاعتراف بوجود هذه القضية. في المقابل، تدعي إسرائيل أنه بالإمكان التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، بشكل ما في المستقبل، من دون التطرق إلى قضية اللاجئين. لكن إسرائيل، كدولة احتلال، ومن خلال ممارساتها على أرض الواقع في الضفة الغربية خصوصا، تمنع تطبيق حق العودة، ولو لقسم من اللاجئين، في الدولة الفلسطينية عندما تقوم.


قضية اللاجئين ودور إسرائيل في حلها، بشكل جزئي وغير عادل، هما محور دراسة صدرت مؤخرا عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، بعنوان "قضية اللاجئين الفلسطينيين ومصلحة إسرائيل"، أعدها الخبير الإسرائيلي في النزاعات الإقليمية يهودا غرينفيلد – غيلات.

ورأت الدراسة أن "لإسرائيل مصلحة واضحة في بلورة حلول لقضية اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود الخط الأخضر"، لكن تعامل إسرائيل مع هذه القضية يعتبر أن "قضية اللاجئين لا تخصها، رغم أن مفهوما كهذا بعيد جدا عن الواقع. إذ على الرغم من أن التقدير في إسرائيل هو أن جوهر الحل لقضية اللاجئين هو خارج حدودها الدائمة هو تقدير واقعي، فإن قضية اللاجئين بمجملها تخص إسرائيل في كافة المستويات، الرمزية والاقتصادية وخصوصا الأمنية. إذ أن أية إمكانية لحل قضية اللاجئين ستجلب مئات آلاف اللاجئين من لبنان وسورية والأردن إلى مكان قريب من حدود إسرائيل".

وتنطلق الدراسة من أن توطين اللاجئين سيكون في الضفة الغربية وقطاع غزة "ومناطق ستُضم إلى الدولة الفلسطينية في إطار اتفاق دائم". وأضافت أن "مصلحة إسرائيل الأولى هي أن يتم استيعاب هذه المجموعة بأفضل حال في المجتمع والاقتصاد والدولة الفلسطينية عندما تقوم، إذ أن الفشل في استيعاب اللاجئين الفلسطينيين في الدولة الفلسطينية المستقبلية ليس من شأنه أن يؤدي إلى انهيار المجتمع الفلسطيني فقط، وإنما إلى وضع تحد سياسي – أمني كبير عند حدود إسرائيل. والمطلوب خلق ظروف لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني واستيعاب لائق لمئات آلاف اللاجئين في الضفة الغربية".

وأضافت الدراسة أن "نظاما فلسطينيا مستقرا من الناحيتين الاقتصادية والأمنية، ومنسقا مع إسرائيل، سيمنح استقرارا أكبر للمنطقة كلها، وسيخفف العبء الأمني على إسرائيل ويشجع اقتصادها بواسطة إنشاء أسواق جديدة للتجارة والتصدير. وهذا مثال واضح على اكتساب ’السلام الاقتصادي’ أهمية أكبر، ليس كبديل لعملية سياسية، وإنما لأن عملية سياسية لا يمكنها أن تستمر من دون ’سلام اقتصادي’".

وتهدف هذه الدراسة إلى "تطوير خطة نظرية لتوطين لاجئين فلسطينيين خارج حدود إسرائيل، وأن يكون بالإمكان تطبيقها في إطار اتفاق على أساس حل الدولتين القوميتين، وكمرحلة في عملية سياسية نحو اتفاق، وحتى كخطوة لا تكون في إطار عملية سياسية أو اتفاق". واعتبرت الدراسة أن هذه "الخطة النظرية" من شأنها أن "تحظى بتأييد ودعم المجتمع الدولي".

موقف إسرائيل من حق العودة

تشدد الدراسة على أنه "مثلما لا يمكن التوصل لاتفاق إسرائيلي – فلسطيني يُسمح في إطاره ’بعودة’ جميع اللاجئين إلى داخل إسرائيل، فإنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق بين الجانبين لا يشمل عناصر رمزية تتحمل في إطارها إسرائيل مسؤولية معينة عن قضية اللاجئين". إذ أن الموقف الإسرائيلي الرسمي يدعي، وفقا للدراسة، أنه "لا ’حق’ عودة للاجئين الفلسطينيين وعائلاتهم بموجب القانون الدولي، وأنه لا توجد سابقة لوضع يجعل فيه حل نزاع إقليمي بين مجوعتين المجموعة الأولى تستوعب أفراد المجموعة الثانية في الأراضي التي تطبق فيها حقها في تقرير المصير، بصورة تشكل خطرا على الحق في تقرير المصير".

لذلك فإن إسرائيل لن توافق بأي حال على عودة لاجئين فلسطينيين إلى داخل حدودها، على الرغم من موافقة رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، ايهود أولمرت، خلال عملية أنابوليس، على عودة رمزية لخمسة آلاف لاجئ فلسطيني إلى داخل إسرائيل.

