تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1482

يتناول هذا التقرير الخاص الصادر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار- الاستيطان الإسرائيلي الهادف إلى تهويد المكان والذي يجري على قدم وساق في مناطق تقع داخل الخط الأخضر، وخصوصا في منطقتي الجليل والنقب. ورغم أنه لا يتقيد بالخارطة الهيكلية العامة لإسرائيل إلا أن عدة دوائر حكومية تسهم في دعم هذا الاستيطان.

كتب: بلال ضاهر

لا يقتصر الاستيطان التهويدي، ولا حتى إنشاء البؤر الاستيطانية ("غير القانونية" بحسب القاموس الإسرائيلي الرسمي في ظاهره)، على الضفة الغربية المحتلة فقط. بل إنه جار وبشكل حثيث في مناطق تقع داخل الخط الأخضر، وخصوصا في منطقتي الجليل والنقب.

وقد تم مؤخرا إطلاق حملة إعلامية واسعة غايتها تشجيع العائلات اليهودية في إسرائيل على الانتقال للسكنى في النقب، ضمن مشروع تهويده، بمعنى زيادة نسبة السكان اليهود فيه. ورغم أن عددا من المستوطنات، في النقب، يتم إنشاؤه من دون التقيد بالخارطة الهيكلية العامة لإسرائيل، المعروفة باسم "تاما- 35"، إلا أن عدة دوائر حكومية تسهم في إنشاء هذه المستوطنات بالإضافة إلى هيئة خاصة واحدة هي جمعية "أور- الحركة من أجل المهمات الوطنية في أرض إسرائيل".

 

"حركة أور"- أكثر الجهات تأثيرا في مجال التخطيط والبناء الاستيطاني

جرى في الأسبوع الحالي، وتحديدا في يوم الاثنين (20/8/2007)، تدشين أعمال البنية التحتية في مستوطنة "غفعات بار" في النقب. وأعلن مدير عام "حركة أور"، روني بالمار، في حفل تدشين المستوطنة، أن حركته جندت بالمشاركة مع صندوق JNF الأميركي مبلغ 600 مليون دولار "لتطوير" الاستيطان في النقب. وأوضح أن هذا المبلغ سيشكل جزءا من النشاط المتشعب للحركة في نطاق حملتها الاستيطانية في النقب والجليل.

وأفاد تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" مؤخرا بأن "حركة أور" أصبحت في الأعوام الأخيرة واحدة من أكثر الجهات تأثيرا في مجال التخطيط والبناء الاستيطاني في إسرائيل، والجهة الوحيدة التي تسيطر على المشروع الاستيطاني في النقب والجليل. ورغم أن نشاطها يتم بالتعاون والتنسيق مع الدوائر الحكومية الإسرائيلية، إلا أن هذا النشاط لا يتناسب مع إجراءات التخطيط المطلوبة ويتم البدء في أعمال تمهيدية وبنية تحتية لإنشاء مستوطنات من دون الأخذ بالحسبان عدة اعتبارات، مثل ضرورة الحفاظ على مناطق مفتوحة ومحميات طبيعية.

 

الجدير بالذكر أن السلطات الإسرائيلية وأذرعها المختلفة التي تشمل مؤسسات صهيونية كبيرة، مثل "كيرن كاييمت ليسرائيل"- الصندوق الدائم لإسرائيل- و"الوكالة اليهودية"، إضافة إلى "دائرة أراضي إسرائيل"، تشن في السنوات الأخيرة حملة مسعورة ضد المواطنين العرب البدو في النقب الذين يسكنون في القرى غير المعترف بها. ويبلغ عدد القرى العربية غير المعترف بها في النقب حوالي 35 قرية. وتمثلت الحملة السلطوية في البداية في محاولات إقناع البدو بالرحيل عن قراهم وتجميعهم في أربع أو خمس بلدات جديدة، ثم انتقلت السلطات إلى حملات هدم البيوت بحجة أن بناءها غير قانوني، بسبب عدم وجود خرائط هيكلية في هذه القرى. لكن السلطات الإسرائيلية بدأت في العام الأخير بعمليات هدم أحياء في القرى غير المعترف بها. ولا تخفي السلطات الإسرائيلية أن هذه الحملة تهدف إلى ترحيل العرب من قراهم وأراضيهم من أجل إقامة مستوطنات يهودية جديدة أو مزارع فردية، لليهود فقط، فيها.

