تقدير موقف

تقرأ وتحلل قضايا مستجدة وتستشرف آثارها وتداعياتها سواء على المشهد الإسرائيلي او على القضية الفلسطينية.

تركز ورقة تقدير الموقف هذه بشكل خاص على البؤر الاستيطانية، وعددها، وتوَزّعها في الضفة الغربية. وتتوقف عند السياسات الحكومية الخاصة بها وتخلص أن هذه السياسيات تنطوي على آثار عينية مباشرة وأخرى بعيدة المدى. على المستوى المباشر والعيني ستؤدي عمليات تسوية أوضاع البؤر الاستيطانية إلى تقليص مساحة المنطقة المصنفة "ج" وعرقلة قدرة الفلسطينيين على التنقل والحركة بحرية وأمان بين المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية، وفي الأراضي والحقول الخاصة بهم في المناطق المصنفة "ج"، وستمس بالتكامل الاقتصادي للفلسطينيين، كما تدفع إلى تصاعد عنف المستوطنين بشكل ملموس. على المستوى الاستراتيجي ستجعل إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة أكثر صعوبة مما مضى. ستعمق عملية دمج البنية التحتية الإسرائيلية في الضفة الغربية في المشاريع الحكومية الإسرائيلية من عملية الضم والتوسع الاستيطاني مقابل تشظية الوجود الفلسطيني وتحويل المدن والقرى إلى معازل.

وتوفر التحولات غير المسبوقة في المشروع الاستيطان خلال العام 2023-2024، والتي نستعرض بعض أهم أجزائها أدناه، كل الأسباب لاعتبار حكومة نتنياهو-سموتريتش-بن غفير الحالية حكومة "الانقلاب الاستيطاني".[*] لا يعني هذا أن السياسيات التي تبنتها الحكومات الإسرائيلية السابقة لم تكن استيطانية نشطة، وإنما يعني أن الحكومة الحالية نقلت هذه السياسات نقلة مفصلية، طورت المشروع الاستيطاني كمًا وكيفًا، وممارسة وقانونيًا، عملًا بالأسس الناظمة لعمل الحكومة التي تمت صياغتها في الاتفاقيات الائتلافية كالتالي: "أرض إسرائيل الكاملة [بما يشمل "يهودا والسامرة"] هي حق تاريخي وديني للشعب اليهودي وغير قابل للتصرف".[1]

إن تحديد العام 2023 باعتباره عام "الانقلاب الاستيطاني"، يرتبط بالممارسات المتسارعة، وغير "الملجومة"، التي نفذتها حكومة أقصى اليمين (أو الحكومة الـ 37 لإسرائيل)،[2] التي تم تنصيبها في 29 كانون الأول 2022، وبدأت عملها مطلع العام 2023، والتي تمهد الطريق لتحقيق رؤية سموتريتش برفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى مليون مستوطن بحلول العام 2030. أهم هذه الممارسات:

  1. تسوية أوضاع 9 بؤر استيطانية وتحويلها إلى مستوطنات مستقلة.
  2. الشروع الفعلي في تسوية أوضاع 63 بؤرة استيطانية أخرى.
  3. نقل صلاحيات استخدام "أراضي الدولة" من الإدارة المدنية إلى وزارات يترأسها المستوطنون.
  4. الإعلان عن مصادرة مساحات هي الأكبر منذ توقيع اتفاق أوسلو، والإعلان عن محميات طبيعية إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية.
  5. الشروع بتسجيل مئات المواقع التوراتية-التراثية لحفظها من "الخطر الفلسطيني".

تركز ورقة تقدير الموقف هذه بشكل خاص على البؤر الاستيطانية، وعددها، وتوَزّعها في الضفة الغربية. تتوزع الورقة على أربعة اقسام. القسم الأول يقدم استعراضًا عامًا للبؤر الاستيطانية التي يطلق عليها في الخطاب الإسرائيلي “غير رسمية" ويقارنها بالمستوطنات "الرسمية"، مع العلم أن التصنيفات هذه هي سياسية محضة، وأن كلا التصنيفين ليس ذا صلة بالقانون الدولي الذي اعتبر كل الاستيطان مناقضًا للقانون الدولي. القسم الثاني، يستعرض كيف تعاملت مؤسسات دولة إسرائيل مع "البؤر الاستيطانية" قبل العام 2022، بما في ذلك نتائج اللجان التي عينتها الحكومات الإسرائيلية، وقانون تسوية البؤر من العام 2017، الذي ألغته المحكمة العليا الإسرائيلية. القسم الثالث، يتحول إلى فترة حكومة نتنياهو-سموتريتش-بن غفير، التي بدأت رسميًا بـ "حسم" مكانة البؤر الاستيطانية وتبييضها قانونيًا، ويقدم قائمة بالبؤر التي تمت تسويتها، ومواقعها، وقراءة في القرارات الحكومية الإسرائيلية الجديدة المتعلقة بالموضوع. القسم الرابع يقدم استخلاصات أولية حول التداعيات الممكنة لتسوية البؤر الاستيطانية.

القانون الدولي: الإطار العام المتعلق بالاستيطان

 

1. اتفاقية جنيف الرابعة (1949):

تحظر المادة 49 على قوة الاحتلال نقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها. تفسراللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة، من بين آخرين، هذه المادة على أنها تحظر إنشاءالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.

2. قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة:

· ويدعو القرار 242 (1967) إلى انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها فيحرب الأيام الستة، بما فيها الضفة الغربية.

· ويكرر القرار 338 (1973) تأكيد الحاجة إلى سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.

· وينص القرار 446 (1979) صراحة على أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة،بما فيها القدس الشرقية، ليس لها أي شرعية قانونية وتشكل عقبة خطيرة أمام تحقيق سلام شامل وعادلودائم في الشرق الأوسط.

· ويؤكد القرار 2334 (2016) من جديد أن إنشاء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة منذ العام 1967، بما فيها القدس الشرقية، ليس له أي شرعية قانونية ويشكل انتهاكًا صارخًابموجب القانون الدولي.