وترفض إسرائيل تطبيق حق العودة، من خلال تذرعها بتحليلات للقانون الدولي. ويعتبر الموقف الرسمي الإسرائيلي، وكذلك خبراء قانون إسرائيليون، بحسب الدراسة، أنه "لأسباب كثيرة ومتنوعة، لا يعترف القانون الدولي بحق العودة الفلسطيني، ونتيجة لذلك فإنه لا يحمل دولة إسرائيل مسؤولية حصرية عن قضية اللاجئين. وبموجب القانون الدولي، فإنه في حال طردت دولة بالقوة أناسا من أراضيها، تتحمل الدولة مسؤولية عملها، كما تُلقى مسؤولية شخصية على أولئك الذين نفذوا عمليات الطرد نفسها".

وتورد الدراسة ادعاءات خبراء قانون إسرائيليين، وبموجبها فإنه "حتى لو نشأت قضية اللاجئين من خلال طرد وليس في أعقاب هروب عرب أرض إسرائيل، فإنه لا يوجد في القانون الدولي أي نموذج للعودة كحل لعملية طرد محظورة. ويدعي خبراء كثيرون أن حق العودة ليس موجودا كنموذج تصحيحي لقضية اللاجئين. ولهذا السبب، على إسرائيل الامتناع عن تحمل مسؤولية حصرية عن قضية اللاجئين سواء في اتفاقيات دولية أو بتشريع داخلي".

من جهة ثانية، قالت الدراسة إن لمصطلح "مسؤولية" في هذا السياق، قدرة على الليونة "بحيث يحتوي الروايات المتناقضة للجانبين، وذلك ليس في إطار الخطاب القانوني الملزم بحق العودة، وإنما في إطار الخطاب الرمزي". ومن هنا تحمل إسرائيل، منذ خمسينيات القرن الماضي، الدول العربية المسؤولية عن قضية اللاجئين، بادعاء أن قادة هذه الدول شجعوا الفلسطينيين على النزوح، في العام 1948. وفي المقابل، عبر مسؤولون إسرائيليون، مثل يوسي بيلين وايهود أولمرت، خلال المحادثات في طابا وكامب ديفيد وأنابوليس، عن إمكانية أن تدرس إسرائيل الاعتراف بمسؤولية رمزية عن قضية اللاجئين، من خلال الاعتراف بالمعاناة الفلسطينية في إطار التوصل إلى تسوية حول هذه القضية.

وقالت الدراسة إنه "يبدو أن فصل المسؤولية الرمزية عن المسؤولية القانونية هو السبيل الوحيد الذي يمكن الجانبين من التوصل لحل ما حول قضية اللاجئين. ويصعب تخيل اتفاق مقبول على الفلسطينيين وفي إطاره تتنكر إسرائيل لأية مسؤولية عن قضية اللاجئين، مثلما هو ليس معقولا تخيل اتفاق مقبول على إسرائيل، وتلقي على نفسها فيه مسؤولية قضائية عن هذه القضية".

ومن أجل منع تطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين، تتحدث إسرائيل، منذ سنوات، عن وجود قضية لاجئين يهود. وزعمت الدراسة أن "سياسة حكومات الدول العربية، خاصة منذ قرار التقسيم (في العام 1947) والحرب التي نشبت في أعقابه، لم تترك الخيار أمام الغالبية العظمى من اليهود في العالم العربي سوى البحث عن ملجأ في دول أخرى، بينها دولة إسرائيل".

"لاجئون يهود"

لكن هذه الادعاءات الإسرائيلية هي مجرد مزاعم لا تستند إلى الواقع. فقد أكد المؤرخ الإسرائيلي يغئال بن نون، المتخصص في تاريخ العلاقات السرية بين إسرائيل والمغرب، في مقال في صحيفة "هآرتس"، يوم الجمعة الماضي، أنه كان من الواضح في أعقاب قيام إسرائيل، أن "الدولة لا يمكن أن تبقى في الوجود مع 600 ألف يهودي في البلاد". ولفت إلى أن "(الحريديم) الأرثوذكس رأوا بيهود المغرب أنهم جالية ستعزز الوجود اليهودي مقابل تهديد الانصهار، وإسرائيل رأت بهم مخزونا يزود قوى بشرية لتحصين الاستيطان اليهودي ضد ’القضية الديمغرافية’".

واقتبس بن نون من أقوال موثقة لمندوب الكونغرس اليهودي العالمي، ألكسندر إيسترمان، الذي أشار إلى الفرق بين تاريخ يهود المغرب واليهود في أوروبا الشرقية: "برزت طوال تاريخ اليهود في أوروبا الشرقية صورة اليهودي المنبوذ، الذي يتأرجح من مكان إلى آخر بحثا عن ملجأ يمكنه من العيش وكسب الرزق بكرامة. بينما كان الوضع معاكسا في المغرب: المغاربة تمسكوا بيهود بلادهم بكل قوتهم، من الناحيتين السياسية والاقتصادية على حد سواء".

