تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 2359

ثارت ضجة في إسرائيل في اليومين الأخيرين على خلفية تراجع مكانتها في موضوعي الرياضيات والعلوم عالميا، وفق أحد الاختبارات الدورية الذي شمل 39 دولة، حيث هبطت إسرائيل إلى المرتبة 16 في الرياضيات، وإلى المرتبة 19 في العلوم. بيد أن هذه الضجة التي تثار في وسائل الإعلام لا يبدو أنها ستقضّ مضاجع حكومة بنيامين نتنياهو، ووزير التعليم فيها رئيس تحالف أحزاب المستوطنين ("البيت اليهودي")، نفتالي بينيت، لأن التقرير الحالي ليس فقط يُظهر

اتساع الفجوة بين اليهود والعرب، بل يؤكد أن تحصيل اليهود وحدهم كان سيرفع إسرائيل إلى المرتبتين السابعة والتاسعة على التوالي، في حين أن تحصيل الطلاب العرب يوازي المرتبتين 20 و21، وهذا بفعل سياسة التمييز العنصري وحجب الميزانيات والموارد الملائمة عن جهاز التعليم العربي.

ويجري الحديث عن "اختبار (مؤشر) تيمس" (TIMSS) لطلاب الصفوف الثامنة في المرحلة الإعدادية. وهو اختبار يفحص التوجهات الدولية في دراسة الرياضيات والعلوم. ويشمل 39 دولة، من بينها 10 دول عربية. وحصلت إسرائيل في موضوع الرياضيات على 511 نقطة، وفي العلوم على 507 نقاط. وتكون إسرائيل بذلك قد هبطت في الرياضيات من المرتبة السابعة في العام 2011، إلى المرتبة 16 في التقرير الأخير. وفي موضوع العلوم هبطت إسرائيل من المرتبة 13 في العام 2011 إلى المرتبة 19 في التقرير الجديد.

لكن في فحص أدق، نشرته أيضا وزارة التعليم الإسرائيلية، فإن ما يؤدي إلى تراجع مرتبة إسرائيل في هذا التدريج، هو تحصيل الطلاب العرب في جهاز التعليم العربي في إسرائيل، وهذا ناجم عن الحرمان من الميزانيات المتساوية، وعن حجب الكثير من الموارد، بموجب ما أثبتته مرارا أبحاث وتقارير منها رسمية.

ونقرأ أن ما حصل عليه الطلاب اليهود تقريبا في الموضوعين كان 528 نقطة، وهذا يناسب المرتبة 7 من أصل 39 في موضوع الرياضيات، والمرتبة 9 في العلوم. بينما كان تحصيل الطلاب العرب تقريبا 460 نقطة في الموضوعين، الرياضيات والعلوم، وهذا يناسب المرتبة 20 و21 في كل من الجدولين تباعا.

وهذه ظاهرة ليست جديدة، بل هذا ما تؤكده سلسلة الاختبارات الدولية الدورية التي تشارك فيها إسرائيل. وفي كل مرّة كانت تصدر اعترافات في الحكومة الإسرائيلية ووزارة التعليم، حول ضرورة رصد موارد أكثر في جهاز التعليم العربي، إلا أن هذا لا يحصل لا بل إنه في كل عام تتسع الفجوات بفعل ازدياد التمييز ضد العرب.

ويظهر التمييز ضد جهاز التعليم العربي في عدة مسارات: أولا، الميزانيات المباشرة التي تقدمها وزارة التعليم، وثانيا، الميزانيات الإضافية التي تقدمها الوزارة للشرائح الضعيفة، علما أن الغالبية الساحقة من الطلاب العرب هم من هذه الشريحة. أما المسار الثالث فهو تمويل المجالس البلدية والقروية، فهذا التمويل مرتبط بالأوضاع المالية لكل واحد من هذه المجالس، وحينما يكون المجلس لتجمع سكاني بغالبيته من الشريحة الفقيرة، فإن قدراته المالية تكون أقل. ثم المسار الرابع هو مشاركة الأهل في رسوم البرامج اللامنهجية، وهي برامج إثراء للطلاب.

