مع اقتراب الحرب الأهلية في سورية من نهايتها، وفي الوقت الذي يوشك نظام الرئيس بشار الأسد على أن يقضي على آخر معاقل المتمردين، بدأت تتواتر في إسرائيل تصريحات رسمية على لسان المسؤولين السياسيين والعسكريين تحذّر حزب الله في لبنان من مغبّة ما تسميه "التفكير في استئناف الصراع مع إسرائيل"، وذلك بموازاة تصريحات تؤكد أن هذه الأخيرة ستصرّ على منع أي تموضع عسكري إيراني في الأراضي السورية.
وفي حين أن وسائل الإعلام الإسرائيلية زادت من اهتمامها بنشاطات سلاح الجو الإسرائيلي ضد أهداف إيرانيّة في سورية، ونشرت مؤخراً نقلاً عن مصادر عسكرية رسمية أنه حتى الآن تم تفجير أكثر من 200 هدف كهذا، فإن الوحدات القتالية في الجيش الإسرائيلي تجاهر بأنها تستعد لإمكان حدوث تصعيد في الجبهة الشمالية، سواء في منطقة الحدود مع سورية، أو في منطقة الحدود مع لبنان.
وفي غضون ذلك نُشر مثلاً أن وحدة المظليين أنهت أخيراً تدريبات واسعة تحاكي اندرع حرب مع حزب الله.
واشتملت التدريبات على إطلاق نيران بشكل دقيق، وتفعيل مروحيات وطائرات حربية، وتعاون مع قوات المدفعية والدبابات، وإطلاق نيران حية.
كما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه أنهى بناء جدار إسمنتي على ما يُعرف باسم "الخط الأزرق" في منطقة الحدود الإسرائيلية- اللبنانية، وهو خط الحدود المعترف به بموجب اتفاق الهدنة بين الدولتين.
ويظل الأمر الأكثر لفتاً للانتباه هو تأكيد مصادر عسكرية إسرائيلية رفيعة المستوى أن الجيش اللبناني يتعاون بشكل وثيق مع عناصر حزب الله، وأنه في أي مواجهة عسكرية مقبلة بين إسرائيل والحزب لن يفرّق الجيش الإسرائيلي بين جنود الجيش اللبناني وعناصر حزب الله، كما كانت عليه الحال في أثناء حرب لبنان الثانية عام 2006.
ضابط كبير: حزب الله يسيطر من ناحية فعلية على الجيش اللبناني
قال ضابط إسرائيلي كبير في قيادة المنطقة العسكرية الشمالية إن قوة حزب الله تتعاظم في لبنان خلال الأعوام الأخيرة، وأشار إلى أن الحزب يسيطر من ناحية فعلية على الجيش اللبناني ويؤثر فيه.
وأضاف هذا الضابط، في تصريحات أدلى بها إلى مراسلي الشؤون العسكرية في وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل أسبوع، أن التفريق بين الجيش اللبناني وحزب الله في أثناء حرب لبنان الثانية كان خطأ، وأكد أنه في الحرب المقبلة لن يقوم الجيش الإسرائيلي بمثل هذا الفصل، وسوف يستهدف لبنان كله وكل البنية التحتية التي تساعد في الحرب. وقال إنه إذا كان هناك خيار بين تدمير لبنان أو الفصل بين حزب الله والجيش اللبناني فإنه يفضل تدمير لبنان.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن مسألة التعاون، التي تدعيها إسرائيل بين الجيش اللبناني وحزب الله، هي قيد النظر حالياً أيضاً في كل من الولايات المتحدة وفرنسا، اللتين تزودان الجيش اللبناني بالمساعدات المادية.
وقال الضابط الإسرائيلي الكبير إن الجيش الإسرائيلي لا يعترض على حصول الجيش اللبناني على هذا الدعم الدولي، وهو يفضل في الواقع رؤية جيش لبناني أكثر قوة، ما دام يستخدم قوته هذه لإبقاء حزب الله تحت السيطرة. وقال إن من مصلحة إسرائيل أن يكون هناك جيش لبناني قوي يضمن تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701 واستقرار الهدوء في منطقة الحدود الشمالية. وأشار إلى أنه بموجب القرار 1701، الذي أنهى حرب لبنان الثانية في العام 2006، ينبغي إبعاد حزب الله وجميع الجماعات المسلحة غير الحكومية من المنطقة الواقعة جنوبي نهر الليطاني. وتلقت قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل)، التي تعمل على طول منطقة الحدود بين إسرائيل ولبنان منذ عام 1978، تعليمات بفرض القرار 1701، إلا إن الصلاحية الممنوحة لليونيفيل لا تسمح لها بالعمل بالقوة التي كانت إسرائيل تود أن تراها.
وأعرب الضابط الإسرائيلي عن اعتقاده بأنه في إمكان اليونيفيل فعل المزيد.
وأشار إلى أنه كثيرا ما يقوم الجيش الإسرائيلي بتقديم شكاوى لقوات الطوارئ الدولية عند رصده لأي تعاون بين حزب الله والجيش اللبناني، لكن يبدو أن هذا يتم كإجراء رسمي فقط، وليس مع توقع بأن يؤدي ذلك إلى تغيير الوضع فعليا. ومع ذلك، أكد أن إسرائيل ما تزال تعتبر أن هناك قيمة لليونيفيل، حيث أنها تساهم في تحسين مستوى الحوار بين إسرائيل ولبنان، اللتين لا تربط بينهما علاقات رسمية.
بالإضافة إلى ذلك قال الضابط الكبير في الجيش الإسرائيلي إنه في العام الماضي أو العامين الماضييّن اتخذت قوات اليونيفيل موقفا أكثر حدة تجاه حزب الله وعملياته في جنوب نهر الليطاني، التي تشكل انتهاكا للقرار 1701، على حدّ قوله.
وقال الضابط إن هذه السياسات من طرف اليونيفيل هي جزء من الأسباب وراء ازدياد التعاون بين حزب الله والجيش اللبناني.
وعلى الرغم من أن حزب الله كان في الماضي أكثر جرأة في الإخلال بالقرار 1701 والعمل بشكل علني في جنوب نهر الليطاني، إلا إن الجيش الإسرائيلي لاحظ في الأعوام الأخيرة أن المنظمة المدعومة من إيران طورت وسائل أكثر تعقيدا للالتفاف حول القرار. وإحدى هذه الوسائل، كما يزعم الجيش الإسرائيلي، هي استخدام منظمة "أخضر بلا حدود"، وهي جمعية بيئية ظاهريا مع مواقع لها في جميع أنحاء غابات جنوب لبنان، وتعتقد إسرائيل بأنها واجهة لحزب الله. وقال الضابط الإسرائيلي الكبير إن حزب الله موجود على الحدود كل يوم.
ورفضت الأمم المتحدة مزاعم إسرائيل بشأن هذه المنظمة، وقالت إنها لم تلاحظ قيام أعضاء "أخضر بلا حدود" بانتهاك القرار 1701.
الجدار الحدودي
من ناحية أخرى أشار الضابط الإسرائيلي الكبير إلى أن حزب الله لا يمكنه أن يفاجئ إسرائيل، بفضل المعلومات الاستخباراتية المتوفرة لدى الجيش الإسرائيلي بشأن انتشار عناصر الحزب ووحداته وخططه الدفاعية والهجومية.
كما أشار إلى أن حزب الله يستعد للمعركة المقبلة مع إسرائيل ويخطط لشن هجمات بهدف الاستيلاء على منطقة سكنية في الجانب الإسرائيلي من الحدود من خلال الاعتماد على قوات النخبة التابعة له، وأكد أن خطوة من هذا القبيل ستتيح للجيش الإسرائيلي إمكان القضاء على وحدات حزب الله، بفضل تفوقه.
ولفت الضابط العسكري إلى وجود عشرات آلاف القذائف الصاروخية التي يمتلكها حزب الله والقادرة على إصابة أهداف في معظم أنحاء إسرائيل، لكنه شدّد في الوقت عينه على أن الحزب لا يرغب في خوض حرب نتيجة ردعه منذ 12 عاماً، وسيخوضها فقط عندما لا يكون أمامه خيار آخر.
واستبعد الضابط أيضاً احتمال امتداد أي حرب أخرى في لبنان بالضرورة إلى سورية، ما يجعل منها حربا في جبهتين. ووفقا للضابط يستلزم نظام الأسد سنوات من الهدوء لإعادة بناء بلاده بعد أكثر من سبعة أعوام من الحرب الأهلية. وقال إن آخر ما يحتاجه الأسد هو حرب.
على صعيد متصل أعلن الجيش الإسرائيلي، الأسبوع الفائت، عن تقدُّم أعمال بناء جدار حدودي مع لبنان بالقرب من المستوطنتين الحدوديتين شلومي ورأس الناقورة، بالإضافة إلى قيامه ببناء جدار حدودي بالقرب من مستوطنتي المطلة ومسجاف عام. وقال الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي إن طول الجدار هو 13 كيلومتراً، وسينتهي بناؤه في نهاية العام الحالي.
وأضاف أنه خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة أقيمت في باقي المناطق القريبة من الحدود مع لبنان عوائق جرفية، وتم تطهير الأرض هندسياً، بغية تصعيب أي عمليات تسلل مستقبلية لمقاتلي حزب الله.
وتم تصميم الجدار الحدوديّ لهدفين رئيسين: حماية المدنيين الإسرائيليين والجنود من هجمات قناصة، ومنع التسلل إلى داخل إسرائيل من قبل عناصر من حزب الله.
وبحسب الضابط الكبير، قبل نحو سبعة أعوام بدأ حزب الله بتشكيل وحدة قوات خاصة تُعرف باسم "وحدة رضوان" وهي وحدة مكلفة بالتحديد بمهمة اجتياز الحدود إلى داخل إسرائيل والتسبب بأكبر قدر ممكن من الفوضى بهدف التدمير وأيضا من أجل الرمزية في تنفيذ القوات لهجمات في إسرائيل. وقال الضابط إن هدفهم الرئيس هو قتل أكبر عدد ممكن من الأشخاص في البلدات والقواعد العسكرية الإسرائيلية.
وكرّر الضابط الكبير أنه لا يعتقد بأن حربا مع حزب الله هي أمر وارد في المستقبل القريب، فهذه المنظمة المدعومة من إيران قضت الأعوام الخمسة الأخيرة تقريبا في القتال في سورية إلى جانب نظام بشار الأسد، وفي حين أن هذه المعارك أعطت المنظمة خبرة وتدريبا أكبر، إلا إنها أسفرت عن مقتل نحو 1800 مقاتل وجرح آلاف آخرين.
وقال الضابط إن ما تعلم حزب الله فعله في سورية يخطط للقيام به هنا. وعلى سبيل المثال يبدو أن حزب الله اعتمد أسلوب قصف بلدة أو قاعدة عسكرية بكميات هائلة من الذخائر قبل إرسال قواته للاستيلاء عليها.
الصراع بين إسرائيل وإيران وبينها وبين "حماس" سيستمر خلال السنة العبرية الجديدة
مع بداية سنة عبرية جديدة في إسرائيل نشرت وسائل إعلام إسرائيلية تقديرات بشأن ما قد تشهده هذه السنة من أحداث، تم استقاؤها من شعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان")، وهيئة الأركان العامة للجيش، وجهاز الموساد، وجهاز الأمن العام ("الشاباك")، أشير فيها إلى أن وضع إسرائيل الأمني والعسكري في كل الجبهات كان مستقراً خلال السنة العبرية المنتهية، وإلى أنها ما تزال الدولة الأعظم والأقوى في منطقة الشرق الأوسط، ولا يتهددها أي خطر جاد، وبالتأكيد لا يتهددها أي خطر وجوديّ.
وقال عدد من المحللين إنه لم يتم استغلال هذا الاستقرار للدفع قدماً بأي فرص، ولتحسين الوضع السياسي والأمني وتحقيق تسويات مستقرة أكثر في كل من سورية وقطاع غزة.
وجرى التأكيد أن الأمر الأكثر إثارة هو أنه خلال العام ونصف العام الأخيرين قام الجيش الإسرائيلي، وأساساً بواسطة سلاح الجو، بشن 202 هجمة ضد أهداف تابعة لإيران وحزب الله في سورية. ويمكن التقدير بأنه منذ اندلاع الحرب الأهلية في سورية، قبل سبعة أعوام ونصف العام، شن سلاح الجو الإسرائيلي نحو 500 هجمة كهذه.
وتطلق قيادة الجيش الإسرائيلي على ما يحدث في الأراضي السورية صفة معارك بين الحروب، وهي عبارة عن عمليات جراحية موضعية، أحياناً تكون علنية لكنها في معظم الأوقات سريّة، ولا تعلن إسرائيل أي مسؤولية عنها. ويشترك في هذه المعارك، بحسب المحلل العسكري لصحيفة "معاريف" يوسي ميلمان، سلاح الجو وسلاح البحر ووحدات الاستخبارات المتعددة. ولا تقتصر مثل هذه المعارك/ العمليات على سورية ولبنان، بل تشمل قطاع غزة أيضاً، ويمكن التقدير بأنها تجري في أماكن أخرى. ويتباهى الناطقون بلسان إسرائيل بأنها قادرة على الوصول إلى أي مكان، بما في ذلك إيران، كما دلت على ذلك عملية الموساد التي تم خلالها نقل الأرشيف النووي الإيراني. ونُشرت في الماضي تقارير أفادت أن الجيش الإسرائيلي قدم مساعدات للجيش المصري في شبه جزيرة سيناء، وقصف مواقع في السودان، واستعرض عضلاته في عرض البحر الأحمر.
وقال ميلمان وغيره من المحللين العسكريين إنه إذا كان ثمة أمر تثبته العمليات في الأراضي السورية، فهو عمق التعاون والتنسيق العسكري والسياسي بين إسرائيل وروسيا. وما يمكن تقديره هو أن الجيش الإسرائيلي لا يمكنه مهاجمة وتدمير شحنات أسلحة دقيقة من إيران إلى حزب الله، ومخازن أسلحة، ومصانع لإنتاج صواريخ طويلة المدى ومنظومات دفاع جوية، من دون تصديق أو تغاض من جانب الكرملين. وهناك أقاويل تؤكد أن إسرائيل وروسيا (وكذلك نظام الرئيس بشار الأسد) غير معنيين بوجود عسكري إيراني في الأراضي السورية. ومع ذلك، لا بُد من القول إنه حتى الآن لا توجد إشارات قوية إلى أن إيران ستتنازل عن هذا الوجود للمدى الطويل. وما يمكن تقديره هو أن طهران لم تضح بالمئات من مقاتليها، وبنحو 2000 من مقاتلي حزب الله، وبآلاف المقاتلين من الميليشيات الشيعية، فقط من أجل بقاء نظام الأسد. فلقد قامت بذلك كله واستثمرت نحو 17 مليار دولار خلال الحرب كي يكون بإمكانها أيضاً أن تحظى بإقامة هلال شيعي من طهران عبر بغداد إلى سورية ومن هناك إلى لبنان. وبناء على ذلك، من المتوقع أن يستمر الصراع بين إسرائيل وإيران خلال السنة العبرية الجديدة، وقد يختلف لبوسه.
وبالنسبة إلى قطاع غزة، أكدت التقديرات الإسرائيلية الأمنية أن الوضع الأمني فيه ما يزال هشّاً. ومع أن حركة "حماس" أوقفت إطلاق الصواريخ بعد أكثر من 4 أشهر، فإنها ليست راضية تماماً عن النتائج التي تم الوصول إليها، وهي من ناحية استراتيجية تتطلع لتأهيل قطاع غزة، ورفع الحصار المفروض عليه من طرف إسرائيل ومصر. ويبدو أن إسرائيل مستعدة لذلك فقط في مقابل إعادة جثتي الجنديين والمواطنين الإسرائيليين المحتجزين لديها، في حين أن "حماس" تطالب إسرائيل بالإفراج عن مئات الأسرى من سجونها، وهذا ما ترفضه.
وفي ضوء ذلك فإن التقديرات السائدة لدى أجهزة الاستخبارات هي أن احتمال استئناف المواجهة العسكرية بين الجانبين (إسرائيل و"حماس") يظل أقوى من احتمال التوصل إلى اتفاق طويل المدى.