تعتقد أقلية ضئيلة من بين المواطنين الإسرائيليين بأن "مكانة إسرائيل في العالم جيّدة" وترى أغلبية منه أن تحسين هذه المكانة "مرهون بالتقدم في عملية السلام"؛ كما تعتقد الغالبية بأن "الشعب الإسرائيلي يطمح إلى تطبيع العلاقات مع الفلسطينيين"، لكن "ليس هناك شريك فلسطيني يرغب في تحقيق سلام إقليمي مع إسرائيل"! ومع ذلك، ترى غالبية المواطنين أنه "لن يكون هناك شريك أفضل من محمود عباس، كما لن يكون شريك أسوأ منه"! لأن "الذين سيخلفون عبّاس سيقومون بنسف كل محاولة للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل"! وبناء على ذلك، تعتقد غالبية المواطنين الإسرائيليين بأن "على إسرائيل تقديم مبادرة سياسية خاصة بها خلال الأشهر المقبلة" من أجل تشجيع التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
هذه من أبرز النتائج التي وردت في "مؤشر السياسة الخارجية الإسرائيلية لسنة 2016"، الذي نشره معهد "مِتـْﭬيم" (مسارات)، المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية، نهاية الأسبوع الأخير.
و"مؤشر السياسة الخارجية الإسرائيلية" هذا هو استطلاع يُجريه هذا المعهد للسنة الرابعة على التوالي بواسطة "معهد رافي سميث لاستطلاعات الرأي العام" وبالتعاون مع صندوق فريدريش إيبرت.
وقد أجري الاستطلاع هذا العام في الفترة بين نهاية آب وبداية أيلول 2016 وشملت العينة 600 شخص من المواطنين الإسرائيليين البالغين (سن 18 عاما وما فوق)، الرجال والنساء (50% - 50%)، اليهود (83% من العينة، من بينهم 14% من المهاجرين الروس) والعرب (17%).
يشار إلى أن 62% من اليهود المشاركين في استطلاع الرأي عرّفوا أنفسهم بأنهم "يمينيون جدا"، "يمينيون"، "وسط يميل نحو اليمين"، بينما قال 30% من المستطلعة آراؤهم إنهم "وسط" أو "وسط يميل نحو اليسار"، فيما عرّف 8% فقط من المشاركين أنفسهم بأنهم "يساريون" أو "يساريون جدا".
وتتوزع نتائج الاستطلاع على خمسة مجالات رئيسية هي: إسرائيل ضمن الأسرة الدولية؛ وضع السياسة الخارجة الإسرائيلية؛ سلم الأولويات في السياسة الخارجية وفي العلاقات الثنائية؛ الانتماء والتعاون الإقليميان؛ عملية السلام.
أ. إسرائيل ضمن الأسرة الدولية
تبين نتائج الاستطلاع أن ثمة أغلبية كبيرة من الجمهور الإسرائيلي (75%) تبدي درجة عالية من الاهتمام والمعرفة في القضايا المتصلة بالسياسات الخارجية الإسرائيلية. وترى أقلية ضئيلة فقط من الجمهور الإسرائيلي (10%) أن "مكانة إسرائيل في العالم جيدة"، بينما يعتقد نحو نصف الجمهور بأن هذه المكانة "متوسطة" (بمعدل 01ر5 من 10). وتعكس هذه النتائج تحسناً عما كانت عليه في العام الماضي 2015 (96ر3 من 10) لكنها تبقى أقل مما كانت عليه في العام قبل الماضي 2014 (12ر5 من 10).
وترفض غالبية طفيفة من الجمهور الإسرائيلي (51%) مقولة إن "العالم كله ضدنا" (وهي الشكوى الإسرائيلية الدائمة، رسميا وشعبيا، حيال أية انتقادات دولية تتعرض لها السياسات الإسرائيلية الخارجية، وخصوصا حيال الشعب الفلسطيني)، بينما يوافق 39% من المستطلعة آراؤهم على مقولة "العالم كله ضدنا" هذه. والمُلاحظ هنا أن الفارق بين من يرفضون هذه المقولة وبين من يقبلون بها لدى الجمهور اليهودي هو فارق ضئيل وبسيط، بينما هو (الفارق) كبير بصورة ملحوظة لدى الجمهور العربي (كما تعكس ذلك نتائج الاستطلاع).
ب. حال السياسة الخارجية الإسرائيلية
عبرت غالبية المشاركين في استطلاع الرأي عن عدم الرضى من أداء الحكومة الإسرائيلية في مجال السياسة الخارجية (55ر4 من 10)، بينما عبر 10% فقط عن الرضى من هذا الأداء واعتبروه "جيداً". وتعكس هذه النتيجة تحسنا طفيفا عما كان في العام 2015، مقابل تراجع (طفيف) عما كان عليه في العام الذي سبقه، 2014.