3. محكمة العدل الدولية (ICJ)

في رأيها الاستشاري لعام 2004 بشأن "الآثار القانونية لبناء جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة"، ذكرت محكمة العدل الدولية أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، قد أنشئت في خرق للقانون الدولي.

القسم الأول: البؤر الاستيطانية- استعراض عام

حسب القانون الدولي، فإن "توطين" سكان إسرائيليين مدنيين في الأرض المحتلة (التي تقع خارج حدود دولة إسرائيل لكنها تحت سيطرتها العسكرية "المؤقتة")، هو أمر يتعارض مع القانون الدولي، ويوفر أسبابًا كافية لمحاكمة إسرائيل، كقوة محتلة، بارتكابها جريمة حرب. هذا يعني أن كل المستوطنات الموجودة داخل الضفة الغربية هي مستوطنات غير شرعية، ولا يجب أن توفر لإسرائيل ذرائع مستقبلية حول علاقتها مع الأرض المحتلة.

بيد أن الأمر بالنسبة لإسرائيل مختلف ويقوم على "فرضيات قانونية" مغايرة تهدف إلى "قوننة" الاستيطان ضمن مفاهيم القانون الدولي، حيث تدعي أن الضفة الغربية ليست أرضًا محتلة (occupied territories) بل أراضٍ متنازع عليها (disputed territories)، على الرغم من أن شكل السيطرة الإسرائيلية الحالية عليها يندرج ضمن مفهوم "الاحتلال الحربي" (belligerent occupation).

نقاط عدة يجب أخذها بعين الاعتبار عند الحديث عن الاستيطان في الضفة الغربية:

1) تبلغ مساحة الضفة الغربية (بدون القدس التي ضمتها إسرائيل في العام 1967) نحو 5.5 مليون دونم. وبمعزل عن تقسيمات اتفاقيات أوسلو (مناطق "أ"، "ب"، "ج") فإن نحو 66٪ من أراضي الضفة الغربية هي أراضٍ غير مسواة، بسبب عدم اكتمال مشروع التطويب والتسوية الذي بدأته الأردن قبيل الحرب بموجب قانون "تسوية الأراضي والمياه رقم (40) لسنة (1952)" وتعديلاته سارية المفعول في الضفة الغربية.[3] في العام 1968، أصدر الحاكم العسكري الإسرائيلي أمرًا عسكريًا (الأمر 291)، "جمد" مشروع تسوية الأراضي الذي بدأته الأردن.[4] المنطلق الأساسي الذي تتعامل إسرائيل وفقه هو اعتبار الأراضي غير المسواة عرضة لـ "المنازعة القانونية" حول حقوق ملكيتها.

2) تستفيد إسرائيل من قانون الاحتلال العسكري الذي سمح باستمرار نفاذ القانون الأردني والقانون العثماني المتعلق بتصنيف الأراضي. وعليه، منذ العام 1967 وحتى العام 2024، أعلنت إسرائيل أن نحو 33٪ أراضي الضفة الغربية هي أراضي دولة، أي ليست ملكية خاصة للفلسطينيين، ويمكن التصرف بها من قبل السلطة العليا الحاكمة للضفة الغربية، وهي الجيش الإسرائيلي. بالإضافة، هناك 33٪ أخرى من الأراضي لا تزال محط تنازع: قد تكون أراضي دولة (لا مالك لها) أو قد تكون أراضي خاصة (على الفلسطينيين "إقناع" دولة إسرائيل بذلك). "أراضي الدولة"، ومعظم الأراضي المتنازع عليها حسب الفهم الإسرائيلي تقع في المنطقة المصنفة "ج".

3) أقامت إسرائيل في المنطقة المصنفة "ج" نحو 150 مستوطنة، يسكنها نحو 500 ألف مستوطن مدني، بالإضافة إلى 35 منطقة صناعية ومركز تسوق (بعضها مقامة داخل المستوطنات نفسها، والبعض الآخر بشكل مستقل وغير مرتبط بمستوطنة سكنية)، بالإضافة إلى مناطقة عسكرية مغلقة، ومناطق إطلاق نار وتدريب، ومناطق أخرى مصنفة على أنها "مواقع استراتيجية" طبيعتها غير معروفة. هذه المستوطنات لا تشمل الأحياء والمستوطنات في مناطق القدس.

1.1 المستوطنة مقابل البؤرة الاستيطانية: تعريف مصطلحات

تعتبر إسرائيل أن المستوطنات المقامة في الضفة الغربية تعتبر أحياء سكنية يهودية "قانونية"، وذلك: 1) لأنها أقيمت بقرار حكومي رسمي، 2) لأن البناء فيها يتوافق مع الإجراءات القانونية المتبعة في دولة إسرائيل، خصوصًا في ما يتعلق بتصنيف الأرض التي تقام عليها المستوطنة: إراضي دولة، أو أراضٍ مصادرة لغايات عسكرية، أو أراضٍ فلسطينية خاصة لم يستطع أصحابها الدفاع عن حقهم فيها أمام المحكمة الإسرائيلية- وهم عادة لا يستطيعون! 3) لأنه يتم إيكال عملية إنشاء المستوطنة، ورعايتها، وتطويرها إلى جهة رسمية بقرار حكومي وحسب الإجراءات القانونية، مثل الوكالة اليهودية (قسم الاستيطان)، أو وزارة الإسكان، أو جمعية استيطانية (مثل أمنا)، أو شركة/صندوق استثماري.

