أكد تقرير جديد صادر عن منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان أن إطلاق الجيش الإسرائيلي النيران الفتّاكة على متظاهرين فلسطينيين لا يعرّضون حياة الجنود للخطر أصبح أمرًا عاديًّا.
وأضاف التقرير أنه منذ شهر كانون الثاني 2015 قُتل 42 فلسطينيًا رميًا بالأعيرة النارية خلال مظاهرات وأحداث رشق حجارة. وتظهر الاستقصاءات التي أجرتها "بتسيلم" أنّه على الأقلّ 35 منهم لم يشكّلوا خطرًا على حياة أفراد قوّات الأمن. كما تظهر أن مئات آخرين أصيبوا بجروح، وبعضهم كانت إصاباتهم بليغة. واعتاد كبار المسؤولين في الجيش وممثّلو النيابة العسكريّة الردّ على الانتقادات الموجّهة ضدّ هذه السياسة باقتباس تعليمات إطلاق النار التي تقيّد استخدام الذخيرة الحيّة فقط كوسيلة لدفع خطر يهدّد الحياة لدى انعدام أيّة وسيلة أخرى. ولكنّ هذه التعليمات تضفي شرعيّة قانونيّة هي شكليّة بالأساس. فالجنود في الميدان يتصرّفون وفق تعليمات مغايرة، تسمح بإطلاق النيران الفتّاكة، وبضمنها الذخيرة الحيّة، أيضًا في ظروف أخرى، ولا يحرّك كبار المسؤولين ساكنًا لمنع مقتل أو إصابة المزيد من الأشخاص.
وقالت المنظمة إنه طيلة أعوام طويلة، لم تُجدِ نفعًا التوجّهات إلى جهاز تطبيق القانون العسكريّ بهدف الدفع نحو إجراء مساءلة ومحاسبة جدّية في حالات قتل الفلسطينيين. وفي كثير من الحالات، لم يتمّ فتح أيّ تحقيق، وفي كلّ الأحوال انتهى التحقيق بشكل شبه دائم إلى طمس الحقائق. ولهذا، قرّرت منظمّة "بتسيلم" التوقّف عن التوجّه إلى النيابة العسكريّة مطالبة بالتحقيق ولكنها في الوقت نفسه تواصل بوسائل أخرى الدفع نحو إجراء المساءلة والمحاسبة. وكتبت: "لأجل ذلك نحن مستمرّون في تقصّي الحقائق في مثل هذه الحالات ونشرها على الملأ. مع ذلك، لا يزال إجراء التحقيق ومحاسبة جميع المسؤولين عن مثل هذه الأحداث من واجب الجهاز العسكري. ولكن طالما استمرّت النيابة العسكرية في اتّباع سياسة الطمس الممنهج للحقائق فلن يكون هناك ما يردع أفراد قوّات الأمن عن مواصلة إطلاق النار نحو فلسطينيين لم يعرّضوهم للخطر".
وأشار التقرير إلى أنه في يوم 12 أيار الفائت خرج نحو مئة متظاهر فلسطينيّ من سكان قرية النبي صالح والقرى المجاورة، ومعهم مواطنون إسرائيليّون وأجانب باتّجاه البوابة العسكريّة عند مدخل القرية الشرقيّ. واعترضت المسيرة السلميّة مجموعة من الجنود وأفراد شرطة حرس الحدود تحت قيادة ضابط حرس الحدود، وأعاقت تقدّمها نحو غايتها، وألقت القنابل الصوتية نحو المشاركين. وبقي معظم المتظاهرين في الشارع وواصلوا الهتاف ورفع الأعلام قبالة رجال قوّات الأمن الّذين اعترضوا طريقهم. وتراجعت مجموعة صغيرة من الشبّان نحو تلة في مشارف المنطقة العمرانيّة من القرية، على بعد 150 مترًا من بقيّة المتظاهرين، وتطوّرت هناك مناوشات طفيفة بينها وبين الجنود وشرطة حرس الحدود الذين تقدموا باتجاهها. كان الشبّان يرشقون الحجارة فيما أطلقت قوّات الأمن عليهم الغاز المسيل للدموع والعيارات المعدنية المغلفة بالمطاط والعيارات الإسفنجية. ومن جرّاء إطلاق هذه المقذوفات أصيب اثنان من الشبان الّذين رشقوا الحجارة: أحدهما بعيار إسفنجيّ في رأسه والثاني بعيار معدني مغلف بالمطاط في فخذه.