 

بتشجيع من أريئيل شارون

يزعم مؤسسو "حركة أور" بأن حركتهم ليست سياسية. لكن تقريرا سبق أن نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت (بتاريخ 29/5/2005) أشار إلى أن الشبان الأربعة الذين أسسوا الحركة هم خريجو وحدات قتالية في الجيش الإسرائيلي، من الذين "يعتمرون القلنسوات المحاكة". وهذه "القلنسوات المحاكة" تشير في الواقع إلى هوية سياسية بارزة للغاية، إذ أن من يضعونها على رؤوسهم هم أتباع التيار الديني- القومي الصهيوني المعروف بأنه الجناح اليميني المتطرف في الحلبة السياسية الإسرائيلية، ويمثله خصوصا حزب المفدال. وكان هذا التيار هو المبادر إلى إنشاء حركة "غوش إيمونيم" الاستيطانية المتطرفة التي عملت منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967 على تكثيف الاستيطان فيهما.

وقال تقرير "يديعوت أحرونوت" إنه قبل سبعة أعوام، اجتمعت مجموعة من رجال الأعمال في منزل رجل الأعمال مردخاي زيسر في مدينة بني براك مع أريئيل شارون، الذي كان يشغل في حينه منصب وزير البنى التحتية في حكومة بنيامين نتنياهو. وقبل بدء الاجتماع اصطحب زيسر شارون إلى غرفة أخرى في المنزل وجمعه مع الشبان الأربعة المؤسسين حديثا لـ"حركة أور". وروى الشبان لشارون أنهم بعد خروجهم من الخدمة العسكرية راحوا يتجولون في النقب والجليل طوال ستة شهور والتقوا أشخاصا ودرسوا الأوضاع وبحثوها وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أنه يتوجب جذب اليهود للاستيطان في النقب والجليل، وأنه "هكذا فقط يمكن إنقاذ الدولة". واستعرض الشبان أمام شارون خطط عمل وطلبوا تأييده لها. وأوضحوا أنهم لم يرغبوا بالذهاب للاستيطان في الضفة والقطاع وإنما في الجليل والنقب كونهما يشكلان 80% من احتياطي الأراضي داخل حدود إسرائيل 1967.

من جانبه رد شارون على الشبان الأربعة المؤسسين للحركة الاستيطانية "أور" بحماس شديد، وهو المعروف بنشاطه الاستيطاني الأوسع بين جميع القادة الإسرائيليين. وقال شارون لزيسر "إنني لا أعرف ما الذي سينجم عن التقاء كل أصحاب رؤوس الأموال هنا" في إشارة إلى رجال الأعمال الذين جاء للقائهم. وأضاف "لكني عقدت هذا المساء أهم صفقة مع هؤلاء الشبان الأربعة"، في إشارة إلى مؤسسي الحركة الاستيطانية الجديدة.  

 

إنشاء 7 مستوطنات خلال 7 أعوام!

بعد سبعة أعوام على تأسيس "حركة أور"، في نهاية تسعينيات القرن الماضي، كانت هذه الحركة قد أنشأت سبع مستوطنات، خمس مستوطنات في النقب واثنتان في الجليل هما "ميخال" و"متسبيه عيرون". وقد تمت إقامة هذه المستوطنات بالتعاون مع الحكومات الإسرائيلية. وبحسب التقارير الصحافية فإن مدير عام "حركة أور"، روني بالمار، يجتمع بشكل دائم مع قادة إسرائيل وحتى أنه يشارك أحيانا في اجتماعات الحكومة الإسرائيلية واجتماعات اللجان الوزارية. ومن بين الوزراء والمسؤولين الإسرائيليين الذين يدعمون الحركة الاستيطانية وقدموا ويقدمون المساعدات لها: أريئيل شارون وشمعون بيريس (رئيس الدولة الإسرائيلي الحالي) وإسحق هرتسوغ ورون لاودر (رجل الأعمال المقرب من رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو) وستيف فرتهايمر (الذي يعتبر اليوم صاحب أكبر ثروة في إسرائيل) ورحبعام زئيفي (الذي اغتيل في العام 2001) وغيرهم.

المستوطنة الأولى التي أقامتها "حركة أور" حملت اسم "سنسانا" عند سفوح جبال الخليل وكان ذلك في العام 1999. وقد نجح المؤسسون الأربعة في إقناع أزواج شابة من مدن رمات غان وبيتح تكفا ورحوفوت والقدس بالانتقال للسكنى في النقب، إضافة إلى سكنهم هم أنفسهم في هذه المستوطنة. ويزيد عدد سكان هذه المستوطنة اليوم عن 250 شخصا يعيش معظمهم في بيوت متنقلة (كرافانات). ويتم بناء فيللات في المستوطنة المعدة لسكن 2200 شخص.

ويدل نشاط "حركة أور" على مدى ارتباطها مع الحركة الاستيطانية في الضفة الغربية. ففي العام 2001 أقامت الحركة مع عدد من المستوطنين المتدينين في الضفة مستوطنة "ميرحاف- عام" قرب القرية التعاونية (كيبوتس) سديه بوكير وبلدة يروحام في النقب. ويزيد عدد السكان في هذه المستوطنة عن 130 شخصا. كذلك شاركت الحركة بعد عام واحد في إقامة مستوطنة "بئير ميلكا" في النقب أيضا والتي يسكنها أكثر من 35 شابا من اليهود العلمانيين ويتم تسويق 50 قطعة أرض فيها للبناء الفردي.   

وفي العام 2004 أقامت الحركة مستوطنة "جفاعوت- بار" بالتعاون مع مستوطنين من الضفة الغربية ويسكنها أكثر من 100 شخص. كذلك أقاموا في العام ذاته مستوطنة "خروب" في منطقة شقيب السلام. وهذه المستوطنة تضم أكثر من 70 شخصا من العلمانيين والمتدينين اليهود ومُعدة لاستيعاب 110 ساكن.

الجدير بالذكر أن أسلوب عمل "حركة أور" يتم من خلال الاستيلاء على نقطة ما في الأرض وبعد ذلك تبدأ أعمال إعداد الأرض للسكنى، علما أن خطة "تاما- 35" تؤكد أنه لا توجد حاجة لإقامة بلدات جديدة في إسرائيل وإنما توسيع البلدات القائمة.

 

وتشير عملية إقامة البؤرة الاستيطانية العشوائية "متسبيه عيرون" في منطقة المثلث الشمالي إلى أسلوب عمل الحركة الاستيطانية. فقد حضر حفل إقامة البؤرة في العام 2003 شاؤول موفاز الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع في حينه. وقد قررت وزارة الدفاع جعل "متسبيه عيرون" بلدة مدنية والاعتراف بها بموجب قرار رئيس الحكومة شارون.

إضافة إلى إقامة مستوطنات جديدة تعمل "حركة أور" على إقامة أحياء جديدة لتعزيز مستوطنات قائمة منذ أعوام طويلة. ومن أجل تشجيع الإسرائيليين على الانتقال من وسط البلاد للسكنى في النقب تعمل "حركة أور" على دفع برامج أخرى لضمان حياة مستقرة للمستوطنين الجدد في النقب. وتقوم الحركة بالتعاون مع الحكومة الإسرائيلية بفتح مدارس ورياض أطفال. كما تعلن الحركة بشكل متواصل عن مخزون الوظائف في المؤسسات العامة والشركات الخاصة التي تتواجد مقراتها أو فروعها بالقرب من المستوطنات الجديدة وذلك لتوفير العمل لسكان المستوطنات الجدد. إضافة إلى ذلك تنشط الحركة في إقناع شركات ومصانع على نقل مقراتها ومصانعها إلى النقب لتوفير فرص عمل.

 

إلحاق أضرار بالطبيعة

أثارت إقامة المستوطنات الجديدة داخل الخط الأخضر، وخصوصا إقامة البؤرة الاستيطانية "متسبيه عيرون"، احتجاجا لدى جمعية حماية الطبيعة في إسرائيل التي عبرت عن معارضة شديدة لنشاط "حركة أور" وحتى أنها قدمت التماسا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد إقامة "بؤرة متسبيه عيرون".

وجاء في التماس جمعية حماية الطبيعة أن "الخطوة التي أقدمت عليها ("حركة أور") في عيرون شبيهة بالخطوات التي يتم الإقدام عليها لدى إقامة بؤر استيطانية غير قانونية في الضفة الغربية، حيث يتم هناك فرض واقع على الأرض. والخطوات (الحكومية) التي أدت إلى إقامة البؤرة وتمدينها ليست قانونية بالتأكيد". وعلى أثر ذلك وجهت المحكمة العليا انتقادات شديدة إلى أداء الحكومة في هذه القضية وعلى ضوء ذلك أمر المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، مناحيم مزوز، بنقل المستوطنين في "متسبيه عيرون" إلى البلدة القريبة حريش، الواقعة على الخط الأخضر في منطقة المثلث الشمالي. لكن هذا القرار لم ينفذ بعد بادعاء عدم التنسيق بين الوزارات المختلفة. وهذا الادعاء يشير إلى مماطلة، كتلك الحاصلة في إخلاء بؤر استيطانية عشوائية في الضفة رغم تعهدات إسرائيل، وذلك على أمل جعلها مشروعة.

 

شبهات بأعمال فساد

وكان مراقب الدولة الإسرائيلي السابق، القاضي المتقاعد  إليعازر غولدبرغ، قد تطرق في أحد تقاريره، في العام 2005، إلى نشاط "حركة أور" وانتقد العلاقة بين هذه الحركة الاستيطانية والوزارات الحكومية. وليس صدفة أن انتقادات غولدبرغ وُجهت خصوصا إلى وزارة الإسكان التي كان على رأسها إيفي إيتام، زعيم حزب "الاتحاد القومي" اليميني المتطرف والذي يسكن بنفسه في مستوطنة في الضفة الغربية.

وقال مراقب الدولة في تقريره إن وزارة الإسكان وقعت في العام 2002 على اتفاق مع "حركة أور" لإقامة جميع المستوطنات الجديدة داخل الخط الأخضر، على الرغم من أن الحركة لم تظهر أية خبرة في إقامة تجمعات سكنية وتفتقر إلى الخبرة والتجربة في تخطيط وإدارة المشاريع.

وأشار مراقب الدولة في تقريره إلى شبهات بخرق القانون من خلال أعمال فساد، على ضوء أنّ مؤسسي "حركة أور" مرتبطون بأربع شركات، غايتها كسب الربح من مشاريع في بلدات يتم إقامتها، الأمر الذي ينطوي على تعارض مصالح.

وفي الفترة التي سبقت تنفيذ خطة فك الارتباط، التي تمّ خلالها إخلاء المستوطنات من قطاع غزة في صيف العام 2005، وجهت وزارة تطوير النقب والجليل، التي كان يتولاها شمعون بيريس، المستوطنين في القطاع إلى "حركة أور" وإلى غرفة الطوارئ التي أقامتها الحركة. وقد كانت هذه الحركة ضالعة في وساطة بين إدارة كيبوتس شومرية، داخل الخط الأخضر، والمستوطنين الذين تم إخلاؤهم من مستوطنة عتسمونة في القطاع. وبموجب الاتفاق فإنه تم إخلاء الكيبوتس ليستوعب المستوطنين، بينما تقوم الحركة باستئجار كرافانات يتم نقل سكان الكيبوتس للإقامة فيها.

وأشارت تقارير صحافية إسرائيلية متطابقة إلى صعوبة تقدير حجم الأموال التي جرى تداولها بين أقسام "حركة أور"، لكن التقديرات تشير إلى أنها تتراوح بين مئات الآلاف وملايين الشيكلات.