كذلك اقتبس بن نون من كتاب لمؤرخ جهاز الموساد، إليعازر شوشاني، أنه "اتضح أن الخطر الداهم للوجود اليهودي في المغرب لم يكن داهما. والسنوات التي انقضت منذ حصول المغرب على استقلالها لم تؤكد التقديرات القاتمة بشأن يهود المغرب. وبدلا من الاعتداءات (المتخيلة على اليهود) التي اعتبرت مفهومة، ساد التسامح. والتسامح الذي أبدته القيادة المغربية لا تسمح بصناعة توتر وتشكيل حركة سرية (لليهود)".

كذلك اقتبس بن نون من أقوال موثقة لمدير بعثة الموساد في باريس، إفرايم رونال، في أعقاب غرق سفينة نقلت يهود مغاربة إلى إسرائيل، بأن "هذا الحدث وضعنا أمام السؤال: هل مسموح لنا أن نشكل خطرا على حياة رجال ونساء وأطفال، بينما لا يوجد خطر فوري لتنفيذ اعتداءات عليهم ولا توجد مسألة وجوب إنقاذ النفس؟".

وتعترف الدراسة بأنه لا توجد قضية لجوء بين اليهود من أصول عربية في إسرائيل، حتى لو أن دولا عربيا طردت يهودا أو دفعتهم إلى النزوح عنها. و"لقد تم إسكات قضية اللاجئين اليهود من الدول العربية في أعقاب تطلع إسرائيل إلى تصوير تدفق المهاجرين من الدول العربية على أنه يأتي على خلفية توجهات صهيونية، مدفوعة من الرغبة بالاندماج في المجتمع الإسرائيلي" بحسب نائب وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، داني أيالون.
وأضافت الدراسة أن رأيا إسرائيليا آخر يرى أن "حقيقة أن إسرائيل استوعبت ومنحت المواطنة بشكل فوري لمئات آلاف اللاجئين اليهود، الذين يقدر عددهم بـ800 ألف، في البيت القومي اليهودي، منع تحويل قضية اللاجئين اليهود إلى قضية متوارثة لأجيال".

وخلافا لقضية اللاجئين الفلسطينيين، التي تشكل معاناة إنسانية بالغة، فإن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي قدم تقريرا إلى الحكومة، في العام 2011، قال فيه إنه "توجد مصلحة إسرائيلية في الربط بين قضية اللاجئين اليهود وقضية اللاجئين الفلسطينيين، وينبغي وضع القضيتين كجانبين لعملة واحدة في أي مداولات حول مفاوضات على الحل الدائم. وينبغي استخدام هذا الربط كوسيلة توازن مقابل مطالب اللاجئين الفلسطينيين، تستعرض أمام العالم انعدام المساواة في التعامل مع اللاجئين اليهود مقابل التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين...".

وأضاف هذا التقرير أنه "ينبغي تحميل الدول العربية وجامعة الدول العربية مسؤولية نشوء قضية ’لجوء مزدوجة’. وهم مسؤولون عن تشجيع العنف ضد اليهود في الدول العربية وإرغامهم على ترك أملاكهم والهرب خارج الدولة، وكذلك الأمر بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، وذلك إثر رفضهم قبول قرار التقسيم وتشجيع الفلسطينيين على الهرب، من خلال وعدهم بأنهم سيتمكنون من العودة إلى بيوتهم بعد هزم إسرائيل".

واعتبر مجلس الأمن القومي الإسرائيلي في تقريره أنه "فيما يتعلق بمسألة حق العودة، فإن على إسرائيل المطالبة بإلغاء حق العودة للفلسطينيين، لأنه ليس بالإمكان إعادة اللاجئين اليهود إلى الدول العربية، لأنهم سيعانون من التمييز ومخاطر أخرى"، وأنه "يجب رفض الاعتبارات الفلسطينية، التي تستخدمها الأونروا أيضا، بأن تعريف اللاجئ ينتقل بالوراثة من جيل إلى آخر، وإذا استمر العمل بموجب هذه الاعتبارات فإن هذا يعني أن نسبة كبيرة من سكان إسرائيل اليهود، من نسل اللاجئين الأصليين، سيعرفون كلاجئين هم أيضا".

واعتبر تقرير مجلس الأمن القومي أن "اتفاقا دائما ينبغي أن يشمل تأسيس صندوق تعويضات دولي للاجئين اليهود، لكي لا يعوض اللاجئون أنفسهم فقط، وإنما دولة إسرائيل أيضا التي استثمرت في استيعابهم. كما أنه ينبغي تعويض اللاجئين اليهود بنسبة أعلى من اللاجئين الفلسطينيين، لأن قيمة الأملاك التي فقدوها أعلى بكثير من قيمة الأملاك التي فقدها الفلسطينيون".

إلا أن الدراسة حذرت من أن توصيات مجلس الأمن القومي تنطوي على مخاطر، "لأن المجتمع الدولي، وربما الفلسطينيين أيضا، سيسعون إلى حل ’متوازن’ يتم في إطاره الاعتراف باللاجئين بصورة متبادلة ويتم اتخاذ قرار يسمح للاجئي الجانبين بالعودة إلى الدول الأصل. وبالنسبة لإسرائيل ليس فقط أن حلا كهذا غير مطروح، وإنما قد يعقد كثيرا مجموعة الحلول الواقعية للقضية".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات