المحر جنرال في الاحتياط، عاموس غلعاد، رئيس القسم الأمني- السياسي في وزارة الدفاع الإسرائيلية، إلى أن الحرب على غزة [التي استمرت خلال الفترة الواقعة بين 27/12/2008- 17/1/2009 تحت اسم "عملية الرصاص المسبوك"] كانت مرهونة، بالأساس، بوجود "مخطط" لدى حركة "حماس" يقضي بجعل سنة 2009 "سنة منعطف إستراتيجي، يكون نتيجة لتحقيق هدف السيطرة على السلطة الفلسطينية ومن ثم على منظمة التحرير الفلسطينية. وبذا يكون في إمكانها أيضًا أن تعمق أواصر العلاقة مع الإخوان المسلمين في الأردن ومصر". وشدّد على "أن يوم التاسع من كانون الثاني 2009 كان التاريخ المحدّد لانطلاق هذا المخطط، نظرًا لتزامنه، على المستوى الفلسطيني، مع انتهاء ولاية الرئيس محمود عباس (أبو مازن)". وفي رأيه فإن العملية العسكرية الإسرائيلية "جعلت من الصعوبة بمكان تنفيذ هذا المخطط"، وأدّت "إلى تراجع نفوذ حماس إلى حدّ كبير".
وقد وردت أقوال غلعاد هذه في سياق محاضرة ألقاها خلال يوم دراسي خاص بعنوان "الحرب في غزة- تقييم أولي ودلالات"، عقده "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب يوم 27 كانون الثاني 2009، بمشاركة مجموعة من الأكاديميين الخبراء الإسرائيليين في مجال الأمن القومي.
ووفقًا لغلعاد فإن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة حققت بضع نتائج "ظاهرة للعيان"، وتتلخص فيما يلي:
- باتت "حماس"، عقب العملية، منهمكة أكثر شيء في ترميم نفسها، وذلك من أجل أن تبني "كيان حماستان" في قطاع غزة من جديد، غير أنها في الوقت نفسه تواجه مشكلة جماهيرية عامة في هذا الشأن، في إثر الخسائر الفادحة التي تكبدتها والدمار الكبير الذي لحق بالقطاع. وهذه المشكلة ناجمة عن كون "حماس" [التي شدّد أكثر من متحدث في اليوم الدراسي على أنها حركة سياسية أيضًا] مهتمة كثيرًا بأن تتصرّف باعتبارها سلطة حاكمة.
- أظهرت العملية العسكرية الإسرائيلية خطأ بضع فرضيات أساسية لدى "حماس"، في مقدمها فرضية مؤداهـا أن إسرائيل لن تبادر إلى أي ردة فعل عسكرية على خرق التهدئة وإطلاق الصواريخ قبيل الانتخابات العامة [في 10 شباط 2009]، ولن تقوم بعملية عسكرية واسعة النطاق. وثمة فرضية أخرى فحواها أنها تملك القدرات العسكرية المطلوبة لمواجهة الجيش الإسرائيلي والمسّ به.
- لم تفلح "حماس" في تحقيق إنجازات تؤدي إلى اهتزاز "صورة الانتصار" الإسرائيلية، على غرار عمليات اختطاف جنود إسرائيليين.
علاوة على ذلك رأى غلعـاد أن "حماس" فشلت، أيضًا، في تحقيق غاية أخرى وصفها بأنها "إستراتيجية"، وهي تحويل معبر رفح إلى بوابة سياسية بين "كيان حماستان" ومصر، إذ أن هذه الأخيرة ظلت ترفض ذلك، وواصلت التمسك بالاتفاق الخاص في هذا الصدد منذ سنة 2005 [عقب تنفيذ خطة فك الارتبـاط مع غزة] والذي ينص على أن تكون المعابر إلى غزة خاضعة للسلطة الوطنية الفلسطينية.
لكن غلعـاد أكد أن المشكلة العويصة تبقى كامنة في "عمليات التهريب إلى قطاع غزة"، علمًا بأنها غدت هي أيضًا تخضع للعلاج المكثف في ظل "تطورين مهمين" اعتبرهما "في عداد النتائج المترتبة" على الحرب في غزة:
- التطور الأول هو حدوث تغيير كبير في موقف مصر إزاء "حماس"، إلى ناحية اعتبارها "عدوًا قوميًا وتهديدًا وطنيًا".
- التطور الثاني هو نشوء استعداد دولي غير مسبوق لمعالجة هذه المشكلة، ليس أبسطه مذكرة التفاهم الأميركية- الإسرائيلية في هذا الخصوص. وعلى حدّ قوله "لم تبد الأسرة الدولية في السابق مصلحة عميقة في التصدي لهذه المشكلة مثلما تبدي في الوقت الحالي".
وعلى صلة بما تقدّم كله رأى غلعـاد أن هناك تطورين آخرين لا يجوز المرور مرّ الكرام عليهما:
- الأول راجع إلى التغيير الكبير في موقف مصر، التي باتت تنظر إلى "حماس" باعتبارها "خطرًا وطنيًا" من شأنه أن يتصل بخطر الإخوان المسلمين ويهدّد استقرار النظام فيها. وذلك على خلفية بضعة عوامل منها "القيام بمحاولة المسّ بالحدود والسيادة المصرية". وذكر أن محادثاته الأخيرة مع المسؤولين المصريين "تعزّز الانطباع لديه بأن هناك تغييرًا جوهريًا في مقاربتهم إزاء حماس وعمليات التهريب". كما أن "السلوك الذي بدر عن المصريين، في أثناء الحرب على غزة، ينم عن تسامح كبير. ولا تزال مصر متصلبة إزاء حماس، وهي ليست مستعدة لتقديم أي شيء لها، لا في شأن فتح المعابر ولا في موضوع معبر رفح".
- أمّا التطور المهم الثاني فإنه يكمن في ازدياد القوى العربية التي ترى أن "حماس" هي ذراع إيرانيـة، كما انعكس الأمر في قمة السعودية. فإيران- على حدّ قوله- لا تزوّد "حماس" بالأسلحة فقط، وإنما أيضًا بالخبراء والمعارف الإنسانية والخطط الدفاعية فضلاً عن الأموا
وتساءل غلعـاد: هل يعني هذا كله أن عمليات التهريب ستتوقف بعد هذه الحرب؟. وأجاب عن هذا التساؤل بالقول: أعتقد أن التفاهمات التي تم التوصل إليها مع مصر ومع الأسرة الدولية قد أوجدت بنية تحتية مكينة من أجل تحقيق تقدّم مهم في هذا الموضوع، وهي لم تكن قائمة من قبل، لكن ما يقرّر في المستقبل هو مدى تطبيق ذلك ميدانيًا وامتحـان النتيجة.
وأعرب غلعاد عن اعتقاده بأن "حماس" ليست معنية الآن بأن تهاجم إسرائيل، في ضوء انهماكها في ترميم نفسها ومكانتها. كما أن من شأن القيام بأي عملية عسكرية من القطاع [على غرار العملية التي حدثت في يوم انعقاد اليوم الدراسي في معبر "كيسوفيم"] أن تستجرّ ردّة فعل إسرائيلية لا تشمل إغلاق المعابر فقط، وهو أمر تدركه "حماس" جيدًا لكونه يندرج في إطار تغيير "قواعد اللعب".
ولدى تطرقه إلى مصير الجندي الإسرائيلي الأسير لدى "حماس"، غلعاد شاليت، قال عاموس غلعاد: "هناك اتفاق إسرائيلي عام على ضرورة الإفراج عنه. وهذا مشروع وطني. وهناك طرق تقليدية لتحقيق ذلك"، في إشارة إلى تأييده التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى في أقرب فرصة.
"المستحقات المطلوبة" بدأت متأخرة!
تركزت محاضرة الجنرال في الاحتياط، غيورا أيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي والباحث في المعهد، في "أهداف الحرب ومدى تحقيقها".
وقد أجرى مقارنة سريعة بين العملية العسكرية في غزة وبين حرب لبنان الثانية [في صيف 2006]، مؤكدًا أنه في الإجمال العام طرأ تحسن ما على أداء المؤسسة السياسية الإسرائيلية، غير أنه اعتبر أن "المستحقات المطلوبة" لعملية عسكرية من هذا القبيل، في معظمها، بدأت متأخرة، وهو ما أدى إلى إطالة أمد الحرب أسبوعًا واحدًا على الأقل.
وفي رأيه ظلت الحرب في غزة تفتقر إلى هدف محدّد حتى بعد مرور أسبوعين على اندلاعها، وفي أثناء ذلك ظل الهدف الغالب على الخطاب العام هو "جعل حماس تتخلى عن الرغبة في مهاجمة إسرائيل".
وقال أيلاند إن أي عملية عسكرية لا بُدّ أن تتوافر على ثلاثة عناصر محدّدة، هي الهدف والمهمات [التي في وسعها أن تحقق الهدف] والطريقة [التي يتعين تنفيذ المهمات بواسطتها]. وقد كانت هناك جدالات بشأن هذه العناصر الثلاثة، حتى عقب البدء بالحرب.
وتراوح الجدل بشأن الهدف بين جعل "حماس" تتخلى عن الرغبة في القتال، في الحدّ الأدنى، وبين القضاء على سلطتها في غزة، في الحدّ الأقصى.
أمّا الجدل بشأن المهمات التي يتعين القيام بها فقد تركز، في معظمه، حول موضوع منع عمليات التهريب إلى القطاع، وفيما إذا كان موضوع من هذا القبيل يعتبر هدفًا لمهمة عسكرية صرفة أو لمهمة سياسية؟.
وتطرّق الجدل الخاص بالطريقة، بطبيعة الحال، إلى مسألة الاكتفاء بتفعيل سلاح الجو أو القيام بعملية عسكرية برية.
وأوضح أن الجدل وإرجاء الحسم في هذه العناصر الثلاثة أديـا، في الوقت نفسه، إلى تأخر العملية السياسية.
ووجه أيلاند انتقادات شديدة إلى المؤسسة السياسية الإسرائيلية، التي علاوة على ما ذكره أعلاه، لم تكن مجهزة بخطط سياسية قبل العملية العسكرية، مؤكدًا أنه كان يتعين على هذه المؤسسة أن تقوم بذلك قبل فترة طويلة، خصوصًا في ضوء واقع "أن النتائج العسكرية للحرب في غزة كانت معروفة منذ وقت طويل". وعلى الرغم من ذلك فقد ظلت "الترويكـا" السياسية الإسرائيلية، المؤلفة من رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، ووزير الدفاع، إيهود باراك، ووزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، منشغلة في أول أيام الحرب بالتقارير الاستخبارية لا بالموضوعات التي يتولون المسؤولية المباشرة عنها.
وقد رأى أيلاند أنه بعد التأخير السالف جرى تحديد أهداف الحرب على غزة في ثلاثة أهداف رئيسة:
- الهدف الأول: تحقيق الهدوء على الجبهة الجنوبية لفترة طويلة.
- الهدف الثاني: وقف عمليات التهريب إلى القطاع.
- الهدف الثالث: الإفراج عن الجندي غلعاد شاليت.
وأعرب عن اعتقاده بأن الحرب حققت الهدف الأول فقط.
ويعود عدم تحقيق الهدف الثاني إلى سببين: الأول- انعدام أي مصلحة مصرية قومية في محاربة عمليات التهريب؛ الثاني- الفوائد الاقتصادية المترتبة على عمليات التهريب هذه بالنسبة إلى أطراف عديدة، خصوصًا في مصر. كما أكد أنه من الناحية الجغرافية يستحيل منع عمليات التهريب في محور فيلادلفي، ولذا فإن المفتاح يبقى في يد مصر وحدها. وإسرائيل تملك أن تمارس الضغوط على مصر في هذا الشأن من خلال "عدم فتح المعابر" على الأكثر، نظرًا لكون فتحها يعتبر مصلحة مصرية كي تتحمل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن توفير احتياجات السكان في غزة.
واقترح أيلاند، بخصوص شاليت، رهن قضيته أيضًا بموضوع فتح المعابر، باعتبار أن استمرار احتجازه هو "قضية إنسانية" من ناحية إسرائيل.
أخيرًا عرض أيلاند على المؤسسة السياسية الإسرائيلية أن تعيد دراسة موقفها من "حماس"، إلى ناحية "التسليم بسلطتها في غزة"، ذلك أنه يظل "من الأسهل، على الدوام، أن تواجه جسمًا سياسيًا يحمل طابعًا سلطويًا، يكون مسؤولاً عن غزة، من أن تواجه منظمة إرهابية".
إسرائيل لا تملك أي رؤيـا بشأن "ما بعد الحرب"!
أكد العميد في الاحتياط، شلومو بـروم، رئيس برنامج علاقات إسرائيل والفلسطينيين في "معهد دراسات الأمن القومي"، أن إسرائيل لا تملك أي رؤيـا محددة بشأن كيفية تأثير الحرب في غزة على الموضوعات التالية:
- هل حققت الحرب ميزان ردع في مواجهة "حماس" في غزة؟.
- ما هو تأثيرها على مستقبل "حماس"، من جهة وعلى مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية، من جهة أخرى؟.
- ما هو مصير الحوار بين "فتح" و"حماس"؟ [في هذا الشأن أعرب المحاضر عن اعتقاده بأن حوارًا كهذا لن يتم في غضون الأشهر القليلة المقبلة، وذلك لافتراضه أن "حماس" لن يكون في وسعها أن تدخل فيه من موقع قوة].
- كيف سيتأثر مستقبل العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين [رجحّ أن يساعد استتباب الهدوء في الجبهة الجنوبية في دفع هذه العملية قدمًا، على الرغم من أن هذه السيرورة تظل مرهونة أيضًا بموقف الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة باراك أوبـاما، وبنتائج الانتخابات الإسرائيلية العامة].
- ما هي احتمالات حدوث تغييرات داخلية في حركة "حماس"، يمكن اعتبارها إيجابية من ناحية إسرائيل؟ [أكد أن العامل الأكثر تأثيرًا هنا هو واقع أن قيادة "حماس" في دمشق هي التي تسيطر على الأموال].
من جانبه رأى البروفسور آشير ساسير، الباحث في "مركز موشيه ديان" في جامعة تل أبيب، أن الحرب في غزة هي الحرب الثانية في الشرق الأوسط "التي لا يكون العالم العربي طرفًا فيها"، وكانت الحرب الأولى هي حرب لبنان الثانية، التي اعتبرها حربًا إسرائيلية- إيرانية، تمامًا مثل الحرب في غزة.
وتطرّق ساسير أيضًا إلى النفوذ المتصاعد لدولة غير عربية أخرى، هي تركيا، في تحديد جدول الأعمال الإقليمي، علاوة على نفوذ دولتين غير عربيتين أخريين هما إسرائيل وإيران في تحديد الأجندة نفسها. لكنه أكد أن من السابق لأوانه الآن أن نعتبر فيما إذا كان هجوم رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغـان، على إسرائيل جزءًا من سيرورة أسلمـة تركيا وانحسار نظامها العلماني، أو مجرّد أزمة في الإمكان تجاوزها، كما جرى تجاوز أزمات مماثلة في الماضي. لكنه اعتبر أن أكثر ما يميز تركيـا الآن هو كونها نيو عثمانية، تنظر إلى الحيز الإسلامي باعتباره امتدادًا لها ما دامت تشعر أن أوروبـا ترفضها، وهي ترفضها فعلاً.
وفي رأي ساسير هناك عدم وضوح في التوجهات المستقبلية للسياسة الخارجية في تركيا. وإن هذا يبقى مرهونًا بعدد من الأمور مثل كيفية تطور "أزمة الهوية التركية"، وتأثير صعود نفوذ التيارات الإسلامية والقومية المتطرفة في تركيا، ناهيك عن الانعكاسات السلبية لعدم انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
وأضاف أن أوضاع العروبة تستحق الرثاء. كما أن إحدى أبرز نتائج الحرب الأخيرة تتجسد في تقويض الإجماع العربي من حول مبادرة السلام العربية. أمّا المشكلة الرئيسة، التي تواجه الحركة الوطنية الفلسطينية الآن، فهي "هوية الجهة التي تمثل الفلسطينيين". وفي قراءته فإن منظمة التحرير الفلسطينية تأسست من أجل تحقيق ثلاث غايات هي: الوحدة الوطنية؛ وحدانية التمثيل؛ القرار المستقل، و"حاليًا لم يعد هناك شيء يذكر منها".
وقدّم د. عوديد عيران، رئيس "معهد دراسات الأمن القومي"، محاضرة حول ردات الفعل الدولية على الحرب في غزة. وأشار، على وجه التحديد، إلى حدوث أضرار سياسية من ناحية إسرائيل على المستوى الدولي ترتبت على ثلاثة أمور شهدتهـا الحرب:
- الأول: قضية الرد العسكري الإسرائيلي غير المتكافئ.
- الثاني: التعرّض لمؤسسات دولية في القطاع، على شاكلة المدرسة التابعة لوكالة "أونـروا".
- الثالث: استعمال أنـواع معينة من الأسلحة.
كما أكد أن موضوع العلاقات الإسرائيلية- التركية هو موضوع مهم للغاية على المستوى الإستراتيجي، خصوصًا وأن محاولة تركيا أن تتوسط خلال الحرب في غزة لم يحالفها النجاح، أساسًا بسبب الموقف المصري. كما أن وساطتها في المحادثات غير المباشرة بين إسرائيل وسورية معرضة للانتهـاء، في ضوء مطالبة سورية أن تتم هذه المحادثات، في حال استئنـافها، برعاية الولايات المتحدة، في إثر تغيير إدارتها.
الاحتلال الإسرائيلي في غزة لم ينته
استهل البروفسور يورام دينشتاين، الخبير في شؤون القانون الدولي ورئيس جامعة تل أبيب سابقًا، محاضرته بالتوكيد على أن الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة لم ينته بعد، على الرغم من تنفيذ خطة فك الارتباط الأحادية الجانب. غير أن الحكومة الإسرائيلية تعتقد بأنه انتهى، كما أنها أقنعت المحكمة الإسرائيلية العليا بهذه المقاربة.
وقال إن أي احتلال يصل إلى نهايته المنطقية والقانونية في واحدة من حالتين: الأولى- التوصل إلى اتفاق ثنائي في هذا الشأن، والثانية- انسحاب الطرف المحتل بصورة كاملة من الأرض التي كان يحتلها. وإسرائيل لم تقدم لا على الحالة الأولى ولا على الحالة الثانية. كذلك فإنها حافظت على "الغلاف الاحتلالي" المحيط بالقطاع، بعد فك الارتباط، من البرّ والبحر والجوّ. وبالتالي فقد أبقت على هذا الاحتلال، غير أنه أصبح يُدار بجهاز تحكم عن بعد، إذا ما صحّ التعبير. كما أن أحد مظاهر استمرار الاحتلال الإسرائيلي للقطاع يتمثل في احتفاظ إسرائيل بـ "الحق" في أن ترسل قواتها العسكرية إلى القطاع متى تشاء. وبنـاء على ذلك فإنها بقيت وتبقى مسؤولة، أولاً وأخيـرًا، عن الجوانب الإنسانية كلهـا، ويتعين أن تبقى المعابر مفتـوحة، لتلبية الحاجات المترتبة على هذه الجوانب.
إلا أنّ المحاضـر نفى، جملة وتفصيلاً، أن تكون إسرائيل ارتكبت جرائم حرب في القطاع في أثناء عملية "الرصاص المسكوب" على المستوى العام، وذلك وفقًـا للتعريف القانوني المخصوص بشأن هذه الجرائم في "أنظمة الحرب" المرعية على الصعيد الدولي. وأوضح أن العدد شبه المتساوي للقتلى الفلسطينيين المدنيين والقتلى الفلسطينيين الذين في الإمكان اعتبارهم جزءًا من المجهود الحربي للطرف الآخر، يؤكد أن سلوك إسرائيل كان "ممتازًا"، بل يمكن القول إن "الأميركيين يتطلعون إلى أن يكون سلوكهم على هذا النحو في العراق وأفغانستان". في الوقت نفسه لا توجد هناك أي حاجة لأن يكون تكافؤ بين الطرفين، ولجوء إسرائيل إلى استعمال القوة المفرطة والنيران الكثيفة قانوني للغاية، وقد سبقتها الولايات المتحدة إلى هذا الأسلوب في كوسوفو وكانت الذريعة هي عدم تكبيد الجيش الأميركي خسائر بشرية فادحـة.
أمّا على المستوى التفصيلي فلم يكن في الإمكان معرفة الحالات التي لقي مدنيون أبرياء مصرعهم خلالها، بسبب التعتيم المطلق الذي فرضته المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على العملية العسكرية. وهناك حالة واحدة ثمة شك بشأنها هي حالة المدرسة التابعة لمؤسسة "أونروا"، والتي قيل إن الجيش الإسرائيلي يحقق فيها.
كما رفض هذا الخبير المزاعم التي قالت إن إسرائيل استعملت أسلحة محرمة دوليًا، وخصوصًا القنابل العنقودية. وقال إن الجيش استعمل قنابل فوسفورية لكن كانت بغاية الإضاءة وهي ليست سلاحـًا في عرف القانون الدولي مع أنه قد يكون فتاكـًا، تمامًا مثل الأعيرة المطاطية.
وفي رأيه فإن اتهـام إسرائيل بارتكـاب جرائم حرب في أي عمليـة عسكرية تقوم بها ناجم عن ثلاثة عوامل: الأفكـار المسبقة؛ انعدام المعلومات الدقيقة؛ الخلط الكبير بين موضوع حقوق الإنسان وموضوع أنظمة الحرب. لكن تبقى المشكلة، بحسب قراءته، أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تروّج أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب، وتخف وسائل الإعلام في العالم إلى اقتباس ذلك، من دون أن تراعي أن هذا الاتهام لا أساس من الصحة له.