تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 2637

تتباهى إسرائيل، وبحق، بأن صناعة الهايتك (التكنولوجيا الرفيعة) لديها هي "قصة نجاح" و"نموذج يُحتذى به" بين الدول المتطورة في العالم.
وتساهم هذه الصناعة بشكل كبير في رفع المستوى الاقتصادي للمدن والبلدات التي تتواجد فيها شركات الهايتك، وفي رفع المستوى الاجتماعي - الاقتصادي في المدن والبلدات التي يسكنها العاملون في هذه الشركات، عدا عن رفع مدخول الدولة من أرباح هذه الصناعة. لكن الحكومات المتعاقبة والمؤسسة الاقتصادية في إسرائيل تمارسان سياسة إقصاء بحق المهندسين والأكاديميين العرب المتخصصين في صناعة الهايتك.


ووضع "مركز الأبحاث والمعلومات" التابع للكنيست، في نهاية شهر تموز من العام 2010، دراسة بعنوان "تشغيل العرب في صناعة الهايتك في إسرائيل" وقدمه إلى لجنة العلوم والتكنولوجيا البرلمانية، التي أجرت بحثا بعنوان "من أصل 150 ألف عامل في فرع الهايتك يوجد 460 عربيا فقط" بادر إليه عضو الكنيست حنا سويد.

ووفقا لهذه الدراسة فإنه في العام 2008 استثمرت إسرائيل نسبة 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي في الأبحاث والتطوير، وهي نسبة مرتفعة مقارنة مع دول متطورة مثل السويد (3.8%) وفنلندا (3.7%) وكوريا الجنوبية (3.5%) واليابان (3.4%). بينما تراوحت هذه النسبة في الدول الأعضاء في منظمة OECD ما بين 1% إلى 3%. وجزء كبير من الأبحاث والتطوير تم تنفيذه في إطار صناعة الهايتك.

وأضافت الدراسة أن صناعة الهايتك في إسرائيل هي عامل مركزي في فرع الصادرات، وفي العام 2008 شكلت صادرات الهايتك 43% من الصادرات الصناعية و31% إضافية من الصادرات الصناعية التكنولوجية المتعلقة بالهايتك. وأشارت الدراسة إلى أن للهايتك تأثيرات إيجابية أخرى على الاقتصاد، بينها نشوء أماكن عمل ترافق صناعة الهايتك وتمنحها خدمات ويشارك في ذلك أصحاب مهن أخرى، بنسبة ثلاثة إلى خمسة عاملين مقابل كل عامل في الهايتك. ورغم ذلك فإن 11% فقط من مجمل المستخدمين في إسرائيل يعملون في مجالات الهايتك. ولذلك رأت الدراسة أنه "ينبغي العمل من أجل زيادة تأثير فرع الهايتك على مجموعات سكانية أخرى، وبضمنها العرب".

 "أمة الستارت أب"

وأشار سامي سعدي، وهو مدير ومؤسس مشارك في "تسوفين - مراكز التكنولوجيا العليا"، في مقال نشره في نيسان الماضي، إلى الدور المتقدم لصناعة الهايتك، والتي "باتت تحتل بلا منازع المركز الأول في العالم من الناحية الاقتصادية، لتسبق بذلك صناعتي النفط والسيارات اللتين تحلان في المركزين الثاني والثالث، حيث يقدر نصيب الصناعة التكنولوجية من مجمل الناتج القومي العالمي بـ5 تريليون دولار سنوياً، فيما يقدر نصيب صناعة النفط بـ 3 تريليون دولار ونصيب صناعة السيارات بـ 1.5 تريليون دولار".

وأضاف سعدي أن إسرائيل هي "معجزة في صناعة الهايتك العالمية، وهي تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في مجال الصناعات التكنولوجية المتقدمة، وهي ثاني أكبر مركز للتطوير بعد وادي السيليكون في كاليفورنيا. واليوم، الهايتك هو الدولاب الأساس الذي يدفع قدماً بعجلة الاقتصاد والنمو في إسرائيل، حيث وصل مجمل إنتاج صناعة الهايتك في العام 2012 إلى 25 مليار دولار، أي ما يعادل 50% من صادرات الصناعة في إسرائيل، إضافة إلى النمو السنوي بمعدل 15% سنوياً".

ولفت سعدي إلى أن "الصناعات الحربية الإسرائيلية وضعت حجر الأساس لهذه الصناعة، وخرًّجت الآلاف من المهندسين والمتخصصين إلى سوق العمل المحلية والعالمية. إلا أنه ومنذ نهاية الثمانينيات بدأ الاتجاه بالتحول أكثر إلى التكنولوجيا ذات الطابع المدني، واليوم [يوجد] في إسرائيل أكثر من 3500 شركة في مجال الهايتك، تعد 500 شركة من بينها من الشركات الكبرى (حجم مبيعاتها السنوية يفوق 20 مليون دولار)، وتقسم تخصصات هذه الشركات على النحو التالي: 1050 شركة في مجال الانترنت، 1010 شركات في مجال تطوير البرمجة، 710 شركات في مجال الاتصالات، 400 شركة ستارت أب [أي شركات ناشئة]، 413 شركة في مجال التكنولوجيا الطبية".

وأضاف أنه إلى جانب هذا العدد الهائل من شركات الهايتك الإسرائيلية، فإن هناك "عشرات الشركات العالمية، التي تواصلت مع حمى الهايتك الإسرائيلي وافتتحت العديد من مراكز التطوير والفروع مثل IBM و INTEL و MICROSOFT و Apple التي افتتحت مركزها في حيفا السنة الماضية. ولو نظرنا إلى تأثير شركة إنتيل خصوصاً كشركة عالمية رائدة، نجد أن دخولها إلى السوق الإسرائيلية منذ نهاية الثمانينيات، شق الطريق لقدوم العشرات من الشركات العالمية والتي هيأت إلى جانبها نشوء عشرات ومئات الشركات الإسرائيلية الجديدة. فشركة إنتيل وحدها تساهم بـ 10% من الصادرات الصناعية الإسرائيلية، و 20% من صادرات الهايتك الإسرائيلي، وبلغت صادراتها العام 2012 ما يعادل 4.6 مليار دولار، وتوظف الشركة اليوم 8500 عامل في البلاد، ولها تأثير غير مباشر على 23000 عامل آخر في صناعة الهايتك".

وأشار سعدي إلى أن "عاملا هاما آخر ساهم في تعزيز صناعة الهايتك الإسرائيلية وترسيخ قدرتها على مجاراة الدول الأخرى، كان ضخ دفعة كبيرة من المهندسين والعلماء من المهاجرين الروس لصناعة الهايتك الإسرائيلية في بداية التسعينيات، حيث بات من المعروف أن عماد هذه الصناعة هو الكوادر البشرية المؤهلة، وهناك من يعتقد أن الهجرة الروسية أنقذت الهايتك الإسرائيلي حينها... ونسبة المهندسين في إسرائيل عامةً هي نسبة فائقة عالميًا وتتجاوز النسبة في الولايات المتحدة واليابان، إذ أن نسبة المهندسين والعلماء في إسرائيل هي 135 لكل 10 آلاف نسمة مقابل 85 في الولايات المتحدة و 75 في اليابان، ولكن الأهم من هذه النسبة هي عقلية المبادرة والتجديد التي فسر بها الكتاب المعروف ’أُمة الستارت أب’ سر الهايتك الإسرائيلي".

