كانت إحدى مشاغل بعض الأوساط اليهودية والصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر البحث عن مكان لإقامة وطن قومي لليهود. وظهرت بعض الاتجاهات الصهيونية التي نادت بتوطين اليهود في مواقع عدة ريثما تتوفر المناسبة للوصول إلى فلسطين .
وطرح الرحالة الصهيوني بول فريدمان موقعاً لتحقيق هذه الغاية، وهو إقليم "مِديَن" الواقع شمال غربي الجزيرة العربية بالقرب من العقبة. واستمال عدداً من الحاخامات ورجال الأعمال اليهود لدعم مشروعه هذا، ونال نوعاً من الرضا من اللورد كرومر في العام 1889.
وقام فريدمان بجولة في الإقليم في العام 1890 ودرس أحواله الجغرافية ولما عاد إلى برلين وضع كتاباً حمل اسم (أرض مدين) زاعماً أنها تعود في الأساس إلى اليهود الذين سكنوا فيها وجعلوها جزءاً من مملكتهم القديمة.
وقام في العام التالي، أي 1891 بتجنيد عدد من اليهود الروس من أعضاء (أحباء صهيون) ليكونوا جيشاً يهودياً يسير إلى أرض مدين لتحقيق الغاية. ولكن الحملة باءت بالفشل لصعوبة المنطقة وقسوة معاملته للمجندين، إضافة إلى ظهور معارضة من بعض الأوساط الصهيونية لطريقة العمل التي قام بها فريدمان.
وظهرت معارضة من قبل الحكومة الروسية لأسلوب فريدمان، وكذلك من أوساط في الحكومة التركية الذين رأوا في عمليته هذه تجاوزاً لكل القوانين والتفاهمات المعمول بها والمتفق بشأنها. فجرى إنهاء مشروعه في العام 1895 بعودته إلى برلين وتسريح من تبقى من أتباعه. وبالطبع، يرى كثيرون في هذه المحاولة حلقة في مسلسل الاختراق الاستعماري الاوروبي للبلاد العربية في ظل الحكم العثماني في أواخر القرن التاسع عشر.