وتعتقد أغلبية كبيرة من الجمهور (66%) أن عدم تعيين وزير للخارجية بوظيفة كاملة وعدم توزيع الصلاحيات في وزارة الخارجية يسببان ضرراً واضحا لـلأمن القومي الإسرائيلي مقابل 19% يرون أن هاتين المسألتين لا تؤثران على أمن إسرائيل القومي، إطلاقا.
يشار هنا إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يشغل منصب وزير الخارجية، بينما تتولى عضو الكنيست تسيبي حوتوبيلي (الليكود) إدارة هذه الوزارة من خلال منصبها نائبة لوزير الخارجية.
وأعربت أغلبية الجمهور الإسرائيلي عن عدم الرضى من الطريقة التي تقوم بها وزارة الخارجية الإسرائيلية بمهماتها (31ر4 من 10). وهذا التدريج أعلى مما كان عليه في العام الماضي 2015، لكنه أقل مما كان في العام قبل الماضي 2014.
وترى أغلبية كبيرة من الجمهور (60%) أن إسرائيل لا تمتلك مبادئ واضحة في مجال السياسة الخارجية، مقابل 25% يعتبرون أنها تمتلك مبادئ كهذه.
ويعتقد 44% من الجمهور الإسرائيلي أن الأجهزة الأمنية "تتدخل بصورة صحيحة ومقبولة" في عملية صنع القرارات في مجال السياسة الخارجية.
وقالت أغلبية المستطلعين إنها تفضل أن يكون هناك "تدخل أكبر من جانب النساء" في كل ما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية. أما القطاعات الأخرى التي لا تبدو لها أية مساهمة في قضايا السياسة الخارجية والتي يرى الجمهور ضرورة إشراكها فيها، فهي (حسب الأهمية، طبقا لنتائج الاستطلاع): الحريديم، المهاجرون والعرب.
ت. سلم الأولويات في السياسة الخارجية والعلاقات الثنائية
تعتقد غالبية الجمهور الإسرائيلي بأن السياسة الخارجية الإسرائيلية ينبغي أن تتمحور اليوم، بالدرجة الأولى وبصورة أساسية، في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، لكون ذلك الموضوع الأكثر أهمية وتأثيرا على مكانة إسرائيل الدولية وعلى أمنها القومي.
أما المسألتان الأخريان في مجال السياسة الخارجية، اللتان يرى الجمهور الإسرائيلي ـ وفق نتائج الاستطلاع ـ ضرورة التركيز عليهما وبذل الجهود لتحسينهما فهما: دفع عملية السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية وتحسين العلاقات مع "الدول العربية المعتدلة".
ويرى الجمهور الإسرائيلي أن العلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية في الفترة الراهنة هي في "وضع متوسط" (56ر5 من 10)، بينما يعتقد 10% فقط من المستطلعة آراؤهم أن هذه العلاقات في "وضع جيد". ومرة أخرى، تعكس هذه النتيجة تحسناً عما كان عليه رأي الجمهور الإسرائيلي في العام الماضي 2015، مقابل تراجع عما كلن عليه في العام قبل الماضي، 2014.
وفضلا عن الولايات المتحدة، يرى الجمهور الإسرائيلي أن روسيا هي "الدولة الأكثر أهمية" بالنسبة إلى إسرائيل اليوم، ثم تأتي بعدها مباشرة (من حيث الأهمية) كل من: ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، الصين ومصر.
وترى أغلبية من الجمهور (52%) أن نوع النظام الحاكم في دولة معينة لا ينبغي أن يكون من بين الاعتبارات التي تأخذها إسرائيل في الحسبان لدى إقدامها على تطوير علاقاتها الثنائية مع تلك الدولة، بينما يعتبر الآخرون (48%) أن على إسرائيل أن تعطي الأولوية في هذا المجال (إقامة، تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية) للدول ذات أنظمة الحكم الديمقراطية.
وبالنظر إلى "الاتحاد الأوروبي" وعلاقات إسرائيل الخارجية معه، يرى 41% من الجمهور الإسرائيلي أنه من الأفضل لإسرائيل أن يكون الاتحاد الأوروبي متماسكا وقويا.
ث. الانتماء والتعاون الإقليميان
أظهرت نتائج الاستطلاع انقساما في رأي الجمهور الإسرائيلي بشأن السؤال التالي: إلى أين تنتمي إسرائيل ـ إلى أوروبا، أم إلى الشرق الأوسط أم إلى كليهما معاً وبالدرجة نفسها؟ وهو انقسام يتكرر في استطلاع الرأي لهذه السنة، كما أظهرته الاستطلاعات التي أجراها معهد "مِتفيم" في السنوات الثلاث السابقة أيضا.
