يبدو أن ثمة تباينا في المواقف بين الحكومة الإسرائيلية وجهازها الأمني، الذي يضم وزارة الدفاع والجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك)، فيما يتعلق بتعامل إسرائيل مع الهبة الفلسطينية الحالية.
وآخر التطورات في هذا السياق كان إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خلال اجتماع وزراء حزب الليكود، أمس الأحد، أنه "لن تكون هناك أي عملية تسليم مناطق للفلسطينيين، لا 40 ألف دونم، ولا عشرة آلاف ولا حتى مترا واحدا".
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن تصريح نتنياهو هذا جاء في أعقاب معارضة وزير الزراعة، أوري أريئيل، من حزب "البيت اليهودي"، والوزيرين أوفير أكونيس وحاييم كاتس، من حزب الليكود، لخطوة كهذه، كما لو أن نتنياهو يأبه برأيهم، أو يأبه على الأقل برأي أكونيس وكاتس.
وجاء هذا التصريح من جانب نتنياهو في أعقاب نشر صحيفة "مكور ريشون"، المقربة منه، يوم الجمعة الماضي، تقريرا قالت فيه إن "الإدارة المدنية" بلورت خطة، بإيعاز من نتنياهو، تقضي بتسليم السلطة الفلسطينية 40 ألف دونم في المنطقة C في الضفة الغربية، تعادل 1.6% من مساحة هذه المنطقة الخاضعة لسيطرة إسرائيلية إدارية وعسكرية كاملة، وذلك في مقابل تهدئة الوضع الأمني وإنهاء الهبة الفلسطينية واعتراف أميركي "بحق" إسرائيل في البناء في الكتل الاستيطانية.
وكانت تقارير إسرائيلية تحدثت عن أن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أبلغ نتنياهو خلال زيارته لإسرائيل، في بداية الأسبوع الماضي، بأن الولايات المتحدة لن تعترف بذلك.
وبرغم صعوبة معرفة الجهة التي سربت هذه "الخطة"، لكن على الأرجح أنها سُربت من مكتب نتنياهو، لأن الصحيفة اقتبست توضيحات حولها من مقربين من نتنياهو، وأكدت أنها لن تنفذ في أعقاب نتائج لقاء نتنياهو – كيري والرفض الأميركي لمنح شرعية للاستيطان.
رغم ذلك، ترددت خلال الأسبوع الماضي في إسرائيل تقارير حول خطة أعدها الجيش الإسرائيلي وتحدثت عن "مبادرات نية حسنة"، بينها تسليم مناطق في الضفة الغربية للسلطة الفلسطينية، وأسلحة لأجهزة الأمن الفلسطينية وسيارات مدرعة وإطلاق سراح أسرى، وتم نفي احتمال تنفيذها في الوقت الراهن.
احتجاز جثامين شهداء
قال موقع "واللا" الالكتروني، أمس، إن أحد المواضيع المختلف حولها بين الحكومة وجهاز الأمن في إسرائيل هو استمرار احتجاز إسرائيل لجثامين 28 شهيدا من بين الشهداء الذين سقطوا خلال الهبة الحالية، التي اندلعت في مطلع تشرين الأول الماضي.
وبحسب موقع "واللا"، فإن الحكومة الإسرائيلية تعتبر أن استمرار احتجاز جثامين الشهداء يشكل رادعا وأداة ضغط يمارسها الاحتلال على عائلاتهم من أجل منع وقوع عمليات أخرى، بينما يرى جهاز الأمن الإسرائيلي، جيش الاحتلال والشاباك، في استمرار احتجاز الجثامين خطوة تقود إلى "أجواء سلبية" أكثر تطرفا وتغذي "التحريض" بين الفلسطينيين.
وعلى خلفية استمرار احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين، حذرت جهات أمنية خلال مداولات لتقييم الوضع، جرت خلال الأسبوع الماضي، من حدوث قطيعة بين شيوخ الحمائل الكبرى في الضفة الغربية وضباط كبار في الجيش الإسرائيلي ومسؤولين أمنيين، وبشكل خاص في منطقتي الخليل وبيت لحم.
وقال أحد ضباط الاحتلال إن استمرار احتجاز جثامين الشهداء "يمس بشكل دراماتيكي بمكانة الشيوخ داخل الحمائل وبقدرتهم على التوجه إلى شخصيات مركزية داخل حمولاتهم"، واعتبر أن "هذا الأمر يمارس ضغوطا على الجميع، وخاصة على المستوطنين، ويشكل خطرا على جميع الأطراف".
صدام بين الوزراء والجيش
يطلق الوزراء في حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية تصريحات منفلتة، مثل المطالبة بشن عملية عسكرية على غرار عملية "السور الواقي"، التي اجتاح فيها الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية بصورة وحشية، في نيسان العام 2002.
ولا تنحصر مثل هذه التصريحات في وزراء "البيت اليهودي" الذي يعتبر أنه يمثل المستوطنين، وإنما يطلقها أيضا وزراء من حزب الليكود، مثل الوزير يسرائيل كاتس. ويشار إلى أن المستوطنين ممثلون بشكل كبير في الليكود وداخل لجنته المركزية.
وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي قد نقلت، الأسبوع الماضي، عن رئيس حزب "البيت اليهودي" ووزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، قوله خلال اجتماع لنشطاء في حزبه، إن "بيبي (أي نتنياهو)، تراجع عن أقواله بشأن خطوات أحادية الجانب فقط بعد أن أطلقت عليه رصاصة بين عينيه".
وفي أعقاب ذلك، أعلن مكتب رئيس الحكومة أن نتنياهو وبّخ بينيت خلال محادثة هاتفية بينهما، يوم الاثنين الماضي، وقال له إن "الأقوال المنسوبة إليك ليست مناسبة، كما أنها تتناقض بالكامل مع الحقائق".
من جهة أخرى، قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت)، خلال اجتماعه المنعقد يوم الخميس الماضي، السماح للجيش الإسرائيلي بفرض طوق أمني كامل على قرى فلسطينية في الضفة الغربية لغرض إجراء عمليات بحث وتفتيش عن منفذي عمليات أو أشخاص وردت معلومات استخباراتية تفيد بأنهم يعتزمون تنفيذ عمليات.
لكن تحقيقا أجرته صحيفة "هآرتس"، أظهر أن الجيش يمارس هذه السياسة ويفرض طوقا أمنيا على قرى فلسطينية، وأن التعليمات بهذا الخصوص تؤكد أن قرار فرض الطوق يتخذه الضباط الميدانيون ولا حاجة لمصادقة الحكومة عليه، وأنه لم تصل إلى الجيش تعليمات بهذا الخصوص من الكابينيت.
وفي السياق ذاته، طالب الوزير يسرائيل كاتس، في مقابلة متلفزة أجراها معه موقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني، يوم الجمعة الماضي، بفرض طوق أمني على أي قرية فلسطينية يخرج منها منفذ عملية ضد أهداف إسرائيلية.
وأظهر تحقيق "هآرتس" أنه في أعقاب أقوال كاتس، سارع مصدر في مكتب نتنياهو إلى إبلاغ المراسلين الإسرائيليين بأنه تم فرض طوق أمني شامل ومحكم على قرية بيت أمر في أعقاب عملية دهس ستة جنود، وأنه جرى فرض هذا الطوق في أعقاب قرار الكابينيت.
كذلك تبين من التحقيق الصحافي أن الجيش، وفقا لما أكده ضباط، لم يفرض طوقا محكما على بيت أمر، وإنما جرى إغلاق المدخل الرئيس للقرية الذي يفضي إلى شارع رقم 60، أي شارع القدس – الخليل، وأبقى الجيش مدخل القرية باتجاه الغرب، والذي يوصل إلى قرية صوريف، مفتوحا.
وأشارت تحليلات إسرائيلية إلى أن أداء الحكومة على هذا النحو نابع من ضغوط يمارسها وزراء "البيت اليهودي" والليكود على نتنياهو ووزير الدفاع، موشيه يعلون، وبالتالي على الجيش الإسرائيلي، من أجل تصعيد الممارسات ضد الفلسطينيين، وذلك على ضوء التقارير التي تتحدث عن محاولات الجيش لمنع تصعيد كهذا.
ورأى المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، أنه "يرجح أن يشن الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية كبيرة في منطقة الخليل عاجلا أم آجلا"، وأشار إلى أنه "برغم أن الجيش ضاعف حجم قواته في منطقة الخليل ويجري عمليات تفتيش وتدقيق في وثائق المسافرين في السيارات لدى خروجها إلى شوارع رئيسة في جنوب الضفة، إلا أنه ما زال من الجائز الاعتقاد أن استمرار العنف لن يسمح للجيش بالاكتفاء بذلك".
وأردف هرئيل أن "عملية كبيرة يكون مصدرها الخليل يمكن أن تدفع الجيش إلى عملية تشمل فرض حظر تجول على قسم من أحياء المدينة، وعمليات تفتيش من بيت إلى بيت واعتقالات جماعية، حتى لو أن هيئة الأركان العامة ليست متحمسة لخطوات كهذه".
وأضاف أنه "لدى المستوى السياسي توجد اهتمامات أخرى، أولها يتعلق بالضغط السياسي الذي يمارسه اليمين، من جانب المستوطنين، وحزب ’يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا)’ في المعارضة، وبالأساس من جهة كتلة البيت اليهودي من داخل الائتلاف والكابينيت" من أجل شن عملية "السور الواقي 2" ووضح نهاية للعمليات "إلى الأبد".