من جهة أخرى، فإن البؤرة الاستيطانية هي مصطلح إسرائيلي بحت، يطلق على كل المستوطنات، أو البؤر الزراعية، أو المواقع التي يستولي عليها المستوطنون، ولا تتوفر فيها هذه الشروط الثلاثة، كلّها أو بعضها: فهي أقيمت بدون قرار حكومي، وبدون خطة بناء هيكلي، وبدون تعاون رسمي مع مؤسسات الدولة (دون أن يعني الأمر عدم وجود تعاون إطلاقًا من مؤسسات الدولة- أنظر/ي القسم الثاني أدناه). إلى جانب الاستيطان "الرسمي" (150 مستوطنة ونحو 35 منطقة صناعية) والمصادق عليها من قبل دولة إسرائيل، فإن المنطقة "ج" تحتوي أيضًا على:

  • نحو 72 بؤرة استيطانية سكنية.
  • نحو 50 بؤرة زراعية (استيطان رعوي أو زراعي).[5]

وبالإضافة إلى المستوطنات والبؤر يوجد أيضًا:

  • العشرات من المواقع السياحية الإسرائيلية التي تقام على ما تصنفه إسرائيل بأنه "محميات طبيعية".[6]
  • نحو 2452 موقعًا أثريًا توراتيًا تقع في المنطقة المصنفة "ج"، صنفتها وزارة التراث الإسرائيلية على أنها "ذخر توراتي" لا بد من تسجيله والحفاظ عليه.[7]

بينما تطلق المؤسسات الإسرائيلية الحقوقية-اليسارية (وهي عادة معارضة للاحتلال) اسم "بؤرة استيطانية" (settlement outpost)، فإن الحكومات الإسرائيلية اليمينية وجماعات المستوطنين يطلقون عليها اسم "مستوطنات فتية" (young settlement). وعادة ما تقام البؤرة من خلال نواة توراتية، أي عائلة مكونة من زوجين وأطفال يقررون إقامة كرافانات، أو من خلال مجموعة من شبيبة التلال، أي 5-10 شبان ينتمون إلى التيار العقائدي المتشدد في الصهيونية الدينية.[8] في كل الحالات، تتقاسم رعاية البؤر ثلاثة أطراف:

  • مؤسسة/ جمعية استيطانية، مثل أمانا، حارس يهودا والسامرة، نحالا... إلخ.
  • مجلس استيطاني محلي تقام البؤرة بالقرب منه، وبالتالي يشكل المجلس المحلي حاضنة لهذه البؤرة ويمدها ببعض اللوجستيات الضرورية.
  • وزارات أو هيئات حكومية تقوم بمساعدة البؤر على القيام، والنمو، والازدهار بشكل غير مباشر. على سبيل المثال لا الحصر، تخصص وزارة الزراعة الإسرائيلية ميزانية للتطوع الزراعي، وهو عنوان عريص فضفاض يسمح بتخصيص أموال للمستوطنات الرعوية. أما وزارة الصحة وصناديق المرضى فقد تخصص ميزانيات لما يسمى "العلاج من خلال ركوب الخيل"، فتذهب بعض هذه الميزانيات لرعاية البؤر التي تحتوي على اسطبلات خيول.[9]

فور تشكل البؤرة الاستيطانية، يبدأ سكان البؤرة بالتوجه إلى هيئات الدولة الرسمية، خصوصًا الجيش، الإدارة المدنية، سلطات الحكم المحلي الإسرائيلية، أو جمعيات خيرية استيطانية لتلقي الدعم اللوجستي والحراسة.

1.2 لماذا تقام البؤر الاستيطانية؟

على خلاف المستوطنات الرسمية التي تصادق عليها الدولة بناء على مخططات هيكلية إقليمية (regional planning)، تقام البؤر من الأسفل (من المستوطنين أنفسهم) للتبريرات التالية (وهي تبريرات متداخلة، لكن يتم التمييز بينها تحليلًا لغرض هذه الورقة):

  1. تبريرات أمنية:حسب وجهة نظر المستوطنين: أقيمت العديد من البؤر على الطرق الالتفافية، أو بمحاذاتها، وعادة في أعقاب هجوم فلسطيني، حيث يدعي المستوطنون أن إقامة البؤرة يهدف تأمين وجود بشري للمستوطنين على الطرق الرئيسة لحمايتها.
  2. تبريرات عقائدية توراتية: حسب المستوطنين، هناك العديد من المواقع التوراتية التي يعتبرونها مهمة بالنسبة لـ "شعب إسرائيل"، وهذه المواقع ظلت خارج إطار المخططات الهيكلية للمستوطنات، وبالتالي هناك حاجة إلى "احتلالها" على الفور لحماية "تاريخها العبري".
  3. أسباب استعمارية توسعية: العديد من البؤر الاستيطانية أقيمت بمحاذاة مستوطنات قائمة لفرض واقع جديد يعيد ترسيم حدود المستوطنة بشكل أوسع، وبشكل يستبق التخطيط الإستراتيجي لدولة إسرائيل، أو يفرض حقائق جديدة تندرج تحت اسم "النمو الطبيعي" للمشروع الاستيطاني.
  4. أسباب سياسية: تهدف إلى السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي المصنفة "ج". بناء على خطة ترامب (صفقة القرن)، التي بموجبها اقترحت إدارة ترامب تقسيم المنطقة المصنفة "ج" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بدأ المستوطنون بزرع بؤر استيطانية ورعوية في جبال الضفة الغربية، والإعلان عنها على أنها "مستوطنات فتية"، والتحضير إلى "شرعنتها" وفق القانون الإسرائيلي لمنع أي تنازع مستقبلي ممكن عن المنطقة المصنفة "ج".

القسم الثاني: كيف تعاملت مؤسسات دولة إسرائيل مع "البؤر الاستيطانية" حتى العام 2022

بشكل عام، سمحت المؤسسات الرسمية في دولة إسرائيل بإقامة البؤر الاستيطانية، إما من خلال غض النظر عنها، أو من خلال دعمها، أو من خلال حث المحكمة العليا الإسرائيلية على عدم البت القانوني بشأنها. ويمكن تلخيص أهم مواقف مؤسسات دولة إسرائيل على النحو التالي:

  1. رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك (1999-2001):في تشرين الأول 1999، وقع باراك اتفاقية مع رؤساء المجالس الاستيطانية الذين دافعوا بشدة عن البؤر المقامة قبيل ذهاب إسرائيل الى مفاوضات كامب ديفيد في العام 2000. وقد شمل الاتفاق 42 بؤرة استيطانية على النحو التالي: صادق باراك على تسوية 11 بؤرة، ووافق على تجميد العمل في 19 بؤرة دون إزالتها، ثم صادق على نقل بؤرتين إلى أماكن أخرى، وأمر بإخلاء فقط 10 بؤر (لم يتم إخلاؤهم في ما بعد).[10]
  1. وزير الخارجية أرييل شارون وخارطة الطريق (2003):دعا شارون المستوطنين إلى "الهرولة والاستيلاء على التلال" في الضفة الغربية عندما كان في منصب وزير الخارجية في العام 1999. لكن لاحقًا، وبموجب خارطة الطريق الأميركية التي عرضت عام 2003، التزم شارون بإخلاء البؤر "غير القانونية" التي تم بناؤها بعد العام 2001.[11] وقد قدم شارون قائمة بنحو 28 بؤرة استيطانية أقيمت بين 2001-2003 (بينما أن البؤر السابقة على 2001 لا تندرج ضمن التزامات خارطة الطريق). وقد اعتبر شارون أنه من بين 28 بؤرة، هناك 12 سوف تتم إزالتها لأنها "غير قانونية"، بينما أن هناك 16 بؤرة قد بدأت عمليات التسوية والتخطيط، وهي مقامة على أراضي دولة، وبالتالي ليس هناك داعٍ لإخلائها طالما أنها تمر في السياق القانوني اللازم لتسويتها.[12]
  1. تقرير مراقب دولة إسرائيل (2003) ومشاركة فاعلة وواعية من وزارتي الإسكان والدفاع في بناء البؤر: كشف تقرير مراقب الدولة رقم ب/54 لعام 2003 عن دور الدولة الإسرائيلية في إنشاء البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية. فوزارة البناء والإسكان، عبر مديرية البناء القروية، كانت تعمل على إقامة مستوطنات جديدة وتوسيع المستوطنات القائمة في الضفة الغربية. ووفقًا للتقرير، تم توقيع 77 عقدًا للبناءوالتطوير في 33 موقعًا في الضفة الغربية خلال عامين ونصف، رغم أن الأعمال في هذه المواقع تمت بشكل غير قانوني. مديرة مديرية البناءالقروية ذكرت أن هناك قرارًا حكوميًا بإنشاء البؤر الاستيطانية (دون أن تشير إلى رقم هذا القرار)، لهذا السبب قامت بمساعدة البؤر الاستيطانية في مدّ البنية التحتية مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي وبناء المباني، بما في ذلك المباني العامة.
  1. نتائج لجنة "ساسون" (2004):كلف رئيس الوزراء أريئيل شارون المحامية تاليا ساسون بإعداد تقرير حول "البؤر الاستيطانية غير القانونية" في الضفة الغربية وغزة. تضمن التقرير فحص مواقع البؤر، حجمها، تاريخ إنشائها، طرق إنشائها، والجهات المختلفة المتورطة في ذلك. حدد التقرير أن إنشاء البؤر الاستيطانية يتضمن مخالفات جنائية، وأوصى بمعالجة قانونية حكومية تشمل فتح قضايا جنائية واتخاذ إجراءات إدارية ضد المستوطنين، إضافة إلى تعديل القوانين اللازمة ووقف التغاضي الحكومي عن الظاهرة. تطرقت نتائج التقرير (والتي لاقت غضبًا من المستوطنين) إلى تمويل شراء 400 كرافان للمجالس الإقليمية في الضفة الغربية، حيث وصل 90 منها إلى البؤر الاستيطانية. كما شمل التقرير دور وزارة الدفاع، بما في ذلك الإدارة المدنية ومساعد وزير الدفاع لشؤون الاستيطان. أشار التقرير إلى وجود أوجه قصورفي تحديد حدود الأراضي على الخرائط، وأوصى بفحص التخصيصات التي تمت في الماضي. أوصى التقرير بأن يتم توصيل الكهرباء للبؤرالاستيطانية فقط إذا كانت مرخصة، حتى لو كانت الإضاءة تُعتبر "عنصرًا أمنيًا". وأشار إلى أنه في حالة وجود مشكلة أمنية يجب إخلاءالبؤرة الاستيطانية. أما في ما يتعلق بإمدادات المياه، فقد أشار التقرير إلى أن التوصيلات غير قانونية. ناقش التقرير أيضًا "شحن الكرافانات" الذي تم دون التراخيص اللازمة، ودور "مساعد وزير الدفاع لشؤون الاستيطان" الذي أمر ببناء "عناصر أمنية" في البؤر الاستيطانية. وأوصى التقرير بإلغاء هذا المنصب أو تعيين شخص غير منحاز. أشار التقرير إلى دور قسم الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية، التيأقامت بؤرًا استيطانية دون خطة بناء سارية أو موافقة نهائية من المسؤول عن الممتلكات الحكومية في الضفة الغربية. دافعت المنظمة بأن هذاهو الإجراء المعتاد لإقامة المستوطنات في إسرائيل، وذكرت أن الجهات الحكومية تعاونت معها، مما اعتبرته تصريحًا لإقامة البؤرالاستيطانية. وأوصى التقرير بإلغاء جميع التخصيصات التي أقيمت عليها بؤر استيطانية غير مرخصة وإعادة الأراضي إلى المسؤول عنها.[13]
  1. حكومة أولمرت (2006-2009):أعلنت حكومة أولمرت أنها لن تمول البؤر الاستيطانية غير المرخصة اعتبارًا من تشرين الثاني 2008 (وفي هذا اعتراف ضمني بأن الدولة هي التي تمول البؤر الاستيطانية).[14] وفي أيار 2009 (بعد شهرين من انتهاء ولاية أولمرت وانتخاب حكومة نتنياهو الثانية) قال وزير الدفاع إيهود باراك (احتل منصب وزير الدفاع في الحكومتين 2007-2013) إن أكثر من عشرين بؤرة استيطانية غير قانونية في الضفة الغربية وسيتم تفكيكها.[15]
  1. وزراء اليمين في جولة ميدانية لدعم البؤر (2009):في 17 آب 2009، شارك أربعة من أعضاء حكومة نتنياهو في جولة ميدانية لدعم البؤر الاستيطانية، وهم: نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية إيلي يشاي (شاس)، نائب رئيس الوزراء ووزير الشؤون الإستراتيجية موشيه يعالون (الليكود)، وزير الإعلام يولي إدلشتاين (الليكود)، ووزير العلوم والتكنولوجيا دانيال هيرشكوفيتز (البيت اليهودي). وقد أعلن يشاي: "يجب أن يعرف شعب إسرائيل أن هذه المستوطنات [البؤر الاستيطانية] قانونية. إذا اعتقد شخص ما خلاف ذلك ويخطط لإخلائهم، فسيتعين الموافقة عليه من قبل مجلس الوزراء. لا يمكنك فقط إجلاء الناس من منازلهم دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة. أما يعالون، فصرح: "قامت البؤر حسب الأصول والقانون باستثناء أنها لا تتمتع بتخطيط هيكلي".[16]
  1. غطاء قانوني من المحكمة العليا الإسرائيلية (2006):بتاريخ 31 أيار 2006، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارها بشأن الالتماس 8887 للعام 2006،[17] الذي تقدمت به حركة "السلام الآن" لترسيم حدود 6 بؤر استيطانية، اعتقادًا منها أن الالتماس سيدفع بالمحكمة إلى اعتبارها بؤرًا غير قانونية، وبالتالي قد تصدر المحكمة سابقة قانونية يمكن الاستناد إليها لإخلاء هذه المواقع (وبالفعل، تمت الإشارة إلى تقرير ساسون في مداولات المحكمة).[18] في المقابل، وبشكل معاكس لتوقعات حركة "السلام الآن"، قبلت المحكمة العليا رد الدولة على الالتماس، وجاء في قرار المحكمة: "تاريخ إخلاء البؤر الاستيطانية سيتم تحديده من قبل المستوى السياسي المختص، من بين أمور أخرى، مع مراعاةالاعتبارات الأمنية والعملياتية، وكذلك وفقاً لترتيب الأولويات الذي سيتم تحديده". وهذا أعطى مؤسسات الدولة "أرضية قانونية" لتعتبر أن البؤر هي "مستوطنات في طور الإنشاء" وأن من يحدد إخلاءها أو إبقاءها هي الاعتبارات التي تقدمها الدولة. لكن ومع ذلك، فإن "فلسفة" المحكمة العليا الإسرائيلية تقوم على مبدأ الحفاظ على حقوق الملكية (حتى لو كانت ملكية خاصة فلسطينية)، استنادًا إلى قانون أساس "حرية الإنسان وكرامته". وبالتالي، لعبت المحكمة العليا دورًا في عرقلة قضية تسوية البؤر الاستيطانية في الفترة 2017-2020، كما يتضح من الفقرة التالية (قانون تسوية أوضاع البؤر الاستيطانية).
  1. لجنة "ليفي" الحكومية (2012):عيّن رئيس الوزراء نتنياهو لجنة من ثلاثة أعضاء برئاسة القاضي السابق بالمحكمة العليا الإسرائيلية إدموند ليفي، والمعروفة بـ "لجنة البؤر الاستيطانية"، للتحقيق في الوضع القانوني لهذه البؤر. نشرت اللجنة تقريرها في تموز 2012، وخلصت إلى أن وجود إسرائيل في الضفة الغربية ليس احتلالًا، وأوصت بالموافقة الحكومية على البؤر الاستيطانية غير القانونية.[19] لكن، لم يقدم نتنياهو توصيات اللجنة إلى الحكومة، ولم يعرضها أمام الكنيست للمصادقة عليها واستخلاص قوانين رسمية للعمل بموجبها.
  1. قانون تسوية أوضاع البؤر الاستيطانية (2017): على ضوء هذه النتائج الصادرة عن لجنة "ليفي"، حاول المستوطنون أن يقوننوا البؤر الاستيطانية من خلال سن قانون حكومي ملزم.