وبيّنت نتائج الاستطلاع الحالي أن أغلبية كبيرة من الجمهور الإسرائيلي (66% ـ وهي نسبة أعلى مما كانت عليه في العام الماضي 2015) تؤمن بأن التعاون الإقليمي بين إسرائيل ودول الشرق الأوسط هو "أمر ممكن"، مقابل 24% من المشاركين في الاستطلاع رأوا أن هذا الأمر "غير ممكن".
وبين الجمهور اليهودي، بشكل خاص، ترى الأغلبية أن التقدم والتحسن في علاقات إسرائيل مع الدول العربية من شأنهما أن يساعدا في دفع عملية السلام في الشرق الأوسط.
أما بين الجمهور العربي، وفق نتائج الاستطلاع، فإن الأغلبية الساحقة تعتقد بأن ترتيب الأمور معكوس تماما: التقدم في عملية السلام (بين إسرائيل والشعب الفلسطيني) هو الذي سيساعد في تحسين العلاقات بين إسرائيل والدول العربية وهو الذي سيدفع بالتعاون الإقليمي قُدُماً.
وأظهرت نتائج الاستطلاع أن أغلبية كبيرة (64%) من الجمهور الإسرائيلي ـ من مجمل المشاركين في الاستطلاع، عربا ويهودا ـ ترغب في أن يؤدي العرب الفلسطينيون مواطنو إسرائيل "دوراً أكثر مركزية" في محاولات تحسين العلاقات بين إسرائيل والدول العربية في الشرق الأوسط، مقابل 24% قالوا إنهم لا يرون حاجة إلى ذلك وليسوا معنيين بمثل هذا الدور.
وفي ما يتعلق باتفاقية المصالحة بين إسرائيل وتركيا (التي تم التوصل إليها وإقرارها مؤخرا)، ترى أغلبية الجمهور الإسرائيلي أن هذه الاتفاقية تعود بالنفع والفائدة على إسرائيل، وخاصة في مجالي التعاون الأمني (26%) وتصدير الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى تركيا (22%).
ج. عملية السلام
بيّنت نتائج "مؤشر السياسة الخارجية الإسرائيلية لسنة 2016" أن ثمة أغلبية بين الجمهور الإسرائيلي (58% من المشاركين في استطلاع الرأي) تعتقد بأن تحسين مكانة إسرائيل وصورتها في العالم مرهون بمدى التقدم في عملية السلام في الشرق الأوسط، بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، وهي نسبة مماثلة تماما، تقريبا، لما أظهرته استطلاعات الرأي هذه خلال السنتين الأخيرتين، 2015 و 2014.
ولهذا، تعتقد أغلبية الجمهور الإسرائيلي (55%، مقابل 30%) بأن على إسرائيل أن تتقدم، خلال الأشهر القليلة القادمة، بمبادرة سياسية خاصة بها للدفع نحو حل الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
ولا يعقد الجمهور الإسرائيلي، وفق نتائج الاستطلاع، أية آمال على الرئيس الأميركي باراك أوباما وعلى أن يعرض، قبل مغادرته البيت الأبيض في كانون الثاني المقبل، "معايير لتسوية نهائية بين إسرائيل والفلسطينيين". وتعتقد غالبية الجمهور (54%) بأن عدم إقدام الرئيس أوباما على ذلك "لن يؤثر على عملية السلام"، بينما يرى 17% منه أن خطوة كهذه من جانب الرئيس الأميركي "ستساعد في الدفع نحو حل الصراع".
وبشأن الموقف من القيادة الفلسطينية، أظهر استطلاع الرأي أن الجمهور الإسرائيلي يعتقد بأن "القائد الفلسطيني الذي سيخلف محمود عباس سيكون مشابها له، في كل ما يتعلق بعملية السلام". ويقول الرأي السائد (49%) إن "القائد الفلسطيني القادم لن يكون شريكاً أفضل من محمود عباس، لكنه لن يكون أسوأ منه أيضا".
ويسود بين الجمهور الإسرائيلي رأي يقول إن المحفّز الدولي الأفضل والأنجع لتحريك عملية السلام وتكثيف الدعم لها والالتفاف حولها يتمثل في "رزمة تشمل تطبيع العلاقات مع الدول العربية، ضمانات أمنية أميركية وتحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي". ومن بين هذه المركّبات في هذه "الرزمة" يحتل تطبيع العلاقات مع الدول العربية المرتبة الأولى من حيث الأهمية والفاعلية.
المصطلحات المستخدمة:
باراك, دورا, الليكود, رافي, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو