تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 889

شن وزير الخارجية الإسرائيلية، أفيغدور ليبرمان، هجوما شديدا ضد دول أوروبية، أمس الأربعاء، عندما قارن بين سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الفلسطينيين، المتمثلة في احتجاجات الدول الأوروبية على قرارات إسرائيلية بتوسيع البناء الاستيطاني بشكل كبير في القدس الشرقية والضفة الغربية، وبين تعامل أوروبا مع اليهود في فترة المحرقة إبان الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي أثار غضبا كبيرا في الاتحاد الأوروبي.


وقالت مايا كونتشيانتشيتش، المتحدثة باسم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كاترين أشتون، لصحيفة "هآرتس" في عددها الصادر اليوم الخميس – 13.12.2012، إن المقارنة التي قام بها ليبرمان "مثيرة للغضب ومهينة لجميع الأوروبيين". وأضافت المتحدثة أن أشتون ""صُدمت" بعد سماعها تصريحات ليبرمان.

واعتبر ليبرمان خلال حديثه في "مؤتمر الدبلوماسية" الذي عقدته صحيفة "جيروزاليم بوست" في مدينة هرتسيليا، أمس، وحضره العديد من الدبلوماسيين الأجانب في إسرائيل، إن "هناك وزراء خارجية أوروبيين يعتبرون أن القضاء على إسرائيل هو أمر مفروغ منه". ونقلت الإذاعة العامة الإسرائيلية عن مصادر رفيعة المستوى في وزارة الخارجية الإسرائيلية قولها إن ليبرمان قصد بتصريحه وزراء خارجية الدانمارك وفنلندا والبرتغال وإيرلندا، الذين رفضوا أن يتضمن بيان وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الذي ندد بالاستيطان، تنديدًا بحماس وتصريحات رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، خلال خطابه في غزة، السبت الماضي، الذي رفض خلاله الاعتراف بإسرائيل ودعا إلى مواصلة المقاومة ضدها.

وقالت كونتشيانتشيتش إن "التزام أوروبا بأمن إسرائيل لا يمكن أن يكون محل شك. وقد أكدنا ذلك مرة أخرى في قرار مجلس وزراء الخارجية، يوم الاثنين الماضي، ونددنا بتصريحات قادة حماس الذين لم يعترفوا بحق إسرائيل في الوجود".

توتر العلاقات بين إسرائيل وأوروبا

بدت الأزمة في العلاقات الإسرائيلية – الأوروبية غير مسبوقة في القرار بقبول فلسطين دولة مراقبة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة، إذ لم تعارض هذا القرار سوى دولة أوروبية واحدة، هي تشيكيا، بينما أيدته أغلبية الدول الأوروبية وامتنعت دول أخرى عن التصويت، ما اعتبرته إسرائيل أنه موقف ضدها.

وتصاعدت هذه الأزمة بعد أن رد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على قرار الأمم المتحدة بالإعلان عن بناء 3000 وحدة سكنية في القدس الشرقية والضفة الغربية، ودفع مخططات بناء في المنطقة "إي1"، لربط الكتلة الاستيطانية "معاليه أدوميم" بالقدس، وتجميد تحويل أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينية. وبالمناسبة، فإن البناء في المنطقة "إي1" لا يعزل شمال الضفة عن جنوبها فحسب، وإنما يعزل القدس الشرقية عن شمال وجنوب الضفة أيضا. ولذلك فإن الدول الأوروبية، والولايات المتحدة أيضا، تتعامل بحساسية بالغة مع البناء الاستيطاني المحتمل في هذه المنطقة.

وأصدر مجلس وزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي بيانا في ختام اجتماعه، يوم الاثنين الماضي، وجه فيه انتقادات حادة لإسرائيل بشأن خططها الاستيطانية الجديدة في الضفة. وأعرب وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي عن صدمتهم ومعارضتهم الشديدة للاستيطان في الضفة والقدس الشرقية وخصوصا المنطقة "إي-1". وشدد الوزراء على أن من شأن هذه الخطط الإسرائيلية إذا أنجزت أن تنسف بشكل خطير آفاق حل تفاوضي للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

وجاء هذا الموقف الأوروبي بعد مطالب متكررة من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من إسرائيل بالتراجع عن قرار نتنياهو بتوسيع البناء الاستيطاني. ودعا البيت الأبيض إسرائيل إلى "إعادة النظر" في هذا القرار، فيما بعثت فرنسا إنذارا مبطنا إلى إسرائيل، قالت فيه إنها ستحاول إقناع إسرائيل بالتراجع عن القرار قبل اتخاذ إجراءات عقابية ضدها. كذلك سربت فرنسا وبريطانيا معلومات حول نيتهما إعادة سفيريهما في تل أبيب للتشاور في أعقاب القرار الإسرائيلي، لكنهما أرجأتا تنفيذ ذلك بانتظار ما إذا كانت إسرائيل ستنفذ هذا القرار. كما أن روسيا وألمانيا نددتا بشدة بالقرار الإسرائيلي. واستدعت وزارات خارجية أكثر من 12 دولة، غالبيتها أوروبية، سفراء إسرائيل لديها من أجل تقديم احتجاج على القرار بتوسيع الاستيطان. كما طالب سفراء دول أوروبية عديدة في تل أبيب إيضاحات من وزارة الخارجية ومكتب رئيس الحكومة في إسرائيل بشأن هذا القرار.

لكن حكومة نتنياهو أعلنت أنها لن تستجيب للمطالب الدولية وأنها ستكثف البناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية وأنها ترفض قرار الأمم المتحدة وأن "دولة فلسطينية لن تقوم" على أثر هذا القرار. وأعلن نتنياهو خلال اجتماع حكومته الأسبوعي، يوم الأحد الماضي، رفضه الانسحاب من الضفة الغربية بادعاء أنها ستكون قاعدة لإطلاق الصواريخ باتجاه وسط إسرائيل. وبعد الانتقادات الأوروبية والأميركية، أعلنت إسرائيل عن نيتها تنفيذ مشروع بناء استيطاني واسع في مستوطنة "رامات شلومو" ويشمل بناء ما بين 1600 – 1700 وحدة سكنية جديدة. وكانت المرة السابقة التي تم فيها الإعلان عن خطة البناء هذه في آذار العام 2010 وخلال زيارة نائب الرئيس الأميركي، جوزيف بادين، لإسرائيل، وأثار هذا الإعلان في حينه أزمة بين إسرائيل والإدارة الأميركية.

ووجه نتنياهو انتقادات إلى ألمانيا، بسبب امتناعها عن التصويت على قرار الأمم المتحدة بقبول فلسطين، واعتبره مخيبا للأمل. وخيم التوتر على مؤتمر صحافي مشترك بين نتنياهو والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في برلين، بعدما أعلنت الأخيرة عن معارضتها للاستيطان.

وشن ليبرمان هجوما متكررا ضد هذه الدول خلال اليومين الأخيرين. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي خلال اجتماع انتخابي لحزب "إسرائيل بيتنا"، الذي يتزعمه، إن قرار وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ضد البناء في المستوطنات "غير متزن وغير عادل".

وصعّد ليبرمان هجومه بالقول إن "قسما من وزراء الخارجية الأوروبيين عارض أن يتضمن قرارهم تنديدا بدعوات حماس إلى القضاء على إسرائيل. وعلى ما يبدو أن القضاء على إسرائيل هو أمر مفروغ منه نفسه بالنسبة لقسم من وزراء الخارجية الأوروبيين، وقرار الاتحاد الأوروبي (ضد الاستيطان) يدل على مدى عدم الاعتماد على تلك الدول التي تقول إنها تضمن أمن إسرائيل".

وكرر ليبرمان تهجماته ضد الدول الأوروبية خلال "المؤتمر الدبلوماسي"، أمس، وقال إن "الكثيرين من زعماء العالم سيضحون بإسرائيل من دون أن يرجف لهم جفن" معتبرا أن "تعامل دول العالم مع أمن إسرائيل يذكرني بالتعامل مع تشيكوسلوفاكيا في العام 1938. ولن نكون مثل تشيكوسلوفاكيا ولن نساوم على أمن إسرائيل". وكان يشير ليبرمان بذلك إلى الاتفاق الذي وقعته فرنسا وبريطانيا مع ألمانيا النازية ووافقت خلاله على تسليم إقليم السوديت التشيكوسلوفاكي إلى ألمانيا.

وتابع ليبرمان أنه "مرة تلو الأخرى امتنع المجتمع الدولي عن التنديد بالأسد (الرئيس السوري بشار الأسد) والجهاد العالمي لأنه يحتاج إلى الأسواق العربية، ويبحث عن التوازن الذي يحققه من خلال التنديد بإسرائيل". وفيما يتعلق بتوسيع الاستيطان في القدس الشرقية اعتبر ليبرمان أنه "كيف بالإمكان تسمية أحياء في القدس بالمستوطنات؟ وعليكم أن تفهموا أنه في الأحياء اليهودية في القدس، من (مستوطنة) غيلو وحتى (مستوطنة) نافيه يعقوب، يوجد 400 ألف يهودي، وغيلو تبعد 7 دقائق عن مكتبي".

وانتقدت رئيسة حزب "الحركة"، تسيبي ليفني، تصريحات ليبرمان. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عنها قولها، في "المؤتمر الدبلوماسي"، إن "هذه المقارنة هي احتقار للمحرقة وليس صحيحا ولا يتقبله العقل. وحال مواطني إسرائيل اليوم ليست شبيهة بأي شكل من الأشكال بحال يهود أوروبا حينذاك". كذلك انتقدت رئيسة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش، ليبرمان وقالت إن "ليبرمان هو شخص فاسد وجميع أنشطته تسعى إلى إشعال الأجواء".

وشددت ليفني في انتقادها لليبرمان على أنه "ليس الجميع ضدنا وليس الجميع معادون للسامية" مشيرة إلى أنه "صحيح أنه توجد انتقادات للسياسة الحالية (لإسرائيل) لكن يجب التفريق بين هذا وبين دعم إسرائيل كدولة". وأضافت "أعتقد أنه يجب تغيير السياسة ليس كنية حسنة تجاه العالم وإنما لأن هذه مصلحة إسرائيلية أساسية، واستئناف المفاوضات (مع الفلسطينيين) لن يحافظ فقط على قيم إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية وإنما سيوقف أيضا الجرف ضد إسرائيل ويعيد لإسرائيل شرعيتها لتنفيذ عمليات عسكرية عندما يكون ذلك مطلوبا، والحفاظ على مصالحها الأمنية".

بولندا ترفض التحدث مع السفير الإسرائيلي

بعد النشر في صحيفة "هآرتس"، الأسبوع الماضي، عن قيام "الإدارة المدنية" التابعة للجيش الإسرائيلي بهدم آبار ماء فلسطينية، تم ترميمها بتمويل منظمة تطوعية بولندية، تزايدت الانتقادات في وسائل الإعلام البولندية تجاه الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. وقالت الصحيفة إن نائب وزير الخارجية البولندية، ييجي بومينوفسكي، رفض التقاء السفير الإسرائيلي في وارسو، تسفي راف – نير، وذلك لأول مرة في تاريخ العلاقات بين الدولتين.

وكانت الصحف البولندية قد نشرت، في شباط الماضي، عن هدم إسرائيل آبار فلسطينية، وأن راف – نير قدم اعتذارا لوزارة الخارجية البولندية وتعهد بعدم تكرار ذلك، بشرط أن يطلب المتطوعون البولنديون تصريحا من إسرائيل لترميم الآبار. وأشارت "هآرتس" إلى أن منظمة المتطوعين البولندية رفضت هذا الشرط الإسرائيلي. وفي أعقاب تدمير إسرائيل للآبار، قررت المنظمة التطوعية البولندية طرح القضية أمام مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

من جانبها، كتبت رئيسة تحرير مجلة "إيرتس أحيرِت"، بامبي شيلغ، في مقال نشرته في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنه "توجد في إسرائيل مجموعة كبيرة من المواطنين الذين يعتقدون أن النقاش الأساس حول مستقبل المناطق التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 هو نقاش داخلي. والعالم ليس موجودا في وعيهم. وما سيقرره اليهود هو ما سيكون. وبحسب اعتقادهم، فإن ضرورة أخذ وجود عالم غربي بالحسبان، وأنه توجد لهذا العالم أجندة، هما عبء يضطر رؤساء حكومات (إسرائيل) أن يتحملوه بفعل منصبهم لكنه ليس متعلقا بأجندة الإسرائيليين".

"العالم سئم من الاحتلال"

أشار محللون إسرائيليون إلى أن تفجر الأزمة السياسية بين إسرائيل وأوروبا، بعد قرار الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني الفائت، له ترسبات سابقة. ورأى المراسل السياسي لصحيفة "هآرتس"، باراك رافيد، أن "التصويت في الأمم المتحدة كان تحذيرا من جانب المجتمع الدولي لإسرائيل ولا يقل عن كونه مظاهرة دعم للفلسطينيين". وأضاف أن "ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا ودولا صديقة أخرى وجهت رسالة إلى إسرائيل، مفادها أن الصبر انتهى تجاه احتلال الضفة الغربية، وأنها سئمت البناء في المستوطنات ولم تعد هناك ثقة بالتصريحات الإسرائيلية حول اليد المدودة للسلام والرغبة في التقدم نحو دولة فلسطينية".

وشدد رافيد على أن "الانهيار السياسي في الأمم المتحدة والهزيمة الدبلوماسية الإسرائيلية المهينة هما نتيجة السياسة التي انتهجها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو"، المتمثلة "في رفض البحث في حل الدولتين، ورفض البحث بجدية في قضايا الحل الدائم، وإهداره الوقت، ووضع ذرائع وشروط مسبقة، والامتناع عن طرح خطة سياسية إسرائيلية أمام الفلسطينيين وأصدقاء إسرائيل في الغرب".

ورأى الكاتب أنه على أثر ذلك "تم جرّ نتنياهو ومعه الدولة كلها إلى التصويت في الجمعية العمومية للأمم المتحدة". لكن "رئيس الحكومة لن يتحمل المسؤولية عن ذلك، ووزير خارجيته (أفيغدور) ليبرمان الذي شن حملة تحريض ضد (الرئيس الفلسطيني) محمود عباس إنما دفع بشكل كبير دولا إلى تأييد الخطوة الفلسطينية في الأمم المتحدة".

من جانبه اعتبر المحلل السياسي – الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" سيفِر بلوتسيكر أن "أمم العالم لم تصوت لصالح الفلسطينيين فقط، وإنما صوتت لصالح إسرائيل أيضا، ومن أجل إسرائيل كدولة ذات سيادة ومستقلة ومنفصلة عن فلسطين والفلسطينيين. وبمنحها اعترافا بدولة الفلسطينيين، منحت الأمم المتحدة مرة أخرى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، اعترافها بدولة اليهود".

وأضاف بلوتسيكر أن قرار الأمم المتحدة "ليس معاديا لإسرائيل إلا بنظر الإسرائيليين الذين يعارضون فكرة الدولتين". ورأى أن "العالم ليس ضدنا وغالبيته تؤيدنا، وبواسطة التصويت الجارف في الجمعية العمومية تسعى دول صديقة لإسرائيل إلى إنقاذها من نفسها، أو بشكل أدق من حكومتها، التي تدفع باتجاه ’حل’ الدولة الثنائية القومية، وهذه فكرة مهووسة وخطيرة ومعادية للصهيونية بكل تأكيد". وتوقع بلوتسيكر أن يطالب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، نتنياهو بدفع ثمن تصويت الولايات المتحدة ضد الخطوة الفلسطينية وأن "الضغوط الأميركية قد بدأت".

ووصف الباحث في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، يهودا بن مئير، في مقال نشره في "هآرتس"، نتيجة التصويت على الخطوة الفلسطينية بأنها "هزيمة سياسية" لإسرائيل لأن القرار "جسد العزلة الكبيرة لإسرائيل" في العالم، وأن هذه عزلة غير مسبوقة منذ العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956. ورأى أن الأمر الخطير، بالنسبة لإسرائيل، هو أن ما تصفه إسرائيل بأنه "الأقلية الأخلاقية"، وهي الدول الأوروبية، لم تقف إلى جانب إسرائيل في التصويت على الخطوة الفلسطينية.

وأشار بن مئير إلى أن "التصويت تأييدا للاقتراح الفلسطيني كان قبل كل شيء تصويتا احتجاجيا للدول الغربية ضد السياسة الخاطئة التي تتبعها حكومة إسرائيل في السنوات الأخيرة... فالعالم ليس مستعدا لتقبل حقيقة أن رئيس الحكومة يصرح في الكنيست والجمعية العمومية والكونغرس الأميركي عن دعمه لدولة فلسطينية وتمسكه بحل الدولتين للشعبين بينما وزراؤه، وأعضاء الكنيست من حزب الليكود، يتحدثون ويعملون من أجل منع أية إمكانية لحل كهذا للصراع".



هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي


"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعكس آراء الاتحاد الاوروبي"