القانون الأبرز في هذا السياق هو قانون "تنظيم الاستيطان في يهودا والسامرة"، للعام 2017، المعروف بـ "قانون التسوية". بدأت عملية التشريع مع تقديم العديد من مشاريع القوانين الخاصة من قبل أعضاء الكنيست اليمينيين، بما في ذلك زبولون أورليف، يعقوب كاتس، ميري ريغيف، وياريف ليفين، خلال الكنيست الثامنة عشرة. على الرغم من معارضة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لسن مثل هذا القانون، أعيد تقديم القانون بشكل جديد في العام 2015 من قبل عضو الكنيست يواف كيش من الليكود وبدعم من عضو الكنيست بتسالئيل سموتريتش، وتمت المواقفة عليه في الكنيست كقانون رسمي في 6 شباط 2017 (بأغلبية 60 صوتًا مؤيدًا مقابل 52). نص القانون على أن الأرض المقامة عليها البؤر الاستيطانية ستبقى تحت ملكية أصحابها الفلسطينيين، لكن الدولة ستصادر حقوق الاستخدام، وتنقلها إلى الوصي على الأملاك الحكومية والمتروكة. بالمقابل، سيحصل أصحاب الأراضي الفلسطينيين على تعويض بنسبة 125% من القيمة السوقية للأرض أو أراضٍ بديلة، حسب اختيارهم.

واجه القانون تحديات قانونية فورية. في 17 آب 2017، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية أمرًا مؤقتًا بتجميد تنفيذ القانون حتى يتم البت في الالتماسات المقدمة ضده. دعمت الالتماسات عدة مجالس محلية فلسطينية ومنظمات إسرائيلية يسارية، إلى جانب المستشار القانوني للحكومة، أفيخاي ماندلبليت، الذي عارض القانون ورفض الدفاع عنه في المحكمة بسبب عدم دستوريته واحتمالية انتهاكه القانونَ الدولي. في 9 حزيران 2020، ألغت المحكمة العليا القانون بأغلبية 8 قضاة مقابل 1، قائلة إنه ينتهك الحقوق الدستورية في الملكية والمساواة والكرامة للسكان الفلسطينيين دون تلبية المعايير القانونية اللازمة لمثل هذه القيود. استند قرار المحكمة العليا إلى مبدأ أن القانون فضل بشكل غير متناسب مصالح الملكية للمستوطنين الإسرائيليين على حساب حقوق أصحاب الأراضي الفلسطينيين. وأبرزت المحكمة أن القانون سعى إلى إضفاء الشرعية بأثر رجعي على الأعمال غير القانونية على حساب السكان الفلسطينيين، الذين يحميهم القانون الدولي كسكان منطقة محتلة. انتقد أعضاء الكنيست اليمينيون ومؤيدو القانون توقيت القرار ذاته، مشيرين إلى أن دوافع سياسية أثرت في الحكم. ويقع قانون التسويات (أي تسوية أوضاع البؤر الاستيطانية) في قلب النقاش والتصدع الذي دار في إسرائيل حول دور المحكمة العليا، وقدرتها على الطعن في قرارات حكومية، وكان هذا القانون أحد العوامل التي شكلت "خطة الإصلاح" القضائي.

القسم الثالث: إسرائيل بدأت رسميًا بـ "حسم" مستقبل البؤر الاستيطانية بعد العام 2022

تأسس الائتلاف الإسرائيلي الحالي بتاريخ 29 كانون الأول 2022. وقام الائتلاف على اتفاقيات ائتلافية بين حزب الليكود من جهة (وهو الحزب الذي شكل الائتلاف)، وخمسة أحزاب أخرى هي: الصهيونية الدينية (بتسالئيل سموتريتش)، قوة يهودية (ايتمار بن غفير)، يهودوت هتوراه (متدينين اشكينازيين) وشاس (متدينين شرقيين)، ونوعام (حردلي غير سياسي).

نصت الاتفاقية بين حزبي الليكود (نتنياهو) والصهيونية الدينية (سموتريتش) على أن الاستيطان في يهودا والسامرة حق للشعب اليهودي وغير قابل للتصرف. وبناءً عليه، سيتولى رئيس الحكومة وضع وتطوير سياسات لفرض السيادة على يهودا والسامرة في الوقت المناسب، مع مراعاة الحسابات القومية والدبلوماسية الدولية. ونصت الاتفاقيات على أن الائتلاف الحاكم سيتخذ خطوات لتسوية أوضاع البؤر الاستيطانية التي أقيمت دون إذن رسمي، وذلك في غضون 60 يومًا من تشكيله. سيتم توصيل البنى التحتية الأساسية مثل المياه والكهرباء لهذه البؤر، وتخصيص الموارد اللازمة خلال الأشهر الستة الأولى من فترة الحكومة. ستعمل الحكومة أيضًا على اتخاذ قرارات لتنظيم الأحياء غير المنظمة، وتحديد كيفية التعامل معها خلال الفترة الانتقالية، سواء من خلال تشريع ينظم التسوية أو إجراءات أخرى.

بتاريخ 12 شباط 2023، أصدر الكابينت الإسرائيلي قرار ب/6،[20] الذي يأمر بتحويل 9 بؤر استيطانية أقيمت بشكل عشوائي أو ارتجالي على "أراضي دولة"، وتسويتها وتحويلها إلى مستوطنة جديدة ومستقلة. وأوعز القرار لكل الجهات الإسرائيلية الرسمية (من وزارات وهيئات) للشروع بتنفيذ هذا القرار، بكل ما يتضمنه الأمر من أبعاد قانونية، ترسيم حدود المستوطنة الجديدة، وإجراءات تخطيطية، وبنى تحتية. شمل القرار البؤر التالية:

اسم البؤرة/المستوطنة

الموقع

الإحداثيات

(أنقر/ي الرابط)

التأسيس والتسوية

آبيغيل

الخليل، جنوب شرق يطا

الموقع

2001 كرافانات سكنية

2023 تأسيس المستوطنة جديدة مستقلة

عاسييل

الخليل، جنوب السموع

الموقع

2001 كرافانات سكنية

2023 تأسيس المستوطنة جديدة مستقلة

تلة هارئيل

نابلس، بين قريوت واللبن الشرقية

الموقع

1998، أقيمت كحي من أحياء مستوطنة تلة هارفئا

2023 تأسيس المستوطنة جديدة مستقلة

بوابة شيلو (أو مزرعة ملاخي هشالوم)

رام الله، غرب المغير وجنوب قرية دوما

الموقع

1976 كمستوطنة ناحال، ثم قاعدة عسكرية، ثم في 2015 كمزرعة رعوية

2023 تأسيس المستوطنة جديدة مستقلة

بيت حجلة

على الحدود الأردنية، جنوب جسر الكرامة

الموقع

1983 كمستوطنة ناحال، ثم في 2016 بؤرة سكنية وموقع سياحي

2023 تأسيس المستوطنة جديدة مستقلة

مطل يهودا

بيت لحم، شرق العبيدية

الموقع

1984 أقيمت كموقع استيطاني بقرار حكومي لم ينفذ. 2016، انتقلت البؤرة "صندوق القدس الموحد" والذي فرزها كمستوطنة مستقبلية للحريديم.

2023 تأسيس المستوطنة جديدة مستقلة

ساديه بوعاز (أو، واحة دانييل)

بيت لحم، بين الخضر وحوسان ونحالين

الموقع

2002 كبؤرة أقامها طلبة وجنود

2023 تأسيس المستوطنة جديدة مستقلة

تلة أرنون

نابلس، جنوب بيت فوريك

الموقع

1999 كبؤرة سكنية ومزرعة

2023 تأسيس المستوطنة جديدة مستقلة

شحاريت

نابلس، غرب أريئل

الموقع

2014 كمزرعة

2023 تأسيس المستوطنة جديدة مستقلة

وفي البند 2/ب من القرار ذاته، وردت العبارة التالية: هذا القرار أيضًا "يكلف رئيس الحكومة أو الوزير [المقصود الوزير سموتريتش] ... تحديد نقاط استيطانية معينة باعتبارها مواقع تنوي الحكومة العمل لتسويتها حسب القانون".

بتاريخ 23 شباط 2024، أرسل سموتريتش برقية رسمية إلى "المنسق" (COGAT)، وفيها أدرج جدولًا يحتوي على اسم 63 بؤرة استيطانية أخرى بالإضافة الى إحداثياتها، باعتبارها تلك المواقع الجديدة التي ستتحول إلى مستوطنات في القريب العاجل، وإلى حين ذلك أمرت البرقية "المنسق" بالعمل الفوري على الاهتمام بهذه البؤر في كل ما يتعلق "بالبنى التحتية الحيوية والإنسانية، ومركبات الأمن والحماية.... إلخ". كما أمرت البرقية "المنسق" بإعادة الاعتبار لعمليات الإنفاذ المتعلقة بالهدم بحيث يُفهم من البرقية أنه لا يجب القيام بعمليات هدم لمساكن أو كرافانات استيطانية في هذه المواقع. في البرقية أيضًا جاء: هذا لا يعني أن وحدة المنسق يجب "أن تستثني من اهتماماتها البؤر الاستيطانية التي لم تذكر في القائمة"، وأن القائمة المرفقة "ليست نهائية وكلما دعت الحاجة ستتم إضافة بؤر أخرى لهذه القائمة".[21]

بتاريخ 5 شباط 2023، صادقت الحكومة الإسرائيلية على قرار رقم 109 الذي ينص على نقل صلاحيات الإشراف والتطوير على البؤر الاستيطانية (أو كما جاء في القرار: الاستيطان الإسرائيلي غير المنظم في يهودا والسامرة، بما في ذلك الأحياء ونقاط الاستيطان التي ينطبق عليها هذا التعريف وقت المصادقة على القرار) لتتحول إلى مهمة من مهمات "وزارة النقب، الجليل والحصانة القومية"، وهي وزارة يرأسها عضو الكنيست يتسحاق وسرلوف (Yitzhak Wasserlauf) عن حزب قوة يهودية.[22] وتعمل هذه الوزارة على تطوير وتعزيز النقب والجليل و"يهودا والسامرة" من خلال تخطيط وتطوير المستوطنات والبؤر. وتُخصص الوزارة الأراضي التي تملكها الدولة للزراعة وإنشاء البلدات بشكل مخطط أو وتصويب الأوضاع القانونية للبؤر غير المخططة، وذلك بالتعاون مع لجنة الأراضي أو الوصي على أملاك الدولة في الإدارة المدنية.

وبتاريخ 29 أيار 2024، أعلنت وزارة النقب والجليل والحصانة القومية أنها أنشأت دائرة خاصة بالبؤر الاستيطانية (اسمها: دائرة الاستيطان الفتي) في إطار سلطة تنظيم وتنمية المستوطنات و"الأطراف" (periphery). وحسب القرار، ستعمل دائرة البؤر الاستيطانية على "تعزيز وتخطيط وربط وتجديد وتحديث البنى التحتية والمكونات الأمنية والمباني العامة الأساسية وغيرها من البنى التحتية الأساسية والمكونات الأخرى التي قد تكون مطلوبة في مستوطنة الفتية، بالتنسيق مع الهيئات المخولة بموجب القانون المعمول به في منطقة يهودا والسامرة".[23]

القسم الرابع: تقدير موقف

منذ العام 2022، شهدت السياسات الإسرائيلية تسريعًا نوعيًا في وتيرة ضم وقوننة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية. في هذا السياق، قامت الحكومة الإسرائيلية بتسوية أوضاع 9 بؤر استيطانية وتحويلها إلى مستوطنات مستقلة ومعترف بها من قبل الحكومة الإسرائيلية، بالإضافة إلى البدء بمسار مشابه لتسوية أوضاع 63 بؤرة أخرى. هذا التسارع غير المسبوق، وما يرافقه من دعم حكومي رسمي، يهدد الوجود الفلسطيني بشكل عيني ومباشر وإستراتيجي:

أولًا، ستؤدي هذه السياسات إلى تقليص مساحة المنطقة المصنفة "ج" بشكل كبير خلال السنوات القادمة، مما يؤثر بشكل جوهري على حرية تنقل الفلسطينيين داخلها وبين المدن والقرى الفلسطينية وسيعزز من تحول مواقع وجودهم إلى معازل مقطعة الأوصال، ويحدد قدرة المدن على التوسع والتمدد والاستجابة لاحتياجات النمو الطبيعي كما سيؤثر بشكل نوعي على التواصل والتطور والتكامل الاقتصادي ناهيك عن كل ما يرتبط باستغلال الموارد الفلسطينية في المناطق المصنفة "ج".

ثانيًا، تناثر المستوطنين بين الهضاب والجبال وفي مواقع متعددة يخلق بيئة خصبة لتصعيد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين والذي شهد قفزة نوعية في العامين الأخيرين وأصبح منظمًا وممنهجًا ويهدد الفلسطينيين بشكل يومي.

ثالثًا، قد يعني الأمر، أن الحقوق السياسية الفلسطينية بإنشاء دولة مستقلة ستتحول إلى برنامج عمل أكثر صعوبة من أي وقت مضى. إن إخلاء مئات آلاف المستوطنين (وحسب مخطط سموتريتش، يعمل على رفع عدد المستوطنين إلى 1 مليون بحلول 2030) سيغدو أمرًا أصعب من الناحية العملية وفقًا لتوازن القوى الحالي، على الرغم من أن هذا الإخلاء سيغدو أكثر الحاحًا، وحاجة ماسة. هذا لا يعني أن الاستيطان قد يتحول إلى حقيقة دائمة على الأرض بحكم الأمر الواقع، وإنما من الناحية العملية سيكون تفكيكه أمرًا معقدًا للغاية.