وقال التقرير إن العديد من المتظاهرين سمعوا قائد القوّة، وكان يقف قرب المركز الرئيسي للتظاهرة، يصدر أمرًا لقنّاصين اثنين مسلّحَين ببنادق "روجر" أن يتقدّما باتجاه راشقي الحجارة ويطلقا النيران. وهذا برغم أنّ الحديث يدور عن نحو عشرة شبّان أو خمسة عشر شابًا لا أكثر، كانوا يرشقون الحجارة بالأيدي أو بواسطة مقلاع، من مكان يبعد مئة متر على الأقلّ عن رجال قوات الأمن.
وبحسب التقرير، تمركز ثلاثة جنود، بينهم قنّاص، خلف جدران منزل في طور البناء، يقع على المنحدر الشرقيّ للتلة. وكان القناص يطلق نحو راشقي الحجارة الرصاص الحي بين الفينة والأخرى (من نوع "توتو" بقطر 22ر0 إنش)؛ وكان هؤلاء يختبئون وراء أنقاض منزل مهدّم يبعد مسافة مئة متر تقريبًا من المكان. لم يصب أحد جرّاء إطلاق الرصاص. وتفصل بين المنزل الذي اختبأ خلفه الجنود والمنزل المهدّم "سنسلة" من فوقها أسلاك شائكة. وعند الساعة الثانية بعد الظهر تقدّم الشاب سبأ عبيد باتجاه "السنسلة" ورشق عددًا من الحجارة نحو الجنود، الذين كانوا على بعد حوالي ثمنين مترًا منه، فيما كان هو يحتمي خلف "السنسلة". رشق سبأ حجرًا أخيرًا، والتفّ ليهمّ بالهرب؛ عندها أطلق عليه القناص رصاصة من نوع "توتو" أصابته في خاصرته. في اللحظات التي سبقت إطلاق النار كان شاب آخر من سكّان قراوة بني زيد يقف خلف المنزل المهدّم. وفي إفادة قدّمها لباحث "بتسيلم" الميدانيّ في يوم 13 أيار وصف الشاب تلك اللحظات وما تلاها من أحداث: "نهض سبأ من مكانه وبدأ يزحف على يديه وركبتيه، وذلك كي يحمي نفسه فلا يكون في مرمى القناصة الذين كانوا قبالتنا. وصل إلى السياج الذي يلفّ الحقل المحيط بالبيت الذي تمركز خلفه الجنود. في هذه الأثناء لم يطلق الجنود الرصاص. رشق سبأ حجرين أو ثلاثة نحو الجنود المحصّنين، وكان يفعل وهو منحنٍ لئلاّ يكون في مرمى القنّاص. حذّر الشبّان سبأ وهم يصرخون عليه: "يا بو الأبيض، ارجع... يا بو الأبيض، ارجع". في المرّة الثالثة، بعد أن ألقى سبأ حجرًا وهو منحنٍ، همّ بالهروب عائدًا نحونا، أطلقَت عليه رصاصة أصابته بعد أن أخذ يبتعد. لم أسمع صوت إطلاق النار، لكنني أدركت أنه أصيب لأنه وضع يده على خاصرته. ركض في اتجاهنا مسافة نحو عشرين - ثلاثين مترًا، إلى أن وصل إلى منطقتنا، وعندها وقع على الأرض. تقدّمت إليه برفقة شابّ آخر من سلفيت وناشط يهودي اسمه يونتان. بعد أن رفعتُ بلوزته رأيت ثقبًا صغيرًا، بقُطر سيجارة، شبه مغلق، وينزف قليلاً. كانت هناك بقعة على بلوزته من الجهة اليسرى. شعرتُ أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة. قمنا بحمله، أربعة أو خمسة أشخاص. وفي الطريق أخذنا نكلّمه، ونقول له: "احك يا سبأ". قلت له: "إذا كنت تسمعني اضغط على يدي"، فضغط. لكن بعد مئة متر عندما وصلنا به إلى الشارع، حيث كانت تقف هناك سيارة الإسعاف، سلّمناه لطاقم الإسعاف ووضعوه على الحمّالة. وقلت لسبأ مرّة ثانية شدّ على يدي، ولكنه لم يشدّ كما فعل من قبل".