ويضاف إلى كل هذا سوء البنى التحتية، فجهاز التعليم العربي ينقصه آلاف الغرف التعليمية، ما يعني مئات المدارس، كما أن نسبة عالية جدا من المدارس القائمة هي مبان قديمة وفق مواصفات قديمة. وهذا النقص في الغرف، يضطر المدارس إلى استخدام قاعات وساحات لغير الأهداف التي أقيمت لأجلها، مثل المختبرات وساحات للرياضة وغيرها. وهذا النقص يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع الاكتظاظ في الغرف الدراسية، ما ينعكس سلبا بالضرورة على عملية التعليم، وبالتالي على التحصيل العلمي. وهذا كله يضرّ بجهاز التعليم العربي، ما ينعكس على التحصيل العلمي بالضرورة.

وحسب سلسلة من الأبحاث التي تنشر تباعا، فإن الفجوات في الميزانيات موجودة في كل مراحل التعليم المدرسي، ولربما أن أقل هذه الفجوات، نسبيا، نجدها في المرحلة الابتدائية. ويقول أحد الأبحاث إن تمويل الطالب العربي في "أفضل الأحوال" أقل بنسبة 33% مما يتلقاه الطالب اليهودي في المرحلتين الابتدائية والاعدادية معا. أما الفجوة الأضخم فنجدها في مرحلة التعليم الثانوي، إذ تصل الفجوة في الميزانيات إلى 40% وأكثر.

تقرير سابق لمنظمة OECD

هذه النتائج تؤكد مصداقية الاختبارات التي ظهرت على مدى السنين الماضية، وأيضا ما ظهر في تقرير شامل لمنظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD قبل قرابة خمسة أشهر، وبيّن أن مستوى المعرفة في الرياضيات وقراءة لغة الأم في إسرائيل، هو من الأدنى بين الدول المتطورة، وهذا التحصيل المتدني حاصل أيضا على مستوى التحصيل الجامعي، وليس فقط المدرسي، ما ينعكس على مستوى المؤهلات المهنية مستقبلا.

واستند بحث OECD إلى اختبارات جرت في الدول الـ 34 الأعضاء، لكن منظمة OECD ذاتها توسع نطاق الاختبار إلى دول خارج المنظمة. وفي إسرائيل وحدها شملت الاختبارات في الرياضيات وقراءة لغة الأم شريحة نموذجية تضم 6400 شخص من أعمار تتراوح ما بين 16 إلى 65 عاما. والهدف من هذه الاختبارات هو فحص مستوى المؤهلات في مواضيع أساسية للتقدم في سوق العمل، إذ أن مثل هذه المواضيع يصطدم فيها الإنسان يوميا، حيث يضاف إلى هذه الاختبارات تفحص مدى المعرفة الأولية بتشغيل الحاسوب.

وحسب نتائج الامتحانات في إسرائيل تبين أن 31% من الذين شاركوا في الاختبارات سجلوا علامات سقوط، ولم يجتازوا علامة الحد الأدنى للنجاح، بينما بلغت نسبة السقوط في اختبارات القراءة باللغة الأم 27%. وجاءت مرتبة إسرائيل في جدول النتائج في المرتبات الدنيا، المرتبة 28 من أصل 34 مرتبة. وحصلت إسرائيل على 251 نقطة بينما المعدل القائم في دول OECD كان 263 نقطة.

وأجرى مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي فحصا دقيقا لنتائج بحث OECD ليتبين أن الفجوات داخل الجمهور العام كبيرة جدا، خاصة على مستوى الشرائح الميسورة والغنية من جهة، والشرائح الفقيرة والضعيفة من جهة أخرى. وتبقى الفجوة بين اليهود والعرب هي الأكبر، كون أن الغالبية الساحقة من المواطنين العرب (52%) هم من الشرائح الفقيرة، ويضاف إليها سياسة التمييز العنصري وحجب موارد عن الطلاب العرب بالقدر الذي يحصل عليه الطلاب اليهود.

الحقائق تنسف وعود الحكومة

لم يصل وزير للتعليم في إسرائيل إلى منصبه إلا وكان يعلن نيته عن تحسين شروط التعليم في جهاز التعليم العربي؛ وباستثناء فترتين قصيرتين على وجه التحديد شهدتا تحسنا طفيفا، فإن كل وزير كان يغادر منصبه ليتبين أنه فعل العكس تماما، وزاد من الفجوات بين الجمهورين لصالح اليهود.