رابعًا، تشير التحولات في قضية البؤر الاستيطانية إلى أن السياسيات الحكومية الإسرائيلية تساهم في تعميق اندماج البنية التحتية الإسرائيلية والصناعات والسياحة الداخلية والثقافة الوطنية بين إسرائيل والضفة الغربية، الأمر الذي يفرض واقعًا من خلاله لا تعود المستوطنات والبؤر مجرد "أجندة" استيطانية لليمين الإسرائيلي وحسب، بل جزء أساسي من عمل الدولة، ومؤسساتها، ووزاراتها بحكم الأمر الواقع وبغض النظر عن تشكيلة الائتلاف القادم، وهو يعني أن مشروع الاستيطان يصبح جزءًا لا يتجزأ من المشاريع والرؤى الحكومية الإسرائيلية بغض النظر عن هويتها السياسية.

المراجع

 

[*] يشار في الأدبيات إلى العام 1977 باعتباره عام "الانقلاب السياسي" عندما انتقل الحكم في إسرائيل، لأول مرة منذ تأسيسها، من حزب مباي/العمل إلى أحزاب اليمين. أما العام 2022، فقط يشكل، على ذات المنوال، عام "الانقلاب الاستيطاني" بحيث سينمو المشروع الاستيطاني وفق وتيرة ونطاق ورعاية مؤسساتية من الدولة بشكل غير مسبوق.

[1] راجع/ي: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، "ملف خاص- حكومة نتنياهو السادسة: يمينية استيطانية دينية متطرفة"، منشور بتاريخ 29 كانون الأول 2022. الرابط: https://short-link.me/HDRL.

[2] حول مفهوم أقصى اليمين الجديد في إسرائيل، أنظر/ي: هنيدة غانم، "اليمين الجديد في إسرائيل: مشروع بناء الهيمنة الشاملة"، في هنيدة غانم (تحرير)، اليمين الجديد في إسرائيل: مشروع الهيمنة الشاملة (رام الله، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، 2023)، ص: 53-128.

[3] أنظر/ي: http://pla.pna.ps/?page_id=2247.

[4] انظر/ي كراس "مناشير، أوامر وتعيينات"، المجلد 16، المنشور عن "قيادة الضفة الغربية" في الجيش الإسرائيلي في 22 كانون الثاني 1969. صحفة 591. الرابط: https://short-link.me/HDZ8.

[5] وليد حباس، "الاستيطان الرعوي في الضفة الغربية: 'نريد أن يكون فقط يهود في الضفة الغربية وليس عرباً'!"، في المشهد الإسرائيلي، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، بتاريخ 27 أيار 2024. الرابط: https://short-link.me/FrKB.

[6] انظر/ي مثلا، https://short-link.me/FrKN.

[7] وليد حباس، "إسرائيل والمسألة الفلسطينية"، في هنيدة غانم (تحرير)، تقرير مدار الاستراتيجي 2024: المشهد الإسرائيلي للعام 2023. ص: 25-48. الرابط: https://short-link.me/HE0n.

[8] حول تيار الحردلية، الذي يمثله سموتريتش وقادة المشروع الاستيطاني التوراتي، أنظر/ي: وليد حباس، "الحردلية: التيار المتزمت دينياً، المتطرف قومياً والمحافظ ثقافياً"، في هنيدة غانم(تحرير)، اليمين الجديد في إسرائيل: مشروع الهيمنة الشاملة (رام الله، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، 2023)، ص: 187-218.

[9] انظر/ي مثلا: https://short-link.me/FBNV.

[10] انظر/ مثلا: http://peacenow.org.il/wp-content/uploads/2020/09/Barak-Outposts-Agreement-1999-HEB.pdf.

[11] أنظر/ي: https://www.haaretz.co.il/misc/2003-07-21/ty-article/0000017f-e0c8-d9aa-afff-f9d881790000

[12] https://www.haaretz.com/2004-07-01/ty-article/israel-gives-u-s-list-of-unauthorized-outposts/0000017f-db5e-db22-a17f-ffff811d0000

[13] يمكن قراءة التقرير الكامل الذي وضعته ساسون على الرابط التالي: https://www.gov.il/BlobFolder/news/spokemes090305/he/sitecollectiondocuments_pmo_communication_spokesman_sason2.pdf

[14] أنظر/ي: https://www.abc.net.au/news/2008-11-03/israel-cuts-aid-to-outposts-over-settler-violence/191594

[15] أنظر/ي: https://www.jpost.com/israel/pm-no-new-west-bank-settlements

[16] أنظر/ي: https://myesha.org.il/?CategoryID=251&ArticleID=3285

[17] انظر/ي نص رد المحكمة على الرابط: https://short-link.me/HErS

[18] انظر/ي ملخص ما جرى منذ تقديم الالتماس على الرابط: https://peacenow.org.il/bagatz-4-4-06

[19] أنظر/ي: https://www.jpost.com/Diplomacy-and-Politics/Bennett-urges-Shas-to-work-with-him-not-attack-him

[20] أنظر/ي: https://www.gov.il/BlobFolder/pmopolicy/dec6b-2023/he/dec-b6150323.pdf

[21] برقية من سموتريتش الى المنسق ورئيس الإدارة المدنية بعنوان "قائمة المواقع حسب بند 2/ب المدرج في قرار الكابينت رقم ب/6 من تاريخ 12.02.2023". دولة إسرائيل، مكتب وزير الدفاع. للحصول على نسخة يمكن التواصل مع مركز مدار.

[22] أنظر/ي: https://www.gov.il/he/pages/dec109-2023

[23] أنظر/ي: https://www.gov.il/he/pages/young_settlement_info