إقصاء العرب عن الهايتك

يقول سعدي إنه "على صعيد الهايتك ورغم النقلة الكبيرة التي حققناها خلال السنوات الخمس الماضية وبالذات في مدينة الناصرة، لا نزال في مواقع متأخرة، سواء في التوجه والمبادرة للهايتك أم بتلقي الدعم الحكومي أم في دراسة العلوم الدقيقة والتكنولوجية. فاليوم نسبة الطلاب العرب للقب الأول في الجامعات الإسرائيلية تبلغ 12% من الطلاب، بينهم 7% فقط يدرسون العلوم الدقيقة. وهناك 15 حديقة ومنطقة صناعية مخصصة للصناعة المتقدمة في البلاد لكن لا يوجد أي منها في المجتمع العربي. وعدد المهندسين العرب في صناعة الهايتك لا يزيد عن 1% من العاملين في هذه الصناعة، ونسبة الشركات العربية في مجال الهايتك تكاد لا تظهر، ومن بين 500 شركة كبرى لا توجد أي شركة عربية، والنصيب من ميزانية البحث والتطوير التي تقدمها الدولة وتتميز بها إسرائيل عن دول OECD قد يكون مجهري الصغر".

ووفقا لمعطيات نشرتها "تسوفين - مراكز التكنولوجيا العليا"، مؤخرا، فإن آلاف الأكاديميين العرب ينهون تعليمهم في إسرائيل في مجال العلوم الدقيقة في كل عام، لكن نسبتهم في فرع الهايتك ضئيلة جدا ولا تتجاوز 1.5%، أي 1200 عامل. إلا أن هذا الوضع أفضل مما كان عليه قبل خمس سنوات، عندما كان عدد العاملين العرب في صناعة الهايتك 350 عاملا فقط، من أصل حوالي 150 ألف عامل (موقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني، 16.11.2013).

ويشار إلى أن "تسوفين" تأسست في مدينة الناصرة في العام 2008، من قبل ثلاثة مبادرين هم سمدار ناهف ويوسي كوتن وسامي سعدي. وتهدف نشاطات هذه المنظمة إلى دفع إقامة صناعة هايتك في المدن والبلدات العربية، وتأهيل أكاديميين عرب من خريجي مواضيع العلوم الدقيقة، ولا يعملون في مجالات تناسب خبراتهم، للعمل في الهايتك. وبدأت هذه المنظمة، هذا العام، في العمل في منطقة المثلث، وفتحت مركزا في مدينة الطيرة. ومنظمة "تسوفين" مسؤولة عن طرح أسماء 280 مرشحا عربيا للعمل في شركات هايتك رائدة وإقامة مراكز لصناعة الهايتك في المنطقة الصناعية الجديدة في الناصرة، بالتعاون مع شركة "أمدوكس" الرائدة في هذا المجال. ويأتي هذا المشروع ضمن برنامج "شراكة للسلام" الذي يموله الاتحاد الأوروبي. وعلى ما يبدو فإن حكومة إسرائيل لا تشارك في هذا المشروع.

وقالت روني فلومان، وهي متطوعة في "تسوفين" ومستشارة لشركات ستارت أب ومؤلفة كتاب بعنوان "نوايا حسنة" حول دمج العرب في إسرائيل في الهايتك، إن العرب يرون بالهايتك رافعة لتطوير الوضع الاجتماعي - الاقتصادي للسكان العرب في إسرائيل، الذين يعانون من نسبة فقر مرتفعة ولا يشاركون، وبخاصة النساء، في قوة العمل في البلاد. وأضافت أنه "يوجد في البلاد نظامان اقتصاديان. والنموذج الذي نتبعه يعتمد على العرض بواسطة تزويد عاملين للفرع وعلى إنتاج طلب بواسطة إقامة فروع في مناطق صناعية ودفع صناعة الستارت أب. ويوجد تمييز هائل عن وعي وبدون وعي، لكن في هذه الأثناء يوجد زخم هائل كما أنه يوجد اهتمام من جانب الوزارات".

ورغم أن عدد العاملين في صناعة الهايتك في الناصرة اليوم هو 400 عربي ويعملون في 12 شركة، بينما كانت هناك شركة واحدة فقط في العام 2008 ويعمل فيها 30 عربيا فقط، إلا أن تقرير "يديعوت أحرونوت" أشار إلى أنه "ما زالت هناك حواجز كثيرة في طريق اندماج شبان الوسط [العربي] في هذا الفرع، بينها التمييز والفجوات الثقافية...". إضافة إلى ذلك تشدد منظمة "تسوفين" على أن المدن والبلدات العربية تعاني من نقص في المناطق الصناعية بشكل عام والمناطق الصناعية المخصصة للهايتك بشكل خاص. والنتيجة، وفقا لـ "تسوفين"، هي أن حوالي 44% من الرجال العرب الذي درسوا مواضيع علمية يعملون كمعلمين في المدارس.

وقالت ناهف إن "الهدف هو أن يكون الهايتك محرّك النمو في المجتمع العربي وأن يساهم العرب بحصة تطابق نسبتهم بين السكان، وهي 20%. ومن أجل تنفيذ ذلك يجب إقامة هذه الصناعة قريبا من البيت". وأشارت إلى أنه من أجل تغيير الوضع الحالي ينبغي النظر إلى أنه تكمن في دمج العرب في صناعة الهايتك جدوى اقتصادية.     

وأشار سعدي إلى حال الأكاديميين العرب الذين درسوا المواضيع العلمية، وقال إنه "يجب إنتاج طلب [على استيعاب الخريجين العرب]. فالكثيرون تعلموا وعادوا إلى قراهم في الجليل ولم يجدوا عملا. وأحد الأسباب الرئيسة لذلك هو عدم وجود مناطق صناعية ولذلك توجهوا رغما عنهم إلى عمل آخر. وأدى ذلك إلى أن الشاب العربي لا يعرف ثقافة الهايتك أبدا. والكثيرون درسوا الطب، وكي تكون معلما في مدرسة لست بحاجة لدراسة العلوم".

وتطرّق إلى هذا الموضوع أيضا يتسحاق دنتسينغر، وهو رئيس شركة خدمات برمجة الكترونية باسم "جليل سوفتوير". وقال إن مبادرين كبارا في مجال الهايتك أسسوا هذه الشركة في الناصرة، قبل ست سنوات، بهدف معلن وهو توفير أماكن عمل للأكاديميين العرب. ويعمل في هذه الشركة اليوم 160 عربيا. وأضاف أنه "لا توجد مشكلة اليوم لكل من يقرر الخروج من شركتنا في العمل لدى أية شركة رائدة يريد العمل فيها". لكنه أكد أنه "نظراً إلى أنه لم تكن آفاق عمل واضحة، اتجه طلاب [عرب] متفوقون إلى دراسة الطب وليس علوم الحاسوب أو الهندسة الالكترونية".

لكن الوضع اليوم هو أنه توجد منطقتان صناعيتان للهايتك فقط في الوسط العربي، الأولى في الناصرة والثانية في كفر قاسم. وقال نائل عبيد، وهو أحد المبادرين إلى إقامة الحديقة الصناعية في كفر قاسم، إنه رافقت إقامة الحديقة مصاعب كبيرة، مشددا على أن "نموذج كفر قاسم نجح بفضل تجنيد أموال خارجية [ليست حكومية] ومساهمة مبادر خاص. وقد كان هناك عدم تعاون مطلق مع الموضوع. وكانت هناك نوايا حسنة لكن هذا ليس كافيا. كذلك كانت هناك عوائق في كل ما يتعلق بالتخطيط".

وانتقد عارف كريّم، وهو مركز مشاريع في "إنجاز - المركز المهني لتطوير الحكم المحلي للسلطات المحلية العربية"، السلطات المحلية العربية، وقال إنه "توجد عوائق في السلطات المحلية نفسها، بين رئيس السلطة والمسؤولين المهنيين، أو عدم مشاركة الجمهور بشكل حقيقي. وهذه دائرة يصعب الخروج منها، لكن هناك بشائر تغيير، فوعي رؤساء السلطات المحلية للموضوع آخذ في الازدياد".

نتنياهو يطلق وعودا... في الهواء

أطلق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وعودا في الهواء، خلال مؤتمر "شراكة ونمو" حول دمج العرب في الهايتك، في نهاية شهر تشرين الأول الفائت. فمن جهة، أعلن نتنياهو أن "جزءا كبيرا من النمو سيأتي من خلال دمج مواطني إسرائيل من الوسط العربي في اقتصاد إسرائيل. وهذا محرك للنمو، وهذه هي السياسة التي توجهنا في رصد الموارد". كذلك أعلن أن حكومته قررت رصد خمسة مليارات شيكل لتطوير البنى التحتية في الوسط العربي في إطار خطة خماسية.

لكن من الجهة الأخرى اعتبر نتنياهو أنه يوجد جانبان للعملة، وأن الجانب الآخر هو أنه يتعين على الأقلية العربية "احترام القانون [ما علاقة ذلك بالسماح بدخول مهندسين وأكاديميين عرب إلى صناعة الهايتك؟!]. وهذا جزء لا يتجزأ من الأنظمة الاقتصادية الناجحة في العالم. وهذا أمر هام لمنع الإجرام قبل أي شيء آخر، ولكن يجب دفع الضرائب والالتزام بقوانين البناء أيضا. وأعتقد أن احترام القانون هو أمر بالغ الأهمية في أي مجال". وأضاف أن على الحكومة تطوير البنى التحتية وتشجيع النساء العربيات على الاندماج في سوق العمل، علما أن حكومات إسرائيل لا تعمل على دمج الرجال أيضا في سوق العمل. وزعم نتنياهو أن النقب والجليل يحظيان اليوم بأعمال تطوير هائلة تحت رعاية حكومة إسرائيل، وبضمنها تطوير الشوارع والمواصلات العامة. لكن هذه المشاريع تندرج، في الحقيقة، ضمن مشاريع متجددة لتهويد النقب والجليل وليس من أجل مصلحة الأقلية العربية.

من جانبها حذرت محافظة البنك المركزي الإسرائيلي، كرنيت فلوغ، في المؤتمر نفسه، من أن عدم دمج الوسط العربي في الاقتصاد من شأنه أن يشكل "تهديدا إستراتيجيا" على الاقتصاد الإسرائيلي.

لكن هذه التصريحات للمسؤولين الإسرائيليين لا تطبق على أرض الواقع ويعود ذلك بالأساس إلى التمييز العنصري اللاحق بالأقلية العربية والأكاديميين فيها، إذ أن أحد الشروط الأساسية لقبول مهندسين وأكاديميين عرب في شركات الهايتك هو شرط الخدمة العسكرية.

وصرح رئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف ووزير الاقتصاد الإسرائيلي، نفتالي بينيت، وهو بنفسه مبادر بارز في فرع الهايتك، خلال "مؤتمر الاتحاد الإسرائيلي للصناعات الرفيعة" أن المستقبل القريب سيشهد ازديادا دراماتيكيا في عدد الحريديم العاملين في شركات الهايتك، وذلك على ضوء نيّة الوزارة إزالة شرط الخدمة العسكريّة للقبول للعمل في هذه الشركات.

وفي أعقاب هذه التصريحات توجّه مركز "عدالة" إلى بينيت مطالبًا بإصدار نفس تعليمات إلغاء شرط الخدمة العسكرية لكلّ شركات الهايتك الذي يحول دون قبول المرشّحين العرب، وكذلك العمل على إزالة كل الحواجز التي تمنع انضمام المرشّحين العرب إلى فرع الهايتك. وشدد مركز "عدالة" على أن إعطاء الأفضلية لمرشحين أنهوا الخدمة العسكريّة، رغم أنه لا يوجد أي علاقة منطقيّة بين الخدمة العسكرية وطبيعة العمل، هو تمييز على خلفية قوميّة بما أن معظم المجتمع العربي معفي من الخدمة العسكريّة. وهذا التمييز يتناقض مع قانون تكافؤ فرص العمل، ويؤدي إلى مس بالحقوق الدستوريّة لحريّة العمل.

مديرو شركات هايتك يدعون إلى دمج العرب

اللافت في كل موضوع دمج العرب في صناعة الهايتك هو أنه يأتي من جانب عدد قليل من المبادرين اليهود، وذلك بسبب أهمية هذا الدمج من الناحية الاقتصادية. لكن حكومات إسرائيل تكاد لا تفعل شيئا في هذا الاتجاه ولا تزيل الحواجز والعراقيل أمام انخراط العرب في هذا الفرع.

وتشير التقديرات الإسرائيلية الرسمية، وفقا لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لمجموعة "هآرتس"، إلى أن دمج العرب في صناعة الهايتك سيرفع الناتج القومي الإجمالي للفرد إلى 40 ألف دولار في السنة، وأن عدم دمجهم في هذا الفرع وفروع أخرى متطورة يؤدي إلى خسارة إسرائيل 40 مليار دولار سنويا.

وكتب غاي حتسروني، وهو أحد مديري شركة "سيسكو" الرائدة في صناعة الهايتك، في مقال نشرته "ذي ماركر" في 25 كانون الأول الحالي، أنه "إذا كان المهاجرون من روسيا هم الذين لاقوا معاملة ظالمة من المشغلين في الماضي، فإن هذه المعاملة يلاقيها اليوم عرب إسرائيل والحريديم. فاليوم، عندما نتحدث عن استيعاب عرب وحريديم في الهايتك الإسرائيلي، بالإمكان سماع محادثات يطرح فيها المشغلون مخاوف واضحة، رغم أنها خاطئة، مثل: إلى أي مدى سيؤثر الفرد في مجموعة الأقلية على مجموعة الأغلبية؟ كيف سيندمج؟ وكيف ستنجح الشركة كهيئة في التعامل مع الاختلاف الثقافي؟ والأمر المفاجئ هو أن تجربة الماضي [مع المهاجرين الروس] لم تعلمهم أن إدخال قوى بشرية متنوعة يزيد من الإبداع ويوسع آفاق التفكير ويقود إلى إنجازات".

وأضاف حتسروني أن "الانغلاق أمام قبول المختلف والآخر لا يمس به فقط، وإنما هذا الأمر يؤدي إلى المس بصناعة الهايتك برمتها. لقد باتت هذه مصلحة كل واحد وواحدة منا. والتقديرات اليوم هي أنه خلال عقد سيكون هناك نقص بـ 7000 مهندس، وهذا سيضر بنجاح صناعة الهايتك، التي هي أحد أهم الكنوز الاقتصادية الإسرائيلية".

وتابع أنه "خلال العقد الأخير أنهى أكثر من 2500 عربي في إسرائيل دراسة اللقبين الجامعييين الأول والثاني في العلوم الدقيقة والمهن الهندسية. وبإمكان هؤلاء الخريجين الاندماج سريعا بهذه الصناعة، وذلك بالطبع إذا سمحنا لهم بذلك. وليس المقصود قبول شخص للعمل فقط بسبب أصله، مثلما ينبغي عدم رفضه بسبب أصله، وإنما اختباره على أساس أدائه ومهاراته وقدراته. ونحن نعرف أن بيننا جميعا، العرب والحريديم والأشكناز واليهود الشرقيين، يوجد مؤهلون أكثر ومؤهلون أقل. وما يتعين أن نفعله كمشغلين هو أن نبدي انفتاحا، وأن نجد طرقا للجسر بين الفجوات واستغلال الاختلاف بين العاملين لمصلحتنا. وكمشغلين، علينا أن نحكم على الإنسان كفرد، وعدم رفضه بالاستناد إلى مفهوم خاطئ أو بسبب انتمائه لمجموعة كهذه أو تلك. وعندما نفعل ذلك سنسمح بالمساواة في الفرص، التي في إطارها ستكون القدرات هي المقررة".

وخلص حتسروني إلى أن "دمج مهندسين من الوسط العربي في صناعة الهايتك بإمكانه أن يضيف 30% من القوى البشرية النوعية إلى هذه الصناعة والمساعدة في نموها. وهذا وضع ينتصر فيه كلا الجانبين: من جهة، سيحظى المهندسون العرب بفرصة متساوية للتطور والنجاح؛ ومن الجهة الأخرى، سنحظى بدمج أناس نوعيين لن يساعدوا في توسيع الآفاق وحسب، وإنما أيضاً سيسدون النقص في العاملين الذي تعاني منه هذه الصناعة".

    

هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي

 
"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"