والفترتان المقصودتان: الأولى إبان حكومة إسحاق رابين خلال الأعوام 1992- 1996، حينما تولى حقيبة التعليم الوزيران شولاميت ألوني وأمنون روبنشتاين من حزب ميرتس. والفترة الثانية، بدرجة أقل، خلال تولي يولي تامير من حزب العمل هذه الحقيبة في حكومة إيهود أولمرت من العام 2006 إلى العام 2009.

كذلك كان يوسي سريد (ميرتس) قد تولي الحقيبة ذاتها لفترة عام ونصف العام، في حكومة إيهود باراك التي استمرت 20 شهرا بين العام 1999 ومطلع 2001، لكن برغم البرامج التي وضعها سريد، إلا أنه لم يكن متسع لتنفيذها لتحل محله واحدة من أسوأ من وصل إلى هذا المنصب، الوزيرة العنصرية ليمور ليفنات، التي جلست في الوزارة على مدى قرابة خمس سنوات، في حكومتي شارون، من مطلع عام 2001 وحتى نهاية عام 2005.

وبعد ليفنات كانت فترة تامير السابق ذكرها، ثم بعدها بأربع سنوات كان الوزير من حزب الليكود غدعون ساعر، الذي سار في نفس توجهات زميلته في هذا الحزب ليفنات، مع تحسينات طفيفة ليست ملموسة.

وفي العام 2013 تولى المنصب المستوطن شاي بيرون، من حزب "يوجد مستقبل"، الذي كان يظهر بلبوس "المعتدل"، وكان يُكثر الحديث جدا عن برامج لصالح التعليم العربي، لكنه غادر منصبه بعد عامين، بعد أن زاد وعمّق سياسة التمييز، وفق تقرير نشرته صحيفة "ذي ماركر" قبل نحو عام. وبحسب التقرير فإن بيرون زاد من تفضيل اليهود، وبشكل خاص التيار الديني الصهيوني.

وتقول قراءة أجرتها صحيفة "ذي ماركر" لميزانية وزارة التعليم إن الميزانية العامة التي ترصد للطالب الواحد في جهاز التعليم العبري "الديني الصهيوني"، ارتفعت في فترة بيرون بنسبة 12%، وميزانية الطالب اليهودي في جهاز التعليم العبري الرسمي ارتفعت بنسبة 8%، بينما ميزانية الطالب العربي التي تعاني من تمييز تراكمي على مدى ستة عقود ونيّف ارتفعت في ولاية بيرون بنسبة 5%، ما زاد أكثر من الفجوات.

وهذا التمييز لصالح جهاز التعليم العبري التابع للتيار الديني الصهيوني، يضاف إلى سياسة قائمة على مدى السنين، يحظى فيها هذا الجهاز بسياسة تفضيل، وتبرز هذه السياسة بشكل خاص في جهاز التعليم في مستوطنات الضفة الغربية. وتدعي الحكومة لتبرير سياسة التفضيل تلك أن عدد الطلاب في الصف المدرسي الواحد في المستوطنات قليل.

التمييز يلاحق أيضا أصحاب الألقاب الجامعية

في تقرير سابق لمركز "مدار"، نشر مع افتتاح السنة التعليمية الجامعية الإسرائيلية الحالية يوم 30 تشرين الأول الماضي، أشرنا إلى أنه وفق المعطيات الجديدة، وعلى الرغم من سلسلة القيود التي تفرض على انخراط الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية، وأكثر من هذا على مواضيع علمية رفيعة وأخرى "حساسة" من ناحية العقلية الإسرائيلية الحاكمة، فإن أعداد الطلاب العرب في تزايد، ومعها ارتفاع في نسبة حاملي الألقاب الجامعية من الأولى وحتى الدكتوراة، فيما يتزايد أيضا عدد حملة لقب بروفسور. إلا أن هذا لا يساعد ولا يُبعد العرب عن دائرة التمييز في سوق العمل، إن كان في فرص العمل أو في شروطه ورواتبه.

فقد دلّ التقرير الصادر عن مجلس التعليم العالي الإسرائيلي، عن العام الدراسي الماضي، أن نسبة الطلاب العرب للقب الأول في معاهد التعليم العالي الإسرائيلية، ارتفعت من 7% في العام 1995 إلى ما يزيد بقليل عن 14% في العام الدراسي الماضي. ففي الجامعات وحدها ارتفعت النسبة من 9% قبل عقدين إلى 16,5% في العام الماضي، في حين أن النسبة في الكليات ارتفعت من 5,5% إلى ما يلامس 10%.

غير أن حقيقة نسبة الطلاب العرب المنخرطين في التعليم العالي تبقى أعلى بكثير، ولكن من الصعب حصرها، وذلك بسبب الارتفاع الحاد في العقدين الأخيرين في أعداد الطلاب الذين يتوجهون للدراسة في الخارج. ففي السنوات الـ 18 الأخيرة بلغت أعداد الدارسين في الجامعات الأردنية ذروة غير مسبوقة، ووصلت حتى قبل أربع سنوات إلى ما بين 10 آلاف وحتى 12 ألفا، وهناك من تحدث في حينه عن احتمال وجود 13 و14 ألف طالب. إلا أنه في السنوات الأربع الأخيرة، بدأت هذه الأعداد في التراجع لصالح الدراسة في جامعات الضفة المحتلة، وبشكل خاص في الجامعة الأميركية في مدينة جنين، وأيضا في جامعتي بير زيت والنجاح في نابلس.

كذلك فإن أعداد الطلبة المتوجهين إلى أوروبا، وبشكل خاص لدراسة الطب، أو العلوم الطيبة والعلاجية، في تزايد، وبشكل خاص في شرق أوروبا حيث تنتشر معاهد أميركية وبريطانية، مثل هنغاريا ورومانيا، في حين أن الدراسة في إيطاليا وألمانيا متواصلة.

مع ذلك فقبل بضعة أيام، صدر تقرير آخر عن مكتب الإحصاء المركزي يتعلق بالفجوات في معدلات الرواتب بين اليهود والعرب، وتأكد مجددا أنه كلما ارتفع مستوى التحصيل العلمي لدى العرب اتسعت الفجوة بين معدل رواتبهم وبين معدلات رواتب اليهود.

ويقول التقرير إنه وفق معطيات العام الماضي- 2015، فإن معدل رواتب اليهود ككل بلغ 10128 شيكلا شهريا، ما يعادل 2665 دولارا، بينما معدل رواتب العرب بلغ 5939 شيكلا، ما يعادل 1562 دولارا. وهذا يعني أن نسبة معدل رواتب اليهود كانت 110%، من معدل الرواتب العام في العام الماضي، بينما نسبة معدل رواتب العرب بلغت 64% من معدل الرواتب العام.

وفحص تقرير مكتب الإحصاء الرسمي الفجوات في الرواتب بموجب سنوات التحصيل العلمي، وتبين أنه ابتداء من صفر سنوات تعليم وحتى 12 سنة تعليمية- بمعنى سنوات مدرسية- فإن معدل أجر ساعة العمل للعربي 7,84 دولار، بينما لليهودي يلامس 10 دولارات. أما من أنهوا لقب التعليم الجامعي الأول، فإن العرب حصلوا على أجر للساعة بمعدل 9,5 دولار، وهو أقل من أجر ساعة اليهود الذين لم يصلوا إلى مستوى التعليم الأكاديمي، بينما معدل أجر ساعة العمل لليهود الحاصلين على اللقب الأول بلغ 15,7 دولار، أي أعلى بنسبة 65% مما يتقاضاه العرب.

وهذه الفجوة وجدناها أيضا لدى من حصلوا على اللقب الثاني وما فوق، فمعدل أجر ساعة العربي بلغ 14,25 دولار، بمعنى أقل من اليهودي الحاصل على اللقب الأول، في حين أن اليهودي الحاصل على اللقب الثاني وما فوق بلغ معدل أجر ساعة العمل لديه 22,55 دولار، أي بفارق نحو 60% عن معدل أجر العربي.