ووفقا لهرئيل فإن هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي تشكك في ذلك، ويقول ضباط فيها إنه "لو كنا نرى عمليات عسكرية ستؤدي إلى نتائج كهذه لكنا نفذناها".
ويدافع يعلون عن الجيش وموقفه أمام تهجمات اليمين المتطرف والمستوطنين ويتهمهم بأنهم "دجالون" وأن "هناك من يقولون دعونا نوجه ضربة شديدة (للفلسطينيين) الآن. هذه أقوال لا يوجد خلفها أي أساس أو تفكير أو ترجيح للرأي".
"غياب صندوق أدوات جديد"
كتب الباحثان في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، كوبي ميخائيل وأودي ديكل، في مقال نشراه يوم الخميس الماضي، أن "الكثيرين في الجمهور الإسرائيلي، وبضمنهم سياسيون وشخصيات عامة، يواجهون صعوبة في التعامل مع واقع متواصل لإرهاب السكاكين والدهس وإطلاق النار. وفي الوقت نفسه، يطالب الكثير بتنفيذ خطوات أكثر ضد هذه الظاهرة ويعودون إلى صندوق الأدوات القديم والمعروف، الذي كان ناجعا وذا علاقة بالواقع خلال سنوات الانتفاضة الثانية، عندما واجهت إسرائيل إرهابا منظما".
وأشار الباحثان إلى أن الهبة الحالية لا تشبه الانتفاضة الثانية، لأن الهبة الحالية تفتقر برأيهما إلى تنظيم ويحركها أفراد، لا يستخدمون في غالبية الأحداث سلاحا ناريا، إضافة إلى أن "الأغلبية المطلقة" من السكان الفلسطينيين، في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ليست ضالعة في العمليات والمواجهات، كما أن العمليات الفلسطينية وردود الفعل الإسرائيلية "تعمل ضد مصالح أساسية لدى أغلبية السكان الفلسطينيين وتشوّش مجرى حياتهم".
واعتبر الباحثان أن "حقيقة أن كثيرين من منفذي العمليات هم أولاد وفتية تدل على تفتت المبنى الاجتماعي والقيادي للمجتمع الفلسطيني وأنظمة الكبح الأخلاقية. وفي واقع تضعف فيه البنية الاجتماعية والسياسية، وفي ظل الإيحاءات الدينية السلفية – الجهادية، وعلى خلفية غياب أفق سياسي، فإن التحريض المنهجي والممأسس لقيادة السلطة الفلسطينية يشكل قاعدة خصبة لتأثير الرسائل المشجعة على تنفيذ عمليات إرهابية ونشرها في الشبكات الاجتماعية".
وأضافا أن "أبناء الشبيبة، الذين يعيشون الواقع الافتراضي في الشبكات الاجتماعية، يتغذون من إيحاء أبطال الجيل الجدد، وهم الشبان الذين أمسكوا سكينا وآمنوا بأن طعن اليهودي وقتله، وإن كان الثمن حياتهم، هو عمل جدير".
وعلى ضوء هذه الرؤية للوضع الفلسطيني، اعتبر الباحثان أن "إسرائيل فشلت في السنوات الأخيرة في وضع صندوق أدوات جديد، يكون ملائما لروح الفترة، ويركز على ممارسة جهود اقتصادية، اجتماعية، تربوية وإدراكية، بعدة وسائل من بينها الميديا الجديدة".
وتابعا أن "واقع السنوات الأخيرة قمع نمو وتطور قيادة فلسطينية محلية، منصتة لضائقة السكان، وشرعية وتشكل عنوانا للتحدث مع إسرائيل ولجم العنف. وبغياب أدوات جديدة وفي الوقت الذي لا توجد فيها استجابة ملائمة للقضية الفلسطينية، تظهر جليا العودة إلى صندوق الأدوات القديم، ويوجد في إسرائيل من يدفعون إلى إعادة تدوير خطط مثل ’السور الواقي’ التي تبلورت للرد على وضع مختلف من أساسه وتطبيقها قد يوضح أنها صفقة سيئة".
ورأى الباحثان أن "الضغوط التي تمارس على المستوى السياسي وجهاز الأمن للقيام بعمل ما، بمعنى القيام بإجراءات حاسمة ستغير قواعد اللعبة، من شأنها أن تمس بقدرة المستوى السياسي على ترجيح الرأي، وأن تؤدي إلى تقويض ضبط النفس ورد الفعل المسؤول الذي يمارس حتى الآن ودفعه إلى تبني منطق عمل ليس ملائما لجوهر موجة الإرهاب الحالية".
المصطلحات المستخدمة:
مكور ريشون, يديعوت أحرونوت, هآرتس, الإدارة المدنية, الليكود, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, يسرائيل كاتس, موشيه يعلون, أوفير أكونيس